أصداء

التكفير وخطره على الدين والدنيا

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

شيء لا يقبله العقل السليم والفهم السليم للدين.. كيف يرتكب باسم الإسلام ما يحرمه الإسلام نفسه..!! لكن عندما يغيب العقل والتعقل والحكمة والفهم الصحيح لرسالة الإسلام التي أتت رحمة للعالمين، تتصدر الحماقة والجنون والوحشية تصرفات هذا الإنسان..! ومن يقرأ أحداث التاريخ الإسلامي والعالمي، وما جرى ويجري علي ساحاته من أحداث إلى حد الآن، قد لا نصدق ما نقرأه بين جوانح وبطون هذا التاريخ من مصائب ومآسي يشيب لها الولدان، وتقشعر منها الأبدان، وعندما نعمق النظر أكثر ونبحث عن العلل والأسباب التي أدت إلى هذه المآسي نجد أن عدم فهم الدين فهما صحيحا له نصيب في هذا؛ لأن الدين سيف ذو حدين كما يقال، يمكن أن يستعمل في الاتجاه الصحيح من خلاله نبني الإنسان والأوطان ونصنع الحضارة والتاريخ، أو يتم تسييسه واستعماله في تخريب البلاد وقتل العباد..!! ومن هنا تأتي قضية تكفير المسلمين من قبل أناس ليس لهم لا في العير ولا في النفير، مع العلم أن التكفير ظاهرة قديمة، عرفتها الديانات السماوية كالمسيحية، وقد راح ضحيتها الملايين من النصارى بسبب الحروب الدينية التي دارت رحاها فيما بينهم، وانقسمت المسيحية إلى فرقتين كبيرتين وهي الكاثوليكية والبروتستانتية كل واحدة تكفر الأخرى، وهكذا حصل بين الديانة اليهودية والمسيحية كذلك يقول سبحانه وتعالى:" وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب..".

وللتكفير أسباب ومسببات كثيرة، ومن أهمها في دين الإسلام ضعف الإيمان، مع عدم فهم روح الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين، ناهيك عن عدم فهم التكفيري أو المتنطع حقيقة العبادة الذي خلقنا الله من أجلها يقول سبحانه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"؛ لذا أصبحت الشدة والعنف والتطرف والفظاظة والغلو سمة من سمات الجماعات التكفيرية، بسبب الخلل الحاصل عندهم لمفهوم رسالة الإسلام وأهدافها النبيلة والإنسانية، والذي اختزلوها في حلق الرأس وتطويل اللحىة، وتقصير السروال، وتقطيب الجبين، مع الشدة في القول والفعل، والميل إلى تحريم كل شيء، وجعله هو الأصل ؛ بينما الإسلام وما جاء به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، من قيمه وأصوله وأركانه الذي بني عليها التيسير لا التعسير، وأن التكفير وتنطع هؤلاء في المسائل الخلافية وإثارتها بين العامة وعلى صفحات الجرائد ومواقع الشبكات العنكبوتية دليل جهل برسالة الإسلام وأحكامها ومقاصدها، ومما يؤكد أن هناك علاقة حميمية بين قلة المعرفة والفقه والتنطع والتشدد والتكفير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: " إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما وميسرا"، فمدارس ومناهج التيسير في الحقيقة دائما ارتبطت بالفقهاء والعلماء الكبار، ولذلك كان حبر هذه الأمة وترجمان القرآن ومن دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين ومعرفة التأويل ابن عباس رضي الله عنه، هو أفقه الصحابة ورائد هذه المدرسة، وحين ندرس تاريخ الإسلام والجماعات الدينية عبر تاريخ الأمة الإسلامية، نجد هذه الظاهرة التكفيرية بدأت بذورها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، على يد رجل يقال له "حرقوص" وهو مؤسس مذهبهم؛ بحيث واجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حنين بمقولته المتكبرة: اعدل يا محمد! أو: لم تعدل يا محمد! وفي رواية البخاري: 4/179: يا رسول الله اعدل! ومعناها أنك لست عادلاً وأنا أعدل منك وآمرك أن تعدل! وقد عرف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن مصيبة "حر قوص" هذا من عجبه بنفسه حتى انه ليرى أنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس أجمعين!..

تفاقمت هذه الظاهرة واشتد خطرها مع جماعة "الخوارج" في عهد الإمام علي رضي الله عنه، ولقد كانت أزمتهم وانحرافهم، ليس فيما يتعلق بأداء العبادات والواجبات من صلاة وزكاة وصيام وحج ونحو ذلك ؛ بل انحرافهم وتنطعهم وتكفيرهم لأهل القبلة أتى عن طريق فكرهم العقيم، مع ضعف البصيرة لحقيقة الدين، ولنصوص القرآن الكريم، فقد كانوا يقرءون بدون تدبر، ويحفظون بدون وعي، لذا كفروا أكثر المسلمين والصحابة على الخصوص، وفي مقدمتهم سيدنا الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تنبأ بانحرافاتهم ولهذا فضحهم وكشفهم ووطفهم في أكثر من حديث، كما حذر منهم الصحابة الكرام، عن أبي سعيد الخدري قال بعث علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة (قطعة ذهب) فقسمها بين أربعة، بين الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم المجاشعي وبين عيينة بن بدر الفزاري، وبين زيد الخيل الطائي، ثم أحد بني نبهان وبين علقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، قال: فغضبت قريش والأنصار وقالت يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا فقال: إنما أتألفهم قال فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين كث اللحية، محلوق قال: اتق الله يا محمد فقال صلى الله عليه وسلم من يطيع الله إذا عصيته؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟؟ قال فسأل رجل قتله -أحسبه خالد بن الوليد- قال فمنعه قال فلما ولى قال: إن من ضئضئ (أي من أصله) هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم قتلتهم قتل عاد".

وفي هذا السياق يقول الإمام علي رضي الله عنه، الذي خاض مع جماعات التكفير صراعات قوية، ومناظرات علمية كثيرة، جعله من خلالها يفهمهم فهما عميقا دقيقا إذ يقول رضي الله عنه وهو يصفهم: " إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ فَالْزَمُوا الأَرْضَ فَلا تُحَرِّكُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلا أَرْجُلَكُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ لا يُؤْبَهُ لَهُمْ، قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ، هُمْ أَصْحَابُ الدَّوْلَةِ، لا يَفُونَ بِعَهْدٍ وَلا مِيثَاقٍ، يَدْعُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، أَسْمَاؤُهُمُ الْكُنَى، وَنِسْبَتُهُمُ الْقُرَى، وَشُعُورُهُمْ مُرْخَاةٌ كَشُعُورِ النِّسَاءِ، حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْحَقَّ مَنْ يَشَاءُ". ومن أغرب قصص الخوارج: ذبح مسلم تقرباً إلى الله، والتعفف عن تمرة كافر تورعا، يقول ابن كثير: "وكان من جملة من قتلوه - يعني الخوارج- ابن الصحابي الجليل عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسروه وامرأته معه وهي حامل فقالوا له: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وأنتم قد روعتموني، فقالوا: لا بأس عليك، حدثنا ما سمعت من أبيك. فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي"، فقادوه بيده، فبينما هو يسير معهم إذ لقي بعضهم خنزيرا لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم بسيفه فشق جلده، فقال له آخر: لم فعلت هذا وهو لذمي؟ فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه. وبينما هو معهم إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها أحدهم فألقاها في فمه، فقال له آخر: بغير إذن ولا ثمن؟ فألقاها ذاك من فمه، ومع هذا قدموا عبد الله بن خباب فذبحوه، وجاءوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى ألا تتقون الله، عز وجل! فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها.." (البداية والنهاية طبعة دار هجر (10/ 584).

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول عنهم: "يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان" (متفق عليه). وهكذا استمرت مدرسة التكفير تتناسل جيلا بعد جيل عبر تاريخنا الإسلامي تحصد الأرواح وتسفك الدماء وتهلك الحرث والنسل، حتى أكابر علماء امتنا الإسلامية أمثال الرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سيناء وابن الهيثم والغزالي وابن رشد والعسقلاني والسهروردي وابن حيان والنووي وابن المقفع والطبري و الكواكبي والمتنبي وبشار بن برد ولسان الدين بن الخطيب، وابن الفارض ورابعة العدوية والجاحظ والمجريطي والمعري وابن طفيل والطوسي وابن بطوطة وابن ماجد وابن خلدون وثابت بن قرة والتوحيدي... لم ينجوا من سلاح التبديع والتفسيق والتكفير والشنق والطرد..!! من منا لا يفتخر بهؤلاء الكوكبة من العلماء وبإنجازاتهم العلمية الرائعة في الفلسفة والفزياء والكمياء والطب والهندسة والجغرافيا والفقه والقانون والآداب والفلك والزراعة والبيطرة والجبر والحساب والفنون والآداب..؟؟ كانوا رحمهم الله أساتذة الشرق والغرب والعالم كله مدين لهم، ومازال يقتات على فتاتهم، ولولا إسهاماتهم في شتى العلوم والمعارف لكانت أوروبا إلى يوم الناس هذا تعيش في ظلام دامس..!! ؛ لكن العار كل العار عندما نراجع قصص هؤلاء العلماء الكبار في تاريخنا الإسلامي وما تعرضوا له من قبل فقهاء وشيوخ التكفير نصاب بالحيرة والدهشة، نرجو التكرم من قرائنا الكرام السماح لنا بعرض القليل منها ليس لغرد التشهير والتسلية، وإنما من أجل العبرة، فاعتبروا يا أولي الأبصار..

أقول: هؤلاء العلماء الأعلام صدرت ضدهم سلسلة من الأحكام التكفيرية، بنفس التهمة التي كانت تصدره محاكم التفتيش في إسبانيا وفرنسا والبرتغال والبرازيل على العلماء الذين حاولوا إماطة الظلام عن الكنائس "الكهانوتية" ومنهم غاليلو، وجيوردا، ونويرنو، وكوبرنيكس، ونيوتن، وديكارت، وفولتير، وحرمت قراءة كتبهم، وتعذيبهم ومطاردتهم..، نفس الأمر نجد سلاح التكفير والتفسيق طالت الطبري بتحريض الغوغاء والعامة على قتله، وتم تكفير الرازي وابن سيناء والفرابي والكندي والغزالي، وابن رشد والأصفهاني..كما كفروا ابن الفارض وطاردوه في كل مكان، وقتل السهروردي، وقطعت أوصال ابن المقفع، ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه، وكل هذا مع الأسف كان يتم تحت غطاء محاربة البدع وتطبيق شرع الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ان الجعد بن درهم مات مذبوحا، وعلقوا رأس أحمد بن نصر وداروا به في الأزقة، وخنقوا لسان الدين بن الخطيب وحرقوا جثته.. وقال إبن القيم في إغاثة اللهفان عن إبن سيناء أبو الطب البشري والفيلسوف والفقيه: " إنه إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.." (إغاثة اللهفان 2/374) وقال عنه الكشميري في (فيض الباري 1/166): "ابن سيناء الملحد الزنديق القرمطي"...

نسوق هذا الكلام ليس من أجل أن نحيي العظام والجماجمة وهي رميم! أو نخرج النفوس الطاهرة الزكية من قبورها التي ذهبت ضحية فتاوى التكفير، ظاهرها الحرص على شريعة الإسلام وسنة النبي العدنان، وباطنها الانتقام من الخصم السياسي للوصول إلى سدة الحكم، وتحقيق مصالح شخصية ضيقة لا تغني من الحق شيئا، لقد ذكر أبو حيان التوحيدي في كتابه "البصائر والذخائر" بأنه أتى رجل من الخوارج إلى الحسن البصري رحمه الله، فقال له: ما تقول في الخوارج؟ قال الحسن: هم أصحاب دنيا، قال: ومن أين قلت أنهم أصحاب دنيا، والواحد منهم يمشي بين الرماح حتى تتكسر فيه، ويخرج من أهله وولده، قال الحسن:حدثني عن السلطان! هل منعك من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والعمرة؟! قال: لا، فأراه إنما منعك الدنيا فقاتلته عليها.

متى تفهم الجماعات التكفيرية أن الإسلام بتشريعاته وعباداته ومعاملاته وأحكامه ومكارم أخلاقه أوسع وأشمل من أن يختزل في حزب سياسي أو طائفة أو مذهب أو شيخ أو جماعة من الجماعات..؟؟ وما يدعونه هؤلاء بأنهم هم الطائفة الوحيدة التي تمثل الإسلام وتسير على منهج السلف الصالح وما سواها من الجماعات في النار، يكونون في الحقيقة قد أساؤوا للإسلام ولرسول الإسلام، وساهموا في تمزيق كيان الأمة المسلمة الواحدة، وفي هذا المعنى قال البغدادي رحمه الله: "كان المسلمون عند وفاة رسول الله على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه، غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا " فجميع الجماعات التكفيرية المتواجدة على الساحة الإسلامية اليوم بمشاربها ومناهجها وأفكارها المتنطعة كلها ستتساقط وتذوب وتتلاشى أمام جماعة المسلمين الكبرى المنضوية تحت شعار"لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وكل من دعا إلى غيرها فإنما يدعو بدعوى الجاهلية، جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من دعا بدعوة الجاهلية فهو من جثاء جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها مسلمين عباد الله " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه ينظر بأم عينيه الشريفتين إلى حال أمته وحال هذه الجماعات وما وصلوا إليه من تقديسهم لمذاهبهم ومشايخهم وطوائفهم..!! ؛ بحيث قدسوا المذهب والطائفة والزعيم والشيخ، فتراهم يستشهدون بكلامه في دروسهم وخطبهم ومواعظهم أكثر مما يستشهدون بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبآيات الذكر الحكيم، ويتبعون أوامره ونواهيه بدون نقاش ولا تعقل ولا تفكر، وكأنه وحي يوحى صدر من نبي مرسل، أو ملك مقرب، فبمجرد مخالفتك لهؤلاء في مسألة ما تكفر مباشرة..!!

فتحولت المذاهب الفقهية عندهم إلى أحزاب سياسية وإيديولوجية كل حزب بما لديهم فرحون ؛ بعدما كانت المذاهب والمدارس الفقهية خادمة للشريعة الإسلامية، إلى مخدومة من قبل جحافل من الدعاة والمشايخ، يكفرون الناس حسب البعد والقرب منها، هذا مما أدى إلى ظهور "إسلام جديد"..إسلام التكفير والتبديع والتفسيق والتفجيروالدم والقتل والقنبلة والبندقية والرشاش..!! فضلوا وأضلوا شباب الأمة معهم، ومن تصفح الشبكات العنكبوتية من فايسبوك وتويتر واليوتيوب.. واستمع إلى دروس هؤلاء المشايخ ودعاة الفتنة والتكفير والجهاد، وخالطهم سيرى العجب العجاب ؛ بحيث يحلون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، ومن هذه العجائب يحرمون دفع الزكاة على فقراء المسلمين ؛ اللهم إذا كان هذا الفقير المسلم ينتمي لصفوفهم وجماعتهم ويؤمن بأفكارهم التكفيرية والجهادية، وهكذا في الزواج، يمنع الشاب المنتمي لجماعتهم الزواج من أي فتاة مسلمة خارجة عن الجماعة..؟؟!! وبهذا يكونون قد أضافوا للأصناف الثمانية المحددة في القرآن الكريم التي تجب في حقهم الزكاة، صنف جديد! كما أضافوا لأركان الزواج المعروفة في كتب الفقه الإسلامي ركنا جديدا سموه بركن "الانتماء للأمير وجماعته" وهناك أمثلة كثيرة وفتاوى غريبة لا تعد ولا تحصى.. والغريب في الأمر أن هذه الجماعات التكفيرية كل منها تدعي وتعتقد اعتقادا جازما بأنها هي الفرقة الناجية، التي تسير على طريق الإسلام الصحيح وعلى هدي نبينا الكريم صلاة الله وسلامه عليه، وما سواها هو الضلال المبين..!!.

جاء رجل إلى الإمام مالك فقال: يا أبا عبد الله: أسألك عن مسألة أجعلك حجة فيما بيني وبين الله عز وجل، قال مالك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، سل، قال الرجل: من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي ( رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص:35 ) وقد روي عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل عبد الله بن عباس: أنت على ملة علي أو ملة عثمان؟ فقال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان كل من السلف الصالح يقولون، أما هذه التيارات الجهادية التكفيرية التي نشاهدها على خريطة العالم الإسلامي اليوم ما هي إلا معاول هدم بيد الدول الكبرى والمخابرات الغربية يستفزون من خلالها الحكومات العربية والإسلامية للمزيد من الانبطاح وللمزيد من تحقيق أطماعهم الاستعمارية، وما الربيع التخريبي الاستعماري عنا ببعيد.!

فظاهرة التكفير هي فتنة الأمة الإسلامية اليوم، فإذا لم يقم العلماء والدعاة وأصحاب الرأي والفكر والمؤسسات العلمية والإعلامية والمجمعات الفقهية ووزارات الشؤون الإسلامية والجامعات الإسلامية المعتبرة في تصحيح الخطى وترشيد القوم، وتجديد المسار،واستشراف المستقبل، فإننا سنجد أوطان المسلمين في يوم من الأيام في حرب دروس بين أبنائها وأحزابها وطوائفها يكفرون بعضهم بعضا ويقتلون بعضهم بعضا، وقد بدت ملامحها في بعض البلاد العربية هذه الأيام وعلى رأسهم سوريا الجريحة..!! ولذلك فالحاجة ماسة إلى تجفيف منابع التكفير، وفضح شيوخه ومنظريه، ووضع انحرافاتهم أمام مرآة الشريعة الغراء، التي تتبرأ ممن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، ويحرفون الكلم عن مواضعه ؛ بغية مصالحهم الشخصية الضيقة، ولخدمة أجندة أجنبية بغيضة للمزيد من تفتيت عالمنا العربي والإسلامي..!!نحن نعلم بأن هذا الكلام يقلق هؤلاء المرضى والحمقى الذين يتقربون إلى الله بسفك دماء المسلمين، وتفجير بيوت رب العالمين..!! لكن نتمنى لهم الشفاء العاجل بإذن الله تعالى، والعودة إلى دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عودة صادقة مخلصة، لأن ديننا الإسلامي أمرنا بتغيير المنكر.. وعلمنا أن نبرز الخلل للضالين والمنحرفين، وأن نبين لهم طريق الله المستقيم، صراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والساكت عن إبراز الدين الصحيح لهؤلاء شيطان أخرس، وخاصة إذا كان من أهل العلم والبيان والحجة والبرهان. أختم مقالتي المتواضعة بحديث خطير يصف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم وكأنه حي يرزق بيننا، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في أمتي اختلاف وفُرقة، وسيجيء قوم يعجبونكم وتعجبهم أنفسهم، الذين يقتلونَهم أولى بالله منهم، يحسنون القتل، ويسيئون الفعل، يدعُون إلى الله وليسوا من الله في شيء، فإذا لقيتموهم فأنيموهم(أي اقتلوهم) قالوا يا رسول: أنعتهم لنا قال: آيتهم الحلق (أي حلق الرأس) والتسبيت، يعني: (المبالغة في تقصير الثياب)، وفي رواية: "هم شرار الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه".

هؤلاء هم الخوارج، وأفكارهم الضالة وأفعالهم القذرة وانحرافاتهم الواضحة المتعصبة، ومذهبيتهم الهمجية البربرية البغيضة، الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، والذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد؛ لذا حاربهم خليفة المؤمنين الإمام علي رضي الله عنه، وهزمهم في (النهروان) عندما سمع عن جرائمهم وفضائعهم مايشيب له الولدان، وكم نصحهم قبل محاربتهم فلم ينتصحوا، وكم حاول ان يردهم إلي النهم الصحيح للدين الإسلامي بلا جدوي! وكم مرة أرسل لهم علماء كبار كعبد الله بن عباس لمناظرتهم وإقناعهم بجوهر الدين الحنيف، وأن الإسلام لايعرف سفك الدماء، وقتل المؤمنين الأبرياء، ولكن كلمات الإمام علي رضي الله عنه وتوجيهاته وحواراته ضاعت أدراج الرياح، بل لقد دفع حياته هو نفسه ثمنا لحماقاتهم، فقد قتله أحدهم وهو عبد الرحمن بن ملجم..؟؟. وهكذا نرى كم يكون ثمن الفكر التكفيري الأحمق، والرأي المتنطع الغبي من أثار مدمرة.. بكل بساطة انه الفكر التكفيري المريض والإرهاب الأحمق الأعمى! وما أكثر أحفاد الخوارج هذه الأيام، والله المستعان.

كاتب عام المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل

eelotmani@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف