أصداء

عودة إيران المرتقبة والرهان الخاسر

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عودة إيران المرتقبة إلى ربوع أحضان المجتمع الدولي...والرهان الخاسر


تشير أغلب المؤشرات إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحقق تقدما نحو العودة إلى أحضان المجتمع الدولي. حيث شهدنا تقارب ما بين الغرب وإيران من شأنه توسيع دائرة التأثير الإيراني في المنطقة على خلفية تطورين جوهريين: التقدم التي أحرزته المفاوضات ما بين ال5+1 وإيران على الملف النووي الإيراني وانفتاح اقتصاد إيران المرتقب نتيجة للرفع المتوقع للعقوبات الدولية من ناحية، وأرجحية عدم سقوط نظام الأسد في سوريا واستمرار الصراع من ناحية أخرى. ويراهن البعض في محاولة لطمئنة حلفاء الغرب في الشرق الأوسط لا سيما إسرائيل والخليج على أن هذا التطور في الموقف الإيراني على الساحة الدولية سيكون له نتائج حميدة بالنسبة لتراجع الدور التوسعي للإيران بالمنطقة، بيد أن الرهان في الواقع كما سنبين ليس في محله بل قد تكون له تكاليف باهظة لدول الخليج.
لا مجال للإنكار بأن أي تقدم نحو حل سلمي ودبلوماسي يحد من إمكانية امتلاك إيران سلاحا نوويا من شأنه الإسهام في تقليص احتمالية نشوب سباق تسلح نووي في المنطقة وإبعاد شبح ضربة اسرائيلية محتملة ومحدودة الفاعلية ضد المنشئات الإيرانية ، وهو أمر إيجابي لاستقرار الخليج والمنطقة ككل.
لكن بالمقابل، فإن عزم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على إنجاح المفاوضات النووية مع إيران بأي ثمن يجعلها، كما يقول بعض المحللين الأمريكيين، "تمشي على قشور البيض" حذرا من تقويض ما تصوره الدبلوماسية الإيرانية على أنه الدعم الهش الذي يحظى به الرئيس الإيراني حسن روحاني من قبل جبهته الداخلية للتفاوض مع "الشيطان الأكبر"، في الوقت الذي لا تزال فيه إيران تمارس سياستها التوسعية في المنطقة.
ويتمحور حذر الإدارة الأمريكية حول بذل كل الجهود لقطع الطريق أمام محاولة الكونغرس سن تشريعات تعيد فرض العقوبات في حال أخلت إيران بالتزاماتها، والحد من حدة انتقادها للسياسة الإيرانية التوسعية في المنطقة. ولعل أحد الأمثلة المؤخرة على هذا الواقع هو الصمت الأمريكي المقلق حيال إحباط أجهزة الأمن بالبحرين في شهر ديسمبر محاولة لتهريب أعداد من قنابل (السي-فور) شديدة الانفجار والمتفجرات الخارقة للدروع وغيرها قادمة من العراق بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، بالرغم من تأكيدات استقتها شخصيات كإيليوت آبرامز الباحث بمجلس الشؤون الخارجية بواشنطن وفرانك غاردنر مراسل ال(بي-بي-سي) من مصادر حكومية أمريكية وغربية تفيد بصحة ادعائات السلطات البحرينية.


كما يبدو أن احتمالية رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران التي قد تنتج عن تقدم في المفاوضات النووية باتت تداعب مخيلة عدد من الدول والشركات العالمية. وتنوي مجموعة من الشركات فرنسية كبرى زيارة طهران في بداية شهر فبراير، كما توجد أكثر من مائة شركة ألمانية تمارس نشاطها في إيران رغم العقوبات كما تشير مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية.
ولا يستثن من ذلك البعض في دول الخليج كحاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أعلن صراحة عن أمله برجوع التبادل التجاري إلى سابق عهده، فضلا عن عمان وقطر اللتان تتمتعان بعلاقات إيجابية عموما مع إيران. كما انفجرت في تركيا فضيحة تورط عدد من أبناء النخبة السياسية التركية في عمليات تمويل غير شرعية مع النظام الإيراني، بينما يتبادل الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الزيارات حاليا من أجل مناقشة دعم العلاقات التجارية الثنائية بعد التوتر في العلاقات بسبب الصراع في سوريا.
من جانب آخر، فيما يتعلق بالملف السوري، فإن احتدام الصراع بين الفصائل المعارضة من قبيل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والجبهة الإسلامية والجيش السوري الحر قد عزز من أرجحية بقاء نظام الأسد وغياب إمكانية أي حسم عسكري قصير الأمد، وهو ما شجع عدد من الدول للتعاطي إما مع إيران أو حتى مع نظام الأسد من أجل القضاء على الجماعات الجهادية المتطرفة. وهذا ما تشير إليه التسريبات حول لقاء أعضاء من أجهزة الاستخبارات البريطانية مع ممثلين عن نظام الأسد، إذ تخشى أجهزة الاستخبارات الغربية من مغبة رجوع مواطنيها ممن التحقوا بهذه الجماعات المقاتلة المتطرفة وتنفيذهم لأعمال إرهابية في بلادهم.
ويتطلع البعض في الغرب وفي الولايات المتحدة خصوصا إلى نظام الأسد كوسيط في الحرب على الجماعات الجهادية السنية، وهو ما قد يفسر الصمت الغربي شبه التام عن وجود فصائل شيعية مقاتلة من لبنان والعراق وحتى أفغانستان أغلبها تقع تحت إشراف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. بل ويفوق عدد منتسبيها الموجودين حاليا في سوريا عدد نظرائهم السنة بحسب دراسة إسرائيلية موخرة. لكن ينظر إليهم كأداة مفيدة لمواجهة التنظيمات السنية، أي بالعامية من منطلق "فخار يكسر بعضه"...


وكذلك هو الحال في تركيا التي باتت هدفا لتهديدات (داعش) التي قد كانت توعدت بشن عمليات إرهابية داخل الأراضي التركية. كما زاد من قلق تركيا مؤخرا تسارع وتيرة الصراع بين الجماعات المعارضة المختلفة قرب الحدود السورية-التركية بغية السيطرة على خطوط الإمداد، مما ساهم بدفع تركيا التي تنشد الاستقرار عند حدودها خاصة في ظل إقبالها على انتخابات هذا العام بعيدا عن دعم الفصائل المعارضة ونحو تطبيع العلاقات مجددا مع طهران أملا في احتواء الصراع.


في المحصلة، يراهن البعض على فرضية أن رجوع إيران التدريجي إلى أحضان المجتمع الدولي عبر نجاح المفاوضات النووية وتوطيد العلاقات الاقتصادية سيدرجها كطرف بناء في ابتكار حل للصراع الدائر في سوريا الذي لا تظهر نهايته في الأفق، بل وسيدفع بإيران لتقليص سياساتها التوسعية في المنطقة والحد من دعمها للجماعات المسلحة والإرهابية في اليمن والبحرين وتحجيم دور الجناح العسكري والإرهابي لمنظمة حزب الله.
وفي رأيي، فإن هذا الرهان خاسر، حيث أنه لا يلتفت إلى حقيقة رئيسية وهي أن العمليات العسكرية والإرهابية التي تقوم بها إيران في الخارج تدار من قبل الحرس الثوري المتشدد الذي لا سلطة للرئيس حسن روحاني الملقب بالإصلاحي عليه. وهذه الجهود تسير بحسب مخططات لا يظهر للمفاوضات النوويية أي تأثير فاعل عليها، سيما وأن الحرس الثوري الذي يسيطر على بعض جوانب الاقتصاد عادة ما ينتفع ماليا من العقوبات، ولذا فإنه لا يأبه لعواقب تأزيمه لعلاقات إيران الخارجية.


فكما أشار أحد المحللين، إن أول مرة تعلن فيها إيران عن وجود عناصر مسلحة نشطة تابعة لها في الخارج وفي سوريا تحديدا، وهي خطوة تكاد تكون غير مسبوقة، حصلت في عصر الرئيس الإصلاحي روحاني...بل وظلت هذه المساعي الاستراتيجية ثابتة بتواتر الرؤساء إصلاحيين كانوا أم متشددين. ويتجاهل هذا الرهان تاريخ وتطلعات إيران القومية التي ترجع طموحاتها النووية إلى حقبة الشاه، كما ترى إيران نفسها "إمبراطورية الوسط" تملك كل الحق للتدخل في شؤون الدول المحيطة بها لا سيما العربية منها...
نتيجة هذا الرهان الخاسر قد تكون مكلفة جدا لدول الخليج بغض النظر عن التطمينات الفارغة التي قد يدلي بها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بين الحين والآخر في الصحف أو أثناء زيارته للعواصم الخليجية. تتمحور هذه الكلفة حول إمساك إيران بورقة المفاوضات النووية كحصانة لها لممارسة نشاطاتها الميدانية في الشرق الأوسط، عبر إيصال رسالة للغرب مفادها أن أي تصعيد ضد هذه النشاطات قد يكون بمثابة القشة التي تقسم ظهر بعير المفاوضات النووية المترنح في الداخل الإيراني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف