المعالجة النفسية لمرحلة ما قبل السلام
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
لقد وعت حكمة الرئيس الأمريكي، بارك أوباما، لخطورة لوبيات الحكومة الإسرائيلية في واشنطن، كما استوعب ما عانى منه أمن واقتصاد بلاده من تدخلاتها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد اكتشاف كميات هائلة من الطاقة الأحفورية في الولايات المتحدة، والذي سيجعلها دولة مصدرة للطاقة، ولن تحتاج لطاقة المنطقة لاقتصادها الصناعي التكنولوجي. وقد ناقش وليم باف، بجريدة اليابان تايمز الوضع بقوله: "حينما صرحت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن السياسة الخارجية الأمريكية ستنتقل محورها من الغرب الأوروبي والشرق الأوسط إلى اسيا، فسر بعض المعلقين الأوربيين ذلك بأنها قد تراجعت للعزلة الدولية التي عاشتها منذ تأسيسها وحتى الحربين العالميتين .... وقد تنجح الولايات المتحدة في تحركها نحو العزلة الدولية، فقد كانت دولة أفضل وأكثر سعادة حينما كانت تهتم فقط بأمورها الداخلية، وتتوقف عن الاعتقاد بأنها دولة فرض عليها القدر طبيعة استثنائية متميزة .... فهي منغمسة اليوم في عداوات الشرق الاوسط، الغير بناءة، مع مسئوليتها عن كثير من القتل والرعب ... والخطر البارز اليوم العداء الانتقامي كرد فعل للحروب التي خاضها الغرب في الدول الاسلامية. وعلينا الاستفادة من الدرس بان نتجنب خلق اعداء جدد."كما تفهمت الولايات المتحدة تكلفة الصراع العربي الاسرائيلي على أمنها واقتصادها، لذلك بدأ وزير خارجيتها جهود مضنية لنجاح محادثات سلام جديدة، وخاصة بعد أن قررت إدارته التركيز على الصعود الأسيوي. ويذكرني الوضع بمقولة لفون رون، صديق بسمارك: "لا أحد يقطف من ثمار شجرة اللاخلاقيات بحصانة." فقد دفع الغرب ثمن كبير لزرع إسرائيل في قلب الأمة العربية، والذي استغله المتطرفون لمنع أي فرص للسلام، وقد أدرك جورج برنارد شو، دورهم بقوله: "الرجل العاقل يتآلف مع أوضاع العالم، اما الرجل الغير العاقل يصر أن يتآلف العالم مع أفكاره، لذلك يعتمد تطور العالم على الرجل الغير العاقل." فالمتطرفون يحركون عواطف الجماهير بانفعاليات رنانة، وقد كانت هذه المقولة صادقة في أزمة الشرق الأوسط، فلم يحرك مياه السلام إلا قائد ارهابي في التاريخ البريطاني، معروف بمناحيم بيجن، والذي حقق سلام مصري إسرائيلي. وتبقى الأسئلة المطروحة لعزيزي القارئ: هل سيكون نتينياهو القائد المتطرف الثاني الذي سيحقق سلام عربي إسرائيلي؟ ولماذا مصر على بدء المحادثات؟ هل حس بخطر الغروب الأمريكي عن المنطقة، مع قرب وصول عناصر القاعدة لعقر داره؟ أم تفهم خطأ وهم إسرائيل الكبرى وفطن بضرورة حدود معترف بها دوليا لبلاده؟ وما هي الشروط اللازمة لتهيئة بيئة نفسية ناجحة لهذا السلام؟عانت دول العالم في القرن العشرين من دمار الحروب والثورات والانقلابات، كما أرهقت شعوبها مختلف أنواع العبودية والتفرقة والاستعمار. وتبين الأبحاث العلمية بأن المعاناة الإنسانية تختفي في مراكز اللاوعي في العقل البشري، لتؤثر على تركيبة الجسم ووظائفه ومورثاته، لتسبب أعراض عاطفية، من القلق والغيرة والحقد، وتأثيرات ذهنية، من عقد النقص وفقدان الثقة. كما يؤدي ذلك لاضطراب التوازن الروحي، بخلق شخصية تعاني نفسيتها المصدومة من انفعالات الغضب وثوراته، وليتعامل عقلها المجروح مع التحديات المجتمعية بتطرف وعنف، وقد درس علماء النفس هذه الانفعالات لمعالجتها في مرحلة ما قبل السلام. وقد ناقش ذلك البروفيسور الياباني كوزو أوجارا، بصحيفة اليابان تايمز، بقوله: "لكي تنجح مبادرات السلام، هناك حاجة لآلية تستطيع فيه أطراف الخلاف تعميق فهم بعضها البعض، لتصحح سوء الفهم والإدراك بينها، لخلق توازن نفسي وعقلي، ويعتمد ذلك على تطوير ثلاثة مراحل للأبعاد الثقافية والنفسية للتعليم."وتتعلق المرحلة الأولى منها بجهود الوقاية من سوء الإدراك والفهم بين الأطراف المتنازعة، وذلك بالتعاون خارج بيئة الصراع. فمن المعروف بأن تؤدي الصراعات السياسية والعسكرية بين الأمم لزيادة الإجحاف والقهر النفسي وسوء الفهم بين شعوبها، لذلك يساعد التبادل الثقافي، خارج بيئة الصراع، على تلطيف الأجواء لتغير سوء الفهم، ولذلك قامت اليابان فاونديشين، بدعوة مجموعة من الطلاب الفلسطينيين والإسرائيليين لزيارة مدينة هوريشيما، والمشاركة معا في مباراة لكرة القدم. وترافقت تلك الزيارة بالمشاركة في نشاطات رياضية وثقافية، لعبت دورا في خلق علاقة رباط إنساني فلسطيني إسرائيلي. كما ضمت سباق جري بين فرق مزدوجة مكونة من طالبين أحدهما فلسطيني والآخر إسرائيلي، مربوطين معا بحبل في رجليهما، لتعبر هذه اللعبة عن مدى ترابط مصير الطرفين، وحاجتهم لجهود متناغمة وشراكة مخلصة للفوز في السباق. وقد أدرك الطلبة طرق التعاون بين الشعبين الأمريكي والياباني بعد ماسى القنبلة الذرية بشراكة متناغمة، لتحقيق التنمية، كما تفهموا نفسيات بعضهم البعض من زاويا جديدة وبمنظار مستقبلي متزن.وتتميز المرحلة الثانية بالتهيئة النفسية للعمل داخل بيئة الصراع وبتواجد طرف ثالث محايد، وذلك بالاستفادة من الفنون المسرحية والسينمائية في تصوير المعاناة الإنسانية لطرفي الصراع. أما في المرحلة الثالثة فتستخدم الثقافة كآلية للالتئام الجروح العقلية وتهدئة الانفعالات النفسية، ولإرجاع الفخر والثقة للموطنين بحضارة وثقافة بلدانهم.. يلعب التعليم دورا هاما في مرحلة ما قبل السلام، لتغير الصراع الداخلي الذهني والنفسي والروحي بين أطراف الصراع المختلفة، وقد ناقش الكاتب الإسرائيلي جرجيشون باسكن بقوله: "مع بدأ عملية السلام تنتقل المنطقة من حالة الحرب بين الأعداء، إلى مرحلة السلام بين الشركاء. ولكي تنجح مبادرات السلام، سنحتاج لتغير جذري نفسي في المفاهيم والمواقف في مختلف قطاعات المجتمع، بالاستفادة من التعليم كأداة للتغير." فيعتقد الكاتب بأن التعليم أداة مهمة في نشر قيم السلام في مجتمعات عانت طويلا من الصراعات النفسية والحروب، حينما شارك التعليم بدوره في زيادة الخلافات وأساطيره، لذلك هناك حاجة لعملية تعليمية مضادة تدرس القيم النفسية والمهارات العقلية لحل الخلافات."