إنتصرت القاعدة وداعش .. وماذا بعد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حتى اليوم وبحسب وكالات الأنباء العالمية فقد خسرت سورية فى حربها الطاحنة حتى الآن ما لا يقل عن 130 ألف قتيل و 400 ألف جريح ومعوق ، وهُجّر ما لايقل عن 9 ملايين ، ولجأ أكثر من 2 مليون الى الدول المجاورة ، والخراب الهائل الذى حل بمدنها جعلها تبدو كما لوكانت قد ضُربت بالقنابل النووية . الجوع والمرض و شدة البرد تفتك بالسوريين فتكا ذريعا بالرغم من المساعدات الدولية التى تصلهم . أغتنم الفرصة السفلة والأوغاد من أغنياء دول البترودولار ليشتروا أعراض السوريات بأبخس الأثمان ، بالإضافة الى مجرمى داعش والقاعدة الذين يقومون بالمتاجرة بالنساء ، وخاصة المسيحيات منهن ، فى المدن التى يستولون عليها بحسب فتاوى مشايخهم الذين يباركون هذه المنكرات بحجة أن تجارة الجواري كانت تمارس على عهد الرسول (ص) .
وبدأت هذه الشرور والآثام تتسلل من سورية الى الفلوجة والرمادي ومدن أخرى فى محافظة الأنبار شرق بغداد بمساعدة بعض السياسيين الطائفيين ومشايخ الدين والحمقى والمغفلين ، فأصبح العراق هو التالى بحسب تسلسل الدول التى ستعلن فيها الخلافة الاسلامية من قبل القاعدة وداعش (أو كما يسميها البعض: فاحش). أهالى الفلوجة والرمادي المنكوبين -كما هو الحال فى المدن السورية- يعانون من أهوال المعارك بالاضافة الى ما يفرضه عليهم الإرهابيون من انظمة ومراسيم وعادات كانت سائدة قبل 14 قرنا ، مثل إطلاق اللحى وتحريم حلاقتها ولبس الدشاديش وتحريم السراويل (البنطلونات) ، وتغليف النساء بالسواد من قمة رؤوسهن حتى أخمص الأقدام ، ولا يسمحون للمرأة بالخروج من بيتها بدون محرم ، وغير ذلك من تقاليد عفى عليها الزمن . ومؤخرا نشروا فى الفلوجة ما يسمى بـ (لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لمطاردة و جَلْد وقتل المخالفين لتعليماتهم . فهم لا يدركون أن الزمن فى تطور دائب ، وان العادات والتقاليد ومقاييس الأخلاق تتغير ، وان حياة الرجل المدنية الحاضرة غير حياة رجل البداوة والصحراء .
الخلافة الإسلامية كانت فى الواقع قد انتهت بمقتل الخليفة الراشد الرابع الإمام علي بن أبى طالب (ع) ومقتل ولديه الحسن والحسين سبطي الرسول الأعظم فى نكبة كربلاء المروعة ، حيث قُتل معظم آل بيت الرسول الذين نزلت بحقهم الآية الكريمة : "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى"، وأخذوا الأحياء منهم سبايا الى يزيد بن معاوية بن ابى سفيان بالشام . وقامت بدل الخلافة ملكيات أطلقت على نفسها لقب الخلافة كذبا وبهتانا . بدأت بمعاوية الذى كان جل همه إعادة مجد الأمويين الغابرحينما كانوا سادة قريش فى الجاهلية ، حتى نزل الوحي ، فقاوم الأمويون الدعوة بشراسة وضراوة ، ولم يدخل معظمهم فى الاسلام ، ومنهم معاوية وأبوه أبو سفيان، إلا بعد فتح مكة خوفا من بطش المسلمين بهم . وبدأوا بالكيد والدس بين المسلمين حالما توفي الرسول وبايع المسلمون أبا بكر الصديق خليفة له فذهب أبو سفيان الى الإمام علي يحرضه على البيعة قائلا: ما بال هذا الأمر (الخلافة) فى أذل قبيلة من قريش وأقلها؟ وهو يقصد (تيم) قبيلة الصديق . وقال لعلي : "أمدد يدك أبايعك"، فرفض علي ذلك بشدة ووبخه وحذره ، فعاد مطأطأ الرأس خائبا.
الخلافات بين المسلمين كانت موجودة حتى فى حياة الرسول (ص) فقد حصلت خلافات بين الأوس والخزرج فى المدينة فسارع الرسول الى إخمادها وصالح بينهم. ثم حصلت خلافات بين المهاجرين والأنصار، وصالح بينهم أيضا. لبى الرسول نداء ربه ، واجتمع بعض الصحابة فى السقيفة ودب بينهم خلاف شديد على من يتولى خلافته ، وكاد أن ينشب بينهم القتال لولا أن تدارك الأمر أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، وتمت بيعة أبي بكر التى كان ظاهرها توافق بين الصحابة وباطنها خلاف لم ينتهى حتى يومنا هذا وسيبقى الى ما شاء الله. واليوم يظن بعض النكرات أنهم يستطيعون عمل مالم يقدر عليه الخلفاء الراشدون وقادة المسلمين الأوائل .
