القاهرة.. وغزة المقهورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في شهر ديسمبر من العام 2008 حطت طائرة وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني في مطار القاهرة، جاءت السيدة الأنيقة لتطلع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على خطة جيش الاحتلال "لتأديب" حركة حماس في العملية التي حملت اسم "الرصاص المصبوب".
اليوم وبعد مرور سبع سنوات على ذاك العدوان المشؤوم، السيناريو نفسه يتكرر ولكن بطريقة معكوسة وبوجوه مختلفة، ففي حين لم يكلف وزير خارجية الكيان الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان نفسه عناء الرحلة إلى القاهرة، بادر رئيس المخابرات المصرية اللواء محمد فريد التهامي إلى زيارة "تل أبيب" ولم يكد الرجل يغادرها حتى بدأت الصواريخ تنهال على قطاع غزة من كل حدب وصوب.
لم يجد الكثير من "المحللين" و"الإعلاميين" المصريين غضاضة في القول إن زيارة التهامي إلى "تل أبيب" في هذا التوقيت تأتي في سياق السعي المصري للتخفيف من حدة الأحداث في الأراضي الفلسطينية، أي عبقرية تلك؟!
وبعد انقضاء خمسة أيام على العدوان وسقوط عشرات الشهداء والجرحى، تذكرت الخارجية المصرية وجوب إصدار بيان يرفض "التصعيد" الإسرائيلي، بيد أن البيان جاء كما يبدو من باب رفع العتب وليس أكثر.
وهنا بعض المقتطات من البيان الفذ "إن مصر ترفض تماماً التصعيد الإسرائيلي غير المسؤول في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يأتي في إطار الاستخدام المفرط وغير المبرر للقوة العسكرية وما يترتب عليه من إزهاق لأرواح المدنيين الأبرياء". ويضيف البيان ان "مصر تطالب الجانب الإسرائيلي بضبط النفس وتحكيم العقل ومراعاة البعد الإنساني" (انتهى الاقتباس).
وهنا يحق كل مواطن مصري وعربي أن يتساءل عن أي تحكيم للعقل وعن أي بعد إنساني تتحدث الخارجية المصرية؟ العبارات والمفردات الواردة في البيان تجعل الكثيرين يشككون بأن المسؤولين المصريين لم يقرأوا هذه القصاصة الورقية جيدا قبل توزيعها على وكالات الأنباء العربية والعالمية.&
معيب ومؤسف أن تضع الإدارة المصرية نفسها بقصد أو من دون قصد في موقع "العارف" أو على الأقل "المتساهل" مع عدوان يجري التحضير له ضد قطاع غزة أو ضد أي بقعة عربية أخرى، أين مصر أم العرب والدنيا؟، أين مصر جمال عبدالناصر التي حملت هم فلسطين ودفع الآلاف من خيرة شبابها أرواحهم فداء لتراب فلسطين؟
ربما لا بل الأكيد أن أهالي غزة لا يريدون من الجيش المصري أن يدافع عنهم، فالقطاع لا ينقصه الرجال والعزيمة بل تنقصه المساندة والدعم وفك الحصار وفتح المعابر وتزويد المحطات بالوقود والمستشفيات بالأدوية والسماح بمرور قوافل الإغاثة وغيرها من بديهيات العلاقة بين الأشقاء، بينما تبدو سياسة القاهرة الراهنة تجاه القطاع على النقيض من ذلك.
وفي هذا الإطار تبرز العديد من علامات الاستفهام حول كيفية تعاطي مصر مع غزة:
أولاً: ما السر في لقاءات وزيارات المسؤولين المصريين أو الإسرائيليين إلى القاهرة أو "تل أبيب" على مشارف كل حرب وعدوان ضد غزة؟&
ثانياً: هل هي مجرد صدفة أن تفرض "إسرائيل" حصاراً برياً وبحرياً على القطاع، فيما تقوم مصر هي الأخرى بإغلاق معبر رفح لسنوات وسنوات؟
ثالثاً: هل هي مجرد صدفة أن تقوم طائرات الاحتلال بشن عشرات لا بل مئات الغارات لتدمير الأنفاق، وفي المقابل تقوم القوات المصرية بنفس الدور حتى تمنع الغذاء والدواء من دخول القطاع؟
رابعاً: هل يعقل أن تتقمص القاهرة دور "تل أبيب" في تعزيز دور السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس مقابل السعي الحثيث لتهميش وخنق حركة المقاومة العربية الوحيدة الباقية؟
خامساً: كيف يعقل أن نبرر التنسيق بين الجانبين في تصنيف حماس حركة "ارهابية"، عقاباً لها على عدم إلقاء السلاح والاعتراف بدولة "إسرائيل"؟
سادساً: كيف يمكن أن نصدق أن هناك أقلاماً مأجورة وصل بها الأمر حد التهليل لقصف وتدمير القطاع، وشكر رئيس وزراء الاحتلال على سعيه للقضاء على حماس؟
خلاصة القول إن العروبة وقيادة العالم العربي ليست مجرد أقوال وشعارات تتحدث تارة عن "مسافة السكة" وطوراً عن الأمن القومي ووحدة العالم والدم العربي على الورق وحسب، بل القضية أكثر عمقا من كل هذه البيانات والاجتماعات والعنتريات الفارغة.
ماذا ستقول القاهرة لآلاف الأرامل والثكالى واليتامى والجرحى والمصابين والجوعى في غزة المقهورة، كيف يمكن لها أن تبرر كل هذا الحقد الأسود تجاههم؟ في المقابل، لو قُدر لغزة المثخنة بالجراح والمآسي والظلم أن تتكلم ماذا كانت ستقول؟ ربما لم تكن غزة هاشم لتجد أفضل مما قاله طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة "... وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند...".
&
صحافي لبناني
&