فضاء الرأي

وفاة شاكر النابلسي خسارة كبرى للفكر التنويري...

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


ها هو المفكر النابغة شاكر النابلسي يغادرنا، بعد أن غادرنا قبل شهور العفيف الأخضر. خسارتان فادحتان في فترة زمنية قصيرة، في وقت نحتاج فيه، أكثر من أي وقت مضى، لمفكرين علمانيين وليبراليين شجعان من أمثالهما، يقولون الحقيقة وإن كانت تصدم شيوخ التكفير والتفسيق والدهماء المضللين والحكام المستبدين.
إنها لخسارة كبرى جديدة تداهمنا في وقت ضيقت فيه قوى الظلام والتجهيل والعنف الخناق على شعوب المنطقة، وحاصرت وهمشت التيارات والقوى العلمانية ودعاة الأفكار الحرة والقيم الديمقراطية والإنسانية، وحيث راحت قوى الشر الدموية تستبيح شعوبا بأكملها، ولا تكف عن إراقة الدم وسحق حقوق الإنسان، أمام سلبية دولية معيبة. والشعب السوري مثال.
تعرفت على الفقيد النابلسي من خلال عطاءاته المضيئة في إيلاف والحوار المتمدن وغيرهما من الصحف، في دراسات ومقالات متعمقة تعالج الهموم السياسية الملحة للعالم العربي، وتدعو للإصلاحات التقدمية في ميادين السياسة والفكر والدين والمجتمع، وترد بعمق وهدوء على مشوهي مفاهيم العلمانية والليبرالية والديمقراطية. وقد تعلمت منه الكثير رغم أنه لم يسعدني الحظ بالتعرف شخصيا عليه. وقد كان النابلسي متفائلا مثلي بسقوط النظام العراقي السابق، ولكن سرعان ما راجع الموقف بعد أن برهن حكام العراق والطبقة السياسية المتنفذة على مدى تخلفهم، وعلى إعادة إنتاجهم للممارسات الصدامية، ونشاطهم ليل نهار لقيام الدولة الدينية الإقصائية، سائرين على طريق نظام الولي الفقيه، وبتشجيعه ودعمه.
كان الدكتور شاكر النالبلسي من المفكرين الطليعيين الذين يرون، كما كان العفيف يرى، بأن قدر المنطقة هو العلمانية في نهاية المطاف وإن طال الطريق وكثرت العراقيل. وقد اهتم، وعدا الهموم السياسية والفكرية، بشؤون الشعر والفنون والتاريخ العربي، فكان جمّاعا للمواهب والإسهامات المتنوعة، ومن هنا ما خلفه لنا من مكتبة كاملة بحد ذاتها [ حوالي 70 كتابا].
إن شاكر النابلسي، [ وكما العفيف، ومن قبلهما نصر حامد، وأمثالهما من المفكرين النويريين الشجعان والمتألقين]، جدير بأن يدرس تراثه في المدارس والجامعات العربية، وأن يكرم بأن تحمل اسمه الميادين والمؤسسات الثقافية، وتخصص باسمه الجوائز.
هذه أمنية لعلها اليوم عسيرة التنفيذ، ولكنها ستشق الطريق يوما ما ليعرف كل الجيل الحالي والأجيال القادمة من كان هذا الرجل الإصلاحي الجريء، الذي لم تثنه الحملات الغوغائية الشرسة من مواصلة أداء رسالته النبيلة السامية في خدمة الفكر الحر والتقدم وأنوار المعرفة، ومن اجل مستقبل أفضل للعرب والبشرية جمعاء.
وتحية لذكرى شاكر النابلسي والعزاء لعائلته ولجميع محبيه ....

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف