فضاء الرأي

العراق في لعبة السّلم والثعبان

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كانت ولازالت الرغبة العميقة في تجاوز الفوضى والفساد والإرهاب، والعودة الى حالة السلم الأهلي والأوضاع الطبيعية بوسائل سلمية، هي في صميم المطالب الأساسية للغالبية المتضرّرة من العراقيين منذ الخروج الكارثي للبلاد عام 2003 من الحقبة الوطنية، على ما كان فيها تاريخيا، من علل كثيرة وإخفاقات جمّة، أدّت في مرحلتها الديكتاتورية الأخيرة، للتماهي بين الوطن والديكتاتور، لدرجة بات صعبا حينها التمييّز بين مصيرهما معا. العراق أم صدّام حسين؟ النظام أم رأس النظام؟.
ولم تكن الأجوبة على هذه الأسئلة المريرة، يسيرة ومقنعة بدورها للكثيرين داخليا وخارجيا، فلا إدارة جورج بوش ـ الابن كانت معنية حقّا بمصير البلاد بعد الحرب والإحتلال وما أعقبهما من "فوضى خلاقة" كرّست الإنقسامات الداخلية على حساب الهوية الجامعة، ولا القوى والأحزاب السياسية والرموز والشخصيات الرئيسية من المعارضة العراقية كانت على درجة من القوّة والتماسك والتفاهم والتنسيق فيما بينها بحيث تستطيع كجماعة سياسية وطنية أن تفرض شروطها على المحتلّ، وتختار بديلا آخرا سوى الإنضواء تحت رايته والتسليم بالأمر الواقع والتعامل معه فرادى يتنازعهم التعطّش للسلطة وتقاسم الثروة والنفوذ ولا يجمعهم أيّ جامع بالمشتركات العليا ولا بأية أجندة وطنية تحافظ على وحدة البلاد وأمنه وسلامة حدوده وأراضيه من الإنتهاكات الإقليمية التي شهدناها فيما بعد.
وعلى الرغم من أنّ بوادر المحاصصة الطائفية والأثنية كانت سابقة للإحتلال بسنوات عديدة حيث كانت نسب التمثيل وحصص الاحزاب المشاركة في مؤتمرات المعارضة العراقية وتقريب أو استبعاد هذا الطرف السياسي أو ذاك برعاية المايسترو الأمريكي هي بمثابة التخطيط الأوّلي لهندسة دولة المكوّنات القادمة، الاّ أنّ اعادة التوازنات السياسية الداخلية بعد سقوط النظام الديكتاتوري ظلّت أسيرة لآلية المحاصصة تلك واستمرت حتى يومنا هذا وهي عاجزة تماما عن ادارة البلاد وتأمين أبسط الحقوق والخدمات للمكوّنات التي تدّعي تمثيلها وتضمن لها مشاركة حقيقية وموقعا ودورا& في الحياة السياسية كانت ولا زالت تفتقر اليه في تاريخ العراق الحديث.
كما لم يكن أمام المنتفعين من رؤساء الكتل السياسية وأمراء الطوائف سوى العزف المستمرّ على وتر الطائفية السياسية، تارة بالجمّلة في مواسم الإنتخابات، وتارة أخرى بالتقسيط المريح اعلاميا وثقافيا لضمان أنّ شعب الفقاعات لا يزال& غارقا في غيبوبته الطويلة ولا خيار أمامه سوى الإذعان لمشيئة القدر وتقديم فروض الطاعة لأولي الأمر والقبول بقسمته المكتوبة على الجبين. لم يكن أمامهم وعلى ضوء خارطة التوزيع الجديدة سوى التنافس المحموم على دولة مترعة بمليارات النفط دون رقيب أو حسيب وفي غياب أبسط القوانين والتشريعات الناظمة لعمل ووظائف الدولة الجديدة. ولم يكن أمامهم أيضا، بعد تزاوج السياسة بالمال والتجارة وزوال الحدود& الفاصلة بين النضال السياسي وبين البزنس والصفقات والعمولات المشبوهة والعلاقات السرّية بمافيات الفساد والشبكات الإقليمية والدولية سوى الاستمرار في نهش الضحية المضرّجة بدمائها تحت سمع وأبصار العالم، وسوى حماية ورعاية المصالح المستجّدة وعرقلة كلّ ما يمكن أن يهدّدها أو يقف في طريق تدفّقها واستمرارها.
هكذا اكتمل الفصل الثاني من مسرحية "التحرير" بعد عقود الديكتاتورية الطويلة& وبعد صناعة طبقة سياسية ـ مالية فوق المجتمع ومن العدم وافسادها بالمرّتبات والإمتيازات الخيالية وعزلها تماما عن معاناة الجموع من الضحايا والمهجرين والنازحين والمتضرّرين من الأوضاع القائمة، وبعد اشباع عقدّ النقص المزّمنة لديهم بألقاب الفخامة الموهومة والهيلمان الكاذب وصورة الزعيم السياسي التي لا يفارقها العلم العراقي على يمين أو على& يسار مكتبه الفخم في المنطقة الخضراء. وهكذا أيضا أرادوا لها وارتضوا بها وشاركوا في تصميمها بديلا للديكتاتورية، فكان هذا& النظام المجوّف من الداخل والذي& بإمكان أيّ معتوه سياسي تسوقه الصدف للتحّكم بإدارة البلد أن يعلّبه بما يريد وبما يطلب منه وينتقي من دستوره المسلوق على عجل ما يشاء حسب مصالحه المتلوّنة ويفسّر موادّه المتضاربة حسب الفصول والمواسم دون اعتراض ودون مؤسسات حقيقية فاعلة قوامها الصالح العامّ. فكانت كذلك هذه الديموقراطية الشكلّية التي تغلّف الطائفية السياسية هي البديلة للوطنية الضائعة.
لعبة السلّم والثعبان الجارية في العراق، لم تصل خاتمتها بعد، طالما أنّ النردين الأمريكي والايراني مغشوشان ومتحكّمان بقواعدها الأساسية، ولا عزاء للمغفلين.

&باريس&&
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بالعراقي(حية ودرج)
رجل من عباد الله -

أجمل التهاني والتبريكات بالعيد السعيد لرئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي المحترم و(كل عام وأنتم بخير) وشكرا لتهانيكم الرقيقة بحلول العيد السعيد2015. وتعليقا لامور السياسة الدنيوية(أم العجائب والغرائب) فحزم الاصلاحات تمثل بال(الدرج) ومحاولات منع وتفتيت الاصلاحات من (القطط السمان) هي ( الحية)! المعلوم هذه اللعبة متداولة من أيام العهد الملكي (فيصل الاول) بالعراق وكان وزير المالية الشهير(ساسون حصقيل) وقتها.

نظام صفيوني
خالص -

نكبة وكارثة العراق هي واحده إلا وهي هذا النظام الشيعي اللقيط الخبيث والعين والمنبوذ. .أنظر فقط ما يفعله الشيعه بالعراق والمنطقه وما تفعله الأحد الأحزاب الدينيه الشيعيه اللعين تعرف بعدا الحقيقية التي لايمكن اخفاءها

العيب فينا
ن ف -

سأختلف هذه المرة مع الكاتب ولا أظنّ أن الإختلاف سيفسد وداّ. المشكلة ليس في النردين المغشوشين كما شخّصها كاتبنا القدير، إنما هي فينا. نحن شعب لم يبلغْ سنّ الرشد بعد و يعاني من إنفصام في الشخصية. التغيير الذي حصل عام 2003 جاء بعد أن توسّلت المعارضة العراقية بالغرب لأعوام طويلة لإزاحة النظام الديكتاتوري. أما أمريكا التي لا يُعرف عنها النزعة الاستعمارية فقد وجدت نفسها في ورطة حقيقية في بلد مزّقت الأنظمة التي تعاقبت على حكمه نسيجه الإجتماعي. لقد خرجنا مرّتين وانتخبنا لصوصاً وقتلة انتهكوا كل ما هو انساني. وها نحن وبعد أن خسرنا كل شيء ولم نعد نملك ما نخسره، نخرج في الإسبوع مرّة واحدة لساعة أو ساعتين تبحّ أصواتنا من الصراخ ولكن لا حياة لمن تنادي.

علم الغيب
خوليو -

المشكلة بسيطة وواضحة لاينقصها سوى التجرؤ على إعلانها للناس : علم الغيب يخلق علماء غيب ،، وبما أن علم هؤلاء هو غيب بغيب يُرشح لكراسي القيادة والقرار والمسؤولية رجال غيب منهم وفيهم يسمونهم علماء ،، الشعب الغائب عن الزمان والمكان إلا بقليل منه ، يوصلهم لتلك الكراسي وحسب سنتي أو شريعة أهل بيتي كما أوصيتكم حتى لاتضيعون،، وعندما يصل علماء الغيب لموقع القرار ،،يسألون دستور علوم الغيب عن حل لمشاكل الشعب الكبيرة فيقول هذا لهم :أنتم ولاة وهم بايعوكم فمن واجباتهم إطاعة أولي الأمر كما في كتابي ،، فإن عصوا فوظيفتكم جلد ظهورهم وأخذ مالهم بعد أن بايعوكم وارتضوا بسنة كتاب الغيب أو بشريعة أهل البيت ،، يعني أنهم استمسكوا بالعروة الوثقى لا انفصال لها ،،وهذه هي مشيئتي وما تأخذوه من أموال هو رزقة قسمتها لكم من مكاني هذا ،، ولكثرة جلد الظهر وسلب الأموال وضخ علوم الغيب ليلاً نهاراً يصاب الشعب بمرض غيبوبة علم الغيب وتتكرر العملية عندما يريدون تجديد علماء الغيب للقيادة مرة ثانية وهكذا يعاودون الكرة مرة أخرى وهم في غيبوبة ،، لا حل إلا عندما يدرك الناس أن علم الغيب هو سبب بؤسهم وفقرهم وتخديرهم فيتم التعامل معه ووضعه في مكانه الصحيح ، عندها سيكتشف البؤساء سر التقدم ،،وهذا ليس بالأمر السهل .

يا سيد خوليو
Avatar -

دائما تتحفنا بروائعك السلسة المفهومة التي تفسر ببساطة كل شيء وتصيب الهدف بمقتل ....استمر حتى يصحى النائمون من غيبوبتهم.......تحياتي لك

حاقد وطائفي
شني -

صاحب التعليق 2 خالص شخص لا يخجل أن يظهر طائفية حاقدة وإنحياز رخيص أضر بالعراق والعراقيين سواء كان من السنة أو الشيعة. لعن الله الطائفية البغيضة ولعن من آمن بها وعمل بها.