فضاء الرأي

الردّ الايراني على اغتيال سليماني: أدوار متبادلة في مسرحية متوقعة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كان متوقَّعًا أن تكون هذه هي نهاية الجنرال الإيراني قاسم سليماني،الرجل الذي لُطِّخت يداه بالدماء طيلة عشرون عامًا، مارس خلالها شتى أنواع الأعمال الميليشيوية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ولكن ما ذنب أن يدفع 176 بريء من ركاب طائرة مدنية حياتهم ثمنًا لذلك ، ناهيك عن سقوط أكثر من 50 شخصًا و إصابة أكثر من مئتي شخص بعضهم في حال حرجة نتيجة التدافع أثناء تشييع جثمانه في مسقط رأسه بكرمان. وما ذنب شعب العراق الذي تدور رحى الأحداث على أرضه بعد أن تحولت بلاده إلى رقعةٍ مزقتها مصالح الدول الإقليمية.

وفور الاعلان عن استهداف الحرس الثوري للقواعد الأميركية في إيران بصواريخ باليستية، سارعت وسائل الاعلام الايرانية وأذرعها الصحفية والحزبية في دول المنطقة إلى الإحتفال بهذه العملية الانتقامية واصفينها ب"النصر المبين". وفي وقت عمد بعض المحللين إلى التضخيم والمبالغة بالنتائج السلبيةوالاضرار على الولايات المتحدة، فإن الواقع على الأرض كان يكشف عن معطيات مغايرة تماما.

فقد جاءت المواقف الرسمية للطرفين مدروسة وهادئة، وهي بالقدر التي أظهرت فيه "حكمة" لجهة تفادي حرب ضروس لا تبقي ولاتذر في حال اندلاعها، فقد كشفت في الوقت عينه عن حجم غضّ النظر والتواطؤ الضمني الغير معلن بين كافة الأطراف على ابقاء سيناريو الصراع المعلن ضمن حدود قواعد لعبة الأمم. وهو ما يوحي بأن هناك "منافع" خفية متفق عليها و رسائل ضمنية متبادلة بين الأطراف على الرغم من تأزم المشهد في العلن.

وقبل الوقوف على المكاسب والخسائر التي أراد كل طرف إلحاقها بالآخر دون الاخلال بالمعادلة الاقليمية للمنطقة، لا بد من استعراض الأحداث وفق تسلسلها الزمني منذ مطلع هذا العام وخلال الاسبوع الأول منه :

• متظاهرون موالون لكتائب حزب الله العراقي المدعوم من ايران يهاجمون مجمع سفارة الولايات المتحدة في بغداد، اثر ضربات جوية أمريكية استهدفت قواعد الميليشيات في العراق.

• الولايات المتحدة تتهم ايران بتنسيق الهجمات، و ترامب يتوعدها بانها سوف "تتحمل المسؤولية الكاملة".

• الولايات المتحدة تعلن عن اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بعد معلومات تشير إلى تخطيط سليماني لهجمات وشيكة ضد مصالح الولايات المتحدة وقواتها في المنطقة.

• إيران ترد على مقتل سليماني باستهداف مواقع للقوات الأمريكية في العراق دون أن تلحق أي أضرار .

• تحطم طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار العاصمة الإيرانية طهران ، ما أدى إلى مقتل طاقمها وجميع المسافرين على متنها والبالغ عددهم 176 شخصًا من بينهم 63 مواطنًا كنديًّا.

• ايران تنفي ضلوعها بإسقاط الطائرة وسط تكاثر أدلة تؤيد فرضية اصابتها بصاروخ إيراني .

• موت أكثر من 50 شخصًا في التدافع خلال تشييع سليماني في كرمان واصابة أكثر من 200 شخص .

• ايران تعترف بعد ايام بأن طائرة البوينغ الأوكرانية قد أُسقطت جراء اصابتها بصاروخين اطلقهما الحرس الثوري، وان ذلك بسبب خطأ بشري و"بغير قصد".

• اندلاع مظاهرات في ايران مطالبة برحيل المرشد الإيراني علي خامنئي، وكفّ يد الحرس الثوري عن الحكم في البلاد، وذلك على خلفية إسقاط الأخير للطائرة الأوكرانية، وايران تعتقل السفير البريطاني وتتهمه ب"التحريض" عقب مشاركته بوقفة تضامنية على أرواح ضحايا الطائرة المنكوبة.