ويطالب الكاتب بأن تعكس الكتب والمناهج الدراسية، التي ستقررها الدولة، قيم السلام الرسمية الذي يريد المجتمع نشره بين مواطنيه. فبالإضافة للمسئولية الرئيسية لوزارات التعليم في توفير مستوى عالمي من التعليم الأكاديمي، سيواجه قيادات التعليم العربية والإسرائيلية مسئولية تطوير تعليم مرتبط بقوة القيم المعتمدة على بناء مجتمعاتهم ودولهم المستقبلية لتحقيق سلام عادل ودائم، والتي تعتمد على بناء مواطنة بأوجه متعددة في عالم العولمة الجديد. وسيساعد التعليم على فهم تقارب الثقافات في المنطقة، ويفتح الأبواب لاكتشافات جديدة، ويوسع المدارك والأفق. فمثلا تعرف الطلبة على أنواع الطعام المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وتنوع الموسيقى والتلون الفلكلوري وحتى معرفة التقارب بين اللغة العربية والعبرية، ستخلق فرص لا حدود لها لاكتشاف مفاهيم ومواقف أكثر ايجابية، وتشجع الطلبة على الرغبة في التعرف على الطرف الآخر. كما يجب إلا نخاف من أن يؤدي هذا التعليم لضعف المواطنة أو تفكك الوحدة الوطنية، بل بالعكس سيقويها ويزيد من احترامها.ويعتقد الكاتب ضرورة تدريس ليس فقط التشابه بل أيضا الاختلافات، فثقافة السلام تخلق بيئة لاحترام الاختلاف، وتشجع على الرغبة والإمكانية للافتخار بأطياف التنوع. لذلك تحتاج السلطات العربية والإسرائيلية لمراجعة المناهج التعليمية، لكي تخلق بيئة مجتمعية تستطيع التهيئة للسلام المنشود، كما ستعكس القرارات المتعلقة بما يجب تدريسه للتهيئة للمستقبل الذي تنتظره الأجيال القادمة. ويؤكد الكاتب بأنه يجب أن يتحمل الطرفين العربي والإسرائيلي هذا التحدي الجديد، وذلك بتعيين لجنة استشارية لمراجعة المناهج والكتب، بعد الاتفاق على قيم ومفاهيم لخطة تعليمية جديدة.ويجب أن تبدأ مرحلة ما قبل السلام بتنفيذ الحوارات في الصفوف الدراسية، وعلى الطرفيين التقدم النفسي والذهني في هذا المجال، وبدون النظر لما يفعله الطرف الآخر، ليعكس اهتمامه بالقيم الإنسانية التي تدعو للتعاون والترابط، وقبول التنوع. وستعكس هذه المناهج التعليمية مدى استعداد الطرفيين لنشئ أجيال قادمة ترغب في العيش بسلام. وليهدف تعليم ثقافة السلام لترسيخ تغير اجتماعي في الوعي والتفكير والنفس، لخلق بيئة بين الطلبة والأساتذة والمسئولين، تجمع بين رؤية لمجتمع المساواة والعدالة، الذي يضم ويقبل الآخرين باختلاف أصولهم وديانتهم ومذاهبهم وثقافاتهم، ويعتبر السلام العادل حالة ذهنية أخلاقية لهذه القيم وطريقة الحياة من خلالها. وينهي الكاتب مقاله بالقول: "وقد يبدو السلام حلم ولكن هناك حاجة لاختراق عميق للمجتمعيين لكي تتأصل جذور السلام في النفوس والعقول وحتى إن لم يتحقق السلام السياسي المنشود." ولنا لقاء.سفير مملكة البحرين في اليابانالتعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف