وزير وسفير: مفارقة المصالح والمبادئ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
توقعت بعد تضييق الخناق علي أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، وتحقيق العدالة السريعة الرادعة واستعادة سلطة القانون وهيبة الدولة، واطمئنان المصريين للحالة الأمنية في الشارع ما أدي إلي تقليص ساعات حظر التجوال، (توقعت) عودة الإخوان المسلمين لممارسات ـ"العمل السري" القذر - بعد فشل "الجماعة" سياسيًا، وتحديدا : ممارسة " الاغتيالات ".
الاغتيال " عقيدة " عند الجماعة وهو عقوبة المخالفين في الرأي والسلوك، فقد هدد " صفوت حجازي " (بالصوت والصورة) بأنه سينتقم من وزير الداخلية، ولا توجد مسيرة للإخوان المسلمين الا ونادت بإغتيال الوزير وتوعدته، وهذا ليس جديدا علي الجهاز السري للجماعة منذ اغتيال القاضي الخازندار عام 1948 مرورا بمحاولة اغتيال عبدالناصر في المنشية عام 1954، واغتيال السادات عام 1981، ثم قتل فرج فودة ومحاولة اغتيال مكرم محمد أحمد ونجيب محفوظ وحسن أبو باشا وزير الداخلية ورئيس الوزراء عاطف صدقي.. والقائمة تطول!
لكن محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم (في هذا التوقيت) هي انتحار سياسي مع سبق الاصرار، إذ لم يعد هدف الجماعة بعد السقوط المدوي عقب ثورة 30 يونيو 2013 وفض اعتصامي " رابعة " و" النهضة "، وتوصية هيئة مفوضي الدولة بحل (جمعية الإخوان المسلمين) وتوقيف أبرز قادتها وتحويل الرئيس المعزول إلي الجنايات، هو (عدم فقدان ) المزيد من تعاطف المصريين والتضامن معهم، والقيام بمراجعات جذرية لفكرها واستراتيجيتها وارتباطها (الإيدولوجي) بالتنظيم الدولي وأهدافه العابرة للحدود، ذلك لأن العودة لممارسة العنف والإرهاب في مطلع الألفية الثالثة، تعني أنها (جماعة إرهابية) لا يمكن الوثوق فيها - مرة أخري - سواء في الداخل أو في الخارج، كونها (جماعة معارضة مضطهدة) أو فصيل سياسي سلمي قابل للاندماج في الجماعة الوطنية، ناهيك عن (عزلتها) ما يعني نهاية التنظيم (مجتمعيا) في مصر!
المزاج العام في مصر أصبح ضد جماعة الإخوان المسلمين لسنوات قادمة هذا عددها، لأن فشلها في الحكم - لمدة عام كامل - لا يمكن أن يدفع أي أحد من المصريين البسطاء للتعاطف مع أنصارها، بل أنهم هم الذين وضعوا أنفسهم بأنفسهم في هذا الموقف الصعب، بعد أن عقدوا مشاكل مصر بدلا من حلها، من أجل اللهاث وراء التمكين و" أخونة " مفاصل الدولة المصرية وإقصاء كل القوي الوطنية الأخري (بما في ذلك السلفيين) وهو ما زاد من حدة الاستقطاب السياسي في مصر، التي تكاد أن تنعدم فيها " ثقافة التسوية " والحوار أصلا بين القوي السياسية المختلفة، وربما كان هذا هو السبب المباشر في فشل مسيرة (التحول الديمقراطي) الذي سيلازم مصر (والمنطقة) لسنوات وعقود!
ويبدو أن " الغرب " قد توصل أخيرا إلي قناعة مؤكدة : بعد (كل) هذه العمليات الإرهابية للإسلاميين - من تونيس إلي بني غازي ومن سوريا إلي مصر - في أعقاب ما يسمي خطأ (بالربيع العربي)، وهي : أن نظرته المثالية لتحقيق الديمقراطية في المنظقة (كانت خاطئة)، ، إذ لا تتوفر أي من العناصر الضرورية لقيام منظومة ديمقراطية راسخة، مما يفرض خيار التطور السياسي كأسلوب أوحد لبسط الاستقرار. مع غض الطرف عن الممارسات القمعية للنظم الحاكمة في المستقبل سواء كانت عسكرية (صريحة) أو مقنعة!
وأسوق هنا رأي " يوشكا فيشر " وزير خارجية ألمانيا الأسبق (تحديدا) حتي نفهم.. كيف يرانا الآخرون : المسألة -بإختصار - لم تعد " الديمقراطية في مقابل " الديكتاتورية " في مصر.. وإنما " الديكتاتورية " في مواجهة " الديكتاتورية "، أو قل (الاستبداد العسكري) في مواجهة (الفاشية الدينية)، ولأن الإسلاميين لن ينتصروا عسكريا، والعسكر لن ينتصروا سياسيا، كما يقول فيشر، لذا نحن بإنتظار سلسلة من الكوارث الإنسانية، لأن الهيمنة والتمكين عن طريق إقصاء الآخر بكل السبل الممكنة (بما في ذلك الاغتيالات والعنف الدموي) أصبح هو " الخيار الوحيد " في مصر!
ولأن الآخرين يعرفون التضاريس الجيولوجية السياسية في مصر والمنطقة (علم اليقين)، فإن القوي الدولية والإقليمية تعرف أن الصراع هو علي (السلطة) أولا وأخيرا، لذا هي تتبع (مصالحها) وليست (مبادئها) وعلي سبيل المثال لا الحصر فالمملكة العربية السعودية تدعم المؤسسة العسكرية ضد الإسلاميين في مصر، وتدعم الإسلاميين ضد الجيش ونظام الأسد في سوريا، وهذه ليست (مفارقة) علي الإطلاق، فالرئيس الأمريكي أوباما شخصيا : يدعم (الإسلاميين) في سوريا ضد نظام الاسد ومن المحتمل أن يعاقبه علي قتل السوريين الأبرياء (بالأسلحة الكيماوية)، بينما لم (ولن) يحرك جيوشه مطلقا ضد الإسلاميين الذين قتلوا السفير الأمريكي ومثلوا بجثته في بني غازي بليبيا!
Dressamabdalla@yahoo.com