فضاء الرأي

تدريبات مسرحية

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كلما خابرت صديقي وسام العاقولي ، لأطمئن عليه ، أو لأعاتبه على قطع أخباره عني رغم حرصي على التواصل معه يقول لي :
ـــ اعذرني يا صديقي العزيز فأنا منشغل هذه الأيام بتدريباتي المسرحية!
ـــ إلى هذه الدرجة تصدك تدريباتك المسرحية عن رفع سماعة التلفون ومكالمتي؟
كان ذلك منذ أكثر من أربعين عاما، عندما كان التلفون أسود ثقيلا كأنه آلة لفرم اللحم!
ـ نعم يا عزيزي، صدقني لا أجد الوقت حتى لتناول منديل ومسح عرقي!
ـ ما هي المسرحية التي تعمل عليها؟
ـ دعك منها الآن، ستكون مفاجأة الموسم!
وأتركه لحاله. لكن المصيبة أن السنوات تمر ومسرحيته لا تظهر ولا ترى النور أبدا، وكلما سألت من أعرفهم من العراقيين يعيشون معه في مدينة لوليو السويدية القابعة قرب ثلوج القطب الشمالي، يقولون إنهم لم يروا، ولم يسمعوا شيئا عن مسرحيته ، قال لي أحدهم:
ـــ لا أدري عن أية مسرحية يتحدث، فهو لا يعمل في مسرح ولا في أي مكان آخر، يقضي أكثر وقته وحيدا في مقهى بعيد، ودائما يختار أن يكون وجهه إلى الجدار، هو لا يريد أن يرى أحدا!
ـــ ولكنه كان فنانا مسرحيا معروفا في العراق!
ـ لا أدري، ما أعرفه إنه هنا رجل عاطل، انعزالي وصامت.ولا بد ان أقول لك إن وجهه حزين يدعو للشفقة، أتعرف شيئا عن حياته؟
ـــ قصة طويلة!
وعندما صارت التلفونات صغيرة ملونة مثل طيور الحب، أكثرت من مكالمة صديقي العاقولي ، ودائما يكون جوابه :
: ـــ اعذرني يا صديقي أنا منشغل بتدريباتي المسرحية!
واليوم وبعد أربعين عاما على فراقنا وبدء تدريباته المسرحية اللانهائية التي لم تهتز منها خشبة ولا ستار ،أطلقت طير الحب الأبيض إليه؛ فجاءني صوت زوجته:
ـ لقد مات!
بقيت ذاهلا لا أدري ما أقول، يبدو أن المرأة انتظرت طويلا كلماتي المحتبسة في صدري ثم أغلقت تلفونها، الذي هو تلفونه، صفنت، كنت مع العراقيين في مدينته أظنه يكذب،ويدعي، وأن لا مسرحية لديه، وها هو اليوم قد أسدل الستار، يا لغبائي!
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تعليق
ن ف -

لا أعرف إن كان ما قرأته هو حكاية حقيقية أم من بنات أفكار الكاتب.. وإن كانت الثانية فهي قصة قصيرة جميلة بحق. هذه الحكاية تذكّرني بالأوهام التي باعتها الأنظمة الفاشية التي توالت على حكم العراق.. لم تجد تلك الأوهام لها سوقاً في مكان غير العراق ولم تجد شعباً (*****) يبتاعها ويروّج لها سوى الشعب العراقي. هكذا كان حالنا وسيبقى حتى يسدل الله الستار على الحياة الدنيا ويرث الأرض.