"الجسر" .. أو دستور مصر الجديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
(نعم) لدستور مصر الجديد
(نعم) للفريق السيسي رئيسا لمصر عام 2014
بعد هذه المقدمة الموضوعية جدا، وأبسط التعريفات العلمية للموضوعية هو أن تعلن " ذاتيتك " من البداية، ندخل في الموضوع مباشرة. في تصوري ان غالبية المصريين لن تنجر - هذه المرة - إلي (فخ المكلمات) علي الفضائيات في المساء ثم إعادة بثها مطبوعة في صحف الصباح، لتتبين " التبر " من " التبن " أو " الثمين " من " الغث " في مناقشات الخبراء والمثقفين واصحاب الرأي حول مواد الدستور الجديد وبنوده وديباجته، فهذا " ترف " ما بعده ترف في ظروف مصر الراهنة، ومضيعة للوقت والجهد ومصالح الناس البسطاء المعطلة منذ ثلاثة أعوام.
الشعب المصري سوف يصوت ب" نعم " - وبأغلبية تزيد علي 70% والأيام بيننا - لانه لن يذهب لصنايق الاقتراع ليصوت علي (محتوي مواد الدستور) وإنما ليدلي بدلوه علي (شرعية) يوليو 2013 . وإن شئت الدقة والايجاز والتكثيف - فإن المصريين سيقترعون يومي 14 و15 يناير الجاري علي (انهاء) شرعية سابقة بائدة و(ارساء) شرعية جديدة واعدة.
من سمات " الجسر " الربط والاتصال والتواصل، وهذا الدستور الجديد 2013 هو الذي يربط بين دساتير مصر الحديثة : 1923 و1956 و1971، وكلها كانت نتاجا للبنية الاجتماعية (الثقافية) والاقتصادية والسياسية للمجتمع المصري، وتعبيرا عن الثورات التي خاضها هذا الشعب العظيم منذ الثورة العرابية مرورا بثورة 1919 و1952 و2011 و2013 في محاولة لاستكمال مسارات الدولة المدنية الحديثة التي دشنها محمد علي باشا عام 1805 (وبالمناسبة كانت المؤسسة العسكرية هي أساس هذه الدولة) وصولا للانتقال الديمقراطي المنشود.
هذا " الجسر " ليس وحيا الهيا أو كتابا مقدسا وإنما (اجتهاد بشري) قابل للتعديل والتغيير والتطوير، وهو وثيقة " توافقية " وليست " تلفيقية " بين أطياف اجتماعية وثقافية متعددة وميول ورغبات متنوعة ومصالح متباينة، ناهيك عن أن " التوافق " لا يعني بأي حال من الأحوال " التطابق " أو " التماثل " أو " التشابه " بين 90 مليون نسمة حسب قاعدة (السمع والطاعة)، فقد سأم الشعب المصري صاحب الطبقات الحضارية الجيولوجية المتعددة التي تمتد لآلاف السنين، من محاولة صبغه بلون واحد وذائقة واحدة ومن تطاول أدعياء الدين وأكاذيبهم وتكفيرهم للمصريين وحياتهم، مما جعل المصريين يكفرون بهم وبدستورهم وشرعيتهم ومشروعيتهم!
هذا الجسر لا يمكن أن يعترض عليه أي عاقل - وان تحفظ وعدد ملاحظاته النقدية علي بعض المواد - بل أقول انه حتي جماعة الإخوان لا تملك حقيقة أن تعترض عليه، لأنها لن تجد فيه " مادة " واحدة خاصة بالإسلام أو الشريعة (مواد الهوية) لتزايد عليها أمام البسطاء، وبالتالي فإن القضية عندهم ليست في " الدستور الجديد " وإنما اعتراضهم الأساسي لأسباب شخصية بحتة لا علاقة لها بالوطن، هم لا يريدون ان يعترفوا بالهزيمة والفشل والخراب الذي تسببوا فيه، لذا زعموا أن رفض الشعب المصري في 30 يونيو 2013 مجرد " انقلاب " ومن ثم فإن الرهان علي (عودة الشرعية) شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي ودستور الإخوان عام 2012 (أضغاث أحلام)!
من سمات الدستور الجديد 2013 أو " الجسر " : (المرونة) حتي يتحمل الاهتزازات والأثقال والضغوط والصدمات دون أن ينكسر، ويكشف اختيار السيد " عمرو موسي " الدبلوماسي القدير علي رأس لجنة الخمسين عن هذه (المرونة) جيدا، فلم يحاول ان يحل كل مشاكل مصر المتراكمة (والمتلتلة) في نص دستوري واحد، ولكنه احال المواد مصدر الاختلاف إلي " القانون "، ذلك لأن معظم المتغيرات لا يمكن ان يحسمها أي نص دستوري، ناهيك عن ادراكه بأن البيروقراطية المصرية (سبعة آلاف سنة) لديها القدرة علي التحايل والمراوغة والالتفاف حول هذه المواد، وهذه هي قيمة الدبلوماسي المحنك الذي يريد العبور بسفينة الألغام الموقوتة وسط الأنواء إلي بر الأمان.
هذا " الجسر " - باختصار - هو أفضل ما يمكن تشييده في ظروف مصر الحالية، مع الأخذ في الاعتبار ان (وعي المصريين) تطور وتغير بعد ثورتين في أقل من ثلاث سنوات، وان التوازنات داخل المجتمع المصري أصبحت تتغير أيضا بأسرع مما نتوقع لتواكب ايقاع أمواج العولمة المتلاحقة.
علينا ان ننتظر " النظام السياسي " القادم الذي سينشأ في ظل هذا الدستور الجديد، ولا نستبق الأحداث لنعرف : هل سيطلع هذا النظام بتطبيق هذه الوثيقة الجديدة أم لا؟ .. لأن هذا هو الأهم الآن باعتباره سيحدد مستقبل هذا الدستور أو مستقبل هذا (الجسر) وقدرته علي الاستمرار والتحمل والتواصل مع المصريين وهمومهم واحلامهم في التغيير والاصلاح!