إنقاذ العراق هو ضمان حماية مسيحييه والأقليات (2/2)

تتابعت الأحداث& الخطيرة والمثيرة في العراق منذ كتابة مقالنا السابق، ونقصد احتلال داعش لسنجار ومناطق أخرى ، وتهجير مئات الآلاف من الأيزيدية وقتل المئات منهم وسبي النساء. ولا تزال ألاف منهم في جبل سنجار محاصرين وبدون طعام وماء ودواء، مما تسبب بوفاة المئات منهم، وبينهم الأطفال والنساء؛ ومن ثم، تطورات هجوم قوات البشمركة ودخولها سنجار وتقدمها نحو مناطق أخرى، بإسناد جوي من المركز الاتحادي& جاء متأخرا..
هل كان يمكن لعصابات داعش أن تحتل هذه المساحات الشاسعة من العراق وتهدد السدود والمناطق النفطية، وتمعن قي جرائمهما النكراء لو لم تنسحب القوات الحكومية من الموصل وتترك جميع أسلحتها المتقدمة& والمقدرة أسعارها بالبلايين، وتاركة لداعش& نهب خزائن الدولة واستعباد المدينة والعباد؟؟ كلا بالطبع. ولكن كيف حدث أن تستسلم الفرق العسكرية الحكومية هكذا وبلا إطلاق نيران؟؟ هل هي المؤامرة التي كثر الحديث عنها، ولكل روايته ومؤلفاته عن هذه المؤامرة وأطرافها، حتى أن من بين الكتاب من راح ينسج قصصا هي أشيه بالروايات البوليسية ، أبطالها متعددون والمؤامرات متعددة. ومن الكتاب من راحوا يشمتون بأهل الموصل وكأنهم المسؤولون ويخاطبونهم بشماتة " والآن، كيف تشعرون؟"
لنترك حديث المؤامرات هذا.& فليست جاهزة اليوم معلومات ومعطيات كافية لنخوض في حديث كهذا. لكن ما يمكن التساؤل عنه هو: لماذا لم يستمع المالكي لتحذيرات رئيس إقليم كردستان ومحافظ نينوى قبل ستة شهور من كارثة احتلال الموصل حين كانا ينببهان باستمرار لوجود نشاطات إرهابية وابتزاز للأغنياء ووجود فساد بين كبار الضباط؟؟ وهذه التحذيرات المتتالية تبعتها تحذيرات أميركية، مرت جميعا ولكن دون أن يهتم بها المالكي ويكترث لها، حتى أنه قال لمسعود برزاني " اهتموا بكردستان واتركوا لنا العراق"!
&أجل، نترك حديث المؤامرة والنوايا السيئة المنسوبة لهذا وذاك، ولنقل بكل هدوء وبكل إنصاف وموضوعية إن موقف المالكي في عدم مبالاته بالتحذيرات المتتالية هو الخطيئة الكبرى التي خدمت عصابات داعش وغيرها من أعداء العراق، وتسببت في سلسلة الكوارث المتتالية من احتلال ونهب وقتل جماعي وتهجيرات للأقليات الدينية والمآسي التي عانى منها أتباعها.. لقد كان إهمال وعدم اكتراث السيد رئيس مجلس الوزراء المنتهية مدته والمتشبث بالمنصب، خطأ تاريخيا كافيا لوحده لأن ينسحب من الميدان، ولا نقول لأن يقف أمام العراقيين معتذرا عن موقفه ذاك، الذي لا نفهم دواعيه والحيثيات التي كانت من ورائه. ومما يرتبط بذلك الخطأ التاريخي ترك الموصل منذ الاحتلال مستباحة برغم وجود قواته المليونية وما تحت سيطرته من مليشيات، مشفوعة بقوات من حزب الله اللبناني وفيلق القدس. لماذا ترك الموصل هكذا ليستطيع المجرمون السفاحون التقدم نحو سنجار وزمار وغيرهما، حتى هب البشمركة الشجعان للتصدي برغم أنهم بحاجة لأسلحة أكثر حداثة& بعد أن حاز الداعشيون على عدد هائل من الأسلحة الحديثة للجيش العراقي؟؟ ويزعم البعض أن الموصل لو كانت مدينة شيعية لما تركت فريسة هكذا. لا ندري!.
لقد أضيفت لمأساة مسيحيي الموصل مأساة الأيزيديين والشبك والتركمان الشيعة، أي تجمعت مآسي الأطياف الدينية غير المسلمة وتضاف إليها معاناة أهالي المناطق الغربية ذات الأكثرية السنية.
