قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأحزاب العربية منذ أن تشكلت في مطلع القرن الماضي وهي تتفاوت وتتقاطع في أهدافها وأديولوجياتها، بين الاقدام والاحجام، البعض منها تهاوى ولم يُكتب له النجاح في الاستمرار، والبعض الآخر ظل يترنح بين الفشل والنجاح، إلا أن بعض الأحزاب واصلت مسيرتها رغم العقبات التي اعترضت سبيلها، وأستطيع القول أن معظم الأحزاب العربية قد مُنيت بانتكاساتٍ وعانت من التذبذب والانقسامات في صفوفها!!..مما حفزني الى القيام بمحاولة للالتقاء ببعض رموز هذه الأحزاب والتحاور معها للوقوف على أسباب فشلها في تحقيق انجازات تُذكر.. وقد التقيت بمجموعة من هؤلاء الرموز لمختلف الأحزاب التي أُنشأت في العالم العربي وسجلت لهم حواراتٍ سوف أُضمنها في كتابٍ سيصدر عما قريب.الأحزاب الشيوعية في العالم العربي كانت تنطلق من الأيديولوجية الماركسية اللينية، ولكنها كانت تخضع للظروف الموضوعية لكل بلدٍ من هذه البلدان العربية، وقد قاسى الشيوعيون العرب الكثير من الاضطهاد والعنت وزجوا في السجون ودفعوا أثماناً باهظة في مواجهة الأنظمة العربية.والحزب الشيوعي العراقي الذي تأسس في العقود الأولى من القرن الماضي كان واحداً من أهم الأحزاب الشيوعية التي عانت من الاضطهاد على امتداد مسيرته في مواجهة الحكم في العراق.الاستاذ فخري كريم أحد الرموز المتقدمة في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، استقبلته في بيتي في لندن لأجري معه هذا الحوار ضمن مشروعي للكتاب الذي أشرت إليه.* * *في أواسط التسعينيات كانت المعارضة العراقية بكافة فصائلها في حركة دائبة لا تهدأ للعمل على تغيير نظام صدام حسين، وقد حظيت لندن بالنصيب الأوفر من المعارضين للنظام العراقي، حيث كان التواصل بينهم وبين الفصائل الأخرى في كلٍ من طهران ودمشق وغيرهما من العواصم..وقد تيسر لي أن ألتقي بالعديد منهم لإجراء مقابلاتٍ اذاعية وحوارات صحفية.وكان الاستاذ فخري كريم رئيس مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، ورئيس تحرير مجلة النهج، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، واحداً من هؤلاء الذين التقيتهم حينما كان في زيارةٍ الى لندن ضمن تحركاته للاتصال بفصائل المعارضة والتحضير لمؤتمرٍ يضم المعارضين لاتخاذ خطوات للاسراع بالقضاء على النظام السائد في بغداد آن ذاك..فكان هذا الحوار المثير.. * * *
bull; كيف أقدمك للقراء؟- فخري كريم، مواليد 1932، رئيس مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي - هذا ينفعك في حديثك عن سقوط الشيوعية كما تريد - رئيس تحرير مجلة النهج، التي كانت المنبر المشترك للأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية.. وأخيراً عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، واذا كان مطلوب عضو مكتب الأمانة العامة للجنة العمل المشترك.. أعتقد هذا يكفي.
bull; مادمنا أمام هذه المهام المتعددة، فإلى أي مدى من الصراحة أستطيع أن أتحدث إليك؟- بكل صراحة، حتى النقطة الأخيرة وأنت تعرف ماهي النقطة الأخيرة؟
bull; دخول الشيوعية الى العالم العربي، هناك من ذهب أنها دخلت بشكل مخطط ومدروس من قبل الصهاينة، وهل هي مصادفة أن معظم مؤسسيها من غير المسلمين؟- من الصعب أن أسرد كل مؤسسي الشيوعية، ولكنني أعرف أنهم جميعاً ليسوا من غير المسلمين، مثلاً: خالد بكداش.. ومع ذلك يمكن أن أنساق مع هذا السؤال وأقول أن توجه للجمهرة الواسعة من غير المسلمين، كطوائف بسيطة وهامشية ومضطهدة توجهها الى الشيوعية هو تعبير عن حاجتها الى إطار وأداة تدافع عن مصالحها وتشعر بأن هذه الأداة وهذا الاطار يجسد مصالحها ويعبر بهذا الشكل أو ذاك عنها، وقد أسمح لنفسي وأقول لك بصراحة كما قلت بالبداية نعتقد أن هناك انسان ولربما نستعير المثل ونقول: ليس هناك رئيس مؤسسة تجارية كبرى أو احتكارية يصعد بفعل طلب مدفوع الدفعة، وبالتالي صناعة الشيوعية كما قيل أنها أُدخلت الى العالم العربي أو الى العالم كمؤامرة صهيونية، وهي رواية تستهدف تشويه أولئك المناضلين الذين حملوا على عاتقهم ارتقاء الشعوب، وكأي اطار سياسي تعمل قوى مختلفة بهدف أن تنال من هذه الحركة وهذا الاطار، وبهذا أستطيع أن أقول لك أن اليهود لم يكونوا داخل هذا الاطار، ولكنني أقول أن اليهود ليسوا شيوعيين، فهناك الشيوعيين وهناك المضطهدين داخل اسرائيل.. وبالتالي فهناك اليهودي الذي يجد نفسه داخل الحزب الشيوعي هذا أو ذاك، لا أستطيع أن أضع عليه علامة استفهام التي طُرحت بمعنى أنه ضمن مؤامرة ضد العالم الاسلامي.. أقول أن الشيوعية دخلت الى العالم العربي والعالم الاسلامي كما دخلت الى البلدان الأخرى عن طريق القضايا المثارة في هذه المناطق.. وبالدرجة الأساسية وطني، وأستطيع أن أقول الحزب الشيوعي العراقي لا زال متصل بالقضية الوطنية العراقية.. وأنني دخلت الى الشيوعية من بوابة الوطنية العراقية، وكنت وطنياً قبل أن أكون شيوعياً، ويوم أصبحت شيوعياً تعمق ايماني وازداد تمسكي بالقضية الوطنية، ولابد أنك تعرف أن الشيوعية تغلغلت الى المنطقة العربية مع ظهور ثورة اكتوبر في روسيا، ومع اتساع رقعة البلدان الاشتراكية كما كانت تُسمى سابقاً، وتأثير ذلك على الصراع بين البلدان العربية والشعوب العربية ضد الامبريالية، وفي سبيل تقدم وتطور هذه المنطقة.ومن هذا نلاحظ أن الشعارات التي رفعها الشيوعيون في أول الأمر، كانت شعارات وطنية، وهذا الطابع الوطني حتى تجاوز الطابع الطبقي للأحزاب، لو أنك تلاحظ أن قيادات ووسائل الأحزاب الشيوعية.. نعم كانت تدافع عن العمال وكانت تدافع عن الفلاحين وكانت تدافع عن الكادحين، ولكنها وهي تدافع عن هؤلاء كانت تربط قضاياهم بالقضايا الوطنية المصيرية، ومن هذه الزاوية جرى التركيز على التحالف الوطني الواسع الذي دعا إليه الشيوعيون في وقت مبكر، وأصبحت على مر الأيام شعارات الحركة الوطنية هي من صميم شعارات الأحزاب الشيوعية.. هذا هو المدخل.. اذا كان الحديث يدور بين المثقفين فأنت تعرف جيداً بأن دراسة الماركسية وربط الماركسية ليس فقط بالدول العربية والبلدان الاسلامية، بل بمختلف بلدان العالم كانت مهمة من مهمات المثقفين، والماركسية تحتاج الى مستوى من الثقافة والمعرفة، وبالتالي مستوى من الاستعداد والقدرة على الجلَد، بحيث يمكن أن يتحول هذا الفكر الى أعداد تستطيع أن تعبئ وتعبر عن مصالح جهات واسعة في المجتمع.. أختصر فأقول أننا يجب أن ندرس حيثيات دخول الشيوعية الى العالم العربي بشكل أقرب الى الحقيقة منه الى ما تقول.. خصوصاً بعد التطورات التي حدثت وجعلتنا أقرب الى الانصاف في البحث عن الحقيقة.
bull; قد يقودنا البحث في الشيوعية في العالم أو في نشأتها الى أن نخوض في قضايا فلسفية نحن لسنا بصددها في هذا الحوار.. لكننا نريد أن نركز على منطقتنا وماذا حدث فيها في أثناء وجود ممارسة شيوعية؟!.. ما الذي قدمه الشيوعيون العرب منذ مطلع القرن الماضي وحتى الآن؟!- ساهموا بتواضع في صياغة كل القيم التي أصبحت اليوم من البديهيات في العالم العربي.
bull; مثل ماذا؟- العدالة.. والتحرر.. وتطور البلد.. والدفاع عن كرامة الشعوب العربية.. هذه القيم كانت على الأقل جزء من مساهمة الشيوعيين، ولا نعني بذلك أنهم وحدهم هم الذين ساهموا في صياغتها من قيم وأفكار وشعارات، وأترك الحديث عن ترانيم وشعارات وقيم الاشتراكية التي تنطوي في جوهرها على هذه المسميات التي أشرت إليها.. للأسف الشديد أن الأحزاب الشيوعية لم تحكم أي بلد عربي، الا اذا اعتبرنا أن الحزب الاشتراكي العربي في عدن هو حزب شيوعي، وبالتالي ان تجربة اليمن هي تجربة شيوعية، لنفترض أنها كذلك.. فأقول أن هذه التجربة لم توجد في المكان المناسب، وأكاد أقول أن الأخطاء التي أرتكبت لم تصل الى مستوى الكبائر التي حصلت في ذلك الوقت، اذا أخذنا في الاعتبار الظروف الموضوعية والقوانين لهذا البلد، بهذا المعنى فإن الأحزاب الشيوعية بأجملها لم تسنح لها الفرصة بأن تحكم البلدان العربية وبالتالي لا تُحاسب، وهذه المسيرة اعترضتها صعوبات وتركز أساساً في أن الأحزاب الشيوعية كانت ضحية الاستبداد، وضحية الارهاب.. لكن رغم هذه الظروف الصعبة، الأحزاب الشيوعية كانت غالباً تساهم مساهمة فعالة في معارك البناء ومعارك الدفاع عن استقلال البلد ومعارك المصلحة العامة.
bull; يعني ربما هناك عموميات فيما تفضلت به من الانجازات الايجابية، ولكن قابلها أيضاً بعض الجوانب السلبية من الشيوعيين أنفسهم، فالمذابح التي حدثت في عدن، وراح ضحيتها عشرات الألوف.. والمذابح التي حدثت في أماكن متعددة.. اضافةً الى عدم انسجام الشيوعيين أنفسهم رغم العقيدة الواحدة من مكان لآخر في العالم العربي، حيث تفاقمت التناقضات بينهم، وعلى اعتبارك لا تحتل موقعاً وطنياً إنما إقليمياً.. ألا ترى أنه كانت هناك الكثير في سلوكيات الشيوعيين لم تكن تنسجم مع الشعارات التي كانوا يرفعونها؟.. وإنهم لم يكونوا بمستوى الطموحات المطلوبة منهم؟- حدثت سلبيات كثيرة جداً، وأنا لا أعتذر عنها.. وأعتقد أن دوري - وهذا بصدر رحب - لا يحتل نفس الأهمية، وبالتالي لا أريد التركيز عليها في هذا الظرف لأنها من باب النفاق، ولا أخشى أن أقول أن هنالك تناقضات، وللأسف الشديد أحياناً كثيرة كنا نغطي هذه التناقضات وكنا نجسد مسيرتنا مسيرة واحدة خالية من التناقضات، وهذا كان مقتل النماذج الاشتراكية سواء في الاتحاد السوﭭـييتي أوغيره والتي تحدثت عن مجتمع بلا تناقضات.. نظام متساوي وبحالة صعود باستمرار وخالي من التناقضات.. وأعتقد أن الأحزاب الشيوعية أو كل حزب على انفراد يمكن اعتباره حياة، وبالتالي لا يمكن أن تكون بدون متناقضات.ثم على صعيد التناقضات داخل الأحزاب الشيوعية، هذه تقودنا من جديد للحديث عن واقع المجتمعات، نحن قلنا باستمرار أن هنالك تفاوت طبقي، وبالتالي حتى ونحن نعالج قضية الوحدة العربية كنا نقول بضرورة الأخذ بهذا التفاوت، ولكن للأسف الشديد عندما كنا نتحدث عن أحلامنا ومسيرتنا كنا نتجاوز هذا الفهم بالضبط، وبالتالي كان يبدو أننا نغير جانب الاختلاف والتغاير بين الأحزاب الشيوعية، علماً بأن هذا التفاوت ووجهات النظر المختلفة كانت موجودة حتى داخل الحزب الشيوعي الواحد، بل داخل طريقة التفكير الواحدة، وأنت تعرف أن الانسان عندما يعالج قضية واحدة يتناقض مع نفسه عندما يتداول أكثر من فكرة حتى يصل الى النتيجة المطلوبة، ثم فيما يتعلق بالكفاءة فأعتقد أن الأحزاب الشيوعية لا تضع نفسها فوق الأحزاب الأخرى ولا فوق المجتمعات، فممكن الممكن أن يبرز شخص معه الكفاءة، ويبرز شخص آخر هو دون الكفاءة الموجودة.ومع ذلك فأقول لك أن الفرصة التي سُنحت للشيوعيين هي نفس الفرصة التي سُنحت للآخرين جميعاً، حتى من زاوية معرفية بمعنى أن الشيوعيين كانوا وهم يعانون من الارهاب ومن المطاردة ومن السجون ومن الملاحقات، يقتنصون الفرص لكي يعيدوا ترتيب أنفسهم ويتابعوا ما يجري من حولهم من المنجزات والثورات المختلفة في ميادين العلوم والثقافة والمعرفة، الخ.. وأنت تعرف أن العقاب كان يصل الى الموت أحياناً.
bull; اسمح لي أن استخدم تعبيراً ماركسياً قاله لينين: (ديدان الماركسية) ممن اعتقدوا أن الدين (أفيون الشعوب)، أن هذا يبيح لهم التحلل من السلوكيات الاجتماعية غير المقبولة، فكان أن تفشى بين البعض منهم نوع من السلوكيات التي يراها المجتمع شذوذاً عن المألوف والموروث؟!- للأسف الشديد، أنا أخالفك الرأي، لو تعود الى الأنظمة الداخلية للأحزاب الشيوعية - وأقول كل الأحزاب الشيوعية - ففيها تأكيد هو يكاد يتخذ أحياناً طابع التهديد المسبق، الفكري، والأخلاقي، والسياسي، لمن يأخذ بنظر الاعتبار واقع مجتمعه وتقاليده، ويترفع حتى عن المظاهر الحياتية اليومية المشروعة للانسان.. واذا كنت أريد أن أتحدث عن التجربة في العراق ففي مراحل الخمسينيات كان الحزب الشيوعي يعاقب عضو الحزب الذي يشرب الخمر، وكان يُطرد من الحزب من كان يحضر الاجتماع وتشم رائحة الخمر منه.. وكان يُطرد من الحزب من يتواجد في أماكن غير مرغوب فيها.. ولا أريد أن أبالغ ولكن تستطيع أن تراجع ملفات الأمن والملفات السياسية لما قبل ثورة تموز، وتجد أن الشيوعيين كانوا يفضلون في دوائر الدولة وخصوصاً هذه الدوائر التي تحتاج الى الأمانة..ولهذا كنت ترى أن هؤلاء الذين يتبوأون مراكز المحاسبة وأمانة الصندوق وكل الوظائف التي تحتاج الى الأمانة الشخصية من الشيوعيين!!ولكن اذا كان الحديث يدور على حالات شخصية، فلا أستطيع أن أُبرئ الشيوعيين من أي طعونات يمكن أن يتعرض لها أي مواطن آخر، ولكن أكاد أجزم أن مثل هذه الحالات كانت لا تستمر ضمن الأحزاب الشيوعية، وإنما كان يتم التخلص منها بالطرد أو بالعقوبة أو بالابعاد.
bull; طيب، ماذا تسمي ما نُشر في كتاب أو ثلاثة أجزاء من كتاب تأليف (سمير عبد الكريم).. (أضواء على الحركة الشيوعية في العراق).. الذي وصل فيه أن اتهم الرفيق فهد - مؤسس الحزب الشيوعي في العراق - بالشذوذ؟!- لا أستطيع أن أقول عنه، الا ما تقول عنه أنت!! فمن هو سمير عبد الكريم؟!.. إنه أداة من أدوات صدام حسين، ومن تعتقد شوّه سمعة الشيوعيين في العراق، ليس فقط الشيوعيين وإنما كل الشعب العراقي، من شوّه سمعة الشعب العراقي كله؟! (صدام حسين ونظامه)، من أساء للقيم العربية والقيم الاسلامية؟!.. صدام حسين نفسه، وماذا تقول عما نُشر على لسان صدام حسين عن الشعوب العربية وعن الاسلام وعن المسلمين؟!..
bull; ولكن الكتاب كان يستند الى وثائق؟- وكل دعاوى صدام حسين اليوم تستند الى وثائق أيضاً!!.. وشنه الحرب على الكويت واحتلاله الكويت.. تستند على وثائق، وتعريضه لكل البلاد العربية سواءً كانت حكومات أو شعوب، تستند الى وثائق.. وأعتقد أننا في عصر عظيم جداً، ولكنه للأسف بكل هذه العظمة ينطوي على امكانيات تزييف ليس على نطاق بلد واحد، وإنما على نطاق العالم كله.. وأنت تعرف أن ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا تعمل معها هذه الجرثومة أيضاً. bull;
من هذه الإجابة أقول أن الثلاثة أجزاء التي أُلفت في العراق تحت اسم د. سمير عبد الكريم في كتاب بعنوان (أضواء على الحركة الشيوعية في العراق).. مزيف جملةً وتفصيلاً؟!- أنا لا أعرف ماذا قيل عنه، فليس مزيف مثلاً إيراده لأسماء الشيوعيين، وليس مزيف مثلاً إيراده لبعض الوثائق السياسية، ولكن تفسيراته لها قد تنطوي على دوافع معينة تابعة للنظام، ولا أستطيع أن أضع خطوط حمراء على كل حالة من الحالات بما في ذلك بعض الحالات التي حصلت واحتضنها النظام نفسه.. فإذا تريد أن تقول لي ما هي الأساليب التي استخدمها صدام حسين لإسقاط الشيوعيين وجرّهم الى مواقع النظام بالذات، وتحويلهم الى أدوات ضد شعبهم وضد رفاقهم فأنا لا أستطيع أن أُنكر ذلك، ولكنه لماذا أدان على هذه النتيجة التي هي من صميم عمل النظام نفسه.
bull; إذن كيف تعاونتم مع صدام؟!- اُقرُّ أن يكون تعاوننا مع حزب البعث من عام 1973 الى نهاية عام 1978، يعد من أكبر أخطاءنا وآمل أن يكون هذا الخطأ هو مرحلة نتجاوزها في مستقبل نشاطنا على صعيد التحرك السياسي.. ولكن أقول لك صراحة أنه لا يشفع لنا أن نُقرن هذا الخطأ بنوايانا الحسنة وتقديراتنا أن هذا التعاون يخدم شعبنا، وكذلك لا أستطيع أن أبرر هذا التعاون في ضوء أن هذه المرحلة تسببت في صعود حزب البعث الحاكم وبالشعارات التي رُفعت ودعاوى الديمقراطية والتقدمية.. الى غيره.. فهذا كله لا يبرر هذا الخطأ.وهذا الخطأ لم يدفع الشعب العراقي ثمنه فقط!.. بل دفع الشعب العراقي ثمنه، ونحن دفعنا ثمناً غالي جداً في مجرى مسيرة التعاون، أسقط النظام بلا مبرر آلاف المناضلين سياسياً، بمعنى عن طريق التعذيب وعن طريق الوسائل الأخرى أخرجهم من الساحة!! وأيضاً في مجرى هذا التعاون دفعنا ضحايا كثيرة وقيادات كثيرة استشهدت..ولابد أنك تذكر الواحد والثلاثين مناضلاً الذين علقوا بين ليلة وضحاها، ولابد أن تذكر المجازر التي وقعت في المواقع المختلفة.. فأقول: دفعنا ثمن هذا الخطأ غالياً، ولا نبرره أبداً بل وضحناه في مسيرتنا، وقلنا أن الصيغة التي بُنيت فيها عملية التعاون لم تكن صحيحة.
bull; أيضاً الأخوة الأكراد دفعوا الثمن؟! لأن الجبهة كانت مكونة من ثلاثة؟!- لا.. هي بدأت ثنائية، انفرد بالحركة الكردية القومية واستثمر تلك الفترة وضرب الشيوعيين والقوى الأخرى، ثم انفرد بالحزب الشيوعي وقوى أخرى، وضرب الحركة الكردية، كما انفرد في مراحل أخرى وضرب الكل.
bull; قبل أن ننتقل من الاعتراف بهذا الخطأ، هناك من أشار الى أن هذا الخطأ يكاد يكون قد صفّى الساحة العراقية من النشاط الشيوعي.. هل هذا صحيح؟! أو أنه أضعفها الى درجة لم يعد لها كيان؟!- أولاً: أضعفها كثيراً هذا قول حق، أما أنه صفّى الساحة فلا أستطيع أن ٌأقول لك إلا أن تعود الى الوثائق التي تساهم أنت في صياغتها والتي تتحدث عن حقوق الانسان في العراق، في الصحافة التي تعمل وتنشر فيها لكي ترى الوجود الشيوعي مستمر منذ عشرين سنة حتى الآن، ولا تنقطع وهناك أسماء وهناك شخصيات وهناك رموز، وبالتالي من الصعب جداً أن تقول أنه استطاع أن يصفي الكيانات الشيوعية.ثم إنه يُضعف الحزب كثيراً.. نعم! وأن يحول نشاط الحزب الى نشاط صعب ومعقد جداً.. نعم! كما هو الحال لمجموعات كبيرة وأنت تعرف ماذا يعني نظام صدام حسين في العراق!!
bull; قبل أن ننتقل الى نقطة الرموز الثقافية التي تساند النظام الآن.. في أثناء الحرب مع ايران يبدو أن الحزب انقسم على نفسه الى أكثر من فريق، فهناك بمقولة أن صدام يسعى الى السلم، وهناك من أراد الاستمرار في القتال لدرجة أن البعض قال إن الحزب الشيوعي انقسم الى شيعة وسنة.. فما قولك؟!- هذا غير دقيق وغير صحيح! كما هو حال كل جسم حي وكل حزب سياسي هو جسم حي، كما تعرف وهنالك من ينكفئ وهنالك من يسقط وهنالك من يتخلف وهنالك من يتخلى، وتبقى في هذه المسيرة الصعبة والمكلفة نضالياً عناصر كثيرة من الحزب تخلوا.. ومن بين هذه العناصر من حمل أفكار أخرى أو من برر تخلفه وتخليه بطموحات سياسية وفكرية، وهنالك من كان له فكر سياسي حقاً.. من بين هؤلاء من بقي في الحزب وواصل.. والحديث كان يدور حول الموقف من الحرب والموقف من الدفاع عن الوطن، وموقف كيفية التعامل مع النظام.. وهنالك من دعا الى الحوار و من دعا للعمل الى جانب النظام للدفاع عن الوطن من أجل الاستقرار السياسي في البلد، بل وهنالك من دعا للتعاون مع ايران في مرحلة من مراحل الحرب.. ولكن الحزب ظلَّ في مفاهيمه حزب واحد وليس أحزاباً متفرقة.
bull; ولكن هناك من برر أن موقف الشيوعيين العراقيين من النظام الايراني كان مرتبطاً بموقف إيران من الشيوعيين الايرانيين!! كحزب تودة، ومحاكمة الدكتور نوري.. وغيره!!- كنا حريصين أن نعالج هذه القضية التي تمس استقلال البلد وسيادته وحرية الشعب بالاستناد الى دراسة موضوعية، ولهذا فقد قلنا منذ اليوم الأول لإعلان الحرب بأن هذه الحرب عدوانية، وأدنّا إشعال الحرب واعتبرناها كارثة على الشعب العراقي.. وطالبنا بإيقاف الحرب فوراً والعودة الى الحدود الدولية.
bull; عدواني من قِبل مَن؟!- من قِبل صدام حسين طبعاً.. كما واصلنا المطالبة بإيقاف الحرب الى آخر لحظة، ونحن نتابع العمليات الحربية كنا نثبّت مواقفنا على أساس المتغيرات الحادثة على ساحة الحرب، وبالتالي على الساحة السياسية العراقية والعربية منطلقين من مصالحنا الوطنية..ونذكر أنه حينما انتقلت المعارك الى الأراضي العراقية قد قلنا بوضوح في وثائقنا: نحن نُدين الاجتياح والاحتلال لأراضينا العراقية، ونرفض إملاء سياسي على شعبنا وعلى وطننا، وكذلك رفضنا أي صيغة بديلة، سواء كانت هذه الصيغة على طراز النموذج الايراني الاسلامي، أو غيرها على الشعب العراقي.. ولكننا نحن نتابع ذلك الموقف لم ننتقل الى موقف صدام حسين بدعوى أننا ندافع عن الوطن عن هذا الطريق.. لأننا لم نعتبر أن الدفاع عن الوطن يتأتى عبر الانتقال الى صدام حسين، كما أننا لم نعتبر أن مهمة صدام حسين ونظامه والتخلص منه يتطلب من الحزب الشيوعي الانتقال للنظام الايراني ومواقع الجيش الايراني، أما اذا كان الحديث يدور عن أشخاص دافعوا عن صدام حسين أو طالبوا الانتقال الى مواقع صدام حسين من الشيوعيين ومنهم عزيز الحاج الذي سقط سياسياً منذ عام 1969 وأصبح جزءاً من النظام، وأعلن أنه انضمّ الى حزب البعث الحاكم.. وأصبح ممثلاً للنظام في اليونسكو منذ السبعينات.. ولازال، وأنا لا أريد أن أتطرق الى أسماء أخرى.. ولكن أعود فأقول لك أن الشخصيات الشيوعية التي اتخذت مثل هذا الموقف الخارج عن الحزب الشيوعي، أصبحوا خارج الحزب الشيوعي منذ ذلك الوقت. bull;
وإن كان البعض منهم لايزال يعتقد أنه شيوعي؟!- من الممكن أن يعتبر كل انسان نفسه كما يريد. bull;
في أثناء سردنا للحوار.. كثيراً ما أكدتم على المطالب الوطنية كشيوعيين (المصلحة الوطنية).. لكن هناك مقولة تُردد في الشارع العربي:أن الشيوعيين العرب والعراقيين على وجه الخصوص يُخلصون لموسكو أكثر من إخلاصهم لأوطانهم؟!- اذا كان الحديث يدور عنا بالتحديد في العراق، فلابد أنك تذكر أن الحزب الشيوعي إتخذ موقفاً من صدام حسين ونظامه عام 1969، ولم يكن ذلك موقف موسكو أو أي بلد من البلدان الاشتراكية.. وأكاد أقول لك أن السنوات العشرة منذ اعلان حرب صدام حسين على الجمهورية الاسلامية الايرانية والى تاريخ اضطراب الاتحاد السوﭭـييتي، لم يجر لقاء على مستوى عال بين الاتحاد السوﭭـييتي والحزب الشيوعي أو البلدان الاشتراكية كما كانت تُسمى سابقاً، ولم تنشر في صحافة هذه الأحزاب وجهة نظر الحزب الشيوعي حتى ولو على نطاق ضيق، فهل هذا هو إخلاص الأحزاب الشيوعية لموسكو؟!!. bull;
لا.. لكن هذا أيضاً لم يمنع عبد الناصر الذي كان مرتبطاً بتحالف استراتيجيٍ مع الاتحاد السوﭭـييتي في الوقت الذي كان فيه الشيوعيون المصريون في السجون!!- أنا عارف.. ولكن أنت تقول أن الحديث يدور عن الشيوعيين.. فإذا كان الشيوعيون هكذا بشكل مطلق، فلماذا كان هذا الاختلاف العميق من وجهة نظر القضية العراقية؟!..العلاقة الوثيقة مع الحزب الشيوعي السوﭭـييتي والأحزاب الأخرى في الدول الاشتراكية.. نعم هنالك تبادل وهنالك تفاعل، وهنالك للأسف الشديد شكل من أشكال التبعية اذا صحّ التعبير، بهذا الشكل أو ذاك، نعم.. على الأقل سياسياً.. لكنني لا أريد أن أُبعد تهمة بقدر ما أريد أن أُقر حقيقة، أن هذه التبعية هي من أسباب الوحدانية السياسية والفكرية بشكل عام. bull;
هناك من يقول أن معظم البعثيين تخرجوا من المدرسة الشيوعية؟!- اذا كان الانسان قد اختار أن يكون في مرحلة ما (شيوعياً)، وغّير هذا الخيار وانتقل الى موقع سياسي وفكري آخر، ثم اذا كان الحديث يدور حول مرحلة صدام حسين، فأنت تعرف ما هي الأساليب التي استخدمت لتغيير قناعات الناس ولجر الناس الى مواقع النظام.. تعرف الاجراءات وكذلك التهديد والوعيد الذي استخدم.
bull; لماذا لم يُستخدم هذا مع الاسلاميين مثلاً؟- ومن قال لك أنه لم يُستخدم؟.. ومن قال لك أن رموز أو عناصر من كل الحركات السياسية لم تنتقل الى مواقع صدام حسين وتتعاون معه وهذا لا يدين أي حركة.. لا حركة اسلامية ولا أخرى.
bull; أنا أرى أن الحركة الثقافية في العراق يقودها ذوي الفكر الماركسي أكثر من ذوي الفكر الاسلامي!!- هذا صحيح، وربما أفيدك بمعلومة أن (عُديّ) ابن الرئيس صدام حسين قد اعترف بذلك حتى قبل شهرين أو ثلاثة أشهر بلقائه مع رؤساء تحرير صحف عربية ونشر، وقد قال إن ضعفنا الاعلامي والثقافي سببه أن الكوادر الجيدة في هذا المجال في مواقع الحزب الشيوعي!! وهذا نُشر في بغداد، وبالتالي تخرج هذه الجمهرة الكبيرة من المثقفين ومن ذوي الفكر والكفاءة العلمية من الحزب الشيوعي.
bull; طيب أنا من خلال ما تفضلتم به، أكاد ألمس أن هناك كثير من الأخطاء تُقر بها، وهناك انكفاءات كثيرة حدثت، وهناك رموز انقلبت رأساً على عقب، ناهيك عن أن النظام استطاع أن يغوي بعض العناصر التي كانت شيوعية، فأصبحت الآن تخدم النظام، ألا ترى تكرار الخطأ هذا يصدر من أكثر شريحة من الشيوعيين، يكاد يكون أقرب الى القانون منه الى الخطأ؟!.. يعني الخطأ عندما يتكرر يُعد قانوناً!! لماذا الشيوعيين فقط هم الأكثر.. يعني أنا عندي سؤال وأتمنى أن تجيبني عليه الى جانب التعليق الذي قلته: ان يقال أن مدرسة السحل في العراق والعنف في العراق بدأها الشيوعيون؟!- يعني نحن لسنا مدرسة مغلقة، ولا مجموعة من الدعاة الذين نحمل مصادر فكرية وسياسية، بالعكس، اذا كان هذا يُحسب علينا سلباً، فأنا أحسبه من الجانب الآخر إيجاباً، فمهمتنا تتعدى حدود التبشير بالرأي أو بالفكر السياسي والشعار السياسي، وأنت تعرف أن الأحزاب الشيوعية في مراحل الأربعينيات و الخمسينيات كانت تلعب دوراً جماهيرياً واسعاً جداً، وفي هذه المرحلة جرى تعبئة شرائح وقطاعات في المجتمعات العربية واسعة جداً.. وبهذا المعنى فإن من اقتنعوا بطموحات الشيوعيين في مرحلة ما وغيّروا قناعاتهم في مرحلة أخرى وانتقلوا الى مواقع أخرى.. هي ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية بعد الشيوعيين.. ثم هل تعتقد أن خلق كوادر علمية وثقافية في مجتمعاتنا، ولو للأسف الشديد تحولت الى أدوات في أنظمة الديكتاتورية، هل هذا من ضمن السلبيات التي تُلصق بالشيوعيين؟!..أما سبب هذه الحالات لن أسمح لنفسي أن أتعامل مع هذه الحالات من موقع الحاكم ولا من موقع فوقي، بل آخذ في اعتباري الحالات أو الأوضاع الانسانية التي مرَّ بها كثير من هؤلاء.. ولو تُرك الخيار حتى لهؤلاء الذين استخدمتهم كأمثلة في ظروف أخرى، لما اختاروا هذا الطريق، قد يتخلى البعض منهم أو الكل عن الحزب الشيوعي!! ولكن ليس بالضروري أن ينتقل مع صدام حسين وبالتالي فأنا أميل الى أن آخذ في الحسبان هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي عاشوا فيها، والامتحان الصعب الذي تعرضوا له، وهل اسمح لنفسي بتبرئة أنفسنا من الأخطاء والتي حصلت في مراحل معينة، وهناك اتفاق ضمني بين كل الأطراف في الحركة الوطنية العراقية بألا تتحدث عن هذا الماضي!!
bull; كل الأطراف؟!- ضمنياً.. وصدام حسين كان هو الطرف القاتل الجلاد، ونحن لن نتملّص من أخطائنا، وفي الوقت المناسب سنعالج هذه الأخطاء.. وأقول لك بكل صدق وصراحة نحن نريد لأنفسنا أن نُدين كل الماضي الذي بُني على الاختراق والتجاوز لحقوق الآخرين، ومحاولة مصادرة الرأي الآخر، وكذلك للتعاطي والتعامل مع الرأي الآخر، ولهذا أقول أن كل المبادئ والقيم مهما علا شأنها سواء كانت تتعلق بالتقدم أو الاشتراكية أو التطور أو كل المسميات الأخرى، لا قيمة لها بدون الاستناد الى حرية الرأي الآخر والى الديموقراطية حتى ولو كان الرأي الآخر مخالفاً.
bull; انطلاقاً مما تفضلت به، مفهوم جميل جداً وانساني، لكن يبقى الماضي محفوراً في وجدان الانسان، خاصةً إن كان هذا الانسان لايزال يدفع ثمن هذا الماضي ولكن هناك مقولة يرددها الشارع العراقي: أن أكثر حزبين قد أساءا الى العراق في العقود الماضية هما الحزب الشيوعي وحزب البعث؟!!- (ساخراً) ولهذا فإن الحزب الشيوعي لا يزال يدفع الثمن يومياً من دم مناضليه وأصدقائه وجماهيره.. فهل تعتقد أن هذه المقولة تنطبق على الحزب الشيوعي؟!.
bull; دعنا نتفق أولاً: هل هي حقيقة أم ليست حقيقة؟!- بالطبع ليست حقيقة.. قد ارتكبنا أخطاء، ولكن هذه الأخطاء مسّت الحزب أولاً، والحزب هو الذي دفع الثمن!!.. الاخطاء التي ارتكبناها ليست هي أخطاء حاكم يدفع البلد والشعب الى الظلمات، وإنما هي أخطاء كانت على حساب الحزب ودوره ومناضليه وجماهيره، ولم تكن هذه الأخطاء بهذا المستوى التي تحدثت عنه.. فإن هذا اتهام خطير جداً.. اتهام يستهدف وضع الحزب في مصاف حزب البعث الحاكم!!.. في نفس الوقت ينطوي على تبرئة الحزب الحاكم وصدام حسين، لأنه يريد أن يتقاسم الجريمة التي ارتكبها مع الحزب الشيوعي ومع الأطراف الأخرى.. وهناك استنتاج قائم من ثلاثين سنة أنه ليس من الممكن لأي قوة مهما كانت أن تحكم العراق وحدها، يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار التركيبة الاجتماعية، التركيبة الدينية، التركيبة القومية، التركيبة الطائفية.
bull; اذن لابد من الديموقراطية؟!!- وبالتالي لابد من الديموقراطية.. وليس ذلك فقط.. فلابد من ديموقراطية تأخذ بعين الاعتبار لعشرين سنة على الأقل تعبئة كل القوى لكي يكون لها كلمة نافذة في مسيرة المجتمع العراقي، لأننا لا نستطيع بأي حال أن نُلغي أو نُلقي أي طرف من أطراف المعادلة العراقية.وأنا أقول أن القوى والأحزاب الممثلة للتيارات الاساسية في المجتمع العراقي مطالبة بأن تأخذ بعين الاعتبار هذا الوضع الجديد، وأن تبحث عن صيغة تؤمن مشاركة كل الأطراف في المسيرة اللاحقة، لتتوصل الى صيغة من صيغ الميثاق الوطني، يتجسد في هذا الميثاق مجموعة من الضوابط السياسية والفكرية والأخلاقية، تؤكد جميعها التعايش مع الخلاف ومع الرأي الآخر ونبذ الماضي، والاستفادة من كل طاقات الشعب العراقي للخروج من هذا المأزق الذي وضعنا فيه كلنا صدام حسين!!.
bull; هل معنى هذا أنك تحدد ملامح لشكل الاتفاق الذي يجب أن تتوافق عليه فصائل المعارضة العراقية لمرحلة ما بعد صدام؟!- أنا لا أستطيع أن أقول الا أن هذه هي خلاصة التجربة التي مر بها شعبنا والتي مر بها الحزب، وبالتالي أنا أطرح هذا الاستنتاج والتقدير لكي نسعى الى الاتفاق والتفاعل.. وأتمنى ألا يُساء فهمي أنني أتكلم عن موضع الوصاية، ولكنني أتكلم عن منطلق فهم الضرورات ونحن مخلصون في هذا الاستنتاج ومخلصون فيما يترتب على هذا الاستنتاج.
bull; ألا تعتقد - استاذ فخري - أن انعدام الثقة بين فصائل المعارضة، وعدم وجود توافق ما بين الشيوعي وبين حزب الدعوة، والليبرالي والكردي والعربي والمسلم والمسيحي؟.. هذه التركيبة تجعل المرء يصاب بحالة من اليأس أن تنصهر كل هذه الفصائل في بوتقة واحدة.. في حين أن المعارضات في العالم وخاصةً في أوروبا الشرقية رغم اختلافها إلا أنها متفقةٌ على هدفها المركزي هو: اسقاط النظام الديكتاتوري؟!- لا مجال للمقارنة.. للأسف!! أنت تعرف جيداً أن الوضع في العراق يختلف نوعياً عن أوروبا الشرقية.
bull; لكن الظرف الموضوعي يكاد يكون واحد؟- ولا حتى الظرف الموضوعي واحد للأسف!!.. فمن ناحية التطور التاريخي فلابد أن تأخذ بعين الاعتبار أن بلادنا في طور التكوين والملامح الأساسية ما تزال مُغيبة.. الطابع المتخلف هو السائد، ولكن الحديث يدور حول أسلوب حل الخلاف في الرأي، هذا الذي يجب الاهتمام به - للأسف الشديد - نحن مختلفين نعم، ولكن نستطيع جميعاً أن نتعامل كلٌ من موقعه مع المواقع الأخرى في روح ديموقراطية على أساس المعايشة، بالانطلاق من المصالح الحزبية الطيبة.. فمن حقي أن يستمر صوتي في الانتخابات حتى رغم تحجيمي عن طريق التصويت بأي طرف، يستمر صوتي في التعبير عن موقفي وفكري في الساحة السياسية، ولكن للأسف الشديد لا يحصل هذا!!
bull; كتب أحد الماركسيين العتاة في فرنسا (مكسيم رودوسان) كلمة مقتضبة عن الاشتراكية قال: " تكاد تكون أقرب الى السرطان الذي استأصل من البنية الغريبة "!!.. نحن لا نريد الذهاب وراء هذا التشبيه، ولكن أقول: ألا ترى أن الشيوعية عبر تجربتها في العالم العربي أنها جسم غريب في هذه البيئة العربية الاسلامية المفعمة بالقيم الروحانية؟- الأحزاب الشيوعية غالباً ما وقعت ضحية إلتباس.. أنت تعرف جيداً أن الحزب الشيوعي قُدم باستمرار منذ تأسيسه كما لو كان هو حزب لنشر الالحاد وأداة لنشر الكفر، وكما قلت في بداية الحديث إننا نراعي الضوابط الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية، وكذلك نراعي القيم الأخلاقية!! لكن الأنظمة الاستبدادية التي كانت ترى في كل الحركات الأخرى عدواً لها، لذلك كانت تتهم كل الحركات بالشيوعية، وكانت السياسة وقتئذ منذ الحكم الوطني العراقي، أن كل من يتصدى للعمل السياسي المعارض كان يُسمى شيوعي، وكانت فترة تاريخية امتدت لعدة عقود، ولا تسمع فيها غير تهمة الشيوعية، وهذه التهمة كانت تستهدف البعثي، والقومي، والناصري، والوطني الديموقراطي.. وأقطاب الحركة الوطنية كانوا شيوعيين، مثل صِدّيق شنشل وغيرهم.الحزب الشيوعي لم يُؤسس على أساس دعوة الالحاد، ولو تعود الى التاريخ السياسي العراقي لترى أن الحزب الشيوعي كان بين فقراء الناس وبين الفلاحين المعدمين، وتقريباً في كل منطقة الفرات الأوسط والجنوب، وهؤلاء متدينين وكانوا يساهمون في كل التفاعلات الدينية، وفي مواكب الأنصار وفي هذه المواكب بالذات كانت تُرفع شعارات الأحزاب السياسية وشعارات الحزب الشيوعي بالذات!!.. فلو أن الحزب الشيوعي كان هو حزب أو أداة لنشر الالحاد، فهل نسمي هؤلاء كلهم بأنهم ملحدون؟!..أنا لا أقول إن الحزب الشيوعي لا يضم ملحدين، ولكنني أقول لك أن الحزب الشيوعي ليس أداة إلحاد.. فنحن لا نشترط فيمن ينضم للحزب الشيوعي أن يبشر بالالحاد، ولا ألا يكون له ايمانه الخاص، فنحن نعتقد أن كل انسان له الحق في أن يؤمن بما يشاء وأن تكون له حرية الاعتقاد والفكر، وأكثر من ذلك أن هناك خارج الأحزاب الشيوعية.. وأنت تعرف ذلك في الحزب في أوروبا بالذات كثير من العلماء والمفكرين ملحدين، وهم يعادون الشيوعية في نفس الوقت.
bull; ولكن العكس ليس صحيحاً في الطرف الآخر.. أنت ترى أن هناك فلاسفة ومفكرين ملحدين ومعادين للشيوعية؟- تعني أنه ليس هناك شيوعيين معادين للملحدين؟!.. وليس لا من وجهة نظر سياسية ألا تجد أن ذلك ممكن؟!.. أن هناك شيوعيين أو ماركسيين خارج الأحزاب الشيوعية كانوا موضع انتقاد الأحزاب الشيوعية.. وأنت تعرف في فترة لينين مرّت فترة ألّف على أساسها كتابه المعروف (المادية وقضية التجريد)، وقد تناول هذه المسألة بذاتها.. ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بنا نحن كأحزاب شيوعية وكحزب شيوعي لم يكن هذا هو الهم.. كان همّنا هو الدفاع عن الكادحين وعن العمال وصياغة الشعارات الوطنية، وكما قلت المساهمة في مسيرة الحركة الوطنية وإدارتها، وبالتالي لم نكن نتناول هذه القضية باعتبارها هي الهم الأول أو الثاني أو الثالث في الحزب الشيوعي، وأستطيع حتى من سرد الشخصيات أن أقول لك أنه كان معي أحد الرفاق عام 1963، عندما كسرنا حواجز السجن وخرجنا صبيحة 8 شوال.. وهو متدين وصائم وسجين شيوعي.. وقد طلبت منه أن يفطر لأننا سنتعرض لصعوبات، ومضطرين لمسيرة طويلة لمدة أيام، وربما سوف لن نحصل على خبز خلال هذه المسيرة.. رفض وأُلقي القبض عليه، وانتهى.. أعتقد قُتل أثناء الاقتحام أو شيء من هذا القبيل.. أنا لا أريد أن أقول أن الشيوعيين هم متدينيين.. لكنني أقول أن الحزب الشيوعي ليس أداة للالحاد.
bull; يعني تريد أن تقول أنه ليس جسماً غريباً على البنية الاجتماعية العربية الاسلامية؟!.- هو غريب بالقدر الذي لا يستطيع أن يتحسس نبض المجتمعات العربية والاسلامية، ولا يستطيع أن يؤسس برامجه وشعاراته على أساس دراسة الواقع والاستفادة من التراث العربي و الاسلامي المشرق، وهو غريب بالقدر الذي لا يستطيع أن يجسد تطلعات ومطامح الشعوب العربية والاسلامية، فإذا لم يستطيع أن يحقق ذلك كله ممكن أن يكون غريباً، ولكن في الساحة السياسية عشرات الأحزاب التي وجدت وأسست وعملت وحكمت وانكفأت وكانت من صلب هذه المجتمعات.. فلماذا يراد من الأحزاب الشيوعية أن تكون غريبة عندما تنحصر مواقعها لهذا السبب أو ذاك أو حينما تُخطئ، أو حينما تنكفئ أو حينما ترتكب الكبائر، وفي المجتمعات المتطورة أيضاً أوروبا وأمريكا هناك أحزاب تدخل الى الحكم ثم تخرج من الحكم وتنكسر وتنحسر، وأحياناً تغيب عن المسرح السياسي، ثم تُعاود الخروج من جديد، ولابد أنك تعرف مسيرة الحزب الاشتراكي الفرنسي على سبيل المثال وأحزاب أخرى.. فالمد والجزر في الحياة السياسية لأي حزب لا يمثل تهمة الغربة عن المجتمع.. أرجوك أن تعود الى كتاب نُشر من قبل في جريدة الشرق الأوسط لكاتب عراقي معروف، وهو يتحدث عن وقائع ما بعد ثورة تموز، ويبرئ الشيوعيين من تهمة حرق القرآن الكريم بعد ثورة تموز.
bull; حسن العلوي؟- نعم.. وكذلك يتحدث عن الانتهاكات التي جرت باسم المقاومة الشعبية وتنظيمات الشبيبة والاتحاد والى آخره، وكانت من فعل الحزب الحاكم نفسه.. يعني بهدف تشويه سمعة الشيوعيين، ومن جديد أقول: هذا لا يعني أننا لم نرتكب أخطاء على هذا الصعيد في مراحل مختلفة، وأعود وأقول أننا لسنا حزب أو أداةً للالحاد.. نحن حزب طالب ويطالب بنشر قيم التحرر والعدالة والانعتاق والتطور والمساواة، واذا لم نكن استفدنا من تراثنا العربي والاسلامي.. وهنا أريد أن أقول الجانب المشرق والمضيء في هذا التراث ككل تراث هناك جانب مشرق ومضيء، وهناك جانب متخلف لا يمكن أن يساير ويعايش الحياة الراهنة، اذا لم نكن قد استفدنا فنحن مطالبون اليوم أن نستفيد، وأكثر من هذا فنحن منفتحون على الحياة وعلى حصيلة التجارب التاريخية ومطالبون أن نتجاوز عن كل ماهو غريب عن المجتمعات.
bull; كثيرون لا يميزون بين الشيوعية والاشتراكية، ففي اليونان جاءت فترة حكم لمجموعة من الاشتراكيين، وكذلك حُكمت أسبانيا بعد فرانكو بالاشتراكيين، حُكم فرنسا الآن اشتراكي، إنما اشتراكي يكاد يكون شبه رأسمالي، ليس فيه تلك القبضة الحديدية التي عهدناها فترة حكم ستالين..وأنت رجل عربي مسلم، أراك لازلت مصمماً على بناء صرح شيوعي في العراق؟..- إننا نناضل في سبيل أن يتأسس في العراق حكم وطني، يأخذ بالديموقراطية التعددية التداولية، وبالعدالة الاجتماعية وبحرية الانسان، حرية فكره ورأيه ومعتقده، وبالمساواة بالقدر الذي ينسجم مع مستوى التطور في البلد وبالحقوق الأولية للانسان وبالحريات العامة، وبحماية الضعيف من القوى وبناء صرح عراق يرفض العدوان على جيرانه، ويتـأهل لأن يدفع عنه العدوان ويتعايش مع محيطه، وأن يقيم أفضل العلاقات مع أشقائه العرب الى حد التنسيق والتكامل، والأمنية الكبرى التي طالما تمنى بها العرب الوحدة.. فهل هذا هو صرح الشيوعية؟!
bull; للرد على هذا المنطق الذي تفضلت به أقول: بأن البلدان التي حُكمت شيوعياً- وأنت تنتمي لهذه العقيدة - ماكانت تتيح لهذه الحريات وهذه التعددية والديموقراطية، وكانت تحت ذرائع الانتقال من مرحلة الى أخرى، أُعطي المجال لديكتاتورية البروليتاريا أن تهيمن هيمنة كاملة، مما جعل البروسترايكا في النهاية تأتي لتطهر هذا الحلم الجميل للاشتراكية مما علق بها من تدهور وبيروقراطية وكبت وسجون وانعدام لحرية الانسان.. ففي ذهن الانسان الآن أن الذين حكموا الشيوعية حكموها بهذا المنطق، فكيف وأنت شيوعي الآن تريد أن تُطهر من أذهان الناس هذه الفكرة التي أخذت عنهم؟!- على كل حال أنا أريد أن أُطهر نفسي من هذه الفكرة، هذه النماذج التي تبنيت على أساس العقيدة الشيوعية، كما قلت أنهارت لأنها تخلت عن المنطلقات الانسانية التي ارتبطنا بها، ولست متأسفاً كثيراً على غياب النماذج التي تناقضت مع منطلقاتها.
bull; عفواً، مادامت التجربة أمامك قد أُجهضت، لماذا الاصرار على الشيوعية؟!- أنا لا أعرف ماذا تقصد بالاصرار على الشيوعية!! اذا كان الحديث يدور على التسميات، فإن أكثر من نصف النماذج التي سقطت لم تكن تحمل اسم الشيوعية.. تجربة ألمانيا فإن الحزب كان اسمه الحزب الألماني الاشتراكي الموحد، وتجربة هنغاريا كان اسم حزب العمال الهنغاري، وخذ بولونيا والبلدان الأخرى لم تكن تحمل اسم شيوعي (باستثناء تشيكسلوفاكيا وبلغاريا والاتحاد السوﭭـييتي).. اذن أنت تقصد شيئاً آخر غير التسميات!!فإذا كانت التسميات في عالمنا العربي، ففي اليمن لم يكن هناك حزب شيوعي كان يُسمى الحزب الاشتراكي اليمني.. كما هو الحال الحزب الاشتراكي الفرنسي للرئيس ميتران، وفي المغرب ليس هناك حزب شيوعي بهذه التسمية، وإنما هناك حزب التقدم والاشتراكية، وفي الجزائر ليس هناك حزب شيوعي، هنالك حزب الطليعة الاشتراكية.
bull; وفي العراق؟!- في العراق هناك الحزب الشيوعي.. نعم!! فإذا كان الحديث يدور عن التسميات فلا أعتقد أن هذا هو جوهر المسألة!!.. أما اذا كان الحديث يدور عن المضمون فأقول لك نحن توقفنا، ولا بد أن نتوقف أمام هذا الذي جرى وهزَّ العالم كما هزّه ايجابياً سنة 1917، هزّه هذه المرة سلباً، انهارت النماذج.. ولكن قيم العدالة والمساواة، القيم التي استشهد في سبيلها آلاف الناس منذ فجر التاريخ لم تسقط، فيمكن أن تحمل أي تسمية أخرى الا اذا كنت تريد أن تحرمنا من أن نحمل دعاوانا هذه وندافع عن قضيتنا، فإذا كان الحديث يدور عن التسميات فلنترك لك حسم هذه المسألة، أما اذا كان يدور عن النموذج فنحن لم نكن جزء من هذا النموذج الا شكلاً.. واذا كنا بشرنا بهذا النموذج، فقد كنا على وهم كبير.. كنا نربط بين