عراق بدون المالكي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لم يكن كافياً بالتأكيد، تسمية المكون السني مرشحه لرئاسة البرلمان العراقي، لإنجاح جلسة البرلمان المخصصة لاختيار شاغلي المواقع الرئاسية، بينما يتواصل في النجف الحراك الشيعي المتعثر، حول تسمية المرشح لرئاسة الوزراء، رغم انقضاء المهلة التي أعلنها المرجع السيستاني للكتل السياسية صباح الأحد، وأيضاً رغم كل الرسائل من المرجعية للمالكي بضرورة عدم ترشحه، ويبدو أن هؤلاء يأخذون بعين الاعتبار، رفض الآخرين ولاية ثالثة للمالكي المتشبث بالسلطة حتى النخاع، وإلى حد مطالبته المرشح لرئاسة البرلمان، بالتوقيع على وثيقة يدعم فيها رئاسته الثالثة، وخشية الانزلاق إلى مزيد من الفوضى، وفي الأثناء فإن الكرد تأخروا في تسمية مرشحيهم للمناصب السيادية، على خلفية الأزمة المتفاقمة مع المالكي، علماً بأن آخر الأنباء تشير إلى التوافق على ترشيح برهم صالح للمنصب، رغم اعتراض عقيلة الرئيس السابق جلال طالباني، بسبب الخلافات المتفاقمة في صفوف قيادات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
أمام البرلمان يوم الثلاثاء مرشحان لمنصبين سياديين من المناصب الثلاثة، جاء ترشيحهما ضمن تفاهمات بين السياسيين من أصحاب الاستحقاق بالمنصبين، على أسس المحاصصة الطائفية، القاضية بأن منصب رئاسة الجمهورية للكرد، ومنصب رئاسة البرلمان للعرب السنة، وتظل المعضلة باختيار شاغل المنصب التنفيذي الأول، وهو من استحقاق الشيعة، حيث يواجه نوري المالكي معارضة واضحة تجمع أطيافاً مختلفة، بمن فيهم أعضاء في التحالف الوطني الشيعي، رغم أنه زعيم القائمة الحائزة على أعلى الأصوات، ولم تتمكن بعد من تسميتها الكتلة الأكبر في البرلمان، اعتماداً على قرار سابق للمحكمة الاتحادية العليا، فحواه أن الكتلة البرلمانية الأكبر هي التي تتشكل بعد الانتخابات، بأكبر عدد من الأعضاء، وهي صاحبة الحق بتسمية رئيس الوزراء، ويبدو حتى اللحظة أن السياسي المخضرم أحمد الجلبي، سيكون منافساً حقيقياً وحظوظه كبيرة في تسنم المنصب.
&
ليس معروفاً على أي إنجازات خلال ولايتيه السابقتين، يتكأ المالكي بمطالبته بولاية ثالثة، فالناظر إلى أحوال العراق اليوم لايستطيع غير الشعور بالحزن والأسى، فالبلاد ممزقة طائفياً نتيجة سياساته التي قد تقود إلى تقسيمها، وإنهاء الدولة العراقية الحديثة التي بنيت أوائل القرن الماضي على يد الهاشميين، وكانت إبّان حكمهم تعتمد الوطنية نبراساً، وتنحي الطائفية جانباً وتحاربها، واستطاعت التقدم خطوات ملموسة على دروب التقدم والدولة المدنية الحديثة، صحيح أن المسيرة تعثرت بالكثير من الأخطاء، لكن الأهم أن فلسفة الحكم كانت سليمة بالكامل، وإذا كان الحكم الملكي سقط على يد مجموعة من الضباط، يصفهم البعض بالمغامرين، فإن أي مراقب منصف لايستطيع إنكار إنجازات عهد عبد الكريم قاسم، وبعده جاء الطوفان ليصل إلى حكم البعث القومي الشوفيني، الذي تم اختصاره بحكم القائد الضرورة وعائلته، وما جره ذلك على البلاد من ويلات، ليس أقلها الحروب التي خاضها دون ضرورة، والانقسامات التي ابتلى بها الشعب العراقي، إن تجاوزنا المذابح وعمليات القتل الجماعي والتهجير، وإسقاط الجنسية عن أعداد هائلة من المواطنين على أسس طائفية، ويبدو للأسف أن ورثته في الحكم يتمسكون بها ويمارسونها بأبشع الوسائل.
يتطلع العالم إلى العراق اليوم "ويده على قلبه"، فالأمم المتحدة تحذر من انزلاقه في حالة من الفوضى، حال الإخفاق بتشكيل الحكومة، وترى أن مثل هذا الاخفاق سيخدم مصالح أولئك الذين يسعون لتقسيم الشعب العراقي، وتدمير فرصهم لتحقيق السلام والازدهار، وعلى اعتبار أن وجود برلمانٍ فعال يُمكن البلاد من العمل معاً ضد الإرهاب، وتنشيط العملية السياسية التي من خلالها يمكن الاستجابة لشواغل جميع الُمكونات، والتخفيف من المعاناة الإنسانية لأكثر من مليون شخص، وضمان حماية حقوق الإنسان والإنجازات الديمقراطية، وحذرت على لسان مبعوثها إلى العراق، من أنه إذا لم يتم التوصل إلى حلول جدية للمشاكل الحالية، فإنه يتعين على جميع الزعماء السياسيين تقاسم المسؤولية في اخفاقهم، بإبداء الشعور بالواجب اللازم في وقت الأزمات.
المضحك المبكي أن المالكي يلوم بعض شركائه في العملية السياسية، ويتهمهم بالوقوف كعائق أمام تنفيذ برنامجه الحكومي خلال سنوات ترؤسه للحكومة، وينسى أن واحداً من أقرب المقربين إليه، وهو حسين الشهرستاني، فشل بجدارة في تأمين الكهرباء للمواطنين طوال ثماني سنوات، مع أن العملية استنزفت مليارات من أموال العراقيين، ذهب معظمها كسرقات موصوفة، وينسى أن فرديته دفعته للاحتفاظ بالمناصب العسكرية والأمنية لذاته المتورمة، وأنه يسيطر على "القضاء المستقل" وعلى "البنك& المركزي المستقل" وعلى "إعلام الدولة المستقل عن السلطة التنفيذية" ويصرف بدون حساب لكسب ولاء العشائر لشخصه، وأنه خلق لنفسه وسياساته أعداءً يصعب حصرهم وتعدادهم، وأنه رغم كل ذلك ظل أسير ولائه لطهران ووليها الفقيه، ما دفعه لإعلان العداء لعدد من دول الجوار، واتهامها بتهم جاهزة معلبة، مرة برعاية الإرهاب وأخرى بدعم خصومه السياسيين، ومرات لم تعد الذاكرة قادرة على استحضارها لكثرتها، اللهم تلك المتعلقة باتهام النظام السوري قبل سنوات وقبل أن يعود لدعمه بكل مايستطيع، بتسهيل عبور الجهاديين وفلول البعثيين للقتال ضد حكومته، ووصل الأمر حد تقديم شكوى للأمم المتحدة بهذا الخصوص.
يقف صاحب مقولة "ما ننطيها" اليوم معانداً طبيعة الأمور، مستعيداً سياسة صدام، بعدم ترك الحكم إلاّ والعراق خراب وكومة من التراب، صحيح أن القائد الضرورة مضى دون أن يتمكن من ذلك بصورة كاملة، لكن الاصح أن المالكي سيمضي أيضاً خارجاً من كتب التاريخ، دون أن يتمكن من تنفيذ هذه الخطيئة، سواء اعتمد على داعش أو على الولي الفقيه.
&