كتَّاب إيلاف

الصين ورؤيتها لقيادة العالم في مرحلة مابعد "كورونا"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في أوقات الأزمات العالمية، تطفو على السطح فرص ثمينة لإعادة هيكلة معادلات العلاقات الدولية، كما حدث في الحرب العالمية الثانية حين خرجت الولايات المتحدة القوة الأكثر نفوذاً وسيطرة وثراء وثقة بالذات، وبالتالي استطاعات بسط نفوذها وصياغة نظام عالمي قائم على تكريس النفوذ الأمريكي وهيمنته، ونستطيع ـ وفقاً لذلك ـ أن نقول أن مجمل مخرجات هذا النظام بكل مؤسساته ومنظماته تكرس القيادة الأمريكية للعالم.

وبالمقارنة بين ظروف الحرب العالمية الثانية وجائحة "كورونا" التي تعد واحدة من أصعب الأزمات التي تواجه العالم منذ تلك الحرب، وما يثار بشأن كون هذه الجائحة قد أفرزت فرصة وظروفاً مشابهة يمكن أن ينتج عنها تغيير القيادة لمصلحة الصين التي تعمل على إبراز دورها وتصعيد نفوذها عالمياً واستغلال لحظة التأثر والتراجع الأمريكية بسبب حجم الكارثة التي اصابت الاقتصاد الأمريكي جراء تفشي الفيروس وما نتج عنه من أضرار لم تقتصر على الخسائر البشرية والاقتصادية بل تطال النظام السياسي الأمريكي ذاته في ظل تعمق الخلافات حول حدود السلطات السياسية للرئيس وحكام والولايات والانقسام الحزبي غير المسبوق الذي تعانيه الولايات المتحدة.

بعيداً عن الولايات المتحدة وقدرتها على مداواة الآثار والندوب العميقة التي خلفتها الأزمة، يبد السؤال الأكثر الحاحاً: هل تمثل جائحة كورونا بالفعل فرصة للصعود الصيني بديلاً للقيادة الأمريكية؟ وهل ترغب الصين في أداء هذا الدور في المستقبل المنظور أم أن لديها رؤية استراتيجية أخرى للعالم؟ وهل تنظر بكين إلى جائحة "كورونا" باعتبارها فرصة لن تتكرر قريباً للقيادة العالم؟. وفي الرد على هذه التساؤلات التي أراها مهمة لحسم أي نقاش ذي صلة نرى أن تداعيات أزمة "كورونا" لم تتضح بعد بشكل نهائي كي يمكن القول ، بثقة ، أنها تمثل فرصة للصين أو لغيرها من القوى الدولية كي تسعى لأن تحل محل الولايات المتحدة في مقعد قيادة النظام العالم القائم، فنهاية الأزمة لم تزل بعيدة عن التوقعات ومآلاتها لم تزل تدور في فلك التكهنات، والأهم أن نتائجها الاقتصادية والاستراتيجية لم تتضح بعد بشكل يسهم ـ ولو بقدر محدود ـ في بناء تصورات بحثية جدية حول آفاق المستقبل، وبالتالي فإن كل مايدور في هذا الشأن يبدو سابقاً لأوانه، إذ أن العنصر الحاسم في هذه الجزئية يتعلق بسيناريو نهاية الأزمة، الذي قد يستغرق أشهراً قلائل وقد يمتد لعام أو عامين، ولكن الشواهد جميعها تشير إلى أن الأزمة ستنخلف آثاراً بنيوية عميقة في النظام العالمي وستدفع باتجاه التغيير وإعادة النظر في كثير من المفاهيم والممارسات والسلوكيات والأعراف والقوانين الدولية، ولكن هذه الآثار لا ترتبط ـ حتى الآن ـ بخسائر الأزمة وضحاياها بقدر ما ترتبط بما برز من ممارسات سلبية دولية منذ بداية الأزمة وما كشف من ثغرات وعيوب فاضحة في قواعد التعاون الدولي وما كرسته العولمة وآليات التجارة الحرة من ممارسات كشفت هذه الأزمة عن خطورتها الشديدة على الأمن القومي للدول.

النقطة التالية في هذا النقاش تتعلق برؤية الصين لما يحدث ومدى استعدادها ورغبتها الذاتية في قيادة العالم في هذه المرحلة التاريخية، وهنا تجب الاشارة إلى أن الواضح أن الصين تنظر للأزمة باعتبارها فرصة لتعزيز دورها ومكانتها الدولية، وهذا واضح من نشاطها المكثف في مد يد العون والتعاون مع كل دول العالم وتقديم المساعدات لها للتصدي للأزمة، صحياً، ولكن هذا لا يعني بالضرورة رغبتها في ملء الفراغ الاستراتيجي المحتمل الناجم عن تراجع الولايات المتحدة كلياً عن قيادة النظام العالمي القائم، فالتنّين الحذر، كما أسمته مؤسسة "راند" البحثية في إحدى دراساتها المهمة عن الدور الصيني في الشرق الأوسط، لا يظهر استعجالاً لفكرة مزاحمة الولايات المتحدة على قيادة العالم، والثقافة الصينية بعمقها التاريخي تنظر للأمور بشكل مغاير للعالم تماماً، ولديها من الصبر والتريث الاستراتيجي مايدفع للقول بأن الصين لا تسعى لاستغلال هذه الأزمة لتحل محل الولايات المتحدة، ولكنها بالتأكيد تدرك أو الجائحة فرصة ثمينة لاستعادة زمام المبادرة في الصراع التجاري والاقتصادي والاستراتيجي الذي يقوده الرئيس ترامب معها، ومن ثم كسب الثقة وتعزيز النفوذ الدولي في مواجهة الضغوط التي تمارس عليها من الغرب بقيادة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، ولعل نجاحها في اختراق جبهة الغرب من خلال إظهار التعاطف وتقديم الدعم والمساعدات لإيطاليا وبعض الدول الأوروبية في مواجهة أزمة "كورونا" سيسهم في تحرك الصين لتفتيت الموقف الغربي ضدها عبر إعادة بناء الصورة الذهنية للبلاد دولياً وتقديم وجه أخلاقي للصين بدلاً من المصالح الجيوسياسية فقط.

وإذا نجحت الصين في مواصلة سياسة تقديم المساعدات لدعم الاقتصادات حول العالم من أجل الخروج من ركود اقتصادي يفوق في تأثيراته الأزمة المالية عام 2008، ويضاهي مايعرف بالكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، فإن الصين تكون قد حققت أحد أهم أهدافها في هذه الأزمة، من خلال بناء توازن استراتيجي عالمي مع النفوذ الأمريكي بما سينعكس بالتبعية على سياسات الولايات المتحدة تجاهها في المرحلة المقبلة.

والمتوقع إذاً أن تركز الصين على مواصلة سياسة تعزيز المكانة الاستراتيجية عالمياً، التي تمارسها بدقة منذ نحو عقدين، فقد لعبت دوراً إطفائياً بارزاً في السيطرة على أزمة ديون منطقة اليورو من خلال شراء سندات الدول الغارقة في الديون مثل اليونان والبرتغال واسبانيا، كما عززت استثماراتها في هذه الدول، وإذا أضفنا لذلك تمددها استراتيجياً في قارات العالم واقتصاداته من خلال خطة طريق الحرير الجديد، فإن هذه الأزمة ستتيح للصين فرصة التحول من الموقف الدفاعي في مواجهة الضغوط الاستراتيجية الأمريكية المتواصلة إلى بناء موقف متوازن لن يصل بالضرورة إلى حد تحدي النفوذ الأمريكي عالمياً، ولكنه سيوفر للقيادة الصينية فرصة الامساك بزمام المبادرة في علاقاتها المعقدة والصعبة مع الولايات المتحدة بما يمكنها من فرض رؤاها وتصوراتها في هذه العلاقات ويدفع واشنطن بالتبعية إلى إبداء مرونة كبيرة لتفادي التحدي الصيني، لاسيما أن الاقتصاد الأمريكي لا يستطيع التخلي بسهولة عن أنشطة "التعهيد" التي يرتبط بها مع الشركات الصينية، وقد كان الأمر واضحاً في إعلان الصين رغبتها في تقديم مساعدات طبية للولايات المتحدة ، إثر انكشاف الجانب الأمريكي على قدرته المحدودة لتلبية احتياجات السكات من الكمامات الطبية وأجهزة التنفس الصناعي ووسائل الوقاية من العدوى.

ولا يجب أن ننسى أنه في مواجهة الاتهامات الغربية المتزايدة بالتستر على المعلومات وبيانات الضحايا في أزمة "كورونا"، فإن الصين قد تمنح أولوية متزايدة للحصول على الثقة والموثوقية الدولية من خلال مواصلة تقديم المساعدات الصحية والطبية والاقتصادية لترسيخ صورة نمطية صينية قائمة على الاخلاق والمبادىء وليس على المصالح الاستراتيجية، وهذا بحد ذاته سيسهم في بناء النموذج الصيني الذي يمكن الاعتماد عليه كركيزة أساسية في القيادة العالمية مستقبلاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عفوا سيدى الكاتب القدير
فول على طول -

كبوة امريكا هى الرغبة الكامنة فى نفوس الفاشلين والبؤساء وعلى رأسهم الفاشيين والعروبيين والاسلاميين وهذا لا جدال فية بل هى أغلى أمنية عندهم مع العلم أنهم يتمنون العيش فى امريكا بل يموتون من أجل ذلك . والويل كل الويل للعالم لو تبوأت الصين مركز القيادة .الصين لم ولن تقدم للشعوب غير الاستبداد وحكم الفرد الواحد وليس الحزب الواحد . الصين ليس لديها أى وجة أخلاقى كى تقدمة لأحد ولا حتى لشعبها كى تقدمة للأخرين ..الصين ومن على شاكلتها وكل حلفائها - روسيا وايران وكوريا الشمالية وفنزويلا الخ الخ - هم الوجة القبيح جدا لأنظمة حكم باطشة وليس ديكتاتورية فقط . والشعب الجائع - الصين وروسيا - لا يقدم معونات لأحد .. الصين تعتمد على سرقات التكنولوجيا وتقليدها وتغيير فى الشكل واللون وتتهرب من دفع حق الابتكار وتبيعها وتتربح من وراء ذلك مليارات سنويا بالرغم من رداءة تصنيعها والدولة التى تسرق تعب وعرق الأخرين لا يمكن أن يكون لديها وجة أخلاقى . النمط الحياتى للصين لا يستهوى أحدا على الاطلاق فى العالم كلة ولا اللغة الصينية تساعد على نشر النظام الصينى وهذا عامل هام جدا . لا تنسي أن الديمقراطية وحقوق الانسان وخاصة بعد انتشار الميديا أصبحت لغة عالمية ولا يمكن العودة الى الرجوع والعودة الى نظام الصين أو روسيا فى العالم . الصين خسرت الكثير جدا من سمعتها عالميا وأعتقد أن العالم الذى أصيب بسبب الصين لن يتركها تمر بسهولة على الأقل تجاريا مما يؤثر سلبا على اقتصاد الصين . العالم كلة خسر اقتصاديا وليس امريكا فقط ولكن امريكا قادرة على استعادة ذلك بسرعة وبسهولة وخاصة فى حكم ترمب وستخرج امريكا أقوى مما كانت وهذة ليست المرة الأولى التى تتعرض فيها امريكا للهزات العنيفة . يتبع

عفوا سيدى الكاتب القدير
فول على طول -

أما الانقسامات فى امريكا فهذا يؤكد على صحة وقوة النظام الأمريكى وهذا لا يتوفر فى أى دولة وخاصة فى الصين وروسيا ..لا يقدر أحد أن يعارض الرئيس وينام مطمئنا الا فى امريكا ومثيلاتها ..ومناورات الديمقراطبين الفاشلة زادت من شعبية ترمب . أما المعونات الصينية لاوربا فهى صيد فى الماء العكر ليس أكثر ولكن لن يتم التجاذب بين اوربا والصين فكلاهما طرفى نقيض فى الثقافة والسياسة وهذا يؤكد الوجة الغير أخلاقى للصين وليس العكس . الصين هى من أرسلت الى اوربا وايطاليا بل العالم كلة مئات الالاف الصينيين الحاملين للفيروس - لا أجزم أنها مقصودة - وهذا افتضح الان . لا أعرف ما هى الثقافة الصينية العريقة التى يتكلم عنها الكاتب لكن عموما حاجز اللغة لن يسمح بنشرها ..اطمئن سيدى الكاتب فان المؤسسات الأمريكية باقية - جامعات ..علماء حقيقيين وليس علماء الفتة ..وطرق ومواصلات ومزارع ..وانترنت ..ومصانع الخ الخ وأهم شئ هو القانون والدستور الأمريكى الذى يحترم الفرد ويكفل المساواة الفعلية للجميع وحتى لو مات نصف الشعب الأمريكى فان النصف الباقى كفيل بأن ينهض بأمريكا من جديد ويحافظ على الصدارة ...أنت لا تعرف الروح القتالية للشعب الأمريكى النابع من حب امريكا والدستور الامريكى الذى يؤكد أن امريكا تمنح شعبها كل شئ وعلى الشعب الأمريكى أن يعطيها أفضل ما عندة . نكتفى بذلك . تحياتى دائما سيد سالم الكتبى .

تعقيب أخير
فول على طول -

بعد الحرب العالمية الثانية خرجت المانيا واليابان وايطاليا بتدمير كامل وامريكا هى من ساعدتهم على النهوض وأصبحوا عمالقة فى كل شئ وخاصة اليابان والمانيا ..هل لا تقدر امريكا على مساعدة نفسها والنهوض مع أنها لم تسقط مثلما سقطت المانيا وايطاليا واليابان ؟ الاجابة واضحة . انتهى .

اسمعوا وعوا
عابر سبيل -

"اطلبوا العلم ولو في الصين" حديث شريف صحيح يردده المسلمون منذ سنين ولكنهم للأسف لا يلتزمون به . ولا يعنى طلب العلم الدراسة الاكاديمية فقط بل يعني طلب كل ما له علاقة في حياة الانسان. وانني ادعو اخواني المسلمين بالامتثال لأمر الرسول الكريم هذا والتوجه نحو الصين للدراسة والعلاج وشراء كل المستلزمات من سيارات وطائرات ومواد غذائية واسلحة وقطع جميع العلاقات مع الدول الاخرى التي لا يوجد حديث شريف يأمرنا بالتعاون معها.

فول على طول احسن معلق
سهى -

تحياااتي استاذي القدير ومن اعماق القلب