كتَّاب إيلاف

أزمة الانتماء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا أعرف إن كانت الأمور في بلادنا فقط بهذه الحيرة والعجقة كما يقولون في تعددية الانتماء، أم أنها صفة ملازمة لسكان هذه البقعة من الأرض، واعني بها منطقة الشرق الأوسط وتحديدا مركزها الساخن أبدا في العراق وما حوله ومن شابهه في الشكل والمضمون إلى يوم الدين، واقصد بالحيرة والعجقة، ازدواجية الانتماء إلى سلسلة عجيبة غريبة من المفاهيم التي تقزم الوطن إلى قرية والشعب إلى عشيرة، فلقد أثبتت الأحداث والحقب التي عاشتها هذه البلاد أشكالا عديدة من الانتماء لم يكن من بينها الوطن بمفهومه الذي قرأناه منذ السنوات الأولى للتربية والتعليم، ولم يكن تعريف الشعب أو الأمة متطابقا مع ما تعلمناه في مدارسنا وكلياتنا، وكانت المساحة بين ما تعلمناه وبين ما عشناه ميدانيا كسلوك وممارسة بعيدة جدا إلى الدرجة التي يصعب فيها التقريب أو حتى التشبيه، فهناك دوما أحجاما مختلفة بشكل لا يقبل التناسب أو المقارنة مثل الانتماء إلى عشيرة لا يتجاوز عدد أفرادها بالانتماء إلى الحامض النووي إلا بضعة مئات أو آلاف بالكثير، وآلاف أخرى ملحقة بأسلوب ( اللزك ) أو اللصق لأي اعتبار على شاكلة قانون تصحيح القومية المثير للسخرية، أو بالانتماء الجغرافي إلى القرية أو البلدة، أو الانتماء إلى الدين أو المذهب في حالة قيام قيامة الطائفية التي تبيح استبدال كلمة رفيقي بمولانا!؟

وفي خضم هذه العجقة من الانتماءات للعشيرة وشيخها والقرية ومختارها والمدينة وبيوتاتها والدين وملاليه، تضيع المواطنة أو تضمحل تدريجيا حتى تبدو قزما ممسوخا، وهم ينظرون إليه على خلفية أن مجموعة العشائر تكون الشعب ومجموعة القرى تكون الوطن تحت مضلة مرجعية الملالي التي تبيح وتحرم وتحيي وتميت بعنعنات لا أول لها ولا آخر، بعيدا عن أي مفهوم مشترك يجمع كل الانتماءات في مواطنة ترتقي على كل الأجزاء.

أقول قولي هذا وانا أدرك كملايين البشر في بلادي أن لا هم للمواطن العادي والذي يشكل أغلبية السكان المطلقة إلا أسرته ورزقه وليس لديه أي انتماء إلى أي شيء إلا إلى تلك الأسرة والبقعة التي تعيش فيها، وليس في منظوره وتطلعاته أي منصب يتقاتل أو يتاجر عليه البعض، فأعلى طموحه له أن يعود آخر النهار إلى بيت تأوي إليه أسرته بسلم وأمان، ورزق تعيش منه ومدرسة يتعلم فيها أبنائه، وعلى من يدعي انه يناضل أو يعمل من اجل الشعب والوطن أن ينمي هذا الانتماء إلى الأسرة والبيت والأولاد إلى انتماء اكبر لا إلى عشيرة أو دين ومذهب بل إلى وطن وشعب اكبر من العشيرة والدين والعرق، وأن نجعله يحب الوطن والناس ويحرص عليهما كما يحب بيته وأهله، وحينما نحقق ذلك يحق لنا الافتخار بالانتماء إلى وطن وشعب!؟

kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف