فضاء الرأي

عن صمت الرئيس بارزاني و"شنكال"

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ الثالث من اغسطس آب الجاري يتعرض الايزيديون (الاكراد الاصلاء) والمسيحيون وأبناء الأقليات الاخرى، في قضاء سنجار ( شنكال) بشكل خاص، والمناطق الواقعة تحت بند المادة ١٤٠ في سهل نينوى بشكل عام، الى ابشع وافظع حملة إبادة جماعية، وقتل ممنهج على الهوية، على أيدي اخطر تنظيم إرهابي في العالم ("داعش" سابقاً و"داس" لاحقاً)، راح ضحيتها، حتى الان (والارقام في تصاعد مستمر)، بحسب مصادر مختلفة، اكثر من ٣٠٠٠ قتيل، و٥٠٠٠ مختطف، و حوالي ١٠٠٠ امرأة سبية، بالاضافة الى تهديد مستقبل عشرات الألف من الأطفال، ونزوح اكثر من نصف مليون شخص (حوالي ٤٥٠ الف منهم ايزيديون) من مناطقهم الى سوريا وكردستان العراق وتركيا وجورجيا وأرمينيا ودول اخرى، يعيشون في ظروف قاسية جداً، تفتقر الى ابسط مقومات الحياة، من مأوى ومشرب ومأكل.&

بُعيد كارثة شنكال صرح مسؤولون ومستشارون مقربون من الدائرة الضيقة اللصيقة برئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، ان "انسحاب البيشمركة من سنجار كان لأسباب تكتيكية لحماية السكان من مذبحة كبرى".

وفي اخر لقاءٍ له مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، صرح رئيس ديوان رئاسة الإقليم، فؤاد حسين أن "قوات البيشمركة تقاتل داعش (تنظيم الدولة الأسلامية) على طول 1500 كم، ولكن وجود العشائر السنية في محيط منطقة شنكال (سنجار) كانت السبب الرئيسي في تراجع البيشمركة عند دخول التنظيم إلى شنكال"، مشيراً إلى "أن العشائر السنية وبالرغم من وقوفنا الدائم إلى جانبهم إلا أنهم عملوا على مساندة داعش ضدنا، كون الوصول إلى شنكال يتطلب المرور بمناطق تنتشر فيها العشائر العربية السنية التي قامت بدورها في دعم داعش مما سهل سيطرته على المنطقة وارتكاب الفظائع ضد أهلها".

رغم كل ما حصل من فظائع ومجازر بحق سكان شنكال المدنيين الأبرياء، لا يزال المسؤولون الاكراد يحاولون تبرير انسحاب البيشمركة، تحت هذه الحجة او تلك، مرة لضرورات "تكتيكية"، وأخرى لأسباب "ديموغرافية"، وثالثة لدواعي إنسانية ل"إنقاذ السكان من مذبحة كبرى"، وكأن ما حصل هو ليس ب"مذبحة" ولا هم يحزنون.

من يقرأ في تصريحات السيد رئيس ديوان رئاسة الإقليم سيُخال إليه وكأن "العشائر العربية السنية" هي السبب الأول والأساس وراء ما جرى ولا يزال في شنكال. لا يُنكر بالطبع ان هناك حاضنة "عربية سنية" ل"دعش" ليس في قضاء سنجار وحواليه فحسب، وإنما في عموم المحافظات العراقية السنية، لكن تسمية حسين العشائر "السنية العربية" فقط، دون سواها، بالشكل الذي ورد في التصريح، وكأنها سبب كل كارثة شنكال، ما هو الا عبارة عن نصف الحقيقة او ما دونها. الى جانب "العشائر العربية السنية"، هناك ايضاً عشائر "سنية كردية" رحبت ب"فتح" تنظيم "داعش" لشنكال، وانضم أبناؤها الى صفوف قواته، لمقاتلة الايزيديين، وجز أعناقهم، واعدامهم بالجملة، وسبي نسائهم، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، باعتبارهم "كفاراً أصلاء"، على حد قول احد الناطقين باسم التنظيم.

ولعلم السيد المستشار، ان عشيرة الشمر، مثلاً، أصدرت فتوى بهدر دم كل من يتعاون مع "داعش" من ابنائها، واعتبرت النكبة التي حلت على الايزيديين نكبتهم، باعتبارهم جيران وشركاء لهم في العراق، ارضاً وتاريخاً وثقافةً.

القضية، إذن، ليست بذاك التبسيط الذي تناوله السيد كبير مستشاري رئيس الإقليم مسعود بارزاني، وكأننا امام "عداوة" عربية - كردية، كما صورها، وإنما هي أعقد وأكبر من ذلك بكثير.&

السيد المستشار لم يتطرق إلى حقيقة انسحاب كامل منظومة الدفاع والأمن والاستخبارات الكردية، بدون قتال، وهروب قادة الصف الاول في حكومة شنكال كلهم قبل ان يتم إخلاء مدني واحد. علماً أن كل الطرق في شنكال ما بعد الثالث من اغسطس آب تؤدي إلى وجود "خيانة كردية" خُطط لها بحرفية عالية، وما تخبط قيادة الإقليم في إدارة الأزمة، والتناقض الفظيع بين تصريحات المسؤولين من جهة والوقائع على الارض من جهة اخرى، ناهيك عن امر بارزاني بإنشاء "لجنة تحقيق" في القضية، وسجن بعض قيادات الصف الاول من البيشمركة والزيرفاني، كل هذا ما هو الا دليل على وجود "خيانة كردية" ما، قبل وجود "خيانة عربية" من بعض العشائر "العربية السنية"، او حتى "خيانة كردية" من بعض العشائر "السنية الكردية".

بحسب المعلومات الواردة، والتي تؤكدها مصادر حكومة اقليم كردستان وتصريحات مسؤولين أكراد كبار انفسهم، ما جرى في شنكال، لم يكن امراً عادياً، او مجرد "لعبة عسكرية" او "تكتيك عسكري"، كما جاء على لسان البعض المسؤول المقرب من الدائرة الضيقة من رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني. وإنما هو مؤامرة من العيار الثقيل، ليس على قيادة كردستان وعلى رأسها الرئيس بازراني فك لغزها.

وما صرح به مستشار مجلس أمن اقليم كردستان، مسرور بارزاني، أمس، بالقول: "اننا نتحمل مسؤولية ما جرى في شنكال"، قطع الشك باليقين أن هناك مؤامرة أكيدة وقعت، وحزب بارزاني (في كونه الحاكم الفعلي والوحيد في شنكال) بالدرجة الأولى، وحكومة كردستان بالدرجة الثانية، يتحمل المسؤولية الكاملة عنها، وعما حصل بالنتيجة في شنكال وجميع مناطق سكنى الايزيديين والمسيحيين والشبك، الواقعة تحت بند المادة ١٤٠، الخاضعة لسيطرة حكومة اقليم كردستان.&

بارزاني الابن، عبر في لقائه الأخير مع الايزيديين، عن "عزائه لشعب سنجار" عما حصل، وكأن "كارثة شنكال" كانت كارثة أو مأساة طبيعية، لا كارثة سياسية وعسكرية وأمنية واستخباراتية من الوزن الثقيل.&

بعكس المجتمعات والدول الشرقية الغائرة في الوراء ديناً ودنيا، ثقافةً واجتماعاً واقتصاداً وسياسةً، ثقافة الاعتذار والاستقالة، في المجتمعات والدول الغربية، المؤسسة على مبدأ المواطنة وثالوثها القيمي (حرية، عدالة، مساواة)، هي ثقافة راسخة، فليس أمرا مستغرباً مثلا أن يخرج وزير، او مسؤول رفيع، او حتى رئيس، ويعلن الاستقالة من منصبه لأنه فشل في مسؤوليته الموكلة اليه تجاه شعبه، الذي وضعه في المنصب، وسلمه إرادته، بموجب "العقد الاجتماعي"، الذي على شروطه، يدخل كل شريك، أي كل مواطن، في علاقة مزدوجة: علاقة مع الأفراد باعتبارهم مواطنين في ذمة الدولة، تتعين بموجبها الحقوق المدنية، وعلاقة اخرى مع "السيادة" او الدولة نفسها تتعين بموجبها الحقوق السياسية، مع اعتبار ان هذه العلاقة المزدوجة تفرض التزامات متبادلة بين الطرفين.&

لا داعي للغوص في تاريخ هذه الثقافة الحاضرة في الغرب بقوة، والغائبة في الشرق تماماً.

لعل اقرب الاستقالات المشهورة الى ذاكرة العالم، هي تلك التي قدمها رئيس وزراء كوريا الجنوبية شونغ هونغ - وون، على خلفية حادث غرق عبارة ركاب في 16 ابريل نيسان الماضي في كارثة خلفت اكثر من 300 قتيل ومفقود. في تصريح مباشر عبر التلفزيون له، قال شونغ هونغ - وون: "أقدم اعتذاري لأنني لم أتمكن من منع وقوع هذا الحادث ولم أتمكن من التعامل بالشكل الصحيح مع نتائجه"، مضيفا "شعرت، انني بصفتي رئيسا للوزراء، يتعين علي ان اتحمل المسؤولية وان أستقيل".&

رغم فظاعة الكارثة التي وقعت في شنكال وكشف بعض قادة "مقاومة شنكال" ممن كانوا كوادر متقدمة في حزب بارزاني لخيوط "مؤامرة شنكال"، واتهام المسؤول الاول في الفرع ال١٧ للحزب الديمقراطي الكردستاني، على الفضائيات، أبناء الرئيس بارزاني بشكل مبطن، بالوقوف وراء قرار الانسحاب المفاجىء للقوات الكردية، ما أدى الى ما حصل، رغم كل هذا لم يقدم اي مسؤول عسكري او أمني أو استخباراتي او حزبي في كردستان، حتى الآن، على تقديم "ربع استقالة"، او "نصف اعتذار" لشعبه.

على الرغم من كل ما حدث في شنكال ولا يزال، وتصدر التراجيديا الشنكالية في مقدمة نشرات الأخبار العالمية، باعتبارها مأساة شعب يتعرض لعملية "إبادة جماعية منظمة"، كما أعلنت دول غربية ومنظمات أممية، وحقوقية عالمية، إلا أنّ بارزاني لم يحرك ساكناً، حتى الآن، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شنكال والشنكاليين، لا على المستوى السياسي، ولا الديبلوماسي، ولا العسكري، ولا حتى الإنساني الإغاثي.&

تُرى لماذا صمت بارزاني على التراجيديا الشنكالية؟

لماذا لا يخرج بارزاني على الايزيديين وعلى الرأي العام الكردي والعالمي، ليعتذر كأي رئيس شجاع عما حصل للايزيديين من جينوسايد حقيقي، راح ضحيته، حتى الان، آلالف القتلى والمخطوفين والسبايا، ناهيك عن تدمير عشرات القرى والمجمعات، وتشريد حوالي ٤٥٠ ألف إنسان؟

لماذا لا يضع بارزاني نقاط شنكال على حروف كردستان؟&

لماذا لا يسمي بارزاني الخيانة باسمها الحقيقي، ولا يسمي المرتكبين بأسمائهم الحقيقيين؟

أليس هذا هو اقل ما يمكن ان يفعله اي رئيس لشعبه، الذي سقط قرباناً لسياسات فاشلة على مذبح اخطر تنظيم إرهابي في العالم؟

أليس من المفترض برئيس وقائد في وزن بارزاني، ان يقف امام مسؤولياته السياسية والقومية والأخلاقية والإنسانية، ويحدد موقفه الواضح والصريح من فرمان شنكال ال٧٤، الذي تبين بالدليل القاطع تورط قيادات الصف الاول في البيشمركة والاسايش والزيرفاني والباراستن في "خيانة كردية مفصلة"، انتهت بكردستان في شنكال، وشنكال في كردستان، الى ما هما عليه الان؟

لماذا لم نجد مسوولاً واحداً، حتى الان، في القيادات المحسوبة على بارزاني حزباً ودولةً وعشيرةً، المسؤولة عن فرمان شنكال بشكل او بآخر، استقالته من منصبه، خجلاً على الأقل، مما حصل ولا يزال من فضيحة سياسية وعسكرية وأمنية واستخباراتية من العيار الثقيل، ستلاحق بارزاني وعائلته وحزبه، الى الأبد، طالما بقيت الأمور على حالها مستورةً، دون كشف الحقائق امام الرأي العام، وبكل شفافية؟

لماذا لم يزر بارزاني، حتى الان، الذي من المفترض به ان يكون رئيساً ل"الكرد الاصلاء" ايضاً، اي ضحية من ضحايا هذا الارهاب (الضحايا الأحياء)، والذين يتجاوز تعدادهم اكثر من نصف مليون نسمة، بحسب اخر احصائيات الامم المتحدة؟

لماذا انشغل بارزاني بصفقات السلاح مع الدول الأوروبية وأميركا، ونسى شنكال الجينوسايد، وكأن شيئا لم يكن، او كأن ما حصل لم يكن اكثر من عملية مقايضة دفع الأبرياء ثمنها من دمائهم وأموالهم وشرفهم وكرامتهم؟

هل يصعب على بارزاني تحديد هوية الخونة والمقصرين، من قيادات حزبه وبيشمركته واسايشه وزيرفانيه وباراستنه، ام ان وراء الأكمة ما وراءها؟

&

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف