أصداء

هل نحن حقاً على أبواب جنيف 2؟

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


خلاصة الجولات المكوكية وسيل التصريحات للدول الأربعة الكبار، وكل من إيران وإسرائيل تشي بأن ثمة صفقة روسية أميركية يجري بلورتها بشكل دقيق، وتنسج خيوطها في الغرف المغلقة، من السلاح النووي الإيراني، إلى إنهاء الأزمة السورية، مرورا بإرساء هدنة ضمنية بين حزب الله وإسرائيل، ثم إعادة ترتيب عدد من ملفات المنطقة في العراق ولبنان ومصر وغيرها...

الدول الكبرى باتت تتوجس من الوضع السوري، باعتقادهم أن مسار الأزمة وصل إلى مفترق خطير، فالنظام بات يتقدم على جبهات عدة، في حمص ودمشق ودرعا، وبات مقتنعا أن استعادة كامل الأرض السورية أصبح من المحال، فاكتفى بالسيطرة على المدن الرئيسة والعمل على إستعادة السيطرة على الطرق التي تربط بينها. وقد اعتمد النظام استراتيجية ترك المدن الريفية للمعارضة، خصوصا تلك المحاذية للحدود التركية، مقتنعا أن خلافات المعارضة الأيديولوجية، وخلافاتهم مع الأكراد، ستشعل الحرب بينهم، وتشغلهم عن النظام.

سيطرة الجيش السوري على المدن الرئيسة تتيح له الاحتفاظ بالكثير من أوراقه الاستراتيجية، فالعاصمة والمطار بيده، والساحل والموانئ والمرافئ تحت سيطرته، والمطارات وطرق إمداد السلاح لحزب الله ما زالت متاحة، وبالتالي فإن اي تسوية ستبرم سيبقى له فيها حصة الأسد حتى لو وصلت الأمور في أسوء تقدير إلى التقسيم.

باعتقادي أن الغرب ما كان ليرضى أن يتقدم النظام السوري في الغوطة ويحسم معركتها، فالغوطة وحلب ودرعا خط أحمر لا بد من المحافظة عليها تحت سيطرة المعارضة، حتى لا يخرج الغرب بمظهر الخاسر للمعركة. الأزمة السورية وفقا للحسابات الدولية الروسية والأميركية ممنوع أن ينتصر بها أي طرف. وعليه كان لا بد من معاقبة النظام على تجرؤه التقدم نحو الغوطة، ولذلك ظهرت المجزرة الكيميائية.

ونحن هنا أمام عدة احتمالات للفاعل:
1- أن يكون النظام هو من ارتكبها بعد أن رأى مقاومة عنيدة للمسلحين في الغوطة، أو أراد اختبار رد الفعل الدولي إن فعل ذلك، وهذا بتقديري أضعف الاحتمالات، لأن عدم موت أي من مسلحي المعارضة بالهجوم الكيميائي يدحض هذه النظرية.

2- أن تكون المعارضة هي من فعلت ذلك ليدخل المجتمع الدولي على خط الأزمة ويوجه ضربة لنظام الأسد فتضعفه، وهذا أيضا احتمال مردود، لأن جل من مات هم من العائلات الحاضنة للمعارضة، كما أن معظم كتائب المعارضة الموجودة في الغوطة لها علاقة بالقاعدة، وهذه المجموعات لا تفضل التدخل الغربي بالأزمة، لأن القضاء عليها عند الغرب مقدم على القضاء على النظام السوري.

3- أن يكون لدى المعارضة غاز سارين، وقام النظام بقصفه بعد أن علم بمكان وجوده.

4- أن تكون ثمة أجهزة دولية هي من اطلقت هذا الغاز، وهذا هو الاحتمال الأرجح، أما الهدف فهو منع تقدم الجيش السوري في الغوطة، وتوجيه إنذار قوي اللهجة له بأن سقوط الغوطة ممنوع، حتى لو تطلب الأمر تدخلا عسكريا.

فهم الأسد والإيرانيون الرسالة بشكل واضح، وتفاديا للضربة الأميركية تدخل الروس، وقدموا مبادرة تقضي بتدمير السلاح الكيميائي، وهي مصلحة مشتركة بين الروس والأميركيين. فالطرفان لديهم أولوية ضمان أمن إسرائيل، وبزوال هذا السلاح فإنه ما عاد لدى النظام السوري سلاح حقيقي يهدد به إسرائيل، كما أن خسران هذا السلاح يتيح للروس أن يمسكوا بتلابيب القرار السوري.

أمام هذا المشهد، فإن إمكانية انتصار طرف على آخر غير ممكنة، واستمرار الحرب ما عاد له أهمية حقيقية لدى الغرب، فقد عملوا على تدمير سوريا ودمروها، ونجحوا أيضا في إضعاف الجيش السوري بشكل كبير، كما تمكنوا من إخراج سوريا من معادلة التأثير في الصراع العربي الإسرائيلي والمحافظة بشكل أكبر على أمن إسرائيل بعد اتفاق الكيميائي مع الروس، وبالتالي فإنه بات بالإمكان تعبيد الطريق نحو التسوية.

الدبلوماسيين الثلاثة الأميركي والفرنسي والبريطاني تحدثوا عن صعوبة توحيد المعارضة بطروحاتها المتناقضة وتوجهاتها المتباينة، كما أن التقارير الغربية بدأت تشير إلى تصاعد جرائم وانتهاكات الجماعات المسلحة المتطرفة التي باتت تسيطر على عصب الحراك المسلح للمعارضة، وعليه فإن المحافظة على شبه دولة هزيلة أفضل من وصول هذه الجماعات او انتشار الفوضى، كما أن النظام السوري ومنذ حكم حافظ الأسد حتى الآن حافظ على هدوء الجبهة مع إسرائيل.

لكن على ما يبدو أن التسوية التي يجري الحديث عنها بشكل مكثف في الأوساط الدبلوماسية لا تقتصر على حل الأزمة السورية، بل هي رزمة كاملة لها علاقة برسم مستقبل المنطقة برمتها. وفي هذا السياق يأتي تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن إيران مستعدة لبحث مسألة وقف تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20% خلال المفاوضات مع المجموعة السداسية المختصة بالملف النووي. وفي هذا السياق أيضا، زار كيري نتنياهو وباعتقادنا أن الصفقة ستتضمن تسهيل كل الأطراف التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والعمل على هدنة ضمنية مع حزب الله في لبنان.

لا شك أيضا أن العراق ولبنان سينالهم نصيب من رياح هذه الصفقة، وربما ستهب أيضا على بلاد النيل، فليس مصادفة أن يحط وزير الخارجية المصري في هذا التوقيت ولأول مرة في موسكو للقاء لافروف، علما أن الروس من أشد المعارضين للانقلاب الذي جرى في مصر. هل الهدف من زيارة نبيل فهمي إقناع لافروف بالحكومة الجديدة، ومحاولة التأثير عليه لتغيير موقفها، بعد أن تم التفاهم على ذلك مع الأميركيين والسعوديين.
الإبراهيمي يقول إن "هناك أملا كبيرا في انعقاد جنيف-2 الشهر المقبل"، وفابيوس يؤكد "أن اتفاق الكيماوي يمهد لحل سياسي"، أما كيري ولافروف فسيلتقيان في الثامن والعشرين من الشهر الجاري في نيويورك لمناقشة إمكانية التحضير لمؤتمر جنيف اثنين، لا شك أن ثمة عقبات كبرى قد تعترض التسوية، لكن يحق لنا أن نتجرأ على السؤال، هل ستمضي الأمور باتجاه التسوية الكبرى؟

*كاتب ومحلل وسياسي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف