فضاء الرأي

أعظم وزير مالية فى تاريخ العراق (5)

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تخرج السير ساسون حسقيل من الجامعات الألمانية والإنكليزية كما سبق ذكره فى الحلقات الأربع السابقة، ثم عاد إلى تركيا ونال فيها إجازة الحقوق، ومنها عاد إلى بغداد عام 1885 وبات المترجم لولاية بغداد للفترة (1884-1904)، وهى من المناصب المهمة جدا حيث تكون حلقة الإتصال مع القناصل لمختلف دول العالم فضلا عن تمثيله كحلقة الوصل بين بغداد والوالى العثمانى
إن الدولة العثمانية قد اعتمدت على المترجمين فى تعاملها مع الأجانب وقد كانوا فى البداية من اليونانيين لقلة من يجيد اللغات الأجنبية. فأنشأت الدولة مؤسسة باسم (دائرة الترجمة) لتخريج دفعات من الأتراك وغيرهم ليكونوا مترجمين بدلاء عن اليونانيين
بينما كان ساسون يجيد مختلف اللغات: العربية والتركية والإنكليزية والعبرية والفرنسية والألمانية والفارسية فضلا عن درايته باليونانية واللاتينية لذلك حاز منصب (مدير الأمور الأجنبية) بتعيين من الباب العالى وترشيح خاص من نظارة الخارجية، واعتبر من كبار موظفى الدولة، وحصل على أوسمة شرف خاصة متعددة كما سيأتى فى الحلقات القادمة
وكانت لساسون مهام التفاوض مع قناصل الدولة الأجنبية المختلفة بإشراف الوالي، كما اعتبر المستشار الخاص للوالي فيما يتعلق بالمعاهدات الدولية والأمتيازات المقدمة من الدولة العثمانية للدول الأجنبية، إضافة إلى اشتراكه الرسمى في مراسم أستقبال الضيوف الأجانب القادمين إلى الولاية .
كذلك كان ساسون حسقيل مديراً للأدارة النهرية الحميدية للفترة الواقعة (1904-1908)حيث كان اهتمام العثمانيين بطرق المواصلات النهرية ملحوظا، خصوصا في العراق بسبب قوة بريطانيا واهتمامها البالغ الخاص في العراق لموقعه الجغرافى السياسى وأسباب أخرى ذكرتها فى بحث سابق عن أهمية العراق
وقد بانت للعيان مظاهر الأهتمام إبان عهد الوالي محمد رشيد الكوزلكي (1851-1856) الذي أسس شركة ملاحة تجارية أسهمت الحكومة العثمانية بنصف رأس مالها، أما النصف الثاني فأسهم به التجار المحليون. وذلك عندما تعاقد الوالي محمد رشيد الكوزلكي مع شركة بلجيكية على صناعة باخرتين لصالح الشركة، وقد وصلت الباخرتان ( بغداد والبصرة) الى العراق، وبوصولهما بدأ الخط الملاحي العثماني حركته الواسعة في نيسان عام 1859.
ومن الملاحظ بروز أهميته بعد صدور مرسوم من الأستانة يذكر فيه إنشاء شركة الملاحة العثمانية برأسمال قيمته مائة ألف كيس، وبامتياز مدته ثلاثين عاماً. كما صدر قرار عمل بواخر الشركة في البحر الأحمر وسواحل الحجاز، واليمن، ومصوع، وسواكن، والبصرة. ونتيجة لذلك كان ردود فعل بريطانيا فى تأسيس (شركة لنج للملاحة في نهري دجلة والفرات) بالبواخر بلندن عام 1860 حيث ممثلها في العراق بيت لنج. وقد أخذت الدولة العثمانية بالضغط على شركة لنج،خصوصا بعد موافقة الباب العالي على أقتراح نامق باشا (1862-1867) فى تكوين أدارة نقل ملاحية لأدارة شؤون الباخرتين ( بغداد ، البصرة ) اللتي أستوردت من بلجيكا أبان حكم الوالي محمد رشيد باشا الكوزلكي. هذا وقد عيّن نامق باشا ضابطاً كبيراً من ضباط الفيلق السادس والذى كان مدير الأمور الطبية ، ثم شيد لها معملاً للتعمير والإصلاح .
أستمرت الأدارة النهرية في العمل، واستمرت بذات العمل في عهد الوالي مدحت باشا ( 1869-1872) بعد زيادة عدد البواخر النهرية وذلك عندما أضيفت الباخرة رصافة في عام 1870. وآشترى مدحت باشا البواخر البحرية لربط العراق بالعالم الخارجي مبتدئاً بالباخرتين بابل وأثور فى مشروع إصلاحى كبير حيث تقرر تخصيص دائرة للسفن البحرية تسمى بـ(دائرة عمان العثماني) التى باتت تحت الأولوية والأهمية. وقد كانت دائرة النهرية العثمانية منفصلة عن دائرة عمان العثماني من باب التخصص حيث تختص الأولى بأدارة البواخر بينما تختص الثانية بالسفن البحرية. وفي سنة 1872 تم توحيد الدائرتين معاً حيث اختير لها عنوان ( دائرة عمان العثماني) وقد تحدّد عملها بعد وفاة مدحت باشا على شؤون البواخر النهرية وأهملت إلى حد كبير بعد منتصف سبعينات القرن التاسع عشر وعرضت للبيع. وفى أواخر الثمانينات باتت دائرة صغيرة جدا تتكون من مفتش وعدد متواضع من الموظفين إلى أن أقدمت الأدارة السنية على توسيع نشاطها الأقتصادي ، وحينها اشترت في عام 1904 (دائرة عمان العثماني) بمبلغ مقداره (9.500) ليرة وقد سميت (دائرة البواخر الحميدية) والتى أضحت أربع بواخر تدعى الفرات ، وبغداد ، والرصافة ، والموصل. هذا ثم أضافت الدائرة النهرية الحميدية باخرتين هما (الحميدية و (البرهانية) اللتين أنشأتا في أسكتلندا والحقتا بالدائرة في العام الأول من عملها.
كانت الهيئة الأدارية للدائرة النهرية الحميدية تتكون من المدير، وقلم التحريرات، وقلم المحاسب كما كان لها فروع مختلفة في كل من البصرة والكوت والعمارة كما كان لكل باخرة ربان ومساعد له وكاتب ودليل .
أختير ساسون حسقيل عام 1904 لاشغال منصب المدير للدائرة النهرية الحميدية وأستمر في هذه الوظيفة لمدة أربع سنوات متتالية حتى عام 1908 حيث قام بتطويرها تطوراً كبيرا ملحوظاً لدرجة منافسة بواخرها لبواخر شركة لنج البريطانية العاملة بين بغداد والبصرة.
لقد كان لساسون حسقيل أثر كبير في ما وصلت اليه ( الدائرة النهرية الحميدية) ، من تطور وأزدهار ورقى وسمعة ، لكونه مديراً لها فقد وضع خبراته وجهوده وذكائه ودراساته من أجل رقيها وازدهارها التى شهد بها القريب والبعيد كما أصبح محط أحترام وتقدير كبيرين من الدولة العثمانية، لهذا عهد لساسون في سنة 1913 منصب كبير في الدولة العثمانية ،هو منصب مستشارلوزارة التجارة والزراعة في أيلول عام 1913 في عهد وزيرها سليمان البستاني .
وكانت وظيفة المستشار حينذاك، تقابل وظيفة وكيل الوزارة - أي الشخص الثاني بعد الوزير - ولم تكن مثل هذه الوظيفة لتعهد في عاصمة ( الأمبراطورية) اليه بسهولة لولا كفاءته واخلاصه وبراعته وتفوقه، وللحديث صلة فى الحلقات القادمة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف