أصداء

سوريا: "ثورة" واحدة ونظام واحد و"داعشـ"ـان!

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قبل أكثر من عام قامت أميركا ودول الإتحاد الأوروبي بإدراج "جبهة النصرة" و "داعش" وأخواتهما على لائحة الإرهاب، الأمر الذي أثار سخطاً وغضباً كبيرين في أوساط المعارضة السورية، وعلى رأسها "الإئتلاف" و"المجلس الوطني" السورييّن.

في ردّه "الغاضب" على موقف الأميركيين والأوروبيين، الذي وُصف في أدبيات المعارضة، بأنه موقف "لا يصبّ في مصلحة الثورة"، قال رئيس "المجلس الوطني" جورج صبرا، آنذاك، "ان وصف الغرب للجبهة (النُصرة) بأنها إرهابية يدعم مزاعم الرئيس السوري بشار الأسد بأن الحرب الأهلية ليست انتفاضة طبيعية وإنما غزواً من قبل القوى الأجنبية". ذات الموقف أكدّ عليه رئيس "الإئتلاف" السابق، الشيخ معاذ الخطيب، في حينه، رافضاً وصف "النصرة" بالإرهاب، ف"لا يعيب أحداً أن يكون دافعه لتحرير بلاده هو الدين، وكون الحراك العسكري إسلامي اللون بمعظمه هو شيء إيجابي فالشهادة في سبيل الله طالما كانت هي المحرك الرئيس لحرية الإنسان"، على حدّ اعتقاده.

ساد هذا الإعتقاد، بإعتبار "النُصرة" و"داعش" و"حركة أحرار الشام" وسواها من المجموعات الإسلامية المسلحة المتشددة، من "الثورة" السورية وفيها إلى أن انفرط عقد "الجيش السوري الحرّ"، وتبيّن للعالم أنّ الحركات الجهادية والتنظيمات التكفيرية التابعة ل"القاعدة" تشكّل القوة العظمى في صفوف مسلحي المعارضة. فبحسب أكثر من دراسة، يشكّل الجهاديون والإسلاميون المتشددون القوة الأساسية الفاعلة على الأرض داخل قوات المعارضة السورية. في دراسة (نُشرت في سبتمبر الماضي) كان قد أجراها المعهد البريطاني للدفاع (آي. إتش. إس. جينز) أظهرت ان عدد المسلحين الذين يقاتلون في صفوف أهل "الثورة" السورية "يقدر بحوالي مئة الف مقاتل لكنهم يتوزعون على حوالى ألف مجموعة مسلحة مختلفة". ووفقاً لتقديرات الدراسة ذاتها ف"إن حوالى عشرة آلاف من هؤلاء هم جهاديون يقاتلون تحت الوية جماعات مرتبطة بالقاعدة، في حين ان 30 الفاً الى 35 الفاً آخرين هم اسلاميون يقاتلون في اطار مجموعات مسلحة متشددة".

قبل أقل من أسبوعين، طرأ تحوّل مفاجئ في موقف المعارضة السورية من بعض الفصائل الإسلامية المسلحة وعلى رأسها "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، بإعلانها لهذه الأخيرة "تنظيماً عميلاً للنظام ومعادياً للثورة"، ما أدى إلى حصول مواجهات مسلحة بين "الجبهة الإسلامية" الداعية إلى "إقامة الدولة الأموية في الشام"، كما جاء في آخر تصريحٍ لقائدها الشيخ زهران علّوش و"داعش" التي تجاهد من أجل إقامة "دولة الخلافة الإسلامية" وخسارة هذه الأخيرة، بالتالي، لبعض مواقعها الإستراتيجية في حلب وإدلب وريفيهما.

فهل لهذا التغيّر المفاجئ في موقف المعارضة المسلحة علاقة ب"جنيف2" الذي أصبح عنوانه الأبرز "محاربة الإرهاب"؟

الأرجح نعم. إعلان غالبية مجموعات المعارضة المسلحة وعلى رأسها "الجبهة الإسلامية" وإدراجها لإسم "داعش" في لائحة "الإرهاب" ومطالبتها ب"الخروج الفوري" من سوريا، ما هو إلا محاولة لسحب ورقة "محاربة الإرهاب" من يد النظام والمحور الذي يدعمه. الأمر الذي سيساهم في "تحسين" صورة المعارضة وتقوية موقفها في حسابات "جنيف2".

أما المفارقة الكبرى في موقف المعارضة السورية فتكمن في ازدواجيته الفظيعة، تجاه التعاطي مع "داعش" وإرهابها.

في حلب وأدلب والرقة وديرالزور، وسواها من "المناطق المحررّة" التي تريد لها "الثورة" أن تكون "سورية عربية سنيّة"، في مواجهة "الشيعة الرافضية" و"العدو الفارسي"، كما يقول لسان حالُها، تعلن المعارضة تنظيم "داعش" تنظيماً "إرهابياً معادياً للثورة" وتؤكد على أنّ هناك "علاقة عضوية بين التنظيم والنظام السوري وأن سيل دماء السوريين على يد هذا التنظيم رفع الشك في شكل نهائي عن طبيعته وأسباب نشوئه والأهداف التي يسعى الى تحقيقها والأجندات التي يخدمها ما يؤكد طبيعة أعماله الإرهابية المعادية للثورة السورية". أما في تل كوجر وقامشلو وسري كانييه وكوباني وعفرين، وغيرها من المناطق التي يريد لها أكرادها أن تكون "سوريا كردية"، فيكاد موقف المعارضة بكلّ فصائلها المعتدلة والمتشددة يتماهى مع موقف "داعش"، بإعتبار تنظيمها جزءاً من تنظيم الثورة، و"دولتها" دولةً أو جهةً للثورة، كما تبيّن من المعارك الأخيرة التي جرت في شمال شرقي البلاد في تل حميس بريف القامشلي، بين فصائل "الثورة" المسلحة تحت قيادة "داعش" من جهة و "قوات حماية الشعب" (YPG) من جهة أخرى.

في حلب وما حولها، تعتبر "داعش" من وجهة نظر المعارضة وتنظيمات وجيوش "الثورة"، على سنة الإسلام، "عدوّة الثورة" و"صنيعة النظام وعميلته"!

أما في قامشلو وما حولها، فتعتبر "داعش" ذاتها، ومن وجهة نظر أهل "الثورة" ذواتهم، وعلى سنة الإسلام ذاته، عدوةً للنظام، وجزءاً لا يتجزء من الثورة، لا بل قائدتها!

هناك في "سوريا السنيّة"، تصنع "داعش" الإرهاب والقتل، فيما هنا في "سوريا الكردية"، فهي تصنع الثورة والحياة.

هناك تريد المعارضة طرد "داعش" من سوريا، أما هنا فتريد "فتح" سوريا بها فتحاً مبيناً.

هناك، "داعش" مع النظام ضد "الثورة"، أما هنا فهي مع "الثورة" ضد النظام!

هناك، تغلق "داعش" "الثورة" وتقتلها بإرهابها، أما هنا فهي "تفتح الثورة"، وتحييها وهي رميمٌ!

هناك، "داعش" حرامٌ شرعاً، في الدين، كما في السياسة، أما هنا، في هي حلالٌ زلال!

فهل نحن في سوريا، طبقاً لهذا "الفقه الثوري"، أمام "ثورةٍ" واحدة، ونظامٍ واحد و"داعش"ين، أم أنّ وراء أكمة المعارضة السورية ما وراءها؟

hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف