عسكري متأخون أو ثورة ثالثة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ما الذي يجمع بين "طائر النهضة" عند الدكتور مرسي وإخوانه، وبين "صباع الكفتة" عند اللواء عبدالعاطي وإخوانه في القوات المسلحة؟ ... إنه "الوهم" حين يتلون بلون العمة تارة ولون الكاب تارة أخري، و"العجز" حين يلجأ لأساليب يائسة.. يلتحف بالخوارق مرة ويتوسل بالمعجزات مرة أخري.
اختلاط الوهم بالعجز في مصر اليوم لا يشير فقط إلي " التخلف "، فقد تجاوزنا مرحلة التخلف منذ زمن طويل وأصبحنا (متخلفين بشرطة)، وهو ما يسميه المفكر اللبناني "حسن عجمي" بـ"لسوبر تخلف" في كتابه الذي يحمل نفس الإسم، يقول في المقدمة: "الشعب المتخلف هو الشعب الذي لا ينتج ما هو مفيد للبشرية وللعلم، أما الشعب السوبر متخلف فهو الشعب الذي يطور التخلف، وذلك من خلال تقديم الجهل علي أنه علم، نحن العرب والمسلمين نحيا اليوم في عصر السوبر تخلف".
ويضيف عجمي "إننا اليوم نستخدم العلم من أجل التجهيل، وذلك من خلال تحويل العلم إلي الجهل، مثلاً بالنسبة إلينا العلم وحي يوحي، ولذا فإن مدارسنا وجامعاتنا لا تخرج علماء، بل تخرج إرهابيين وبائعي سلع، كسلعة الطب والهندسة، نحن أمة أنبياء، فأصغر شاعر منَّا يدعي أن الوحي يسقط عليه، ولذا فنحن خارج الحضارة والتاريخ لأننا رفضا العلم والفلسفة والمنطق، ولذلك أمسينا عبيدًا لأسياد العلم".
لكن يبدو أن التوسل بالخوارق والمعجزات في زمن اليأس والعجز (والسوبر تخلف) له أسباب أخري، فقد لاحظ الفيلسوف الزنديق "بومبوناتزي" - من مواليد عصر النهضة الأوروبية - أن "المعجزات" و"الخوارق" هي أهم شروط التأسيس لأي "دين جديد" ولو كان (الدين السياسي)، وهي مرحلة ضرورية في البداية سرعان ما تنتهي مع إزالة آخر معاقل الدين القديم أو (النظام السياسي السابق).
أما الداهية " مكيافيللي " فقد ذهب إلي أبعد من ذلك في الفصل الثاني من الكتاب الأول المعنون ب" المطارحات " أو (أحاديث إلي ليفيوس)، إذ يقول : " واجب من يحكمون الجمهورية أو المملكة الاهتمام بكل الأحداث التي يبدو أنها تقوي الدين وأن يضخموا من شأنها، ولو كانوا يعتقدون انها كاذبة. ونظرا لأن هذا كان النهج الذي سلكه الحكماء، فقد نشأ الاعتقاد في المعجزات التي تشتهر بها " الأديان "، لأن أهل الفطنة يضخمون من شأنها أيا كان مصدرها، وهكذا تضفي محبتهم علي المعجزات مصداقية عند كل الناس. "
المسألة عند مكيافيلي ليست في صحة الدين - أي دين - أو في زيفه، ولكن في وجوب التمسك به نظرا لوظيفته الهامة في ضبط المجتمع. وليس من الضروري أن تكون المعجزات أو الكرامات مثلا صحيحة، وإنما المهم أن يعاملها الحكام علي انها صحيحة، وأن يقووا اعتقاد الناس فيها، وأن يدعموا فيهم الإيمان بالغيبيات ما استطاعوا إلي ذلك سبيلا، بغض النظر عن صدقها أو عدم صدقها، فدين زائف خير من لا دين علي الإطلاق!
أهم ما كشف عنه اختراع " صباع الكفتة " : أن البنية الذهنية الدينية - العسكرية " واحدة "، وأن ردود الأفعال الرافضة لقطاع عريض من المصريين لهذه العقلية الخرافية التي تبيع (الهواء في زجاجات فارغة)، تؤكد علي أن " الثورة " لم تنتهي بعد وسوف تعود مجددا طالما بقيت أسبابها قائمة، ومن المرجح أنها ستكون أكثر قوة وأشد عنفا .
الأمر الثاني، أن الشعب المصري الذي ثار وضحي بأغلي ما يملك (شبابه) في 25 يناير 2011 ضد مبارك و30 يونيو 2013 ضد مرسي، لن يسكت هذه المرة عن اقصاء الشباب المتعلم العصري غير المؤدلج - 70% من المصريين بين 18 و40 سنة - من أبناء الطبقة الوسطي الحديثة، أو استبعادهم من المعادلة السياسية، فيما يشبه الاتفاق الضمني بين المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمين!
الدرس الذي استوعبه هؤلاء الشباب بعد ثلاث سنوات ويمكن أن يحدث تأثيرا كبيرا علي التوزيع الداخلي للقوة في مصر : ان شبكة الانترنت يمكن أن تشعل فتيل الثورة ولكن قيادة هذه الثورة لها مواصفات أخري، ناهيك عن آليات الوصول بهذه الثورة إلي مقاليد السلطة، كما أن الرغبة في التقدم علي منوال الغرب والمستقبل الواعد الذي يشاهدونه في الميديا، لن يتحقق دون توظيف أهداف هذه الثورة في السياسة المؤسسية من أجل صياغة هذا المستقبل بأيديهم.
الدراما القادمة في مصر لن تخرج عن هذا المثلث المتناقض الأضلاع: المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمين والشباب، أقول " الدراما " - وليس " المليودراما " - تخفيفا علي القارئ فقط لأن الوضع في مصر سئ بما فيه الكفاية، وبدون الحل السريع للأزمة الاقتصادية والفقر الجماعي المتفاقم وايجاد فرص حقيقية للشباب الذي قاد ثورتين ويستعد للثورة الثالثة ، فإن " الفوضي "هي التي ستدك أساسات الدولة العميقة وبنيتها الدينية - العسكرية!