التجربة .. ميدان الكشف عن الآراء القاصرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الرأي لا يتجاوز مسألة التصديق الذي يعي عدم كفايته ذاتياً وموضوعياً تِبعاً لوصف الفيلسوف الألماني كانط. ونحنُ مهما بذلنا من جُهد لتصويب آراءنا، أو جعلها عملية على أقل تقدير، فلن نجد وسيلة تمنحنا القيام بذلك سوى "التجربة". فالرأي الذي تصوت عليه الغالبية أو الرأي الواحد (الاستبدادي)، هو في نهاية الأمر تصديق يبتعد عن أية موضوعية، لأن التجربة لم تُسعفه، أو بعبارة أخرى لم يسبق إخضاعه إليها، وبالتالي لن تظهر نتائج ذلك التصديق إلا بالتجربة وحدها. لكن حتى وإن أتت نتائج الآراء متطابقة مع الغايات فيما بعد، تظل مع ذلك مستندة إلى درجات عالية من التهور والمغالاة في قدرات العقل.
وبحسب الوقائع التاريخية بالإضافة إلى الكثير من الممارسات الراهنة، فإن السياسات والأنظمة التي استندت إلى "الرأي" معزولاً عن التجربة، باعتبار أن الأول كان وما يزال خليقاً بالتطبيق المُباشر دونما فحص، قد خلًف من الكوارث والمشكلات ما كُنا في غنىً عنه لو جرى حقاً إخضاع معظم أنظمتنا وسياساتنا للتجريب والفحص قبل إثبات مشروعيتها العبثية. فالاشتراكية التي نادت بالمساواة وتوزيع الثروة بالعدل بين الجميع، وإلغاء الطبقية الاجتماعية، كانت بلا شك تحمل مبادئ غاية في ذاتها، وتستحق الوقوف تقديراً لها، لكن سرعان ما أثبتت "التجربة" قصورها، وأدرك أصحابها عدم مقدرتها على الصمود في الواقع. وهذا لا يختلف في مضمونه عن الآراء الدينية التي امتلأت بها صفحات التاريخ القديم والحديث، والتي ترتأي بأن السعادة الأبدية لن توجد ولا يمكن لها الوجود إلا بإتباع منهجاً واحداً واستبعاد ما سواه، وهو خيال محض ساقه "الرأي"، وسرعان ما سطرت "التجربة" كوارثه الدامية.
ومعظم الأنظمة السياسية (الحزبية) والرؤى الاقتصادية التي استندت إلى رأي أصحابها بمعزلٍ عن كل تجربة، لم تقِل هي الأخرى ضراوةً في نتائجها. فالتهور الأمريكي في عام 2003 المستنِد إلى الرأي القائل بأن إسقاط النظام سوف يُنهي الأزمة العراقية، خلًف آلاف الضحايا الأبرياء الذين لم يطلبوا سوى العيش فحسب. كما بدد آمال معظم الأمريكان أنفسهم الذين صرحوا فيما بعد بالانسياق لذلك الرأي رغماً عنهم، لكن بعد فوات الأوان!
وفي الحقل الاقتصادي الذي من المُفترض أن يحترس زعمائه ومنظروه من الانزلاق في مغبات "الرأي" بفضل اعتماد هذا الحقل على الاستقصاء والتجارب، تظهر الكثير من التوجهات المستندة "للرأي" والتي تخونها التجربة لاحقاً. فسياسات الحد الأدنى للأجور، وتثبيت أسعار السلع، وفرض الضرائب على منتجات انتقائية ودعم قطاعات دون غيرها وما إلى ذلك، لا تكون بالضرورة صالحة للطرح في أي وقت. إذ أن فرض سياسات اقتصادية مُلاءمة لوضع اقتصادي بعينه وفق ظروفه المحددة، قد ينجم عند تبني السياسات ذاتها في بيئة اقتصادية مختلفة وفقاً لظروف مختلفة أيضاً، أضراراً تكلف الكثير عند محاولة تلافيها وعلاجها بعد أن تُصبِح تجربة.
إذن لابد للتجربة أن تقوم بتصويب آراءنا، ولكن لضِعف أمد ذاكرتنا العاطفية، فإننا ننسى كل الدروس التي من الواجب ألا تُنسى. فنحنُ ننجرف خلف آراء غير موضوعية سبق وأن أعطتنا التجربة سيلاً من دروسها. وظناً مِنا بأن الرأي المُتفق غالباً عليه هو الأقرب للصواب، ومع عجزنا في إخضاعه للتجربة، فإننا نعاود ارتكاب الأخطاء نفسها.
لعل من المنصِف القول بأن الآراء التي تُشكِل مواضيع تهمنا لا يُمكن إخضاع جميعها للتجربة، فهذا معقول جداً، لكن ماذا عن تلك المواضيع التي سبق وأن ساقت لنا التجارب بطلانها وزيفها؟ وفي مختلف الحقول التي تهم مصالحنا المعيشية!
لكن أليس من المعقول كذلك بأن المغالاة في تقدير تفسيرات العقل (الرأي) قد أفرزت الاعتقاد بأن التجربة يجب أن تكون لاحقة لا سابقة لمشروعية الرأي، وأنه لابد للمجتمع أن يقدم أعداداً ضخمة من الضحايا وحقول التجارب لآراء لا تستند إلا لخيال أصحابها، والذي نتيجةً له يظهر كم هائل من الآراء القاصرة، والتي في حقيقتها تخشى التجربة كميدان للفحص وإظهار محدوديتها؟
إذن من المنصِف تجاه أنفسنا أن نعترف بأن "الرأي" يبقى رأياً يجب أن نعي عدم صدقه موضوعياً، وبالتالي من الإجحاف بحق غيرنا أن نحاول إسقاط آراءنا وتمثيلها كأنظمة وسياسات على المواضيع التي تمس مصالحهم ومعيشتهم.
التعليقات
الكثير من الأراء القليل من العمل
فؤاد -تبدو مسألة مكلفة للمشرعين لو ارادوا فحص اراءهم والتحقق من كونها ذات طابع عملي قبل تنفيذها في الواقع. بالرغم ان هذا في تصوري هو الإجراء الصحيح. لكن نظرا لأن الأراء هي التي تتشكل السياسات عنها ونظرا لأن المشرعين يتجنبون فكرة ان أراءهم غير مجدية فهم يجعلونها سابقة للتجارب لأن تكلفة الإصلاح سوف تتحملها الدولة وتدفع ثمنها الشعوبولا اظن ان مبادئ التجربة والتحقق تأتي ضمن اولويات المشرعين في الاقطار العربية فهم يؤمنون برأي البرلماني او الوزير او صاحب السلطة حتى لوكان رأيه يخلف كوارث
الآراء الدينية هي الأشد فتكاً
احلام توفيق -نحتاج لمجلدات ضخمة حتى نسرد الأخطاء التاريخية التي سببتها الآراء الفردية في العالم العربي. فالعرب يثقون بالعقل اكثر من ثقتهم بأي شيء آخر وهذا ما جعل تاريخ العرب مليء بالكثير من الانتهاكات التي ولدتها الآراء الشخصية. ومن الغريب بحق ان تكون هناك أنظمة وسياسات مدفوعة بآراء شخصية بدل ان تكون مدفوعة بيقين عملي او علمي. اظهر الأدلة على ذلك الانتهاكات الدينية للأقليات أو ازدراء الأديان الأخرى الفعل الذي لو لا آراء شخصية غير موضوعية لما كان له أن يحدث.
لتقديرات العقل حدود لا يتجاوزها
معلم تاريخ -بالرأي تصدر السياسات التي تشرد الملايينوبالرأي تصدر السياسات التي تنتهك الحقوقوبالرأي يتم إشاعة الظلممن المستحيل غالبا ان يقول صاحب الرأي ان رأيه غير صائب او انه يحتاج لفحصه اولا في التجربة.. فالجميع يرون ان ارائهم خير الاراء حتى لو عانى منها الناس اشد العناء. وما الحروب السياسية والدينية الا شاهداً على تهور الاراء
الرأي يعود للعقل والعقل محدود
ادريس -كل الاعمال اللاإنسانية كان خلفها رأي ما. فالإبادات الجماعية لهتلر نشأت من اراء مادية داروينية احتقرت العرق غير الآري او اليهود بالاخص. والمذابح التي تسمى في اغلبها غزوات دينية كانت تلهث لتحقيق هدف اراء شخصيات مثلت نتاجها الفكري الاستبدادي باسم الدين. والاحتلال الاسرائيلي المغتصب لارض فلسطين هو كذلك رأي يجري لتحقيق الفردوس الارضي للصهاينة. ليس هناك ماهو تجريبي الا القليل اما الكثير فهو الهمجية والتسرع والتعجل خلف اراء قاصرة بالفعل تنظر لماهو قريب وعاجل ولا يهمها ان تحترق البشر او لا.
الشئ بالشئ يذكر
فول على طول -كل الشعوب استفادت من تجاربها ومن تجارب الأخرين الا الذين أمنوا . العالم بعد حربيين عالميين استفاد وكتب دساتير محترمة وأيقن تماما أن المساواة بين البشر وفصل الدين تماما عن السياسة واطلاق حرية العبادة بدون قيد أو شرط ومساواة الرجل بالمرأة هو الحل الوحيد وما عدا ذلك تهريج ...هذا حدث منذ أكثر من قرن ولكن الذين أمنوا مازالوا يكررون نفس الفشل ويكرون نفس التجربة بنفس المعطيات وينتظرون نتائج مغايرة ..يا للغباء ويا للعار . .. أثبت الحكم الدينى فشلة فشلا ذريعا والتحكم فى معتقدات الناس من أكبر عوامل الفشل وأكبر سبب من أسباب الانحطاط وتخلف المجتمعات وأكبر سبب فى خلق مجتمعات منافقة وتسلط الناس على بعضهم ...واحتقار المرأة خلق مجتمعات متحرشة بالبفطرة ومع كل ذلك مايزال المؤمنون يلهثون وراء الحكم الدينى . ربنا يشفيكم . كفاك سيدى الكاتب أن تتكلم عن التجارب اذا لم تفطن الى هذة الحقائق وتكتب عنها .
رد على من يبتئس البؤس من بؤسه
بسام عبد الله -من يدعون إلى خلط الأوراق هم أشد الناس تطرفاً ودعشنة وتمسكاً بعقائدهم المبنية على الشعوذة والسخافات والخزعبلات. ويهدفون من خلط الأوراق إبعاد المسلمين عن دينهم الحق ولتخلو لهم الساحة ويمارسون خزعبلاتهم وسخافاتهم وشعوذاتهم التي تتجلى بتكفير الآخر ولو كان مسيحياً غير شنودياً. يقول البابا شنوده : لا يجوز الترحم على غير المسيحي والكنيسه لا تسمح بالصلاه على المرتد ولا تترحم عليه، والأنبا بيشوى يقول الطوائف الأخرى مش داخلين الملكوت او انهم غير مقبولين عند الرب !، ويقول انه سيتوقف عن مهاجمتهم ( لو قالوا احنا مش مسيحيين ) الأنبا بيشوي يكفّر الكاثوليك و البروتستانت ويقول : الى بيقولوا ان عباد الاصنام هيخشوا السما من غير ايمان بالمسيح دول ينفع اعتبر ان احنا ايماننا وايمانهم واحد؟ ويقول متى: ان دى كارثه كبرى فى الكنيسه ان هى بتقول ان الى عايز يخش السما لازم يبقى ارثوذكسى. ويقول بيشوى : هو انا دلوقتى خدت حقوق ربنا وحكمت لما قلت ان غير الارثوذكس مش هيخشوا ملكوت السما ويقول انا محددتش اسم شخص بالتحديد . الأنبا بيشوى يسخر من متى لأنه يقول أن البروتستانت و الكاثوليك سيدخلون السما و يؤكد أن اللى عايز يدخل السما لازم يبقى أرثوذكسى الأنبا روفائيل : لن يدخل الجنة إلا الأرثوذكس فقط! . على عكس الإسلام الذي ينادي بالحب و السلام والتسامح، والإسلام هو دين السلام والمحبة والأخوة كما جاء في القرآن الكريم : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم. أكد على أنه لا فرق بين الشعوب ولا القبائل ولا الأجناس ولا الألوان ولا اللغات بل جعل الحب والسلام هما أساس كل شيء. والإسلام هو دين السلام مصداقا لقوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. كل ما وصل إليه العالم الآن هو نتيجة لسوء فهم الدين والقرآن وذلك . فالإسلام منذ ظهوره لم يرغم أحدا على اعتناقه وذلك بشهادة التاريخ والقرآن : لكم دينكم ولي دين. لكن الطبيعة البشرية تبدلت واعتراها الغرور والنفاق. فكل واحد يريد أن يحكم الآخر ويفرض عليه أفكاره وقناعاته مما ولد الكثير من الكراهية والحقد والتمييز العنصري وكنتيجة لكل ذلك أصبح الإرهاب واقع نعيشه كل يوم ونشهد على ضحاياه في كل بقاع العالم بالإضافة إلى الابادات الجماعية والحروب الأهلية. لقد فقد بعض البشر احساسهم ببعض كما فقدوا ادميتهم وأصبحوا مثل الوحوش. إن الحب في الإسلام هو حقيقة إيمانية واصل