• الخارجية البريطانية تندد باحتجاز سفيرها لمدة قصيرة في طهران.

• الولايات المتحدة تصدر عقوبات اقتصادية جديدة على مسؤولين إيرانيين، وعدد من الشركات الإيرانية، في إطار الرد على الهجمات الصاروخية تلك.

إن استعراض الأحداث تلك يبين أن الخسائر المباشرة دفع ثمنها الحقيقي أبرياء، أما على المستويات الأخرى فإنه لا بد من الاشارة الى نقاط أهمها:

أولاً : ايران أرادت أن يكون ردّها محدودًا من دون إلحاق اي ضرر فعلي على القواعد الأميركية التي استهدفتها في العراق وأن لا يتعدى ذلك سقف ردّ اعتبار معنوي لها عقب خسارتها الفادحة.

ثانيًا: إيران وجدت نفسها متورطة في كارثة إنسانية فظيعة، مما يجعلها في مأزق أخلاقي أمام المجتمع الدولي ، ويجعلها مطالبة بالخضوع للمساءلة والكشف عن الأسباب التي ادت إلى سقوط الطائرة كما يلزمها بدفع التعويضات لأهالي الضحايا.

ثالثًا: احتقان الشارع الإيراني واندلاع المظاهرات يعكس تملل المواطنون الايرانيين من حكومتهم التي تورطهم على الدوام بحروب عبثية خارجية يدفع أبنائهم ثمنها، فيما الوضع الاقتصادي الداخلي شبه منهار في ظل انتشار الفقر والبطالة والعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على حكومتهم .

رابعًا : فشل الرئيس روحاني في إحداث أي إصلاحات أدى الى خيبة أمل الشعب الايراني ، وهو الذي قدّم نفسه حين تولى الرئاسة عام 2013 على انه رجل انفتاحٍ متعهدا بالإصلاح وتحسين علاقات إيران مع الغرب، وهو ما جعله ينتسب للمعتدلين. ولكن الممارسات على أرض الواقع تظهر أن سلطته في الواقع محدودة. ويبقى القرار الأخير بيد المرشد الأعلى وان الدولة تخضع تمامًا للحرس الثوري بما في ذلك السلطة القضائية، كما أن المرشد هو من يختار وزراء السيادة مثل وزير الخارجية .

خامسًا : حاولت ايران استغلال مقتل سليماني لحشد التعبئة القومية وتعويم نظامها في الداخل في وقت تعاني فيه من احتجاجات وتنامي النقمة الشعبيةكما أشرنا سابقًا.

سادسًا : حاولت طهران استخدام ورقة الاغتيال في مساومتها الدولية وتحسين صورتها والانتقال من وضعها الحالي لوضع آخر، بهدف إحياء الاتفاق النووي وللحد من العقوبات المفروضة عليها ، إضافة إلى سعيها للحصول على "حصّتها" من التسوية في المنطقة في ظل تمدد النفوذ التركي والروسي وغيرهما.

سابعًا: الولايات المتحدة التي لا يوجد فيها أميركيًا واحدا دفع ثمن الإغتيال، تبدو مرتاحة لجهة ضبط التصعيد وان الردّ الايراني المحدود بدا "مقبولا" لها.

ثامنًا: على صعيد الداخل الأميركي، ففيما أعتبر كثيرون أن اغتيال سليماني يمكن أن يكون نقطة إيجابية لصالح ترامب لا سيما في الانتخابات الرئاسية المقبلة بوصفه انجازًا يزيد من هيبة الولايات المتحدة ، فقد سارع الديموقراطيون في الكونغرس إلى إعتبار ذلك تهورًّا ممكن أن يؤدي إلى حرب، فسارعوا إلى تمرر قرار ينص على "وقف استخدام القوات المسلحة الأمريكية" ضد إيران دون الحصول على موافقة من الكونغرس، علمًا ان هذا القرار لا بد ان يوافق عليه مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون ، الأمر الذي يكشف عن أنّ كلا من الحزبين الجمهوري والديموقراطي يريدان أن يوظفان عملية الاغتيال في تحشيد التأييد الجماهيري في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليس إلا.

تاسعًا : استمرار المظاهرات يشير إلى أن شعوب المنطقة طفح الكيل بها، وهي التي تدفع ثمن الصراعات على أرضها لا سيما في العراق ولبنان وسوريا واليمن والتي تُعاني من أذرع ايران وميليشياتها. هذه الشعوب تطالب ثائرة بأن يرحل كل السياسيين بما يمثلونه من ولاءات واصطفافات وفساد .

أخيرا، فإن جدليّة السؤال المركزي تبقى مستمرة حول من يحقق المكاسب ؛ فهل قدمت الولايات المتحدة هديّة لإيران باغتيالها سليماني لاخراجها من عزلتهاالدولية واعادتها إلى المفاوضات ، أم أن إيران هي التي تقدمّ الهدايا للولايات المتحدة عبر إثارة الفوضى الدائمة مما يستوجب ويشرع وجود النفوذ الأميركي كضامن لأمن الدول واستقرارها ؟

فعندّ التمعن برويَّة في المشهد يستشّف المرء أنّ ثَمّة مسرحية سوداء تكشف حجم التواطؤ الضمني بين "الأعداء" لابقاء الصراع على ما هو عليه دون حسمٍ واضح في لعبة السيطرة والنفوذ التي تدور رحاها على أرض الآخرين ويدفع ثمنها الأبرياء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عفوا سيدتى العزيزة
فول على طول -

أرفض نظرية المؤامرة وأرفض حكاية تبادل الأدوار وأرفض موضوع الاتفاق على الضرب بالصواريخ .. الصواريخ واستخدام السلاح ليس مزحة وليس تهريج ولا تحمل الشيكولاتة بل تحمل الرصاص القاتل ولا مجال للتهريج بها ...انتهى - لولا امريكا ما قتل سليمانى فهى الدولة الوحيدة القادرة على ذلك ويجب أن تشكروها على ذلك . لا يوجد تقاسم للأدوار ابنتى العزيزة بل هى نتائج لما حدث وكل طرف يستفيد بالصدفة مما حدث وليس نتيجة ترتيبات واتفاقات . الضرب بالصواريخ ليس مسرحية وكفاكم تهريج . أصدقك القول أن المنطقة بالكامل حكومات وشعوب غير مؤهلة للحياة مثل البشر ما لم تتغير الثقافات العنصرية والمذهبية والطائفية وهذا هو المستحيل بعينة . ثقافة اقتلوا وتناكحوا واغزوا ونحن خير أمة ..والأخرون كفار وعليهم دفع الجزية والمرأة عورة الخ الخ ثقافة تدميرية بالبفطرة

فقط أمر واحد يستحق التعليق فعذراً سيدة كريدية
Almouhajer -

أقتبس من المقال :" وما ذنب شعب العراق الذي تدور رحى الأحداث على أرضه بعد أن تحولت بلاده إلى رقعةٍ مزقتها مصالح الدول الإقليمية."" انتهى الإقتباس . أما الإجابة فهي أبسط بكثير مما تتصورين يا حضرة الكاتبة وهي : لأن الشعب العراقي رمى نفسه في أحضان إيران استناداً على عقيدة دينية ، وذلك بأنه انتخب ممثلين لا يعرفون الحكم إلا بالطائفية . سؤالك ينطبق تماماً على لبنان الذي كان منارة الشرق الأوسط الثقافية . تفاهم ميشيل عون مع (حزب الله) ، وكم أكره هذه التسمية، بحجة مقاومة إسرائيل واسترجاع مزارع شبعا، بينما الغاية من التفاهم لم تكن سوى الرغبة في الجلوس على كرسي الرئاسة اللبنانية ، وكلنا يعلم أن ما أقوله هو الحقيقة الدامغة . أما مصلحة لبنان والشعب اللبناني فعليهما السلام يا سيدة كريدية . كما قال العزيز فول وأقتبسه :" أصدقك القول أن المنطقة بالكامل حكومات وشعوب غير مؤهلة للحياة مثل البشر ما لم تتغير الثقافات العنصرية والمذهبية والطائفية وهذا هو المستحيل بعينة"" انتهى الإقتباس . شكراً لك يا فول

من يوم يومكم خونة وغدارين وأحصنة طروادة يا مردخاي فول الصهيوني
بسام عبد الله -

من الطبيعي أن لا يرى، أهل الخيانة والحقد والغدر، المؤامرة والتآمر على الشعوب لأنهم جزء منها، ويدافعوا عن المستعمر ويبكوا على أقدامه وجدرانه وأطلاله، لأنهم يقدمون خدماتهم له مقابل عضمة يرميها لهم، ومن يشترك بالخيانة لا يقر بها لأنه منفذها، والتخلف الذي نحن فيه هم سببه، وعريضة زعماء الشنوديين إلى الجنرال منو أحد الأدلة على ذلك وهذا نصها : “حضرة ساري عسكر العام: إن جنابكم من قبل ما فيكم من العدل والحلم والفطنة أرسلتم تسألونا بأن نوضح لكم ما نحن به من القهر، نحن قبل الآن لم نقصد كشف جراحنا التي كانت في كل يوم تتسع شيئاً فشيئاً؛ أولاً تسليماً للمقادير وعشماً بكون كل واحد منا يرجع لذاته ويحاسب نفسه. تأنياً خوفاً من أن يقال عنا أننا نحب السجس (الظلم) ونواخد (نؤاخذ) بذلك من الحكام. ثالث ليلى (لئلا) يتضح كأننا أخصام لأخوتنا وقاصدين الشكوى عليهم ولكن من حيث جنابكم أبو الجميع وطبيب الرعايا وقد زاد علينا الحال حتى ظهرنا من جملة العصاة على أوامركم وقد قاصصتمونا لذلك فاقتضى الحال أن نستغيث بكرسيكم تعيّنوا بأمركم أناساً من أهل الفطنة خاليين الغرض ممن ترونهم أنتم يقعدوا في ما بيننا ويتبصروا في حال حسابنا وفي النهاية بعد أن يردوا الجواب لجنابكم لكم التبصر فيما تأمرون به ومع ذلك فنرجوكم بأن لا تظنوا بكوننا قاصدين بعرضحالنا الشكوى على أحد أم قصاصه بل قصاصنا نحن بوجه خاص إنكان (إن كان) يظهر كلامنا هذا بخلاف الواقع ثم إن هذا الأمر يدركه أيضاً خادمكم الخاص حضرة الجنرال يعقوب ومع ذلك لأجل طبعه الوديع محتار كيف يتصرف في مثل هذه الدعوى والله تعالى يحفظكم. من عند توابعكم المباشرين: ملطي وأنطوان”[6]، وملطي هذا كان من أكبر زعماء الأقباط وقد ظهر نجمه في أيام الاحتلال الفرنسي لمصر وقد تولى في عهد نابليون رئاسة محكمة القضايا.. وهي أول محاولة لتنحية الشريعة الإسلامية في مصر لأن هذه الهيئة كانت تتكون من اثني عشر تاجراً نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من النصارى وأسند منصب رئيس المحكمة إلى قاضي قبطي هو الملطي الموقع على العريضة السابقة للجنرال مينو الذي خلف كليبر في الحكم.. وكذلك صديقه أنطوان الذي كانت تلقبه عوام المصريين بأبي طاقية وكان من كبار زعماء الأقباط وأكثرهم غنى، وأما الجنرال يعقوب فهو نفسه المعلم يعقوب حنا رجل الاحتلال الفرنسي وخادمهم المخلص الذي رحل معهم إلى فرنسا. وهذا ما سيفعله البابا تو

وين بدك تهرب يا بسومة ، لا حقينك على كعب الكذب والتلفيق بتاعك
Almouhajer -

من يوم يومكم خونة وغدارين وأحصنة طروادة يا فول بسام عبد الله - الأحد 19 يناير 2020 - 10:19 GMT . أقتبس :"" ومن يشترك بالخيانة لا يقر بها لأنه منفذها، والتخلف الذي نحن فيه هم سببه..."" انتهى الإقتباس . يا بسومة الغالي ! ألا تخجل من ممارستك الشتيمة والكذب والتدليس ؟ الخيانة هي من دساتيركم ، تعلمونها للبشرية كلها . كم خليفة من خلفائكم قد تمت تصفيته واغتياله بسبب الخيانة التي تتهم الغير بها ثم تعود وتحمِّل 5% من سكان البلاد مسؤولية التخلف !! قتَلة الصحفي خاشقجي ، وطنيون بامتياز !! الذين رافقوا الحج قاسم مؤخراً من بيروت إلى دمشق ثم إلى بغداد ، يقودونه إلى حتفه بإعطاء الوقت والإحداثيات لمكانه ... هؤلاء لا يعرفون الخيانة !؟ لا لا لا ....! بكرا رح يطلعوا أقباط أو سريان .. إخجل من نفسك يا رجل ، ونظِّف قلبك ولسانك قبل الصلاة .