في الذكرى الـ 52 لمؤامرة الانفصال وأسرارها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كان البعثيون ومعهم عبد الحميد السراج والقوميون العرب يراقبون عن كثب وبدقة ما تتعرض له سوريا من تهديدات خارجية ترعاها الولايات المتحدة الامريكية. وكانت السلطات السورية قد اعلنت في 12/8/1957 عن اكتشاف مؤامرة امريكية، واعلنت ان " هيوارد ستون وفرانك جينون والملحق العسكري العقيد روبرت مولوي اشخاص غير مرغوب فيهم في الاراضي السورية وعليهم مغادرة البلاد خلال 48 ساعة..وقد اقتنع البعثيون قناعة تامة بان لا سبيل للخلاص سوى الاتجاه نحو مصر والسعي لاقامة اتحاد معها. ( سامي جمعة،اوراق من دفتر الوطن 1946 - 1961، ص280).
يقول محمود رياض سفير مصر آنذاك لدى سورية في الجزء الثاني من مذكراته
" تحدث معي ميشيل عفلق في ذلك الوقت بان الظروف السياسية السائدة في المنطقة تستلزم الاسراع بقيام الوحدة وان البلدين مؤهلان حاليا ليكونا نواة الوحدة الشاملة وان عبد الناصر هو القائد الذي يستطيع حماية هذه الوحدة ضد المؤامرات الخارجية".( ص 204)
ويضيف محمود رياض " وخلال هذه الفترة زارني صلاح البيطار لمحاولة اقناعي بضرورة الاسراع في قيام الوحدة فاوضحت له ان التهديد الخارجي لا يخيفني لكن الامر الذي يقلقني فعلا هو الجبهة الداخلية والخلاف الكبير بين الاوضاع في مصر ومثيلاتها في سورية. فهناك حكم مستقر في مصر اما في سورية فالاوضاع الداخلية مضطربة بعيدة عن الاستقرار وهناك تدخل مباشر من الجيش في الحكم مما ادى الى ازدواجية علاوة على وجود كتل متصارعة داخل الجيش". ( ص 210)
ويستطرد السيد رياض" وكنت اشعر بحدة الالم الذي يحز في نفس الرئيس القوتلي فهو من الذين ينادون بالوحدة وكان يرى ان من حقه كرئيس للجمهورية السورية ان يقوم هو شخصيا ببحث الموضوع الخاص بها مع رئيس جمهورية مصر وان تتم هذه الوحدة بالطريقة السليمة التي تؤمن استمرارها. وكان يشير بان موقفه كرئيس الجمهورية قد اهتز بشدة بسبب تجاهل الضباط له واقدامهم على هذه الخطوة دون استئذانه ووضعه امام الامر الواقع".( ص 214).
ويضيف السيد رياض " وكان خالد العظم وزير الدفاع يشعر بالاستياء الشديد لسفر الضباط الى القاهرة دون ان يعلم بالامر فشعر بالاهانة ازاء هذا التصرف، وكان يرى أن الاتحاد لا يجوز ان يتم قبل اجراء مفاوضات يشترك هو فيها ويكون له فيها الدور الكبير، الا انه فبل بما حدث على مضض كما فعل شكري القوتلي" (ص 215).
بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر، طالب عبد المحسن ابو النور الملحق العسكري في السفارة المصرية قبل الوحدة ومعاون قائد الجيش الاول( الجيش السوري) بعد الوحدة - من العقيد البعثي مصطفى حمدون قائمة بأسماء البعثيين من الضباط في الجيش، بهدف تسليمهم مراكز حساسة في القطعات العسكرية حسب وعده، أو كما أوحى اليهم، وإنطلاقاً من ثقتهم به، أعطى قائمة تضم الضباط البعثيين المعروفين بنشاطهم - أي ليس كل الضباط البعثيين - ولكن هؤلاء الضباط فوجئوا بصدور أورامر نقلهم على دفعات الى الجيش الثاني( الجيش المصري) وتهميشهم، دفع هذا الامر بالبعض منهم الى البحث عن الوسائل التي تمكنهم من إستمرار التواصل بين بعضهم والمحافظة على معنوياتهم ووجدوا أنه لا بد من تشكيل لجنة من بينهم لتحقيق ذلك الامر. لم يكن الهدف من تشكيل اللجنة العسكرية في الاقليم الجنوبي " مصر" القيام بتنظيم هؤلاء الضباط المنقولين، بل حماية لهم خوفاً من أن يقعوا فريسة أجهزة مخابرات دولة الوحدة، أو يحبطوا نتيجة التهميش الذي عوملوا به، تشكلت اللجنة العسكرية من الضباط البعثيين، بشير صادق رئيساً ومزيد الهندي وممدوح شاغوري وعبد الغني عياش ومحمد عمران.
وبعد فترة نقلوا جميعهم - باستثناء محمد عمران - الى السلك الدبلوماسي، وبعدها بادر عمران الى الاتصال برفاقه لتشكيل لجنة جديدة وللاسباب التي دفعت الى تشكيل اللجنة السابقة وتألفت اللجنة الثانية من محمد عمران، صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، حافظ الاسد، منير الجيرودي، أحمد المير محمود، عثمان كنعان.
إن الذين أسسوا اللجنة العسكرية لم يرد بذهنهم إلا إنتماءهم السياسي أما الانتقاء فقد تم على أساس مراعاة السلاح الذي يخدمون في ومراعاة تواجدهم في القاهرة أو بقربها. ( مروان حبش، في قضايا وآراء، حوار شذا المداد، ص 17).
وعقب انتهاء اللقاء بين الضباط السوريين والرئيس عبد الناصر طلب الرئيس من مصطفى حمدون البقاء ليتحدث معه اذ ان لدى عبد الناصر معلومات عن مصطفى حمدون منذ الانقلاب الذي قاده واطاح بحكم الزعيم اديب الشيشكلي عام 1954. ولما جلسا سوية طلب منه عبد الناصر اسماء الضباط البعثيين في الجيش السوري. وقدم له اسماءهم. وعقب قيام الوحدة فوجيء البعثيون بنقل هؤلاء البعثيون الذين قدم حمدون اسماءهم الى عبد الناصر الى القاهرة. وليس صحيحا كما ورد في كتاب مروان حبش من ان عبد الحسن ابو النور هو الذي طلب الاسماء.
مؤامرة الانفصال
بتاريخ 28/9/1961 قامت مجموعة من الضباط الدمشقيين بتحريك اللواء 72 الذي كان متمركزا في معسكرات قطنا وذلك بعد ان تأكدوا من مغادرة قائد اللواء العقيد جاسم علوان معسكرات قطنا حيث انطلقوا باللواء باتجاه دمشق وعلى رأسهم رئيس أركان اللواء العقيد مهيب الهندي والمقدم هشام عبد ربه الذي يقود احدى الكتائب وذلك بعد السيطرة على باقي الكتائب وحجز الضباط المصريين الذين كانوا يبيتون في وحداتهم في اللواء.
وقد استطاع الانقلابيون السيطرة على الاذاعة السورية واحاطوا بالقيادة العامة للجيش وقد اشترك معهم المقدم حيدر الكزبري على راس وحدة من حرس البادية والعميد موفق عصاصة بعد ان سيطر على القوى الجوية واخرون من الضباط الذين اشتركوا في تنفيذ جريمة الانفصال وجلهم من الضباط الدمشقيين.
حاول اكرم ديري وهو احد وزراء الوحدة في الاقليم الشمالي ثني الضباط الدمشقيين عن تنفيذ جريمتهم باعتباره كان ضابطا في الجيش وهو من سكان دمشق ايضا وكان يحاول اقناعهم بالعودة الى ثكناتهم وانه سيعرض مطالبهم على القيادة السياسية لتحقيقها. وكاد بعض الضباط ان ياخذوا برأيه الا ان المقدم حيدر الكزبري تصدى له خوفا من تأثيره على قادة الانفصال وهم تلاميذه في الجيش ويحترمونه وطلب من اكرم ان ينضم اليهم وعندما رفض اطلق النار من مسدسه الرشاش امام اكرم مما سبب له جرحا بليغا في ساقه جراء شضية صخرية.
كان العميد عبد الكريم النحلاوي قائد الانقلاب ينتظرها. فيما كانت قوات اخرى بقيادة النقيب عادل الحاج علي بمحاصرة معسكر الفدائيين الفلسطينيين والسيطرة عليه.
وبعد ان سيطر المتمردون على المرافق الرئيسة اجتمع اركان التمرد وهم عبد الكريم النحلاوي وحيدر الكزبري وهشام عبد ربه وبسام العسلي وعبد الغني دهمان ومفق عصاصة وفيصل سري الحسيني وزهير عقيل، فيما كان على شرفة مبنى القيادة المطلة على الساحة المشير عبد الحكيم عامر وبعض عناصر قيادته وبعض الوزراء وبينهم قائد الجيش جمال فيصل واكرم ديري اللذين نزلا الى الساحة ليناقشا الضباط المتمردين فقال لهما المقدم حيدر الكزبري نريد نتحدث مع المشير عامر بعد ان ياخذ رهائن عند جماعته المتمردين من جماعة المشير قبل الدخول عليه وجرت مشادة بين اكرم ديري والكزبري الذي اطلق النار باتجاه اكرم ديري الذي اصيب بشضية حجرية في ساقه وتطوع اللواء انور القاضي والعقيد احمد زكي كرهائن ودخل الكزبري وخرج بعد خمسين دقيقة ومعه الفريق جمال فيصل بعد ان طلب المشير وفدا من المتمردين ليقابله ويتفاوض معه وتداول المتمردون فيما بينهم وقدموا طلبات هي:
1 -.اعادة الضباط السوريين من الاقليم الجنوبي الى سوريا ( التي سميت كما قلنا سابقا باللجنة العسكرية)
2 - اعادة الضباط المصريين الى الاقليم الجنوبي ( مصر)
3 - تشكيل لجنة ضباط جديدة
4 -تسفير الوزراء العسكريين السوريين الى القاهرة ( وهم
5- اعادة النظر بالوحدة وجعلها اتحادية بدلا من وحدة
ثم توجه المتمردون الى مكتب المشير وبرفقتهم جمال فيصل وتولى موفق عصاصة شرح اهداف المتمردين كما اخذ يهاجم القائمين على الوحدة من عسكريين ومدنيين ويحملهم الاخطاء. وبنتيجة المناقشة قال المشير " انا بصفتي قائدا عاما مسؤولا عن الجيش مستعد لانفذ المطالب المتعلقة به والتي اراها صالحة، اما الامور السياسية فهي تخص الرئيس جمال عبد الناصر واتفق الجانبان على ان يذيع المتمردون بلاغا يشعر الشعب بانتهاء الحركة وعودة الامور الى ما كانت عليه وان ينشر المشير بيانا يعلن فيه وحدة الجيش والشعب. وكانت هذه المباحثات قد استغرقت ما يقارب ثلاث ساعات ونصف تمكن فيها المتمردون من وضع صيغة البيان رقم 9 وامرين يتعلقان بتشكيل قيادة جديدة للجيش وخطة ضباط جديدة ثم دخلو غرفة المشير وعرضوا عليه نص البلاغ رقم 9 فوافق على الامرين ووقعهما وعدل قليلا بالبلاغ رقم 9 ووافق على اذاعته ثم ابتدأ بتحضير بيانه الذي سيلقيه على الشعب ايذانا بانتهاء الازمة على ان لا يذاع الا بعد عودة جميع القوات المتمردة الىثكناتها وفك الحصار عن القيادة فوعد المتمردون بذلك.
