فضاء الرأي

كوريا الجنوبية بلد انتشله شعبه من براثن القرن العشرين

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


يعجز اللسان عن وصف ما وصلت إليه كوريا الجنوبية من نهضة وتطور شمل جميع الميادين، فالزيارة والرؤية بالعين المجردة وحدها التي تمكن من إلإطلاع عن قصة نجاح حقيقية، ومعجزة فريدة في عالمنا، أنجزها شعب آمن بالفعل في حركة التاريخ وتحكم بمصيره فكان له من أراد، وذلك رغم صغر المساحة وقلة الموارد الطبيعية أو ندرتها والظروف القاسية التي عاشها على امتداد القرن العشرين، بداية بالإستعمار الياباني (من 1910 إلى 1945 تاريخ هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية) وصولا إلى ثورة 18 ماي 1980 ضد الإستبداد، مرورا بالحرب الكورية (بين عامي 1950 و1953) والتي جعلت هذا البلد الجميل الهادئ يدفع بشطريه ثمن صراعات الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفياتي.
الكوريون شعب شبهه البعض بطائر الفينيق الذي يخرج سليما معافى من تحت الرماد (أشد مراحل الدمار) ليعيد إنتاج نفسه بسرعة قياسية لافتة ومثيرة للإعجاب. ذلك أن مآسي القرن العشرين لم تزد الكوريين إلا عزما على مزيد التطور والنماء والدخول إلى الألفية الثالثة من أوسع الأبواب كأمة ذات شأن تقارع كبرى دول العالم وتنافسهم بإنجازاتها العلمية وابتكاراتها الصناعية وأيضا& بانضباط شعبها وبأخلاقه العالية وتمسكه بقيمه وموروثه الثقافي.
ويؤكد كثير من المختصين بأن نجاح كوريا الجنوبية فيما فشل فيه الآخرون من بلدان ما يسمى "العالم الثالث" يكمن في هذا الشعب الذي ورث مخزونا ثقافيا وحضاريا عريقا ضاربا في القدم يمتد لآلاف السنين. كما ساهمت الديكتاتورية التي عاشها لعقود، على غرار ألمانيا، في ترسيخ الإنضباط والإيمان بأهمية العمل الذي توارثه الخلف عن السلف.
في كوريا الجنوبية أقطاب علمية وتكنولوجية وصناعية كبرى (على غرار مجمع بوسكو) تشد إليها الناظرين، وفيها جامعات متطورة في مناهجها تحتل المراتب الأولى عالميا في تصنيف الجامعات على غرار جامعة كيونغ هي، ومخابر بحوث جديرة بالإطلاع على أحدث ما توصلت إليه من نتائج وبالبحث عن سبل التعاون معها، رغم أن أعداد الطلبة التونسيين والعرب في مختلف الإختصاصات محدودة في هذه الجامعات بسبب الجغرافيا وعائق اللغة.
وفي كوريا الجنوبية أيضا نهضة عمرانية لافتة وبنية تحتية راقية جدا من جسور وطرقات وشبكة متطورة للنقل الحديدي من قطارات ومترو، ومطار ضخم يليق بدولة وصلت إلى هذا المستوى من الرقي. ولعل اللافت هو نظافة الشوارع ليس فقط في العاصمة سيول وإنما في كل الأحياء وفي مختلف المدن. كما أن الشعب الكوري يلتزم بالقوانين المرورية، ولا يوجد من بين الكوريين من لا يحترم قوانين السير ويقطع الطريق من غير المكان المخصص لذلك وقبل أن تسمح له الإشارة الضوئية بالعبور حتى وإن تعلق الأمر بطريق مقفرة وخالية من العربات.
وفي تلك الأرض البعيدة عن عالمنا لا يلمح المرء موظفين يرابطون بالمقاهي إلى العاشرة صباحا، ليلتحقوا متأخرين بأماكن عملهم كما يحصل عندنا. فالمقاهي والمطاعم في العاصمة سيول تمتلئ مساء، وبعد انتهاء العمل، بالرواد. وأماكن الترفيه عديدة ومتنوعة وتنتشر في أرجاء المدينة وتبدو على درجة كبيرة من الأهمية لشعب يعمل لساعات طوال.
وفي تلك الأرض البعيدة أيضا يبدو وأن هناك وعيا بضرورة ووجوب استهلاك المنتوج المحلي الذي أصبح مصدر فخر واعتزاز لمواطني هذا البلد. فغالبية الكوريين لا يركبون إلا سيارات "هيونداي" أو "كيا" ولا يتخابرون إلا بما تنتجه مؤسسة سامسونغ التي وصلت إلى العالمية وتحقق رقم معاملات يقدر بثلاثمائة وخمسين مليار دولار سنويا.
أما عن الأمن فهو مستتب في كوريا إلى حد ملفت رغم عدم مرابطة البوليس في الشوارع وعدم وجود حواجز أمنية تدقق في الهويات وفي وثائق السيارات كما يحصل عندنا. لكن في المقابل فإن كاميرات المراقبة منتشرة في كل مكان ويبدو أن الأولوية في هذا البلد هي للأمن الوقائي الذي يعتبر رواده أن كثرة الحواجز والمتاريس هي خطط أمنية بدائية ويدفعون باتجاه التدقيق في هويات القادمين الأجانب عبر مختلف النطاق الحدودية برا وجوا وبحرا وفي التركيز على المعلومات التي يوفرها جهاز مخابراتي ناجع يتنصت ويلج إلى البريد الإلكتروني وشبكات الإتصال والتواصل دون أن يشعر المواطنون بذلك.
ويهتم الكوريون بتوثيق ذاكرتهم ولديهم مؤسسات ومنظمات حقوقية عريقة ناشطة في هذا المجال على غرار مؤسسة 18 ماي لدعم الديمقراطية، التي توثق للأحداث التي شهدتها مدينة غوانغ جو في 18 ماي 1980 والتي سعى من خلالها سكان هذه المدينة إلى إسقاط الحكم الديكتاتوري القمعي وسار على خطاهم عموم الكوريين. كما تقوم هذه المؤسسات بالبحوث والدراسات لدعم الديمقراطية في هذا البلد، أي أنها تلعب دور معهد الحركة الوطنية في تونس في عملية التوثيق للذاكرة الوطنية ودور المنظمات الحقوقية الوطنية في الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.
لقد خطط الكوريون وعملوا ورفعوا التحدي فنجحوا بلا بترول أو غاز أو ثروات طبيعية وبمساحة لا تكاد ترى على الخريطة بالعين المجردة، وفي وقت قياسي. لقد أكدوا بأن حجم الأمم لا يقاس بالمساحة ولا بالثروات الطبيعية أوعدد السكان شأنهم شأن اليابانيين، وأن الرهان الحقيقي يجب ان يكون على الذكاء البشري، فانتشلوا بلادهم من مآسي وآلام القرن العشرين وولجوا إلى الألفية الثالثة من أوسع الأبواب وتركونا فرادى تتنازعنا الأهواء والإيديولوجيات والأفكار التكفيرية الهدامة..

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
النظام الشمولي الاستبدادي
اّيار -

تحية للاخ الكاتب على عرضه واقع كوريا الجنوبية وعند مقارنتها مع الشمالية يصاب الانسان بصدمة كبيرة فسكان كوريا الشماية اضافة الى وضعهم الاقتصادي السىْ فانهم يعيشون في بلد لا يختلف عن السجون واجواء السجون بل وينكن القول ان السجين في السويد مثلا ظروف معيشته افضل بكثير من ظروف معيشة المواكن الكوري الشمالي اضافة الى الاستبداد والقمع ولذلك ليس غريبا ان تجد الكثير من ( الرفاق ) الشيوعيين في بلداننا الشرق الاوسطية يلوذون ببلاد الغرب الرأسمالي والامبريالي طلبا للعيش واللجوء ! ...

معاومة اخيرة
فول على طول -

أن حرية العبادة بدأت فى كوريا الجنوبية متأخرة جدا - فى الثمانينات - واعتنق أغلب السكان الديانة المسيحية ويقول الكوريون أن سبب الانضباط الأخلاقى والرقى وما وصلوا الية الان هو اعتناقهم للمسيحية ولم يلجأوا للعنف ومعاداة العالم وامتلاك الأسلحة الفتاكة - مثل كوريا الشمالية - والدخول فى صراع مع العالم ..هذة معلومة لم يذكرها الكاتب وغالبا عن غير قصد .

فول
نورا -

معنى يا فول يا عزيزي انت مع الدين ..حيث تقول ان كوريا اعتنقت المسيحية لهذا ارتقت وتطورت .؟؟!!هل لو طبقت المسيحية في حكم مصر سيكون هناك تطور سريع ..أشك في ذلك ..كوريا تحولت من أمة منكوبة الى أمة متطورة صاعدة ..كوريا وجدت من يخطط لها كما ان الولايات المتحدة كانت سندا قويا لها ..كما أن مبادئها مع الشعب في اعطاءه حرية الإبداع وسعي حكومتها للتسهيلات وعدم تعقيد القطاع الخاص ..معنى التخطيط الكوري يضم جميع أفراد الشعب فهم لديهم تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ..معنى عندهم عدل وتوجيه .. وهذا ما ينقص الدول العربية حيث لا حاكم ولا مخططين ولا عدل ولا توجيهات ولا مصلحة عامة فقط العابثين يرتعون ويمرحون ...يرثى لحالنا .

إلى السيد فول
التونسي -

يا فول يا غالي لا علاقة للكوريين بالمسيحية، غالبية الشعب الكوري بوذي ولديه نسبة هامة من غير المتدينين أما المسيحيون فهم أقلية قليلة جدا.

الى العزيزة نورا
فول على طول -

الحقيقة يا نورا أنا مع الانسان والمساواة التامة بين البشر ...الانسان عندى هو المقدس وليس النصوص . ولكن ما ذكرتة عن كوريا هى مجرد معلومة قرأتها وممكن أن تكون صحيحة أو لا ..ولا يهمنى ديانة أحد بالمرة . وأكرر أن الدين أحادى ولا يقبل القسمة على اثنين ..والأرضية الانسانية أوسع كثيرا وأرحب وتجمع كل البشر عكس الأرضية الدينية وهذا هو يقينى وقناعتى التامة ..الانسان ثم الانسان ثم الانسان والجميع متساوون . وأؤكد أن العلم والتجربة والتجريب والعمل هم أساس التقدم ..وعندما يتدخل الدين - أى دين - فى كل صغيرة وكبيرة سوف يتخلف المجتمع ويتناحر . انا لا أرفض أى ديانة ولكن فقط أن تكون علاقة شخصية بين الانسان وما يؤمن بة فقط .زأما الشارع أو الدولة فهى تتبع القانون الذى يساوى بين كل البشر . تحياتى للعزيز التونسى رقم 4 على هذة المعلومات

إلى المعلقين الأعزاء
raspoutine -

على ذمة ويكيبيديا.٥٠ بالمئة من الشعب الكوري الجنوبي،لا دين لهم.٢٩ بالمئة مسيحيون.٢٢ بالمئة بوذيين. وشكراُ.

system of ideas- civilzation, culture, behavior
Salman Haj -

فول نورا -GMT 7:09:50 2015 الأربعاء 6 مايو ..معنى التخطيط الكوري يضم جميع أفراد الشعب فهم لديهم تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ..معنى عندهم عدل وتوجيه .. وهذا ما ينقص الدول العربية حيث لا حاكم ولا مخططين ولا عدل ولا توجيهات ولا مصلحة عامة فقط العابثين يرتعون ويمرحون ...يرثى لحالنا . - ... .. Dear Nura.... ... The above begs a question why Koreans with their diverse religious groups live together in peace, remain patriotic, and place public good above personal gain, meaning they have Justice and direction... Where as the Arabs and Muslims in general lack good ethical leadership and rulers, and no planners, and no justice, and instructions, and no public good. They only have the fools grazing and having fun... Why the difference fear Nura? .. Don''t you agree the system of ideas embraced by Koreans, the Buddhist, and the Christian provide them with tools to create a higher system of ethics and morality, a higher work ethic, all bound by Korean patriotism and love of country working for the common good while achieving individual excellence and satisfaction. All equal under the law? Now contrast this with conditions in your country and sister and kin countries where most dribble, graze and pursue fun. Why? Is it accidental? Certainly it is not in the genes. Regards

Corre tion
Salman Haj -

6.إلى المعلقين الأعزاءraspoutine-GMT 4:49:22 2015 الخميس 7 مايوعلى ذمة ويكيبيديا. ٥٠ بالمئة من الشعب الكوري الجنوبي،لا دين لهم. ٢٩ بالمئة مسيحيون. ٢٢ بالمئة بوذيين. وشكراُ. Not all neo posted on Wikipedia is fully reliable, and Wikipedia says so frequently and asks reader to make corrections.. This is from Korea official web sites: religions in Korea-- Buddhist = 43%, PROTESTANTS = 34%, Catholics= 21% (Total Christian = 56% ), Others = 2%. All religions are represented in Korea living peacefully. Regards, may Allah bless you all, just as the rain falls on believers and kafir if present at the right region.

To Salman Al Haj
raspoutine -

Thank you for the information.

Dear elaf, kindly explIn
Salman Haj -

Dear elaf, KINDLY EXPLAIN WHY THE COMMENT BELOW WAS NOT PUBLISHED. PLEASE POINT TO VIOLATIONS THAT DISQUALIFIED IT SO THAT THEY WONT BE REPEATED IN THE FUTURE. RESPECTFULLY YOURS, Salman Hajفول نورا -GMT 7:09:50 2015 الأربعاء 6 مايو ..معنى التخطيط الكوري يضم جميع أفراد الشعب فهم لديهم تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ..معنى عندهم عدل وتوجيه .. وهذا ما ينقص الدول العربية حيث لا حاكم ولا مخططين ولا عدل ولا توجيهات ولا مصلحة عامة فقط العابثين يرتعون ويمرحون ...يرثى لحالنا . - ... .. Dear Nura.... ... The above begs a question why Koreans with their diverse religious groups live together in peace, remain patriotic, and place public good above personal gain, meaning they have Justice and direction... Where as the Arabs and Muslims in general lack good ethical leadership and rulers, and no planners, and no justice, and instructions, and no public good. They only have the fools grazing and having fun... Why the difference fear Nura? .. Don''t you agree the system of ideas embraced by Koreans, the Buddhist, and the Christian provide them with tools to create a higher system of ethics and morality, a higher work ethic, all bound by Korean patriotism and love of country working for the common good while achieving individual excellence and satisfaction. All equal under the law? Now contrast this with conditions in your country and sister and kin countries where most dribble, graze and pursue fun. Why? Is it accidental? Certainly it is not in the genes. Regards