أصداء

النظام والمعارضة.. رأسان يديرهما عقل واحد!

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا شبيه للمعارضة السورية في العالم سوى "سوريا المعارضة" نفسها. فقط هي تشبه نفسها؛ فقط أهلها المعارضون يشبهون أنفسهم. منذ اليوم الأول لخروجها من "البطن التركي" بعملية قيصرية، قبل حوالي سنتين ونيف، هي لاتكاد تخرج من أزمة شقاقٍ حتى تدخل أخرى أكبر. هي بإختصار معارضة ضد نفسها قبل أن تكون معارضة ضد النظام، وتحفر ألف حفرةٍ لنفسها قبل أن تحفر حفرةً للنظام.

المؤتمر الأخير ل"الإئتلاف الوطني السوري"، الذي انعقد نهاية الإسبوع الماضي في استانبول، والذي كان من المفترض به أن يكون "مؤتمراً حاسماً"، كما روّج له، لمواجهة النظام كمعارضة واحدة على قلب رجل واحد في "جنيف2"، أثبت للمرّة الألف أنّ المعارضة السورية معارضة فاشلة بإمتياز، لا تصلح للحكم، مشروعها (هذا إن كان لديها مشروع وطني أصلاً) هو مشروع سوريا فاشلة، سوريا ضد سوريا لسوريين ضد سوريين.

هي، قليلاً أو كثيراً، "صورة طبق الأصل" عن النظام، ولا تختلف عنه في شيء، اللهم سوى في إسمها. فعقلها هو كنقلها من عقل النظام ونقله. كلاهما وجهان لعملة سورية واحدة. فذاك له "البعث" وبعثييه، وتلك لها "داعش" وداعشييها.

مؤتمر إستانبول الأخير للمعارضة السورية أثبت للأصدقاء قبل الأعداء، أنّ خلاف المعارضين السوريين ليس خلافاً على "المبادئ" بقدر ما هو خلافٌ (بل خلافات) على المصالح. حتى قضية "جنيف2" (حضور المعارضة فيه من عدمه) التي باتت الشغل الشاغل لكلّ اجتماعات المعارضة، في الأشهر الماضية، فقد تبيّن أنها لا تتجاوز كونها أكثر من "قميص عثمان" تحت الطلب، يرفعه فريقٌ معارض ضد فريق آخر، كلما دعت الحاجة أو المصلحة إلى ذلك.

ثلث المؤتمرين (أكثر من 40 من أصل 120 عضواً) انسحب من المؤتمر بسبب "الديمقراطية"، أو لنقل شبيهتها، التي فاز من خلالها "أحمد الجربا" بحصوله على 65 صوتاً على حساب منافسه، رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، بفارق 13 صوتاً. المشكلة ههنا، لا تكمن بالطبع في نجاح الجربا ورسوب حجاب، بقدر ما أنها تكمن في رسوب الديمقراطية أو رسوب المعارضة نفسها، التي فشلت الآن في تطبيق أبسط مبادئ الديمقراطية على نفسها، ولم تستطع حتى الآن الخروج من مؤتمر واحد من مؤتمراتها (وما أكثرها)، بنفَس ديمقراطي، بدون حساسيات شخصية، أو خلافات أو انسحابات أو عراكات أو مناوشات أو حروب كلامية بين المؤتمرين.

والإنسحاب الأخير ل"الثلث المعطّل" من المؤتمر الأخير ل"الإئتلاف" يشير إلا أنّ المعارضة السورية تعيش أزمة حقيقية، عنوانها الأبرز هو الشقاق. هذه ليست المرّة الأولى التي تهدد فيه المعارضةُ المعارضةَ، أو تعارض المعارضة نفسها، بدلاً من معارضتها للنظام. سواء بقي "الإئتلاف" مؤتلفاً أو انشق على نفسه وآل إلى "إئتلافات"، برفع قميص "جنيف2" أو بدونه، فإنّ ذلك لن يغيّر من عقل المعارضة السورية شيئاً. عقل المعارضة السورية، كان ولا يزال، عقل شقاق لا عقل وفاق؛ عقلٌ في من "ضد سوريا" وخارجها، أكثر من كونه عقلاً "مع سوريا" ومن داخلها إلى داخلها.

المعارضة السورية لم تخلق في الخارج فحسب، بل خلقت، على ما يبدو، للخارج أيضاً.

ولعلّ ما كتبه أحد عقول هذه المعارضة، د.برهان غليون، على هامش هذا المؤتمر، يعبّر عن "الحقيقة الضائعة" لسوريا، تلك الحقيقة التي ضاعت بين كرسييّن: كرسي النظام في الداخل وكرسي المعارضة في الخارج. ذات العقلية التي ركبها النظام صاحب "نظرية الأسد أو نحرق البلد"، ركبتها المعارضة أيضاً، لكن على طريقتها الخاصة.

النظام ضرب سوريا والسوريين من الداخل، فيما المعارضة ضربتهم من الخارج.

النظام أسقط الثورة بالداخل عن طريق "أهل المقاومة"، فيما المعارضة أسقطها بالخارج عن طريق "أهل الجهاد".

أما النتيجة فكانت واحدة: قتل الثورة في سوريا، وقتل سوريا في الثورة.

النظام والمعارضة، كلاهما طرفان لمشكلةٍ واحدة إسمها سوريا، بلد المليون جرح.

كلاهما سببٌ في مشكلة كبيرة إسمها "المحرقة السورية".

المعارضة والنظام..رأسان يديرهما عقل واحد؛ عقلٌ لا تتجاوز حدوده حدود الكرسي الذي يجلس عليه صاحبه؛ عقل شمشوني بإمتياز، لم يخلق لبناء سوريا "معبداً" لكلّ السوريين، بقدر ما أنه خلق لهدمها فوق رؤوس الجميع.

كلاهما "شمشون سوري واحد"، على مبدأ واحد: "أنا ومن بعدي الطوفان"!

hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف