فضاء الرأي

السيناريو التونسي

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

&
ستنظّم تونس يوم 26 أكتوبر القادم أوّل انتخابات برلمانية بعد الثورة، وفي 23 نوفمبر الموالي ستنظّم أيضا أوّل انتخابات رئاسية، وستنتقل البلاد بعدها كما يفترض الدستور التونسي الجديد إلى مرحلة مؤسّسات الحكم الدائمة بعد فترة انتقالية استمرّت زهاء أربع سنوات، وستكون الديمقراطية التونسية الناشئة بعد هذين الاستحقاقين الانتخابيين الاستثنائيين& أمام اختبار الصمود والاستمرارية، وفي مواجهة تحدّيات كبيرة وخطيرة واستثنائية ستجعل نجاحها شبه مغامرة حقيقية في التاريخ والثقافة والجغرافيا والإصلاح الديني.
لقد نجحت القوى الديمقراطية التونسية، الوطنية والليبرالية والاجتماعية، خلال الأشهر الماضية في إجبار حركة النهضة الإسلامية على الخروج من الحكومة بطريقة سلمية وحضارية، لفسح المجال أمام حكومة كفاءات مستقلّة قادرة على تنظيم انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة يمكن البناء عليها، مساهمة بذلك في كتابة ما سيعرف لاحقا ب"السيناريو التونسي"، الّذي يقابله "السيناريو المصري"، أو بعبارة أخرى "سيناريو السبسي" بدلا من "سيناريو السيسي"، وهو السيناريو الّذي فضّل من خلاله التونسيون إخراج الإسلاميين من السلطة على نحو يحافظون من خلاله على "مسار الانتقال الديمقراطي" وروح "ثورة 17 ديسمبر 2010"، بدل الطريقة المصرية العنيفة الّتي أعادت للأذهان أجواء المواجهات الطويلة المفتوحة بين النظام الحاكم والحركة الإسلامية، أي الملاحقات الأمنية والمحاكمات والإعدامات والمعتقلات.
لن تكون الانتخابات التونسية القادمة من هذا المنطلق مجرّد انتخابات عادية تنعقد في ظلّ ديمقراطية مستقرّة، فنتائجها قد تساعد الديمقراطية الناشئة على الاستقرار والاستمرار إن جاءت نتائجها صحيحة متفقة مع الشروط الّتي يقتضيها الحكم الجديد داخليا وخارجيا، وقد تكون مقدّمة للإجهاز على هذه الديمقراطية والعودة بالتالي إلى تبنّي حلول أخرى إن جاءت النتائج خاطئة، والشعوب كما الأفراد بمقدورها ممارسة حقّها في التصويت بطريقة صحيحة، كما هو وارد أن تخطئ الاقتراع والتقدير، إذ هي ليست معصومة ولطالما سارت في غير ما تستوجبه مصالحها العليا.
لقد سبق أنّ نبّه بعض العقلاء الحركة الإسلامية التونسية من خطورة شرهها المفرط للعودة إلى السلطة بعد الانتخابات القادمة، فقد ذكّرها هؤلاء بأنّ الفوز الانتخابي لا يكفي وحده لممارسة الحكم، وكان يفترض بقيادات الإسلاميين أن يدركوا من خلال تقييم بسيط لتجربتهم الفاشلة في إدارة النظام خلال فترة ما بعد الثورة، أن شرعية الصندوق قد تكون أحد شروط الوصول إلى الحكم في ظلّ نظام ديمقراطي، لكنّ هذه الشرعية لن يكون بمقدورها وحدها تأمين العملية السياسية، فعندما تكون في مواجهتك النخب النقابية والفنية والثقافية والحقوقية والإعلامية، وعندما ستكون مضطرا للوقوف في وجه مئات الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات والكتابات اليومية الّتي ستوتّر أعصابك وتعجزك عن الحركة الضرورية وتحول بينك وبين تحقيق الأمن والاستقرار الضروريين لتأمين دوران العجلة التنموية، وعندما ستقف أمام حقائق الممانعة الخارجية والشكوك العديدة المبثوثة حول علاقاتك المريبة الممكنة بالجماعات الإرهابية، فإنّك ساعتها لن تقود الحالة إلاّ إلى ديمقراطية عاجزة ودولة فاشلة يترحّم المستضعفون فيها على الأوضاع السابقة ويستذكرون فيها أيّام المستبدّين المستقرّة الآمنة، وربّما رفعوا في وجهك صور الرئيس المخلوع والنظام البائد بلا ندم أو هوادة.
توجد نهايتان ممكنتان للسيناريو التونسي الّذي لم يكتمل وستكون الانتخابات القادمة الحلقة الأخيرة في مسلسله، النهاية الأولى أن يفوز التيّار الوطني الإصلاحي الديمقراطي بالاستحقاق الانتخابي ويكلّف بتشكيل حكومة من مكوّناته الخالصة، أو بشراكة محسوبة مع الإسلاميين المعتدلين، فتنفرج حينها أسارير الديمقراطية التونسية الناشئة ويصبح بمقدور مؤسّسات حكمها البحث عن حلول ناجعة للمشاكل التنموية الكبرى المطروحة، في ظل تعاون إقليمي ودولي متاح، أمّا النهاية الثانية فهي أن يفوز التيّار الإسلامي مرّة أخرى بالانتخابات، ليجد نفسه عاجزا بالضرورة عن تشكيل حكومة مقنعة قادرة على العمل لفترة معقولة، فإنّ شكّل الحكومة بمفرده أو بشراكة شبيهة بتلك الّتي أقامها إثر انتخابات 2011، فستكون حكومة أزمة خانقة منذ يومها الأوّل ستفضي إلى الفوضى العارمة الّتي ستنتهي إمّا بتدخّل المؤسّستين العسكرية والأمنية، أو التحاق تونس بمجموعة الدول العربية الفاشلة، أين سادت الحرب الأهلية وتوزّعت أنحاء البلاد على سلطة الميليشيات والجماعات الإرهابية.
لا يتمتّع الجيل الراهن من الإسلاميين في تونس بالقابلية للحكم داخليا وخارجيا، وهذه حقيقة تاريخية على المعنيين بها تقديرها حقّ قدرها إن رغبوا في تجنيب أنفسهم وبلادهم سيناريوهات سيكونون أبرز المتضرّرين منها، فإن قدّروها فلن يكون موقفهم وسلوكهم إلاّ مساهما في استكمال السيناريو التونسي، سيناريو يحفظ حق الديمقراطية الناشئة في النموّ والحياة على الرغم من كلّ المعوّقات القريبة والبعيدة، والراهنة والمستقبلية.&&&&&
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف