قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من اسقاط الدكتاتور الى بناء الديمقراطية ثم المستبد العادل وفيما بعد الانقلاب العسكري، تنتقل تطلعات النخبة العراقية. من يريد ان يلحظ اهم وجوه التخبط العراقي فلينظر لحال النخبة المثقفة والإعلامية في العراق، فهي مربكة وغير مستقرة في رؤيتها للحل. وسط التخبط يبحث البعض عن نموذج. في الجوار متغير مصري، دور عسكري يدعم تحولا مدنيا يضع حدا لأشقاء الحكم العراقي الإسلاميين، أولئك الذين اضافوا لخرابات النظم السابقة خرابا جديدا وموتا اخر. اثار المتغير المصري اعجاب الكثير من النخبة، وكنت من بين أولئك المعجبين، وهناك من ذهب الى ابعد من الاعجاب الى الحلم بسيسي للعراق... الامر لم يطل كثيرا، أيام قليلة حتى حصلت تطورات أخرى وبانت معطيات جديدة، خطيرة ومثيرة للأسئلة. رغم ذلك اندفع البعض الى استدعاء جنرال عراقي متخيل يضع حدا للانهيار، وهي نغمة تطرق اسماعنا قبل احداث مصر تدور حول نظرية المستبد العادل. وضع طبيعي في ظل الانسداد وسيادة الموت وغياب أي فاعلية حكومية، وانقسام طائفي شديد. من المهم الاستفادة من التطورات المصرية والتعلم منها. خلال المواجهة السياسية والفكرية المفتوحة في عامين متغيرات وأفكار ومعطيات تستحق ان تقرأ بعين الناقد وعين المستفيد، وهذا مختلف عن الدعوة لاستنساخ التجربة. ان نتعلم من تجارب الاخرين امر مختلف عن استدعاء ما فعلوه. علاقة العراق مع التجارب المصرية تاريخيا سيئة. كانت اسلاما سياسيا تماهى مع جماعة الاخوان، نواة الحركات الإسلامية الشيعية فضلا عن السنية تأثرت فيها، وتناغمت مع سيد قطب الذي أثر بكل رواد الإسلام السياسي في الخمسينات. الضباط الاحرار استنساخ اخر قوض بناء الدولة الصحيحة، وخلق في بغداد نظام العسكر الموجود في كل تفصيلات حياتنا اليوم. وهناك أيضا القومية التي كانت في العراق زواجا بين فكر بعثي مستورد من الجوار الشامي وناصرية فرضت نفسها بقوة على نبض شرائح كبيرة من العراقيين، دون ان نحاول خلق الحصانة الكافية. وبعيدا عن تحليل الواقع المصري ونتائجه إيجابية كانت ام سلبية، ولنفترض انها إيجابية على مصر، فان شكل ومضامين المشكلات والاوضاع الجيوسياسية مختلفة بين البلدين. واخر ما يحتاجه العراق الان باب جديد للمواجهة والدماء. وفي العراق لم تولد قناعة باعتبار كل الإسلام السياسي إرهابا، الإرهاب مصطلح يستخدم تحديدا على الجماعات الجهادية الانتحارية وتنظيم القاعدة. يميز العراقيون عادة بين اغلب حركات الإسلام السياسي من جهة والمليشيات الشيعية والسنية من جهة ثانية وتنظيم القاعدة من جهة ثالثة. لهذا لا توجد مرجعية اجتماعية وفكرية لمواجهة التدين السياسي باعتباره إرهابا. والمؤسسة العسكرية العراقية لا تحظى بإجماع وطني، وتاريخيا لا تملك الرصيد الأخلاقي الكافي، في ظل استخدامها بقمع الشعب مرارا. وفي الوقت الراهن تفتقد التوازن في التعامل مع المدنيين رغم وجود الإدارة السياسية المدنية التي تتحكم بها، فكيف سيكون حالها إذا تحررت من هذه الإدارة؟ ثم ان التجربة العراقية خلال ستة عقود مضت قامت على عقلية الاجتثاث، وطالما مورست بأبشع الصور مع السيئين والجيدين منذ 1958 وحتى 2003. سياسة العراق قائمة على "التصفير". ومن المفترض وضع حد لهذه المنهجية المدمرة. أس الاجتثاث وجذره صنعه الانقسام المنفلت والشرس. الانقسام كان جليا في بداية تأسيس الدولة، ملك من الخارج هو الوحيد الذي اتفقنا عليه آنذاك. وفي عام 2003 جاء التغيير خارجيا أيضا... وبين التجربتين، عندما أردنا علاجا من الداخل جئنا بالمستبدين والفاشلين والمصابين بداء العظمة. إعادة انتاج الاستبداد لا يعالج المشكلات. الدكتاتورية هي التي افرغت من أي وجود علماني معارض وعميق التأثير، وهي التي أعطت الفرصة التاريخية للإسلام السياسي كي يكون البديل الوحيد باعتباره الضحية الأكبر. كما ان الدفع باتجاه الانقلاب والدكتاتورية قد يشجع المالكي نفسه ليقوم بذلك، فهو المالك لقرار المؤسسة العسكرية، والقائل دائما بالنظام الرئاسي... ان تجربة مكافحة المليشيات في صولة الفرسان بالبصرة حظيت بقبول الشركاء في العملية السياسية، وظلت في حدود محاربة حاملي السلاح ولم تتحول الى اجتثاث سياسي. وتجربة مواجهة القاعدة في إطار التحالف بين السلطة والصحوات بمحافظة الانبار أيضا حظيت هي الأخرى بنجاح جيد، انكفأ بسبب الفشل السياسي اللاحق. ربما ينفع الامن الصرف، إذا ما كان الامر مرتبطا بمكافحة جماعة معروفة الشخوص وواضحة المواقع والمقار، اما مواجهة التنظيمات الشبحية كالقاعدة فان علاجها امنيا دون اتفاق سياسي داخلي مستحيل... حتى لو علقت المشانق مجددا في ساحة التحرير كما حصل قبل عقود. لهذا مع استمرار الانقسام الشرس لا حلول، ومعه أيضا لا يمكن بناء دولة، الدكتاتورية والانقلابات العسكرية لم ولن تحققها. العلمانية غير الطائفية الى جانب الديمقراطية تحقق اللحمة الاجتماعية، غير انها بعيدة المنال. لذلك وان لم تتحقق فليس غريبا ان يكون العراق لا مركزيا وفدراليا. هذا هو الحل، بعيدا عن أي دكتاتورية، فليس هناك مستبد عادل، ولا يمكن الوثوق بدكتاتور يحكم بلدا منقسما دون ان يكون هو نفسه خاضعا لهذا الانقسام ومائلا لطائفة وقومية ضد اخرى. في التاريخ القديم كان ما بين النهرين نموذجا حضاريا للدولة "المدينة" الى ان أصبحت بابل عاصمة العالم القديم. وفي العهد العثماني لم يضر العراق تشكله من ثلاث ولايات هي بغداد والبصرة والموصل. وفي القرون الإسلامية الاولى ظهر العراقان البصرة والكوفة، متحدتان رغم ان لكل منهما وضعها الخاص وولائها المذهبي والسياسي المختلف ومدارسها المتنافسة في اللغة، ولم تتضرر بغداد العباسية لقيام الولايات والامارات من حولها، بقيت منارة وعاصمة.