أن تحرك البشمركة وتقدمها، ومعها مسلحون من أكراد سورية وحتى مسلحون أيزيديون، يبعث على درجة من الارتياح .. ولكن دحر داعش ومن يواليه ليس& بالمهمة السهلة. إن خبيرا عسكريا عراقيا متميزا وصاحب تجارب متفائل. إنه يعتمد فقط على القوة العسكرية العراقية،.و يرى أن فرقا عسكرية حسنة التسلح والتموين قادرة على تحقيق النصر خاصة والعراق لا تعوزه الأموال. من جانبنا، نرى أن هذا لا يكفي. فالخبير الفاضل أهمل الجوانب والمقومات& والشروط السياسية الكبرى، التي من دون توفرها لا يمكن الاعتماد على الحل العسكري لوحده في& أوضاع العراق الراهنة،& حيث تشبث المالكي وحزب الدعوة بالسلطة، وحيث الخلافات السياسية الكبرى، وحيث انتشار الفساد الذي ينخر في الجيش نفسه، وحيث تحول الجيش العراق إلى جيش طائفي ولخدمة حزب بالذات وزعيم هذا الحزب. فقد جرى تحويل الجيش، الذي صرفت على تسلحه المليارات، إلى حراس للزيارات المليونية، وراح الجنود والضباط يشاركون في مراسيم اللطم والدق على الصدور. إنه ليس بالجيش المحترف والمحايد بين الملل والقوميات والأديان والمذاهب [ كالجيش المصري مثلا] ليكون جيشا لجميع العراقيين ولصيانة أمن العراق وسيادته. ومن جهة أخرى، لكون السيد المالكي صار يعتمد على المليشيات الطائفية وفيلق القدس وحزب الله أكثر من إيمانه بهذا الجيش نفسه. أما المتطوعون الشيعة، الذين هبوا على أثر فتوى الجهاد التي أطلقتها المرجعية الشيعية، فليس بمقدورهم إنجاز انتصار عسكري جدي، ألهم إلا في الدفاع عن مراقد شيعية مقدسة.. ونذكر أن من أعضاء " كتائب السلام"، التي تألفت مؤخرا، من صرحوا في سامراء للصحف بأنهم هناك للدفاع " عن معتقداتنا الدينية"، وكأن المهمة هي مجرد حماية المراقد..فكيف يمكن إحراز الانتصارات بمثل هذه التوجهات والعقليات التي تقدم الولاء المذهبي على الولاء للعراق، وعلما بأن الدفاع عن العراق يعني، فيما يعنيه، حماية جميع المراقد الدينية،& من شيعية وسنية ومسيحية وأيزيدية وغيرها.
إن المطلوب اليوم، وعدا الاستعدادات والحملات العسكرية، هو تشكيل حكمة إنقاذ وطني بدون حزب الدعوة- بمختلف تياراته& وأجنحته؛ حكومة قادرة على تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية، والانطلاق من مبدأ المواطنة التي تتعامل مع العراقيين بلا أي تمييز، وتلبي ما هو عملي ومبرر من مطالب المناطق الغربية ؛ حكومة ترفض تدخل قوات فيلق القدس وحزب الله اللبناني، وتطالب الولايات المتحدة بأن تتقدم- ووفقا للاتفاقية الأمنية- بمساعدة عسكرية قوية، ولاسيما جوية، لمطاردة عصابات داعش والقضاء عليها. كذلك لابد من إنهاء دور الميليشيات ونزع سلاحها. إن حكومة كهذه قادرة على تحرير الموصل وإعادة مسيحييها إليها وإنقاذ الأيزيديين والشبك والتركمان في تلعفر وتعويض الذين فقدوا كل شيء.
إن دحر داعش ومن لا يزالون معهم، أيا كانوا، يتطلب مناخا سياسيا جديدا، وجيشا متدربا ومطهرا من الفساد والطائفية، ويستلزم وحدة وطنية قائمة على مبدأ المواطنة والمساواة. وبدلا من إشعال الأزمات المتلاحقة مع إقليم كردستان، فإن الواجب الملح هو تنقية الأجواء ورفع الحصار المالي الجائر على الإقليم والتعاون العسكري الفعال مع البشمركة حتى يتم تنظيف العراق من كل سفاح ووحش مفترس..
إن العراق بلا مسيحييه وبلا بقية الأطياف الدينية والعرقية، لن يكون عراقا. فثروة العراق الحقيقية هي في هذه التشكيلة الفريدة من الأقوام والأديان والمذاهب، التي برهنت في فترات كثيرة من تاريخ العراق الحديث، وحتى في القرن التاسع عشر، وبصرف النظر عن الأنظمة والسياسات، على استعدادها للتعايش معا بسلام. فلنعمل معا من أجل العراق الديمقراطي العلماني، عراق التعايش والمساواة والسلام وحقوق الجميع.
&