فضاء الرأي

العالم من دوننا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بعد حالة العزلة العالمية التي فرضها انتشار فيروس كورونا ، سجلت عدة ملاحظات حول عودة الحيوانات و الأسماك و الطيور للمدن و الأماكن التي غاب عنها البشر ، هذا الحدث و مع اختلاف ردود الفعل تجاهه إلا أنه يدفعنا لطرح سؤال مهم و هو كيف سيكون العالم بدون وجود الإنسان؟

و هذا السؤال سبقنا إليه آلان فايسمان في كتابه ( العالم من دوننا ) الصادر في عام 2008 .

الكتاب رواية خيالية علمية زاخرة بالمعلومات و الإبداع و التشويق ، وقد صادف أن قرأته قبل سنوات و حينها تملكني شعور بالدهشة أمام عبقرية الكاتب و خصوبة خياله . و اليوم أعود لقراءة الرواية من جديد و لكن هذه المرة أرى بوضوح ملامح النبوءة التي تحاول ان تخبرنا شيئا ما.

يتطرق آلان فايسمان من خلال كتابه إلى فكرة فناء الإنسان . و هو لا يعزو ذلك لاصطدام كوكب ما بالارض ولا لزلزال او فيضان فهذه الاحتمالات من شأنها أن تقضي على كل الأجناس الحية ، لكن فايسمان يفترض تطور نوع من الفيروسات الشرسة التي تنتقل بين البشر و تتسبب في إنهاء وجودهم على الأرض، هكذا مثل جلاء جماعي مفاجيء.

لكن النبوءة لا تنتهي عند هذا الحد فالكاتب يمضي قدما في سرد روائي لكل الأحداث التي تلي رحيل الإنسان ، و طريقته في استقراء العالم بعدنا تتلخص في ترتيب الاحداث الجيولوجية الماضية بشكل عكسي ، و كأنه يضع عند يوم النهاية مرآة تعكس الزمن الأرضي من آخره لأوله.

و للمفارقة فإن عودة الحيوانات والطيور للتجول في شوارعنا و مدننا الخاوية ستكون الحدث الأول حيث أنه هو الاخير حاليا في التسلسل الزمني، بل إن الكائنات الحية مازالت حتى اليوم تنزح من مواطنها البيئية كلما توسعنا في المدنية و العمران.

ثم يكمل الكاتب التراجع أكثر فيصف منازلنا و هي تتفكك بفعل عوامل الطقس و ارتفاع منسوب المياه و عوامل التعرية ، و طائراتنا و مراكبنا و هي تصدأ او تنصهر عبر الزمن ، ثم يصور اختفاء الحضارة و الفنون و عجائب الدنيا، و يشرح بإسهاب مصير المواد الصناعية التي اخترعناها و ما الذي سيتداعى منها و ما الذي سيبقى ، كذلك يصف اختفاء المزارع و الأنواع النباتية التي استزرعناها و الحيوانات الداجنة التي اعتمدت علينا في غذائها، و يصور توسع الغابات و تكاثر الحشرات و ربما عودة الأجناس المنقرضة للظهور ، إذ أن غيابنا عن العالم سوف يؤدي بالضرورة لاستقرار الموارد و اختفاء المكافحة الصناعية.

و يخلص الكاتب إلى فكرة أن العالم سوف يتدبر أمره بعدنا و ربما لن يفتقدنا سوى البكتيريا و بعض الأوليات التي تعيش على أجسادنا و ملابسنا.

يتحدث الكاتب أيضا عن نفاياتنا و كيف ان بعضها ربما يبقى بعدنا لعدة قرون كالبلاستيك و المطاط.

ثم يتخيل الكاتب كيف ستحتفظ الأرض بسجلنا الجيولوجي في احافير طينية او جليدية و ربما يكون هو الأثر الوحيد الدال على أننا كنا هنا ذات يوم.

إنها صافرة انذار يمكننا اليوم سماعها بوضوح .

و الحقيقة أننا و نحن في عزلتنا لا نملك إلا التفاؤل بأن الوباء سوف يزول و أن البشرية سوف تنجو.. و لكن ماذا بعد؟

اعتقد انه يجدر بنا إعادة النظر في سلوكياتنا البيئية الضارة ، و لنبدأ الآن بتأمل هدوء الأرض من ضوضاءنا و استنزافنا و سباقنا المحموم نحو التفوق .

علينا أن نلاحظ كيف تتصرف البيئة في غيابنا، و كيف تتنفس ، و ماهو تأثير غيابنا على الاحتباس الحراري و تقلبات المناخ و حركة الصفائح الأرضية.

مرحلة كورونا هي مرحلة فاصلة في تاريخ الوجود البشري على الأرض و اعتقد انه لابد للمهتمين و العلماء في مجال البيئة و السلوك الاجتماعي ان يقدموا دراسات مستفيضة حول معلومات هذه المرحلة و معطياتها.

كما أنه يتحتم علينا أن نؤسس لعهد جديد عنوانه السلام مع الأرض و أن نرسخ لقيم جديدة تنطلق من مفهوم الأسرة البشرية الواحدة ذات المصير المشترك ، فأما ان نبقى معا او نرحل معا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحياتى ابنتى العزيزة ولكن :
فول على طول -

تحياتى ابنتى العزيزة ولكن دعينى نحتلف معا أو مع مؤلف الرواية ..هذة الرواية تعكس نظرة بائسة أو سوداوية على الكون كلة ..وكان يمكن للكاتب أن يحذر البشر من الأعمال الضارة بالبيئة بطريقة أخرى ويمكنة استخدام عبارات تحذيرية شديدة كما يشاء . الانسان هو تاج الخليقة كما أرادة اللة ولا يمكن أن يكون هناك كون بدون الانسان ..لا معنى للكون بدون بشر . الانسان هو الذى أقام البناء والزرع والحضارة ..نعم هناك اعتداءات على الطبيعة بفعل الانسان ويجب التحذير منها ولعل كارثة كورونا تساهم فى ذلك . الكون بدون بشر موحش جدا . تحياتى على اجتهادك .