حماس و المراجعات السياسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مع بداية العام الجديد نكون قد إقتربنا من إستكمال سبع سنوات عجاف مرة على سيطرت حركة حماس على قطاع غزة . طيلة هذه السنوات إنشغل الفلسطينيون في الإنقسام و تداعياته . إتفاق القاهرة شكل ذروة هذا التحرك و الذي وصف في حينه من البعض بأنه تقاسم سياسي إداري وظيفي بين حركتي فتح و حماس , ورغم بؤس هذا الإتفاق إلا أن الفلسطينيون رحبوا به و إعتبروه في حال تطبيقه , بأنه سيشكل مدخلا لإنهاء الإنقسام السياسي الحاصل .
و السؤال هنا لماذا فشل الفلسطينيون في إنهاء الإنقسام , هل بسبب الإختلاف بين برنامجين سياسيين , أم بسبب الإختلاف الأيدولوجي الذي يضغط على حركة حماس , أم بسبب المصالح الفئوية و الحزبية , أم بسبب توجهات حركة الأخوان المسلمين لحماس بأن تحافظ على حكمها في قطاع غزة ليشكل نموذجا لحكم الإخوان المسلمين ولشعار الإسلام هو الحل .
في المحصلة النهائية و قبل الإجابة على هذه الأسئلة , فشلت حركة حماس بأن تقدم نموذجا لحكم رشيد كانت تطمح بالوصول إليه , وهذا الفشل ليس بفعل المؤامرات الخارجية و الداخلية كما تدعي بل بسبب القراءة الخاطئة لطبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني , " مرحلة تحرر و طني " و التي تتطلب من الجميع تشكيل الجماعة السياسية الموحدة للفلسطينيين , أي التمثيل السياسي الموحد للشعب , وهذا يقتضي التوافق على برنامج سياسي إجتماعي - إقتصادي يلتف حوله الفلسطينيون , و يجيب على تساؤلات المرحلة بكل تفاصيلها و محدداتها .
عدم فهم حماس لطبيعة هذة المرحلة , أدى إلى إنحرافات خطيرة و لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث , بدأ التشكيك في التمثيل السياسي الموحد للفلسطينيين , أي في تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لشعبها , و بالتالي في حق تقرير المصير , و الأمثلة عديدة و مازالت تداعياتها حتى هذه اللحظة , رسالة مكتب مجلس الأمن الدولي عندما رفض طرح مسالة عضوية فلسطين في الأمم المتحدة , بحجة أن "م ت ف " و السلطة الفلسطينية لا يسيطران على كامل الأرضي الفلسطينية , في إشارة إلى سيطرة حماس على قطاع غزة وطردها للسلطة الفلسطينية و لمنظمة التحرير الممنوعتان من العمل , وفي أكثر من مناسبة كانت إسرائيل تشكك بسيطرة الرئيس أبو مازن و السلطة الفلسطينية على القطاع , و بأنه ليس شريكا و لا يمثل كل الفلسطينيين , ولم يصل الأمر عند هذا الحد بل أكثر من ذلك عندما تحدث الرئيس الأمريكي أوباما عن دولة الضفه , و الحل في الضفة , يعرف الكثير من الفلسطينيين بأن العدو الإسرائيلي هو من عمل ووفر الأرضية لإنفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية , وفق سيناريوهات محددة أعدتها مراكز الأبحاث الإسرائيلية " سيناريوهات الإنسحاب من قطاع غزة , الحل الإقليمي غيورا آنلاد .... ألخ " , أرادت إسرائيل من ذلك فصل قطاع غزة عن حل الدولتين , و ضرب التمثيل السياسي لمنظة التحرير لشعبها , أي بلغتنا فصل قطاع غزة و عزلة عن المشروع الوطني و عن النضال الوطني الفلسطيني و بالتالي تحويله إلى منطقه معزوله وفق ترتيبات أمنيه بضمانات عربية , كما حدث بإتفاق التهدئة الإخير بين حركة حماس و إسرائيل برعاية حكم الإخوان المسلمين في مصر السابق , و بمشاركة الأمم المتحدة ووزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون , وقع الإتفاق من الطرف الفلسطيني حركة حماس بمشاركة حركة الجهاد الإسلامي , وهنا لابد من الإشارة إلى أن حركة حماس و نظام الأخوان المسلمين في مصر رفضتا بشدة " رغم موقف حركة الجهاد الإسلامي المعارض , مشاركة الرئيس أبو مازن في هذه الصفقة و التوقيع عليها , أي أن إسرائيل و الإدارة الأمريكية أصبحتا تتعاملان مع نظام و دولة غزة بمعزل عن السلطة , حيث حركة حماس لديها في قطاع غزة مجلس تشريعي يعقد إجتماعاته و يصدر قوانيين و مجلس وزراء لديه أجهزة أمنية متنوعة و أجهزة تنفيذية تجبي الضرائب وتشرف على عمل الأنفاق , و بالطبع هناك رئيس لسلطة غزة أو دولة غزة الأخ إسماعيل هنية , و هناك أيضا مجلس شورى حركي أيضا له دور مهم في رسم السياسات العامه لهذا النظام , و يدير هذا الكيان حوالي أكثر من ستة و أربعون ألف موظف , قامت حماس بتوظيفهم وفق آلية حزبية خاصة , ويخضع هذا الكيان لأجندة إجتماعية شديدة الصرامه تفرض على المواطنيين و الأمثلة عديدة و متنوعة .
راهنت حركة حماس كثيرا على نجاح المشروع الإسلامي في المنطقة ووضعت كل خياراتها إزاء نجاحه , وكان لوصول حركة الأخوان المسلمين للحكم في مصر و تونس تأثيرا عميقا على الحركة , حيث إعتبرت نفسها جزءا من هذه النجاحات , و أن الطريق بات معبدا لنجاح فكرة الخلافة الإسلامية , " تصريحات محمد بديع و الغنوشي " و بهذا ستحل كافة المشاكل التي كانت تعترض تجربتها في القطاع التي إعتبره بعض من قياداتها أنه منطلق لمشروع إسلامي , وبدأ الحديث أن العالم العربي أصبح إسلامي و بالتالي آن الأوان لأسلمة القضية الفلسطينية , وتبوء حماس لقيادة الشعب الفلسطيني بدلا من القيادة الحالية .
شكل ثلاثين يونيو في مصر سقوطا مدويا لحركة الأخوان المسلمين من سدة الحكم , بخروج الملايين إلى الشوارع و الميادين العامة , كان ضربة كبيرة لمشروع الإخوان بعد فشلهم في الإحتفاظ بالسلطة وإخفاقهم في تحقيق نجاحات واضحة في إدارة الدولة . ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل اصبح الشارع المصري بمعظمه في مواجة مع الأخوان المسلمبن إلى أن وصلت الأمور إلى إصدار قرار بإعتبارهم تنظيما إرهابيا , إن لجوء حركة الأخوان المسلمين و الجماعات التكفيرية المتحالفة معها إلى الإرهاب , عجل في ذلك و جعل من حركة الأخوان المسلمين حركة محظورة .
حركة حماس جزء أصيل من حركة الأخوان المسلمين كما صرح بذلك الكثير من قادتها و شاهدنا كيف أن قناتي الأقصى و القدس كانتا تبثان مباشرة من إعتصامي رابعه العدوية و النهضة , و مازالا حتى هذه اللحظة ينقلان إحتجاجات الإخوان في مصر , هذا بالإطار العام يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي المصري , لأن القناتين تتبعان حماس أي حزبيتين تعكسان الموقف السياسي للحركة , وهنا لا وجود للحيادية , و هناك أحاديث إعلامية و رسمية مصرية تتحدث عن تورط حماس في أحداث مصر , بغض النظر عن صحة و حجم ذلك التدخل , يبقى ان حركة حماس هي جزء من الحركة الأم و أن هناك ترابط تاريخي بين قيادات إخوان مصر و إخوان فلسطين و خاصة في قطاع غزة , أي أن هناك تأثيرا معنويا كبيرا و سلطة أخلاقية لأخوان مصر على إخوان قطاع غزة , إن مطالبات البعض من الشخصيات الفلسطينية لحركة حماس بالتخلي أو التبرأ من الحركة الأم كلام غير موضوعي و غير واقعي و هذا بإعتقادي يحتاج إلى سنوات طويله من النقاش داخل حماس , ولكن مطالبة حركة حماس بان تعيد حساباتها و تقوم بمراجعة سياسية لمجمل مواقفها السابقة من الوطنية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير و السلطة الفلسطينية و بالتالي من البرنامج الوطني الفلسطيني , يشكل ممرا إجباريا لخروجها من الورطة التي وضعت نفسها فيها ووضعت الشعب الفلسطيني كله معها , ويشكل أيضا مدخلا لتأسيس شراكة حقيقية مع مكونات الشعب الفلسطيني , فمعالجة العلاقة مع مصر الشقيقة يمر عبر ذلك ولكن يجب أن يسبق ذلك إقرار من حركة حماس بأن لا تتدخل في الشأن الداخلي المصري و تعترف بخارطة الطريق و خيارات الشعب المصري بشكل و اضح أي التسليم بما حدث , وهذا يقربها و يجعلها جزءا من الوطنية الفلسطينية و مؤسساتها و برنامجها , عبر تجديد كل الشرعيات الفلسطينية و إعادة الإعتبار لدور الشعب و للرأي العام الفلسطيني , أي إستكمال كل محددات و مفاهيم الشراكة السياسية بين كل مكونات الشعب الفلسطيني .