كان النبي (ص) قد ولى قبل وفاته أسامة بن زيد بن حارثة قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم فى الشام ، فلما تولى الصديق الخلافة أمر أسامة أن يسير بالجيش قائلا: (سيروا على بركة الله ، واغزوا باسم الله ، وقاتلوا من كفر بالله ، ولا تغدروا ولا تغلّوا ولا تقتلوا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا طفلا ، ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة إلا للأكل ، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم فى الصوامع (الرهبان) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.) هذه كانت وصية الخليفة الراشد الأول فكيف تجرأ اليوم من يفتون للقاعدة وداعش على مخالفتها ؟ يقتلون الشيعة لأن بعضهم يغالى فى محبته لآل بيت النبوة فهل هذا يستوجب قتلهم ؟ يقتلون النصارى فى سورية والعراق ويهدمون كنائسهم ويتجاهلون الآية الكريمة 110 سورة الكهف: (ان الذين آمنوا واللذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله كان على كل شيء شهيد) ، وكذلك الآية الكريمة 69 من سورة المائدة : (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). كم قتلت القاعدة وداعش وأنصارها بالعراق من الذين آمنوا والصابئة والنصارى ، وكم خربوا من الجوامع والكنائس والمعابد فى العراق ؟ أي دين وأي مذهب يسمح بمثل ما جرى ويجرى فى العراق وسورية ومصر وتونس ولندن و نيويورك وغيرها من قتل للناس دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ كبير؟
لقد قامت حضارات وامبراطوريات عديدة على وجه الأرض واضمحلت مثل السومريين والآشوريين والبابليين والكلدانيين والروم وفارس واليونان ، آخرها كانت الدولة العثمانية التى انتهت بنهاية الحرب العالمية الأولى ، والامبراطورية البريطانية التى كانت تعتبر أكبر أمبراطورية عرفتها البشرية والتى أخضعت لحكمها ربع البشر وغطت ربع مساحة الكرة الأرضية ، وأطلق عليها اسم : الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس ، وانتهت بنهاية الحرب العالمية الثانية . أما الامبراطورية الاسلامية التى امتدت من حدود الصين شرقا الى جنوب فرنسا غربا ، فانها لم تكن دولة واحدة فى أغلب الأوقات بل عدة دول متناحرة منذ أن قامت دولة الأمويين فى الشام والتى كانت فى نزاع دائم مع أعدائها فى الحجاز والعراق ، وقامت الدولة العباسية وقامت فى داخل حدودها دولة البويهيين والسلاجقة والدولة الفاطمية والأيوبية . ثم سقطت الدولة العباسية سنة 1258م على يد المغول. وتأسست الدولة العثمانية (والتى اتخذ ملوكها لقب الخلافة اضافة الى السلطنة) سنة 1299 م واستمرت بالحكم حوالى 600 سنة ، الى ان حلت محلها الدولة التركية الحديثة سنة 1923م.
تقدر عدد البلدان ذات الأغلبية الاسلامية اليوم بما لا يقل عن ثمانين دولة ودويلة ومقاطعة موزعة فى أرجاء الأرض ، لا تقل نفوسها عن مليار وربع المليار يتكلمون مالا يقل عن ثلاثة آلاف لغة من مجموع سبعة آلاف لغة يتكلم بها سائر البشر ، عدا اللهجات التى لا تعد ولا تحصى . هل يتوقع ذو عقل سليم أن يتوحد كل هؤلاء الناس تحت راية الاسلام فى يوم من الأيام بأمرة نكرات وقتلة سفاحين لم تعرف البشرية لهم مثيلا فى كل تأريخها؟
لماذا لا تدعون الناس يعيشون أحرارا فيما يختارونه او لا يختارونه من دين أو مذهب ؟ يجب أن نبعد المشايخ عن السياسة ، ونتخلى عن السياسيين الذين يخلطون بين السياسة والدين كذبا ونفاقا . كل ما يهم هؤلاء الدجالين هوالمال والقوة والسلطان ، فيثيرون النعرات الدينية والطائفية والقومية ، ويشعلون نار الكراهية ويسببون الحروب والدمار التى غالبا ما يكون ضحيتها بالدرجة الأولى الفقراء والكادحين الذين لا مطمح لهم غير الأمن والأمان لهم ولعوائلهم .