الهوية المسروقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مسكين هو الغرب، ومعه نحن وبقية أمم العالم، يتعامل معنا ونتعامل معه كما فرعون مع قومه، إذ يقول لهم: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، نصدق كذباته، فيصدق نفسه وينطلي عليه هو أيضا كذبه، وبكسل مجحف في التفكير، وعدم قدرة وجرأة على النقد منا، يوردنا هذا الغرب مجاهيل الجهل به وبأنفسنا، كما أورد سالف الذكر قومه النار وبئس الورد المورود. باصمين له بالعشرة من أصابعنا على تصويره المشوه لتاريخنا وجغرافيا فكرنا، هذا التصوير المخالف لما كنا وما نحن عليه، مستكينين في ذات الوقت إلى النموذج الذي أرادنا عليه، غير عابئين بنقده ولا بفكرة إمكان فسخ أوفضح صورته التي له عنا. لأنا فاقدوا ومهتزوا الثقة بأنفسنا، ولأنا أمسينا نعتقد في إيمان عجائز نيسابور بما قاله الرجل الغربي عنا جراء طمأنينتنا اللامتناهية في صحة فكره وعمق نظرته! في تطبيق عملي لقانون ابن خلدون بما استقر في ذهنية المغلوب من تقليد للغالب.
&لقد استطاع الغربي بكل براعة وإتقان لغوي أن يطور ويؤصل لنسقه الفلسفي الذي يحتمي وراءه ويحمي وهم إبداعه المتأصل الموروث كابرا عن كابر، فيقصي ويهمش من خلاله بقية العالم ودور هذا العالم في انتشاله من جهل وجهالات القرون المظلمة، بأسلوب بلاغي وسفسطائي عميق ورائع، ممجدا ذاته المقدسة، ومعليا من شأنها، وماسخا الآخر المسكين، بتذويبه لمجهودات العالمين وسط "أسيد" الكلمات والمجازات الخطابية، ناسبا مجهودات كل الأمم لذاته، وعرقها المضني سعيا إلى نسبة إبداع المعرفة، إليه وحده، دونما خجل ولا حياء يذكر، في استهتار قل نظيره بأهمية الغير وبدوره ولو حتى في توصيل المعرفة، لا حتى في بنائها.
على هذا الطرح إذن يؤسس الغربي لتفوقه الأبدي، ونزعته الترنسندنتالية الرعناء حين اعتبار أنه وحده دون غيره هو بداية العقل والروح المطلق، جاعلا من أجداده اليونان أصل اللوغوس الأصيل والمنبع المعين للتفكير المعقلن، مقصيا بذلك كل الحبال الموصولة لامتدادات الإغريق المشرقية والمتوسطية، ليتم تغليب سفسطة أوهام ميتافيزيقا التفوق والتعالي وكذا نفي وإلغاء كل العلل التاريخية والجغرافية الواصلة بين اليونان والحضارات السابقة والمجاورة له، لأجل التأكيد على وحدة الحضارة الغربية واستمراريتها، ويعبر عن هذا ليريك وولف في كتابه الضحم" أوربا، ومن لا تاريخ لهم" بقوله: "يؤمن بعضنا بأن للغرب شجرة نسب تشير بأن اليونان القديمة أنجبت روما، وأن روما أنجبت أوروبا المسيحية، وأن أوروبا المسيحية أنجبت عصر النهضة، وعصر النهضة أنجب التنوير، والتنوير ما لبث أن تمخضّ عن الديمقراطية السياسية والثورة الصناعية... وسرعان ما تمكنت من إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية المجسدة لحقوق الانسان والحرية والبحث عن السعادة".
&وعدم موضوعية واعتراف الغربي بالآخر وإنصافه له، ليست أبدا بالشيء الغريب ولا العجيب، بل هي من صميم أطروحاتهم الفلسفية المؤسسة. إنها أحد مكاسب حداثتهم المبدعة! فلا مكان لإلصاق صفة الإبداع إلى طروحاتهم دون نفي للأصل الذي نسخت عنه. فحضور الموضوعية والعدالة يعني بالضرورة الإشارة إلى مقبس مقتبساتهم. لهذا نجد قمة الفكر الغربي المتمركز حول ذاته مارتن هايدغر دونما حرج ولا تحرج يعتبر الموضوعية العلمية التي تمثل أعظم مكاسب العالم البشري نقصا كبيرا لأنها خنوع وانبطاح، وبالتالي إطلاق لأعنة الأيديولوجيا والفكرانية الغربية لتكون سيدة الموقف يعاضدها في ذلك الكذب والتزييفات التاريخية لتحدد مكانة الأمم ودورها في إغناء بحر المعرفة. إنها النظرة المتوحدة للعالم والمنغلقة على ميثولوجيات التميز وإبراز الخصوصية المنكرة لجميل الغيرية، المكررة لذات الخطأ الذي قاد الغربيين أي اليونان الى التمركز والانغلاق في مستعمراتهم (الجزر) بآسيا الصغرى، وبناء استقلالهم المنكفئ على نفسه ضد الغير البربري جدا والهمجي بلا حد.
1- الفلسفة
ليس يمكن فهم وحصر النظرة الاقصائية للآخر بشكل سهل ومبسط عند الغربي كما هي في الفلسفة وتاريخها، فمؤرخو الفلسفة الغربيين يكادون يجمعون على كون الفلسفة أمر يخص العقل الأوربي والوجود الغربي لوحده دونما استحضار لأي عقل لأي شعب آخر، وبالتالي احتكار فعل التفلسف ضمن بوثقة ضيقة ينتج عنها تلك اللازمة العنصرية المتجلية في الكتب الغربية المؤرخة للفلسفة في كون الأخيرة كانت نتيجة تأمل العقل اليوناني لذاته ووجوده لتصل الى العقل الجرماني ومن ثم إلى العقل الأوربي الغربي المعاصر، ويبقى أي حديث عن الفلسفة لدى العرب أو غيرهم هو مجرد استعارة خارجية بدون خصوبة ذات عمق معنوي كبير.
إن اعتراف مؤرخي الفلسفة بأسماء دون غيرها مثل ابن رشد و والتأكيد على دوره في الثأثير في الفكر الفلسفي، هو مجرد محاولة بئيسة لتركيز نظرة القصور إلى العقل الفلسفي الاسلامي، فالاعتراف بابن رشد كأكبر فيلسوف مسلم، هو رغبة مبيتة قديمة لتبيان أن دور العرب في تاريخ الفلسفة منحصر فقط في نقل التراث اليوناني في شقه الأرسطي المشائي؛ إذ أن ابن رشد يعتبر إلى حد كبير أقرب الى ساعي البريد منه الى فيلسوف مبدع، وهذا باعتراف المسلمين الأوائل أنفسهم، حتى أن ابن سبعين يقول فيه :" وهذا الرجل مفتون بأرسطو ومعظم له، ويكاد يقلده في الحس والمعقولات الاولى (....) وأكثر تآليفه في كلام ارسطو إما يلخصها وإما يمشي عليها ومعها ". فمجهوده ودوره لم يتجاوز عتبة بضاعتنا ردت الينا، وذلك من خلال تكراره لنفس أخطاء أرسطو بعناد لا فلسفي عجيب و غريب. وهكذا يحق لمؤرخي الفلسفة أن يدرسوا ويحددوا تأثير أفلاطون وأرسطو على فلسفة المسلمين، في حين لا يجوز لنا أن ندرس تأثير فلسفتنا على فلاسفتهم.
مما لا شك فيه أن بداية الفلسفة الحديثة الحقيقية هي بداية تحررها وانعتاقها الكلي من ارسطو وتقاليد شرحه واعادة صياغته في تصانيف ممجوجة و تمجيدية لوثن أرسطو الذي لا يأتيه الباطل لا من خلف ولا من أمام، لهذا فقد كان نقد الغزالي للفلسفة المشائية هو بداية خلاص الفلسفة من التقليد الذي ملأ رئتيها بالهواء الفاسد، وأعتقها من دخان الأبخرة المقامة على شرف صنم المشائية التلفيقية بين ما هو ديني - هيلينستي &- وثني، فالغزالي يحسب له أنه أول من حمل مطرقة النقد، ليخلص الانسان والعقل البشري من سلطة الأرسطية التي كادت تقتل الفلسفة بخنقها قصبات تنفس الابتكار الفكري لقرون.
لهذا فليس من شك في كون الغزالي كان عملة رائجة ليس عند اليهود وحدهم بل عند الفلاسفة المسيحيين ومن اتى بعدهم على ما يزيد عن خمسة قرون او أكثر، وهذا ما تثبته الترجمات المتعددة واللامحصورة لأعماله الى العبرية واللاتينية اللتين كانتا لغة الفلسفة والدين آنذاك رغم ما كان من مترجميه لمحاولة تشويهه. ويمكن تتبع خيوط تأثير الغزالي في فلاسفة أوربا الحديثة بتوافر مجموعة من النصوص وتطابق والتقاء الكثير من الأفكار المؤسسة بين ابي حامد وديكارت (الشك الديكارتي )، وهيوم (مفهوم العلية )، واسبينوزا عبر تلميذ الغزالي غير المباشر ابن ميمون، وكذلك التطابق الحاصل بين الغزالي وكانط، وباسكال والبير الكبير وتوما الاكويني، ولايبنييز والبقية يعلمها الله وفلاسفة الغرب انفسهم.
&وعلى العموم فان التأثير الفلسفي للفلاسفة المسلمين لازم الفلسفة الغربية الى حدود القرنين الاخيرين وليس أدل على ذالك من كون دبلوم الاعتراف الرسمي بالدكتوراه في الفلسفة الذي منح لكانط سنة 1755 مكتوب عليه بالخط العربي بسم الله الرحمن الرحيم وذلك نظرا لاكتساح التقاليد الأكاديمية العربية للأعراف الاكاديمية الغربية وبالتأكيد لسطوة حضور الفلسفة الاسلامية في العالم الاوربي آنذاك.
2- الرواية
يعتبر تاريخ صدور الدونكخوتي سنة 1605 بداية تاريخ فن ابداعي جديد هو الرواية كما يجمع على هذا أغلب نقاد الرواية في العالم نظرا لتوفرها على كل مقومات وعناصر الرواية، ويحكي فيها صاحبها قصة رجل نحيف ناهز الخمسين لم يتزوج لكثرة قراءاته في كتب الفروسية حدا كاد يفقد عقله ثم يبلغ به هوسه حدا يجعله يفكر بقرارات لا عقلانية، لكن يتخللها هجوم ساخر ومتهكم على البلديات والأديرة وأنظمتها المتسلطة والكاذبة وطغيان محاكم التفتيش وتعصبها وسخريته من أدعياء الحكمة والتقوى المتصفين بالبطولة والقوة.
لقد انبرى العديد من الايطاليين لينتصروا بأدلة ( علمية ) لينسبوا هذا العمل الابداعي إليهم، باعتبار أن أغلب المحكيات والقصص المتوفرة في رواية الدون كخوطي هي من اصل طلياني، في حين لا نجد أي عربي يحاول التدليل على اصل الرواية العربي، وذلك رغم الاعتراف الضمني والصريح من سرفانتس والذي اكده انطوان برمان في اعتبار ان مخطوط مغامرات بطله دون كيخوت قد ترجم عن العربية، كما زعم بان النص الاصلي قد كتب من طرف مغربي يدعي السيد بن جلى، هذا زيادة على ان الكثير من الحكايا المتخللة للرواية في كثير منها هي استدرار للماضي الشفهي العربي بالعدوتين، خاصة وأن تأثر سرفانتس بالفروسية هو دليل واضح على مسايرته لتلك الاساطير والمحكيات العربية عن عنترة بن شداد وسيف بن ذي يزن وسيرة فارس بني هلال، لهذا فقد حاول جاهدا المستعرب الاسباني أنخيل بالنثيا أن يحدد معالم هذا التناص بين عالم محكيات سرفانتس من داخل روايته والمرويات الشفهية المتوفرة حد الساعة في التراث الثقافي المغاربي. وما يزيد من صحة هذا الامر، ويقينيته علمنا المسبق بان سرفانتس استقر بالجزائر قرابة أربع سنوات مما يعني صدق نسبة الرواية للمغربي الطاهر بن جلي.
3- الفلك
&عندما يرغب أحدنا في وصف طفرة كبيرة، أو إقلاع جذري في مجال علمي معين لابد له أن يستعمل المصطلح التالي:"ثورة كوبرنيكية" في دلالة على التحول الكبير الذي أحدتثه نظريات كوبرنيكوس في العالم أجمع، عند زحزحته للنظام البطليمي العتيد المعتبر للأرض مركزا للكون إلا أنه وقبل قرون من ثورة كوبرنيكوس العلمية حين كان علماء أوربا يجتمعون لمناقشة عدد الملائكة الذين بإمكانهم الوقوف على رأس الإبرة، ودور المرأة والأرواح الشريرة في نشر الاوبئة كان احد المؤذنين بأحد جوامع دمشق يدق آخر السنادين في ألواح نعش نظام بطليموس، ويقدم البدائل العلمية عنه مثبتا بالدقائق والساعات عدد دورات الارض في اليوم والشهر حول الشمس ومحصيا بحسابات هندسية دقيقة مسار عطارد والقمر اللذين حيرا العلماء لقرون، أي باختصار أن ابن الشاطر أتى بكل ما سيأتي به أو بالأحرى ما سينسبه البولوني كوبرنيكوس لنفسه.
&ولهذا فعندما ينعث بعض المؤرخين الألمان كوبيرنيكوس بأنه من أكبر اللصوص، فلذلك ما يبرره، فقد لاحظ العلماء التشابه الحاصل بين نظريات ابن الشطار وكبرنيكوس من أن التفاصيل الرياضية الحسابية لبراديغم كوبرنيكوس الفلكية هي مطابقة تماما لنموذج ابن الشاطر، زيادة على الدليل الأكبر وهو الأغلاط التي شابت نموذج كوبيرنيكوس الخاصة بمدار عطارد، والتي هي نفسها الأخطاء التي وقع فيها ابن الشاطر. هذا إلى جانب عثور علماء المخطوطات على الكثير من كتب ابن الشاطر في بولونيا مما يعني أن صك اتهام ليس كوبيرنيكوس وحده باللصوصية والانتحال، وإنما جل الثورة العلمية الأوربية هو شيء مفروغ منه. ويجب إعادة البحث فيه لأجل فحص بصمات علماء المسلمين عليه لإعادة المسروقات العلمية لأصحابها.
4- الطب
قبل ستمائة عام من الآن كان لكلية الطب الباريسية أصغر مكتبة في العالم لا تحتوي إلا على مؤلف واحد لطبيب عربي. هو الرازي أو كما سماه الغرب((rhases العظيم. إلا أنه بطبيعة الحال ليس الأوحد الذي تم الاعتماد عليه لبناء البنى الأولى لطب الأوربي الحديث المعتمد على التجريب العلمي بدل الغيبيات المتافزيقية السحرية، بل إن أقبية الكنائس والمستشفيات في اسبانيا وايطاليا وغيرها كانت ممتلئة بكتب الزهراوي وابن زهر وابن سينا المترجمة إلى اللاتينية أو العبرية مع إرادة قديمة ومبيتة في عدم ذكر أسماء أصحابها ونسبتها عن قصد لمجهولين. ومن أشهر السرقات العلمية في ميدان الطب التي تنازع الانجليز والأسبان نسبتها إلى هارفي بالنسبة للانجليز وسارفيتوس بالنسبة للأسبان هي نظرية الدورة الدموية، ناسين أي أنصار كل طرف انه الأول ولا الذي يليه يحق لهما أن يتكلما عن حقوقهما العلمية فيها. فالعربي ابن النفيس وصل إلى هذا الاكتشاف العظيم قبل هارفي ب 400سنة وقبل سارفيتوس ب 300عام. لا لشيء سوى لأن فرضية انتحالها من سارفيتوس الأسبق تاريخا من هارفي هي فرضية في مقام الحقيقة الحقانية التي لا يشكك فيها إلا مسفسط أو مكابر. ذلك أن هذا الرجل لم يولد إلا بعد 18 سنة فقط من طرد العرب من فردوسهم. مع ما تنقله لنا المعلومات الفيلولوجية من أنه كان مهتما بالطب العربي، بل انه كان متقنا للعربية نظرا لكونها كانت لغة العلم إذك، وهذا ما يظهر من قول أحد القساوسة قرطبة:"وا أسفاه إن شباب المسيحية الذين يريدون إظهار ذواتهم نجدهم لا يعرفون إلا العربية وآدابها". ولا أدل على هذا أن من أضخم المكتبات التي تحتوي على أهم المخطوطات العربية هي مكتبة الإسكوريال التي توجد بها الآن نسخة هي من بين أقدم نسخ كتاب الشفا لابن سينا وذلك بخط ابن النفيس بشحمه ولحمه.
&إن عطاء الحضارة العربية الاسلامية للغرب هو أكثر بكثير مما يظهر ويظهرون لنا وأكبر مما نعرف، إلا انه وبسبب انحطاطنا الفكري وخوائنا السلبي وشعورنا أو بالأحرى انطلاء فكرة سلبيتنا أمام ايجابية الغرب! كذا، هو من ساهم في عدم انفضاح هذه المركزية وفرض علينا أن نفكر من خلال براديغم المثال الغربي فنتخذه معيار أي دراسة، وبدل أن نبحث عن تأثير مفكري الغرب بمفكرينا لقرون فنحاول استئناف التطوير الذي لحق بإرث الأجداد أمسينا نتحدث اليوم ونحاول تلمس إبداعاتنا الفكرية في علاقتها وتشابهها مع النموذج الغربي المنشود.
&