فضاء الرأي

السياسي الانتهازي المتفائل (1)

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

نحن كدبلوماسيين، أنا وزملائي الدبلوماسيين البحرينيين، نعمل مع مجلس التنمية الاقتصادي، على جذب الاستثمارات والمعرفة التكنولوجية لبلدنا الحبيبة، وضمن خطة اقتصادية وافقا عليها البرلمان والحكومة، وصدق عليها جلالة الملك، والمسماة، بالرؤية الاقتصادية لعام 2030. ولتنجح جهودنا، نحتاج لبيئة سياسية مستقرة في بلادنا، لكي نسوق مملكة البحرين بالخارج. وقد اثلج صدورنا جميعا، والذي عبر عن مشاعرنا معالي وزير خارجية مملكة البحرين الشيخ خالد بن أحمد الخليفة على صفحة تغريدته على الانترنت، قرار جلالة الملك حمد بن عيسى الخليفة، بضرورة تكملة الحوار الوطني. وقد تمت نتيجة ذلك في الشهر الماضي اجتماع زعيم المعارضة بسمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد الخليفة. وقد تصور شعب مملكة البحرين بأن زعيم المعارضة سينتهز هذه الفرصة لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد.
ففي اليابان يعرف السياسي بالشخصية الانتهازية المتفائلة، وقد تكون في مجتمعاتنا العربية صفة الانتهازية صفة مخجلة. كما أن صفة التفاؤل تختفي حينما يختفي الذكاء العاطفي عن العقل، ويتصرف البشر على اهواء انفعالاتهم الشخصية الغاضبة. وفي الحقيقة تعتبر صفة الانتهازية مهمة في الشخصية السياسية في اليابان، وهي تعبر عن انتهاز السياسي لأية فرصة ممكنة، لكي يتفق مع الاطراف المختلف معها، ليعملا بتناغم جميل، ليحققوا معا حياة رخاء مزدهرة وسعيدة لمجتمعاتهم. كما أنه تعتبر صفة التفاؤل مهمة في شخصية السياسي، بحيث إنه ينظر لأية صيغة اتفاق مع الاخر بتفاؤل، لكي يتقاسما كل منهما نصف الكأس، فيعملا معا لتحقيق الخير والسلام والرخاء للجميع. والجدير بالذكر بأن اللغة اليابانية طورت بحيث أن تكون لغة مخاطبة مهذبة، ولغة عملية دقيقة، بعيدة عن أية تعبيرات الإهانة أو الإساءة، والتي تعتبر من الكبائر المخجلة في اليابان. فهناك شيئين تدخل الفرد الياباني إلى نار جهنم، إن صح التعبير، وهما دخول البيت بالحذاء، أو التحدث مع الاخرين بانفعال وغضب. ولا يحتاج الغضب أن يكون بالصوت المرتفع، بل قد يكون غضبا صامتا، أو علامة فعل غاضب، فاللغة اليابانية تجمع بين فن المخاطبة، وفن الصمت، وفن إيماءة الحركة.
وقد صعقت بعد أيام قليلة من هذه المقابلة بتصريح زعيم المعارضة البحريني في الإعلام الإيراني، حيث صرح لوكالة فارس قائلا: "هناك طرف إقصائي في النظام، لا يريد أي حل للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، حيث أن هذا الجناح المتشدد خطف ما جرى من بوادر حل للأزمة منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية عام 2011. لقد خطف هذا الجناح ما جرى من بوادر حل في عام 2011، وهو ما يتكرر اليوم، وما سيتكرر غدا، وقد يتكرر عدة مرات، إن الجناح المتشدد قد يقرر إفشال مبادرة ولي العهد للدخول بحوار جاد يفضي لحل الأزمة."
تصور عزيزي القارئ لم تمضي إلا أيام قليلة إلا بزعيم المعارضة يرجع فيلقي التهم يمنة ويسرى، ليغضب الفئات المعارضة لافكاره، والتي اصلا متخوفة منه، ومن رفاقه السابقين، الذين يدعون للانقلاب على المملكة الدستورية، ويطالبون بجمهورية ثيولوجية، على النمط الإيراني، الذي أثبتت فشلها الذريع في تحقيق التنمية والاستقرار للشعب الإيراني. فقد عقد هذا الزعيم الأمور، بعد أن فشل مرة اخرى في خلق الفرص، لطمأنة جمهور كبير من الشعب البحريني، بل هو ينتظر فقط من الاخرين التنازل لمطالبه، بدل أن يستغل لقاءه مع سمو ولي العهد، وينتهز كل الفرص الممكنة، لكي يطمئن الشعب البحريني بأنه يريد الخير والازدهار لمملكة البحرين بدستورها ومليكها، وبأن ليس له أية ارتباطات بالحكومة الايرانية، أو بالمعارضة المتطرفة الانقلابية، التي تدعوا لجمهورية ثيولوجية طائفية على النمط الايراني، وبأنه سيشارك مع مملكة البحرين قيادة وشعبا في التأكيد بأن مملكة البحرين عربية، وسيعمل على خلق الاستقرار، لتحقيق التنمية المستدامه.
وقد تناسى هذا الزعيم بأن غاندي بصبره، وحكمته، وخلقه، وصدقه، ورصانة لسانه، حول الهند المتعددة الأديان واللغات، لقوة ديمقراطية هندية بارزة. كما نجح أيضا نيلسون مانديلا بنفس الخلق في توحيد شعب جنوب أفريقيا الأسود والأبيض تحت راية الديمقراطية الإفريقية. وليتذكر زعيم المعارضة البحرينية بأن معضلات العالم يعقدها الرجل الغير عاقل، كما قالها الكاتب والمفكر الإيرلندي برنارد شو: "الرجل العاقل يتأقلم مع العالم، والرجل الغير العاقل يصر أن يتأقلم العالم مع مزاجه، ولذلك يعتمد تطور العالم على الرجل الغير العاقل." ألم تقتل رصاصة الرجل الغير العاقل رجال عظام كأبراهام لنكون، ومهاتما غاندي؟ الم تشعل رصاصة الرجل الغير العاقل دمار الحرب العالمية الأولى؟ ألم تمنع رصاصة الشاب الغير العاقل اسحاق رابين من تحقيق السلام في الشرق الاوسط؟ ألم تحرق قرارات الرجل الغير العاقل نصف لبنان، وتشعل حرب الابادة السورية؟ وليتذكر أيضا زعيم المعارضة بأن أحد مشاكل رجال السياسة بأنه يتعاملون باستمرار مع الرجل الغير العاقل، لأنه أكثر صراخا، وانفعلا، وغلينا، وثورة، في المجتمع، لذلك نصح علماء السياسة بأن يملك رجل السياسة "ضمير القسيس، وحكمة الفيلسوف، وروحانية الرسل."
ولنتأمل عزيزي القارئ ما حققه هذا النموذج من الديمقراطية الايرانية الذي تطالب بتطبيقه المعارضة المتطرفة البحرينية للشعب الإيراني بعد ثلاثة عقود ونصف. فقد كتبت صحيفة اليابان تايمز في السابع والعشرين من شهر يناير الماضي خبرا بأنه قدم القضاء الإيراني لابنة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، فاطمة، حكم بالسجن لمدة ستة أشهر مع ايقاف التنفيذ بسبب نشرها أكاذيب عن السلطة، بعد أن كتبت تعليقات عن الاخوين لاريجاني اللذين يتمتعان بنفوذ كبير، حيث يرأس أحدهم البرلمان والآخر وزارة العدل، ومن المعروف بأن والدها شخصية اصلاحية مؤثرة. كما أن الابنة الثانية فزيه رفسانجاني، قد سجنت لمدة ستة شهور في عام 2012، بتهمة نشرها اشاعات ضد النظام الايراني. كما تم اعتقال أخوها مهدي رفسجاني في عام 2012 بعد رجوعه من الخارج، فكليهما اتهموا بمشاركتهم في الانتفاضة الايرانية التي اندلعت في عام 2009، حينما أعطي محمود احمدي نجاد فرصة ثانية في الانتخابات الرئاسية، والتي اعتبرها البعض بأن نتائجها مزورة."
هل يمكن أن تتصور عزيزي القارئ بأن بنات رئيس إيراني سابق، ومن كبار الزعامات الدينية في إيران، يحكم عليهن بالسجن لأنهم فقط انتقدوا بعض مسئولي النظام الإيراني. فهل هذه الديمقراطية التي يريد أن يحققها زعيم المعارضة البحرينية لشعبه؟ وهل سيقبل شعب مملكة البحرين هذه الديمقراطية، بزعمائها؟ وهل سيستطيعوا بذلك تحقيق التنمية المستدامة للمواطن البحريني، أم سيحولوا البلد لسوريا أخرى؟
تصور عزيزي القارئ مدى تخوف الشعب البحريني من نوعية هذه المعارضة، والتي تنادي بالديمقراطية الايرانية، وحينما قررت المشاركة في البرلمان، بعد أن رفضته في الدورة الأولي، لم ترشح امرأة واحدة لانتخابات المجلس النيابي، وكأنها تنفي وجود نصف الشعب، وهي تنادي ليلا ونهار بالديمقراطية، بل حينما تنجح في الانتخابات تدفع بخطباء المنبر الحسيني للبرلمان، بدل أن تختار خيرة المخلصين من الخبرات الصناعية والاقتصادية، وبدون تفرقة طائفية، لتحقيق التنمية المستدامة، والتي يأمل منها المنتخبين خفض نسب البطالة، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على الفقر. ومع الأسف يكرر زعيم المعارضة البحرينية كلمة الديمقراطية، ولا نفهم من الذي يعنيه رجل دين بالديمقراطية، فهل يعني الديمقراطية اللبرالية الغربية، أم الديمقراطية الايرانية، أو الديمقراطية الهندية، أو ديمقراطية جنوب أفريقيا، أو التجارب الإصلاحية الكنفوشيسية كالتي تتم في اليابان وكوريا الجنوبية، أم الصين؟ ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف