إسلام و إخوانه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وصلت قصته إلى الإعلام لكنه لا يمثل حالة فريدة من نوعها. إسلام، ذلك الشاب الجامعي المصري الذي كان في سيرته الأولى إنساناً "طبيعياً" مألوفاً، يدرس الحقوق و يرتاد (الجِم) و يمازح أصدقاءه كما يظهر في صورٍ من حياته الأولى قبل أن يتطوع للقتال في سوريا ثم في العراق ليصبح من جند الخليفة المزعوم. تبدو مسافةً أسطوريةً تلك التي قطعها في طريق تحوله من الفتى الذي كان إلى الوحش الذي انتهى إليه. صار اسمه أبا سلمة، و هو يظهر على صهوة جواده ملوحاً بسيف متباهياً بقطع الرؤوس رؤوس الكفار في جهاد داعش. أقولُ "تبدو" لأن المسافة بين الرجلين أقصر مما قد نظن.
ينبغي أن نفرق أولاً بين المقاتل المرتزق و المقاتل المؤمن. إسلام (أو أبو سلمة) و أمثاله من مقاتلي التطرف الديني ليسوا مرتزقة، بل هم مؤمنون بصواب ما يفعلون، الشواهدُ من قصصهم تدل على ذلك. مقاتلو "العقيدة" من هذا النوع يستمدون دوافعهم و أفكارهم عادةً من محيطهم و مجتمعاتهم، إيمانهم لا يأتي من فراغ و إنما من واقع معاش هو الرافد الذي يغذي توجهاتهم، و لهذا فإن الحلول الأمنية و الجهود العسكرية لا تفيد لوحدها على المدى البعيد في التعامل معهم. الحل الحقيقي هو تجفيف منابع الظاهرة حيثما وُجِدَت في المجتمعات الحاضنة لها، لا الاكتفاء بإدانة الأشخاص و التبرؤ من أفعالهم دون معالجة حقيقية لأسبابها و محركاتها بعد معرفة تلك الأسباب و المحركات و الاعتراف بها.
إسلام و إخوانه هم رأس جبل الجليد المتمثل في منظومة قيم و مفاهيم موجودة في مجتمعات تشكل الخزان الرئيسي الذي يزود التنظيمات الإرهابية بمصادر لا تنضب لمتطوعين جدد. على الأقل قسم من مقاتلي الإرهاب الديني هم الحصاد المُر لما تزرعه المؤسسة الدينية و المدرسة و البيت و الإعلام من قيم و تصورات عن الذات و الآخر و المقدس. و إذا كان هؤلاء المقاتلون يُعَدون بالآلاف فإنهم يستندون على تأييد و تعاطف شرائح لا يُستهان بها في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة. ظاهرة الإرهاب ذات أبعاد متشعبة إقتصادية و اجتماعية و سياسية و دولية، لكن بلا شك جزء مهم من منابع المشكلة يكمن في المتداوَل الديني الشائع على المستويات الشعبية و الرسمية و الإعلامية.
هي معركة موازية لتلك التي تُخاض بالرصاص، تتلخص في تفكيك خطاب الكراهية و تعرية القيم و المفاهيم التي تؤدي في نهاية المطاف إلى سفك الدماء. علينا جميعاً ان نخوض هذه المعركة إذا شئنا أن نحول دون إنتاج المزيد من قطّاعي الرؤوس، و لن نربحها أبداً إذا لم نتصدَ بصراحة للعلل الحقيقية الكامنة فينا.
&
* كاتب و شاعر عراقي
&
Azado196@gmail.com