وهنا اتصل مهيب هندي بالقيادة وطلب الحديث مع عبد الكريم النحلاوي فرد عليه جمال فيصل وتحدث مع هندي الذي قال " شو هذا يا سيدي البلاغ رقم (9)؟ فساله فيصل: شو بتقصد بقولك؟ فاجابه هندي: مو هذا اتفاقنا مع المقدم ( ويقصد حيدر الكزبري) فاجابه فيصل الحسيني: يا مهيب الاتفاق كان على الاصلاح ضمن الوحدة وما يمشي الان هو حسب الاتفاق. فاجابه هندي: لا مو هذا اتفاقنا وانا ساحمل اللواء وانزل اهد الاركان على رؤوسكم مو كل مرة بدنا نعمل حركة عملناها وخلصنا بدنا نخلص. ثم اتى النحلاوي واستلم المخابرة وقال امام الحاضرين طيب.طيب. طيب ثم حضر الرائد هشام عبد ربه مسلحا برشاشة روسية واخذ يصيح في الحاضرين " شو هالبلاغ رقم 9 ؟ وكذلك فعل دهمان واخذ يصيح خربتوا البلد شو هالبلاغ رقم 9 اين النحلاوي. وكان النحلاوي عند المشير وبعد فترة خرج النحلاوي وعصاصة من غرفة المشير واجتمعا الى بقية رفاقهم من الضباط المتمردين وقرروا الغاء البلاغ رقم 9 وتسفير المشير وضباط قيادته وجمال فيصل واكرم ديري واحمد حنيدي وطعمة العود الله وجادو عز الدين الى المطار حيث رافقه زهر الدين ومفق عصاصة. وفي الطريق حاولوا إثناء جمال فيصل عن الذهاب مع المشير فلم يقبل واعتبركل من شارك في الانفصال متآمرا على الوحدة.
وبعد تسفير المشير وجمال فيصل عاد المتآمرون من المطار الى مبنى القيادة وكان البلاغ رقم 10 وهذا نصه:
ان القيادة الثورية العربية للقوات المسلحة تعلن للشعب العربي انها لدى اتصالها بالمشير عبد الحكيم عامر وعدها بالقضاء على الانتهازيين والمخربين مما دعاها لاذاعة بلاغها رقم 9 ولكن ما لبث المشير ان نكث بوعده لذلك حرصا من القيادة الثورية على انتصارات الشعب العربي والقومية العربية تعلن للشعب اعتبار بلاغها رقم 9 لاغيا. وهي تعلن انها وضعت يدها على كافة الامور وتعاهد الله والوطن على حماية سلامة الامة وصيانة حقوقها والحفاظ على كرامتها
والقيادة الثورية لها من سعة وعي الشعب عدم السماح للمأجورين والانتهازيين - ان وجدو- ان يندسوا بين صفوفه فالحركة للشعب والى الشعب..
وقد جاء في البيان رقم 9 ما يلي
ان القيادة العربية الثورية للقوات المسلحة التي دفعها الشعور بالخوف على وحدة الصف العربي وحماسها للقومية العربية وتأييدها لها دفاعا عن مقوماتها تعلن للشعب العربي الكريم انها لا تنوي المس بما احرزته القومية العربية من انتصارات وتعلن انها لمست عناصر مخربة انتهازية تريد الاساءة لقوميتنا، فقامت بحركتها المباركة تلبية لرغبة الشعب العربي وآماله واهدافه وانها عرضت قضايا الجيش واهدافه على سيادة المشير نائب الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة الذي تفهّم امور الجيش على حقيقتها واتخذ الاجراءات المناسبة لحلها لصالح وحدة وقوة القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة.
وقد عادت الامور العسكرية الى مجراها الطبيعي اعتمادا على ثقتها بحكمة القائد العام للقوات المسلحة وقائد الجيش الاول اللذين يحققان اهداف القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة.
عبد الناصر يمنع حدوث مجزرة
عندما سيطر الانفصاليون على مدينة حلب اخذت اذاعتها تشتم الرئيس جمال عبد الناصر مما اثارت غضب كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة المصرية الذي انفرد بالمشير عامر وطلب منه اعطاء الاوامر بقصف اذاعة حلب فاجابه المشير اذهب انت واعط الامر. واتصل كمال الدين حسين بقائد سلاح الطيران صدقي محمود ليطلب منه ارسال طائرة تقصف اذاعة حلب بالقنابل. وهنا اخبر محمود عبد اللطيف الجيار السكرتير الشخصي لعبد الناصر بما دار من حديث بين المشير وكمال الدين حسين فاسرع الرئيس الى مكتبه وصاح بكمال الدين ما هذا الذي تفعله فاجابه: هل انت موافق على استمرار هذه الوقاحة والشتائم من تلك المحطة؟ فال الرئيس عبد الناصر: وهل ترى انت ان نقطع الى الابد ما بيننا وبين الشعب السوري؟ ان اذاعة حلب تقع وسط المساكن. هل تريد دما بيننا وبين السوريين. وبذلك اوقف عبد الناصر مجزرة كادت ان تحدث في حلب.
موقف عبد الناصر من الانفصال
عند سماع الرئيس عبد الناصر البيان رقم 9 الصادر عن الانقلابيين بدمشق اتصل من القاهرة بالهاتف اللاسلكي - الذي لم ينتبه الانقلابيون اليه ويقطعوه- بالمشير عبد الحكيم عامر وقال له: ما هذا الذي سمعت يا عبد الحكيم؟ هل صحيح انك ستذيع بيانا بعودة الهدوء؟ اوعى تعمل كده. اذا كانوا جادين حقا اطلب منهم ان يعودوا اولا الى ثكناتهم والا فلن تعود تملك معهم شيئا. ان اي بيان ستصدره الان سيخدمهم. لا تدعهم يكررون ما فعلناه نحن مع الملك فاروق. لا تخف ولا تساوم نحن الان نحرك قواتنا.
ثم بدأ الرئيس عبد الناصر يعد امر تحرك الجيش والاسطول الى سوريا ووصلت الانباء الى القاهرة بان حلب ما تزال صامدة بوجه الانفصال فقدر الرئيس عبد الناصر بان اللاذقية لا بد ان تكون صامدة ايضا. ووضع عبد الناصر خطته بهبوط قوات الصاعقة بقيادة جلال هريدي في مطار اللاذقية ومعها عبد المحسن ابو النور لتنضم الى القوات الصامدة في اللاذقية. تهبط بعدها طائرة الرئيس ليخوض المعركة مستندا الى تاييد الشعب السوري. وبدأ عبد الناصر بتنفيذ خطته فارسل طائرات تحمل قوات الصاعقة ولكن المفاجأة كانت بعةودة عبد المحسن ابو النور دون ان يهبط في مطار اللاذقية لان الطائرات وصلت بعد غروب الشمس ومطار اللاذقية لا يصلح لاي هبوط بعد غروب الشمس واخبر عبد الناصر بان طائرة واحدة منها انزلت جنودها بالمظلات ولا يعرف شيئا عن بقية الطائرات. في هذا الوقت كان المشير قد وصل الى القاهرة برفقة اكرم ديري وجمال فيصل وهو بحالة واضحة من العصبية والذهول وتوجه الى مكتب عبد الناصر الذي بدا الحزن العميق في عينيه واصدر امرا للقوات الاخرى التي ذهبت بحرا باتجاه اللاذقية بالعودة الى مصر.
اما القوات التي وصلت الى اللاذقية فقد استسلمت للانقلابيين.
وعندما وقع الانفصال كان عبد الحميد السراج لا يزال في سوريا وقد قام بعض اعضاء الاتحاد القومي في دمشق بتظاهرات في المدينة تأييدا للسراج اعتقادا منهم انه هو الذي قام بالحركة تصحيحا لبعض الاخطاء التي وقعت اثناء قيام الوحدة وخاصة منها ايفاد المشير عبد الحكيم عامر حاكما عاما على سورية وتقييد سلطات مجلس الوزراء في سورية الذي كان يرأسه عبد الحميد السراج ومن ثم ابعاد بعض الوزراء عن الاقليم الشمالي وايفادهم الى الاقليم الجنوبي في مصر وآخرهم عبد الحميد السراج بتعيينه نائب لرئيس الجمهورية العربية المتحدة للشؤون الداخلية ومقره في القاهرة.
وقد قام الانفصاليون بقمع التظاهرات التي نظمها اعضاء الاتحاد القومي واوفدوا المقدم هشام عبد ربه - احد قادة الانفصال- مع عدد من مرافقيه حيث اعتقلوا عبد الحميد السراج وزجوه في سجن المزة العسكري. وبقي السراج بالسجن فترة استطاع بعدها الفرار من السجن بمساعدة الرقيب منصور الرواشدة احد حراس السجن الذي هربه الى لبنان حيث كان بانتظاره في بيروت سامي شرف مدير مكتب الرئيس عبد الناصر الذي اصدر تعليماته بهذا الخصوص حيث تم نقله الى القاهرة حيث اقام في قصر الطاهرة وقد التحقت به زوجته واولاده بعد ذلك وما يزال في القاهرة حتى كتابة هذا الموضوع فيها.
كلمة لابد منها
اولا- لاشك ان اخطاءاً كثيرة وقعت خلال عهد الوحدة ومنها ان عبد الحميد السراج الذي شغل منصب وزير الداخلية في سوريا ظل يتصرف حيال القوى الوطنية والبعثيين خاصة بعقلية مدير المكتب الثاني ( الاستخبارات العسكري) قبل الوحدة حتى بعداه.
ثانيا - ومن الاخطاء الاخرى تعيين المشير عبد الحكيم عامر حااكما عاما على سوريا وكان الاجدر بعبد الناصر ان يختار سوريا حاكما على سوريا وقد اكد ذلك عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة في مذكراته فيقول ان عبد الناصر عرض عليه ان يكون حاكما عاما على سوريا الا انه اعتذر وقال لعبد الناصر لايجوز تعيين مصري حاكما على سوريا والافضل تعيين سوريا حاكما عليها.
ثالثا- روج المعادون لحزب البعث وخاصة في مصر وفي مقدمتهم الكاتب والصحفي هيكل بان البعثيين هم وراء الانقلاب. الا ان من يطلع على لقاء احمد منصور بعبد الكريم النحلاوي مدير مكتب المشير عامر وقائد عملية الانفصال يكتشف ان اتهام البعثيين بانم من قاموا او وراء الانفصال تهمة باطلة فحزب البعث والكل يعرف كان منحلاً ولا تنظيم له. وقد ذكر ذلك عميد المجاهدين المرحوم بهجت ابو غربية عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي سابقا قائ" لو كان في سوري 500 بعثيا منظما لما وقع الانفصال".
ان مؤامرة الانفصال كانت قد كشف عن خيوطها جهاز المكتب الثاني وابلغ يومها عبد الحميد السراج والمشير عبد الحكيم عامر وصلاح نصر مدير المخابرات المصرية الا انهم لم يتخذوا الاجراء اللازم لافشالها.
يتحدث عن ذلك فوزي الشعيبي المسؤول في الشعبة الثانية في سوريا قبل الوحدة وفي المخابرات العامة بعد الوحدة فيقول في مذكراته "... ذات يوم جاءني الى مكتبي حسين مرشد رضوان واحد من قادة الثورة السورية ضد الفرنسيين وهو زعيم لعائلتي " ابو عسلي" في محافظة السويداء فقال لي هذا اللعين سلمان حمزة جاء يريد مني أن اشارك بالتآمر على الوحدة ورئيسها جمال عبد الناصروقال لي ان بعض الضباط من الجيش السوري وآخرين مدنيين من السياسيين في دمشق يعملون من اجل فصل الوحدة بين مصر وسورية واضاف باعتبارك احد زعماء هذه المحافظة فلا بد ان تكون على اطلاع لتعلن تأييدك للانفصال عند وقوعه. ولما كان كلامه قد استفزني وأثارني طردته من البيت وهممت ان اضربه.
ويضيف الشعيبي " وقلت يا ابا يوسف انت عندما ثرت في وجهه وطردته من بيتك فانت لم توقف المتآمرين كان الاجدى ان تسايره لتعلم منه اسماء المتآمرين" وطلبت اليه ان يعود ثانية لاستدعاء سلمان حمزة وان يقول له انه فكر بالامر ورأى من الافضل عدم التسرع. وزودته بجهاز تسجيل يمكن اخفاؤه بسهولة بين الثياب وهو يعمل لمدة طويلة وذلك ليسجل عليه الحديث من جديد مع سلمان حمزة".
ويقول الشعيبي" عاد ابو يوسف بعد عدة ايام ليعيد لي الجهاز وقال لي انه قد سجل عليه حديث سلمان بالكامل. اخذت الجهاز واستمعت الى ما فيه من حديث فهالني ما تضمنه من اسماء بعض الضباط المتآمرين كالعميد موفق عصاصة من القوى الجوية والمقدم حيدر الكزبري من قوى البادية والعميد عبد الغني دهمان، كما تضمن بعض الاسماء المدنيين. واخذت الجهاز وانطلقت بسيارتي الى دمشق وذهبت الى الاذاعة السورية وقابلت يحيى الشهابي مدير الاذاعة وطلبت منه ان ينقل التسجيل الذي احمله على اشرطة عادية بحضوري دون ان يستمع اليه، فلبى طلبي مشكورا عندما تفهم سرية الموضوع ونقل لي التسجيل على شريطين ولم تكن الكاسيتات آنذاك قد عرفت.
وذهبت بالشريطين الى وزارة الداخلية حيث قابلت عبد الحميد السراج وقلت له تفضل اسمع ما بهذين التسجيلين، فقال لي قم بنا الى البيت لسماعهما. وفي منزله بدأ يستمع الى التسجيل ولما احس باهمية ما جاء فيه اتصل ببعض ضباط المخابرات العامة منهم برهان ادهم واخرين واستمع الجميع لما في التسجيل من معلومات خطيرة. وطلب اليّ السراج ان اعود ثانية الى الاذاعة لاستنساخ التسجيل مرتين والعودة اليه. وفي اليوم الثاني عدتُ اليه وبحوزتي نسختان من التسجيل حيث استدعة بهجت المسوتي وطلب اليه ان يذهب الى القاهرة على متن اول طائرة ليسلم التسجيل لصلاح نصر مدير المخابرات العامة. اما النسخة الثانية فقد طلب مني ان اذهب بها الى القيادة العامة للجيش لتسليمها للمشير عبد الحكيم عامر الذي كان في دمشق آنذاك".
ويواصل الشعيبي حديثه" ذهبتُ الى القيادة العامة للجيش ودخلت مكتب المشير حيث قابلني مدير مكتبه العقيد احمد علوي( مصري) فطلبت اليه أن يستأذن لي المشير بمقابلته فقال لي أن المشير ( عنده لجنة) اي اجتماع. قلت أنتظره حتى ينتهي من اجتماعه، فحاول ان يعرف المهمة التي جئت من اجلها، فقلت له انها مهمة خاصة به وانا مكلف تسليم الامانة له، فقال لي انا مدير مكتبه وكاتم اسراره ز ورفضت ذلك وحصلت مشادة بيني وبينه واذا بالباب يفتح ويخرج منه المشير فسألني عن سبب حضوري وما الذي بيني وبين مدير مكتبه احمد من خلاف ؟ قلت له انني احمل اليك أمانة كلفني السيد عبد الحميد السراج أن اسلمها لك بالذات والعقيد احمد يريد الاطلاع عليها فرفضت ذلك وهذا سبب الخلاف بيني وبينه. فقال لي سلم الامانة للعقيد احمد علوي فاعطيتها لهذا الاخير.