بقاء الوضع على حاله في ظل تخوفات فلسطينية من الجميع بأن تتطور حالة العداء بين مصر و حركة حماس ووصولها إلى مرحلة خطيرة كإعلان مصر بان ما ينطبق على حركة الإخوان المسلمين في مصر ينطبق على حركة حماس أي أنها أصبحت حركة إرهابية , هنا سنكون أمام ورطة سياسية نحن في غنى عنها , عداء مصر لحماس خسارة للجميع ,لأن دور مصر إزاء القضية الفلسطينية لاغنى عنه و ضروري , و أن عداء حماس لمصر يحرف نضال الفلسطينيين ضد إسرائيل و يضعف دور مصر القومي الداعم للقضية الفلسطينية , يجب ان يبقى الصراع دائما موجها ضد الإحتلال , و هذا ما يوحد الفلسطينيين .
حركة حماس هي جزء رئيسي من المكونات السياسية و الإجتماعية للشعب الفلسطيني و هي في حالة إشتباك سياسي مع الإحتلال , إلى جانب أن لها ثقل شعبي و تأتي في المرتبة الثانية بعد حركة فتح لذلك لاخيارات أمام الفلسطينيين إلا بإستعادة الحياة الديمقراطية , و الدعاوات لإقصاء حركة حماس أو القضاء عليها بالقوة يعتبر ضرب من الخيال و الجنون و يضعنا أمام سيناريوهات خطيرة لا تخدم إلا الإحتلال و تقدم نموذجا سيئا و رديئا لنضال الشعب الفلسطيني فلا يمكن إستعادة قطاع غزة إلا بالحوار و تطبيق ماتم التوافق عليه في القاهرة و غيرها , و أيضا لا يجب رهن القضية الفلسطينية و مستقبلها و إلحاق الاذى فيها بسبب أن حركة حماس تخشى إجراء الإنتخابات و ترى فيها إقصائا لها من الحكم , و بالمقابل لايمكن لشعبنا أن يقبل أي يعيش و إلى الأبد بدون إشراكه في تحديد ممثليه ومستقبل نظامه و تجديد شرعياته .
حركة حماس مطالبة الآن بالقيام بعمليات مراجعة سياسية لمجمل مواقفها السابقة , فلا يكفي عقد لقاءات مع بعض الشخصيات غير المؤثرة في قطاع غزة بدعوى الإنفتاح على المجتمع , خاصة و أن جزءا مما شاركوا في هذه اللقاءات إما من المتطلعين لدور لدى حماس في الحكم , أو من الذين لديهم مؤسسات أهلية يريدون من وراء هذه المشاركة حمايتها من تدخلات حماس . إن توسيع المشاركة في حكم حماس لقطاع غزة كما طالب إسماعيل هنية في إحدى خطبه , هو ضرب للوطنية الفلسطينية و لمشروعها و لنضالها , و يخدم السيناريوهات الإسرائلية لقطاع غزة .
و في المقابل إن المعلومات لتي تصل و التسريبات الإسرائيلية عن سير المفاوضات العقيمة , و محاولة فرض إتفاق إطار جديد مرحلي أمني , و التصريحات الامريكية و الاسرائيلية عن الحل في الضفة الغربية بدون قطاع غزة , يشكل كارثة للفلسطينيين و يفتح المجال لما يعرف بالحل الإقليمي , وبالتالي ضياع القضية في ظل صمت و إنشغالات العرب بحروبهم الطائفية و المذهبية , فلا حل للقضية الفلسطينية بدون قطاع غزة ولا دولة فلسطينية بدون غزة , ولمواجهة فرض رؤية الإدارة الأمريكية - الإسرائيلة إتفاق الإطار الأمني , لا بد من إستعادة الوحدة و الحياة الديمقراطية للفلسطينيين في المنظمة و في السلطة .