فضاء الرأي

صناعة التاريخ بين الجذور والأغصان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

التاريخ ليس ظاهرةً عقلية مُجرَّدة، أو إحساسًا مؤقتًا بالمراحل الزمنية. إن التاريخَ شرعيةُ الوجود الإنساني، وماهيةُ المحتوى الاجتماعي التراكمي، الذي يحتضن أحلامَ الفرد وطُموحَ الجماعة. وكما أنَّه لا يُمكن تصوُّر شجرة بدون جُذور، كذلك لا يُمكن تصوُّر إنسان بدون تاريخ. والإشكاليةُ في بُنية العلاقات الاجتماعية تتجلَّى في اعتبار التاريخ زمنًا سابقًا وتراثًا ماضيًا، لذلك يرتبط التاريخُ في أذهان الناس بالعَودة إلى الماضي، والرُّجوع إلى الوراء، وهذا فَهْم مَغلوط وقاصر،لأن التاريخ شرعية مُتجدِّدة، وماهية مستمرة، وزمن مُتواصل، وكتاب مَفتوح، وكُل إنسان يَترك بصمته الشخصية في هذا الكتاب، وكُل حضارة تَكتب تفاصيل وجودها فيه. وهذا يعني أن صناعة التاريخ تمتاز بالدَّيمومة غَير المحدودة بالأُطُر الزمنية. وفي حقيقة الأمر، نحن نَتقدَّم إلى التاريخ، ولا نعود إلى التاريخ، لأن التاريخ مَعَنا وفِينا، بكل إيجابياته وسلبياته. والعَودةُ إلى الشَّيء تعني غيابه عن المشهد الراهن، ومُحاولة استرجاعه من ذاكرة الماضي السحيق، ونقله من الماضي إلى الحاضر. في حِين أن التاريخ حاضر في قلب الأحداث اليومية، وليس غائبًا حتى يتم استرجاعه، ولا يُوجد وراء ظُهورنا كي نُحاول إحضاره أمام أعيننا. إن التاريخ كائن حَي نتعامل معه ، ويتعامل معنا، في كُل وقت وحِين. وهو كتاب مفتوح على الماضي والحاضر والمُستقبل معًا، ضمن عملية صَهر المراحل في بَوتقة الوُجود الإنساني . والإنسانُ يعيش في قلب التاريخ . وهذا يعني أن التاريخ ليس غائبًا تُنْتَظَر عَودته، ولَيس تُراثًا ضائعًا في متاهة الماضي حتَّى يُسْتَرْجَع، ويُنْفَض عنه الغُبار، ولَيس فِعلًا ماضيًا حتى يُسْعَى إلى تحويله إلى فِعل مُضارع.

2

الشجرةُ الباسقة لا تَعتبر جُذورَها مُجرَّد مرحلة زمنية أتت وانقضت، وتَمَّ تجاوزها. وتاريخُ الشجرة كيان واحد مُتماسك، يتمتَّع بالاستمرارية المعنوية والمادية، ويمتاز بدَيمومة الحياة، ولا يُمكن فصل الجذور عن الأغصان، ولا يُوجد صراع حول شرعية الوجود بين الجذور والأغصان، ولا أحد يَطرح سؤال : مَن الأكثر أهمية الجذور أَم الأغصان ؟، لأن منظومة ( الأصل السابق / الفَرْع اللاحق ) تتحرَّك في قلب الحياة بشكل مُتوازن ومُنَّسق وفعَّال لإنتاج الثمر. ووُجود الثمر يعني أن أجزاء الشجرة جميعها تعمل برُوح الفريق الواحد، دُون صراع، ولا صِدام، وأن جميع الوسائل والجهود مُتضافرة ومُرتبطة معًا، من أجل الوصول إلى النتيجة المَرْضِيَّة. والعناصر تعرف وظيفتها بدِقَّة ضِمن الكيان الواحد، وهي مَشغولة بالعمل وإنتاج الثمر. والعملُ والجدلُ ضِدَّان لا يَجتمعان، ونقيضان لا يَلتقيان. إذا حَضَرَ أحدهما غابَ الآخَر. وهذا يُشير إلى أن دوران عجلة الإنتاج هو الحَل السِّحري لسد الثغرات، وإزالة الخصومات، وإنهاء النزاعات، لأن الجهود عندئذ تكون مُوحَّدة ومُركَّزة ومُوجَّهة نَحْو التقدُّم والإنتاج والازدهار. وإذا كان فريقُ العمل يَسعى إلى هدف مشترك، وغاية واحدة، ستزول جميعُ الخلافات بين أفراده. أمَّا إذا زالَ الهدف المُشترك، واختفت الغاية الواحدة، وتوقَّفت عجلة الإنتاج، فعندئذ ستظهر الصراعات بين أفراد فريق العمل ، ويُسيطر عليهم التناحر والنِّزاع، ويغرقون في الفُرقة والصِّدام.

3

كُل شجرة موجودة في هذه الحياة تَحمِل شرعيتها الذاتية ( الجذور )، وهُويتها الخاصة ( الأغصان )، ومَظهرها الجَذَّاب ( الثِّمار). وهذا يَجعل شخصيةَ الشجرة مُتماسكة، بلا انفصام، ولا تشتُّت. ويَجعل كيانَها راسخًا بلا صراع بين الماضي والحاضر. وكُل إنسان على قَيد الحياة، لا يتحرَّك في هذا الوجود وحيدًا ، وإنَّما يتحرَّك حاملًا آباءه في شخصيته الاعتبارية وطبيعة تَكوينه المعنوي والمادي. والإنسانُ جُزء مِن سُلالة مُستمرة ومُتواصلة، لذلك يعيش الماضي والحاضرَ والمُستقبلَ معًا. والأبُ ليس مجموعة جينات وراثية عفا عليها الزمن، وذهبت إلى النسيان. إنَّ الأب وجود وشرعية وشخصية ومعنى وفِكْر. وكذلك التاريخ.

4

التاريخُ لَيس كَومةً مِن الأفعال الماضية التي ضاعت في إحدى زوايا ذاكرة التراث. إن التاريخ فِعل مُتجدِّد، يُولَد باستمرار، ويَتكاثر بلا توقُّف، وهو مرتبط بأدق التفاصيل الإنسانية اليومية المُعاشة ، ومغروس في الوَعْي ( العقل في حالة الإدراك ) واللاوَعْي ( الشعور الباطن الذي يَنشأ دُون إدراك). وتاريخُ الإنسان مِثل جِلْده، لا يَستطيع أن يُغيِّره حتى لو أرادَ ذلك. وكُل مُحاولة لمُحارَبة التاريخ ستبوء بالفشل، والواجب على الإنسان أن يُساهم في صناعة التاريخ، وتَرْك بصمته الشخصية، وغَرْس وُجهة نظره، وتكريس رؤيته الشخصية النابعة من تجاربه الشعورية والواقعية. وصناعةُ التاريخ معركة حقيقية يَخوضها الإنسانُ ضِد أحزانه وإخفاقاته ونِقاط ضَعْفه، من أجل الوصول إلى حالة التوازن الروحي، والسلام مع ذاته والآخرين، والمُصالحة مع عناصر الطبيعة. وما دام الإنسان في قلب المعركة(صناعة التاريخ)، فهو يعيش أجواء المعركة بروحه وعقله وجسده، وعليه أن يكون صَوْتًا لنفْسه لا صدى لأصوات الآخرين. والحياةُ قصيرة، وهذا يعني ضرورة أن يَترك الإنسانُ بَصمته الشخصية ، ويَعيش حياته الذاتية، ويَكون نَفْسَه، ولا يتقمَّص شخصيات الآخرين، ولا يَعيش حياتهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عيب
كاميران محمود -

ما قلنا عيب يا أبو عواد و بلاش في اللي ما لكش فيه حيث ان المفكرين في الغرب يعتقدون بأن التطور يحصل عندما تقطع المرحلة الحضارية الأحدث الصلة بالتي قبلها و لذلك أتمنى أولآ أن لا تتوهم كونك مفكرآ وثانيآ أن لا يكون ما تكتبه تمهيدآ للقول بأن ما كان صالحآ لمجتمع أبو لهب وأمرأته حمالة الحطبهو صالح لزمننا وكأنك تمهد لاقناع القاريء بأهداف الفاشية الدينية (ألأخوان المسلمين و حزب الله و غيرهما) وألا فأن كلامك عن ربط التأريخ بالأغصان والأوراق والحشائش لا يمكن أن يكون له صدى ألافي أذهان أنصاف ألأميين من مفترشي ألأرض في جحور أهل ألأرهاب ألمشعوذ

البعض يتسول ونحن نقول يحنن، قال عيب قال، ربنا ياخدكم ده انتو مليتوا عالمنا العربي قرف.
بسام عبد الله -

نرجو أن لا يتفاجأ ابو خليل ولا يستغرب تعليق المدعو مردخاي فول الصهيوني أو أقرانه الجبناء الذين يخافون حتى من ذكر أسماء علم تنسب لهم، ويسمح لنا بالرد عليه لأننا خبزناهم وعجناهم ونعرف اللغة التي يفهمونها. ونحن نعرف أيضاً أنك لا تحتاج لتعريف وأنك حاولت قدر الإمكان تبسيط الفكرة للقاريء، ولكن ماذا تقول لمن أعمى الحقد والكراهية والعنصرية والداعشية بصرهم وبصيرتهم ولا يرون إلا ما يصوره لهم عقلهم المريض؟ ونعرف أيضاً أنك كاتب مرموق ومؤلفاتك يتم تدريسها في جامعات هارفارد وأكسفورد وكامبردج والسوربون . وأمراء وأميرات أوروبا يدرسون كتاباتك الفكرية والأدبية في جامعات الغرب . وللأسف الشديد ، كثير من أبناء أوطاننا لا يعرفون ذلك، وبدلاً من أن يصعدوا لمستواك الرفيع يبذلون كل ما في وسعهم لإنزالك لمستواهم الوضيع بالشتائم والمهاترات والردح. لأنه كما قلت"لا كرامة لنبيٍّ في وطنه ". فكيف يفهم من لا يحمل شهادة محو الأمية ما كتبت؟. وأمثالهم سقفهم يسرحوا بجوالات بطاطا على الكورنيش مش يعلقوا في إيلاف. صاروا أضحوكة للقراء والكتاب والمحررين بتعليقاتهم العنصرية السخيفة الممجوجة التي ستنقلب وبالاً عليهم فحقدهم على الإسلام والمسلمين والعرب سيفطر قلوبهم ويقتلهم غماً وكمداً.

التاريخ
خوليو -

جيد ما جاء في هذه المقالة وكثبراً ما نسمع ونقرأ أنّ التاريخ يعيد نفسه وخاصة في منطقتنا .. وهذا صحيح لسبب بسيط : يعيد نفسه لأنهم. لا يقرأونه بل يعطونه صورة وردية مثالية كمدينة أفلاطون .. يصورون الاحتلال والسبي والغنائم وتدمير الآثارات والتماثيل التي يسمونها أصناماً فيحطمونها ، بسمونه حضارة ..وهكذا فعلت داعش حيث طبقت ما فعله الأسوة دون اية قراءة نقدية لذلك التدمير وضرره على ثقافة الأجيال القادمة.. فكم من تمثال يحكي قصة حضارة وفن العصر الذي تم صنعه فيه.. وتدميره. يحطم الجذور البشرية لمعرفة قصة الحضارة الإنسانية وذلك بقطع جذورها .، التاريخ يجب قراءته قراءة نقدية تزيل عنه الفوقية والعنصرية واحتكار الحقيقة.. ويا ليتها حقيقة عن جد. بل آتية من هلوسات دماغية أعطوها هالة من القداسة ممنوع الاقتراب منها.. نعم التاريخ مهم اذاً أجدنا قراءته وحافظنا على كنوزه .

نصف كلامك نفاق والنصف الآخر رياق
بسام عبد الله -

لو أنك عكست الآية ونظرت في المرآة على نفسك ستتآكد أنك تتحدث عن تاريخكم وواقعكم المرير من تخلف وخيانة وغدر فقليل من الصدق مع الذات ونقدها لا يضر يا منخوليو، بطلوا كذب وتدليس ونفاق أنتم مرضى وميؤوس من شفائكم، تعودتم شتم البشر، وسرطان خبيث وسبب من أسباب تخلفنا لأنكم أهل غدر وخيانة تعيشون بيننا وتطعنوننا من الخلف.

أعتراف
كاميران محمود -

أجمل ما في تعقيبك هو أعترافك بتخلفك وأحسن ما ورد في تعقيبك ألأول هو ذكرك اسماء عدد من الجامعات الغربية والتي حسب ما تدعي تدرس كتب ابوعواد وقد اتصلت بجميعها وكانت النتيجة صفرا مطلقا لأبو عواد لأنهم أنكروا معرفتهم به وحصلت على نفس الرد من مكاتب ثلاث أميرات أسكندنافيات وكانت النتيجة مرة أخرى صفرا مطلقا لأبوعواد