على الجانب الاخر سافر يهجت المسوتي في اليوم الثاني الى القاهرة حيث سلم نسخة التسجيل التي حملها لصلاح نصر مدير المخابرات العامة وبقيت النسخة الاصلية لدى عبد الحميد السراج.( فوزي الشعيبي، شاهد من المخابرات السورية 1955 - 1968، ص 131 -135 )
ويضيف الشعيبي" ولم تمض مدة طويلة على كشف مؤامرة الانفصال وارسال نسخة من التسجيل الذي يحوي بعض تفاصيل العملية الى القاهرة وتسليمها لمدير المخابرات العامة صلاح نصر من قبل بهجت المسوتي وقيامي بتسليم نسخة عنها ايضا لعبد الحكيم عامر بدمشق حتى فوجئنا بصدور قرار عن رئيس الجمهورية بتعيين عبد الحميد السراج نائبا لرئيس الجمهورية للشؤون الداخلية ومقره القاهرة، وقد لاحظنا ان السيد السراج لم يكن راضيا عن التعيين واعتبره ابعادا له عن الاقليم الشمالي ( سورية) بعد ان كان فيها رئيسا للمكتب التنفيذي ( رئيسا للوزراء) ووزيرا للداخلية ورئيسا للمخابرات العامة في سورية اي انه كان حاكما مطلقا في الاقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، لذلك لم يكن يريد هذا المنصب الجديد الذي يبعده عن سورية وخاصة انه عندما ذهب الى القاهرة تنفيذا للقرار وجد نفسه بدون سلطة او عمل فعلي يمارسه لذلك عاد الى سورية وراح يلتقي باعضاء تنظيم الاتحاد القومي الذين كانوا يتعاطفون معه وقد استنكروا نقله الى القاهرة وكانوا يريدون ان يبقى في سورية وخاصة من الداخل والخارج لانه أقدر من غيره على اداء هذا الواجب بسبب خبرته الطويلة في سورية قبل قيام الوحدة وبعدها. وقد قام بعض اعضاء هذا التنظيم بتظاهرات في دمشق خاصة تأييدا للسراج مطالبين فيها ببقائه في سورية.( فوزي الشعيبي، المصدر السابق، ص 137 -138).
ويقول الشعيبي" اصدر المشير عبد الحكيم عامر قرارا بنقل عدد من ضباط المخابرات العامة من دمشق الى القاهرة وكنتُ واحدا ممن شملهم هذا القرار... وبعد قيام الانفصال تبين أن العقيد عبد الكريم النحلاوي مدير مكتب المشير عبد الحكيم لشؤون السوريين هو القائد الاول والمخطط لعملية الانفصال لذلك لابد ان يكون قد اطلع على التسجيل الذي يحوي بعض تفاصيل عملية الانفصال قبل وقوعه، وقد احس بخطر اكتشاف أمر عملية الانفصال لذلك ادخل في ذهن المشير عامر ان عبد الحميد السراج وضباطه من المخابرات سيقومون بفصل الوحدة بسبب نقل السراج الى القاهرة وابعاده عن سورية، لذلك اصدر المشير عامر قراره بنقل ضباط المخابرات العامة الى القاهرة خوفا من قيامهم بفصل الوحدة كما اوهم به العقيد عبد الكريم النحلاوي وخاصة بعد ان تأكد أنني أنا الذي كشفتُ عملية الانفصال وأنا الذي أحضر التسجيل الذي تسلمه العقيد احمد علوي مني، مع العلم لم انه يرد في هذا التسجيل اي ذكر للعقيد عبد الكريم النحلاوي وكذلك العقيد مهيب الهندي والمقدم هشام عبد ربه الذين قادوا الانفصال فعلا. ولم يرد فيه الا ذكر العميد موفق عصاصة من القوى الجوية والمقدم حيدر الكزبري من قوى البادية والعميد عبد الغني دهمان. ويواصل الشعيبي حديثه فيقول " ولو أن المشير عبد الحكيم عامر اهتم بهذا التسجيل وأمر بإجراء تحقيق مع الضباط الذين وردت اسماؤهم فيه لما وقع الانفصل ولبقيت الجمهورية العربية المتحدة درعا للامة العربية ونواة للوحدة العربية الكبرى. ولو ان مدير المخابرات العامة صلاح نصر أطلع الرئيس عبد الناصر على هذا التسجيل واتخذت الاجراءات اللازمة للحيلولة دون تنفيذ هذه الجريمة لما وقع الانفصال ايضاً، الا ان المشير عبد الحكيم عامر وصلاح نصركانا متآمرين على الوحدة وعلى الرئيس عبد الناصر كما تبين ذلك بعد وقوع نكسة حزيران واندحار الجيش المصري عام 1967
وكان المشير عبد الحكيم عامر قد اصدر قرارا قبل ترحيل ضباط المخابرات العامة الى القاهرة اصدر قرارا باعادهم عن مواقع عملهم في المخابرات والمباحث العامة وقد كلف السيد راشد قطيني العمل في المباحث العامة بدلا مني رئيسا لقسم الهيئات الذي يضم جميع الاحزاب والنقابات والجمعيات السرية والذي عليه تنظيم التقرير السياسي اليومي عن الاقليم الشمالي..وهكذا اصبح ضباط المخابرات والمباحث العامة بعيدين عن مواقع عملهم قبل ترحيلهم الى القاهرة وقيام الانفصال بعد ترحيلهم بخمسة ايام فقط بعد ان خلت الساحة للانفصاليين الذين تخلصوا من ضباط الامن الذين كانوا عيونا ترصد تحركات المتآمرين على أمن الجمهورية العربية المتحدة. اقلعت الطائرة بتاريخ 23/9/1961 بنا مبعدين عن بلدنا بحجة أننا ذاهبون لاتباع دورة في ادارة المخابرات العامة في القاهرة. وفي مطار القاهرة كان في استقبالنا " زغلول كامل" مدير مكتب صلاح نصر حيث نقلنا الى فندق الكونتننتال في ميدان الاوبرا، ثم نقلنا في صباح اليوم الثاني الى بناء مجاور لبرج القاهرة يعود للمخابرات العامة يدعى معهد العلوم الاستراتيجية، وقد قيل لنا أننا سنتبع دورة إطلاعية في المعهد وكنا نبيت في المعهد نفسه ونذهب لتناول الطعام في نادي ضباط البوليس القريب من المعهد " ( فوزي الشعيبي، المصدر نفسه،ص 147 -148 ).
ويواصل الشعيبي الكلام فيقول" طلبتُ من مدير المعهد ان يحدد لنا نحن الضباط السوريين الذين كانوا في معهد العلوم الاستراتيجية. لم ننتظر طويلا فقد أبلغنا مدير المعهد ان السيد صلاح نصر بانتظارنا في مكتبه بادارة المخابرات العامة وأنه قد أعدّ لنا سيارة لتنقلنا للادارة لمقابلته. وفي قاعة الاجتماعات في ادارة المخابرات العامة التقينا صلاح نصر الذي رحب بنا مبديا اسفه الشديد لوقوع الانفصال في سورية الذي قام به شرذمة من الضباط المرتبطين بجهات اجنبية... وسكت بعد ذلك فرفعت يدي أستأذنه بالحديث وقلت له: لدي سؤال أريد الاجابة عنه بصراحة اذا لم يكن في ذلك حرج. قال: تفضل لا يوجد اي حرج.
قلت: منذ بضعة أشهر جاء لمقابلتك بهجت المسوتي - وكان بين الحضور- وسلمك تسجيلا ارسله لك عبد الحميد السراج فيه بعض تفصيلات عملية الانفصال حيث ورد فيه اسماء بعض الضباط الذين نفذوا عملية الانفصال فعلا هذا اليوم. وسؤالي هو اذا كان السيد الرئيس جمال عبد الناصر قد اطلع على هذا التسجيل ام لا؟
اطرق السيد صلاح نصر برهة ثم قال " هو عبد الحميد الله يسامحه خلق لنا هيصة في سورية، والحقيقة لما جاء لنا التسجيل ده ظنينا انه متألف عشان يبقى عبد الحميد في سورية، لذلك لم نطلع السيد الرئيس عليه. ( فوزي الشعيبي، المصدر نفسه، ص 151 -153).
في عهد الوحدة، عمل المقدم عبد الكريم النحلاوي نائبا لمدير إدارة شؤون الضباط في الجيش الأول، والتي يرأسها العميد أحمد علوي، أحد أصفياء المشير عبد الحكيم عامر وهو المنصب الهام الذي سمح للنحلاوي بالتحكم بتنقلات الضباط طالما كسب ثقة المشير عامر. تحلى النحلاوي بالكتمان، وأظهر كل آيات الولاء والطاعة لقائده عامر، الذي كان يبادله محبة واصطفاء
.
رابعا -تصرفات المصريين العاملين في سورية غير اللائقة كانت احد اسباب الانفصال. اذ يروي سامي جمعة احد ضباط المكتب الثاني في سوريا في مذكراته فيقول" كان ضباط المخابرات المصرية العلنيون يعملون ام في القيادة المشتركة او في السفارة المصرية، اما الاخرون فقد اوفدوا بصفة مدرسين حيث انضموا الى الشبكات التي كان يديرها " عدلي حشاد" المدرس المنتخب في ثانويات دمشق منذ الخمسينات او بصفة خبراء زراعيين ومهندسين. وكانت الاوامر الصادرة عن السيد عبد الحميد السراج وخصوصا تلك الموجهة اليّ تقضي بابداء كل تعاون معهم وتنفيذ جميع طلباتهم، وكان سلوكهم يتسم بمنتهى اللطف والكياسة، وكلمات سيادتك ويا فندم لا تفارق شفاههم. لكن بعد قيام الوحدة بأقل من اسبوع إنقلب اسلوب تعاملهم معنا رأسا على عقب، فقد كان تعاملي معهم يتم عن طريق العقيد في المخابرات المصرية " عبد الرحيم عزت" الذي كان ايضا اكبر معاوني السفير محمود رياض قبل الوحدة. كان العقيد عزت يستميت لارضائي وخطب ودي، اما بعد الوحدة فقد دأب على توجيه طلباته بشكل اوامر متعالية ومتفرعنة. ثم ما لبث المصريون ان بدأوا يستغنون عن خدماتنا الا بالامور التنفيذية كتوقيف اشخاص والتحقيق معهم وما شابه ذلك اذ انشأوا شبكات خاصة بهم وقد احصيت اكثر من عشرين شبكة منها كلها مؤلفة من العناصر المحلية ومن مختلف طبقات المجتمع وقد جمعهم هدف واحد هو الانتقام منا ومن البعثيين بالاضافة الى ذلك كانت هناك شبكات نسائية ورجالية مرتبطة باللواء المصري " عبد الفتاح فؤاد" الذي انتدب من القاهرة للاشراف على منظمة المقاومة الشعبية وكانت تعاونه سيدة اشتهرت منذ تأسيس الجيش السوري بالعمل التطوعي لبعض الانشطة الاجتماعية كمعونة الشتاء واسرة الجندي وغير ذلك. وشبكات اخرى".
ويواصل سامي جمعة حديثه فيقول" جاءنا حسن التهامي مدير مكتب الرئيس عبد الناصرسابقا موفدا من السادات وحل ضيفا على احد الشيوخ المعروف بصداقته للفرنسيين على انه موفد من الرئيس عبد الناصر للاطلاع على الاوضاع في سورية على حقيقتها وشكل وفودا يرسلها الى القاهرة ليقوم السادات بدوره بتقديمها لررئيس عبد الناصر على انها جاءت للتهنئة بالوحدة بعد ان لقنها التهامي فتقول" يا سيدي ان الشعب السوري يؤيدك ويعتبرك سادس الخلفاء الراشدين وهو وراءك حتى الموت ولا يوجد للشعب السوري سوى مطلب واحد هو ان تنقذه وتخلصه من هؤلاء البعثيين الكفرة اعداء الدين الذين لا يمثلون احدا في سورية.ولما علم عبد الناصر بما يقوم به حسن التهامي امر بوقف استقدام الوفود من سورية واصدر أمرا لانور السادات بوجوب تجميد انشطة التهامي وحصرها بسكرتارية المؤتمر الاسلامي ثم ابعده عبد الناصر الى سويسرا فعمل مستشارا في السفارة هناك وبعد ان علمت القاهرة باتصالات التهامي باعضاء السفارة الامريكية وبعض عملاء الموساد امر الرئيس باستدعاء التهامي الى القاهرة فرفض التهامي ذلك وتولى في السبعينات اقناع الرئيس السوداني جعفر النميري باستضافة يهود الفلاشا في السودان لاستئناف رحلتهم من اثيوبيا الى اسرائيل.
وحسن التهامي مغربي الاصل جده يهودي اعتنق الاسلام وهاجر الى مصر حيث تزوج منها واقام فيها.( سامي جمعة، المصدر السابق، ص303 - 307)
ومن جهة اخرى يعترف السيد محمود رياض السفير المصري في سورية آنذاك ووزير خارجية مصر وامين عام جامعة الدول العربية سابقا فيقول في مذكراته" أما بالنسبة لسورية فكان الجيش السوري اكثر تعقيدا، فقد بدأ تدخل الضباط في العمل السياسي بعد استقلال سورية ببضع سنوات عندما قام حسني الزعيم باول انقلاب عسكري في سورية عام 1949 ثم توالت الانقلابات العسكرية فاصبحت هذه الفترة ظاهرة عادية. وكان عبد الناصر يعلم على ضوء خبرته ان ابعاد الجيش السوري عن العمل السياسي لا يمكن ان يتحقق نهائيا عن طريق خروج قادة الكتل العسكرية من الجيش، وانما كان يأمل ان تؤثر شعبيته الجارفة في سورية على الاحداث وتحول دون تفكير اي مجموعة من الضباط في القيام بعمل ضد الوحدة"
وكان بديهيا ان يقوم عبد الحكيم عامر بعد تعيينه قائدا عاما للجيش بدور حاسم في السيطرة على الجيش الا انه لم يحسن اختيار معاونيه فاشترك ضباط من اركان حرب قيادته في الحركة الانفصالية ولا يمكن ان نستنتج من ذلك ان مسؤولية الانفصال تقع على عاتق عبد الحكيم او قيادته فالامر كان اعمق من ذلك وكان الانفصال نتيجة طبيعية لقيام الوحدة الاندماجية والتي كانت قفزة بالمجهول ومخاطرة غير محسوبة، فقد قامت على اساس من الحماس والاماني الطيبة بعيدا عن حقائق الحياة واوضاع المنطقة".
ويضيف محمود رياض فيقول" وقد اكتشف رجال الاحزاب السوريون بعد انقضاء إحتفالات الوحدة وصدور القرارات المتعلقة باقامتها أنهم فقدوا دورهم السياسي، كما فقدو النفوذ الذي كانوا يتمتعون به قبل قيام الوحدة ولم تعد دمشق العاصمة التي يمكنهم التوجه اليها ومقابلة أي مسؤول فيها بما فيهم رئيس الجمهورية في اي وقت لمناقشة اي موضوع يرونه، وكان عليهم أن يتوجهوا الى القاهرة وينتظروا أيماً طويلة قبل أن تتاح لهم مقابلة رئيس الجمهورية. وكانت الحكومة المركزية في القاهرة تضم سبعة وزراء سوريين وقد شكا لي بعضهم انه لا يملك اصدار القرارات الاساسية وان اتصالهم مع رئيس الجمهورية يستغرق بعض الوقت فلم تكن لديهم وسيلة اتصال مباشر معه. مما جعلهم يشعرون بالنهاية انهم لا يشاركون في الحكم وكانوا ينقلون هذا الرأي لزوارهم السوريين مما دفع السوريين عامة الى الشعور بعدم مشاركتهم في الحكم -
ويضيف محمود رياض فيقول" وخلال تلك الفترة حاولت جاهدا إزالة فكرة التسلط المصري من اذهان السوريين الا انني عندما سمعت اكرم الحوراني يردد هذا القول ادركتُ خطورة الوضع الذي وصلت اليه الوحدة. فقد كنت في زيارة لاكرم الحوراني بمنزله وتحدثتُ ومعه عما يردده بعض السوريين بوجود تسلط مصري وفوجئت به يقول لي ان السوريين لهم العذر فهم يرون وزير الصناعة في الاقليم السوري المهندس " وجيه السمان" يقرأ روايات ارسين لوبين في مكتبه في الوقت الذي يدير شؤون الوزارة وكيل الوزارة وهو مهندس مصري.. بل ان البعثيين دائمي التذمر لعدم استشارة عبد الناصر لهم في القرارات السياسية التي يتخذها وتولد لديهم الشعور بانه لم يعد لهم دور في النظام القائم. ولذلك قرر الوزراء البعثيون الاستقالة من مناصبهم وخلقت الطريقة التي تمت بها الاستقالة هوة كبيرة بينهم وبين عبد الناصر الذي قبلها الا انه شعر بان الاستقالة طعنة له من الخلف وانها موجهة ضد الوحدة. (مذكرات محمود رياض،الجزء الثاني، الامن القومي بين الانجاز والفشل، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الاولى 1986، ص230 - 232 ).