فضاء الرأي

الحتمية والاحتمالية في فلسفة المجتمع الإنساني

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

طبيعة العلاقات الاجتماعية لا تحكمها نظريات فلسفية مُجرَّدة، أو قوانين اقتصادية جامدة ، لأن العلاقات الاجتماعية تبتكر طبيعتها الخاصة ، وتؤسِّس قوانينها الذاتية ، اعتمادًا على التغيرات في مشاعر الإنسان وأحاسيسه ، والتغيرات في مسار المجتمعات والحضارات . وثنائية ( التغيُّر الإنساني / التغيُّر الاجتماعي ) هي الفلسفة الكامنة في أنساق الحياة داخل البُنى المعرفية وخارجها . والتغيُّر _ كنظام فلسفي حياتي شامل _ ينشأ بصورة مستمرة ، ويتولَّد باستمرار ، ضِمن مسار دائري تختلط فيه البداية بالنهاية ، لذلك لا يُمكن للإنسان أن يتنبَّأ بموعد حدوث التغيُّر ، ولا تستطيع الحضارةُ أن تتوقَّع مدى تأثير التغيُّر في الأنساق الحياتية.


2
الحضاراتُ السابقة كانت تملك زُعماء وعُلماء ومُفكِّرين وخُبراء في السياسة والاقتصاد والثقافة وعِلم الاجتماع ، ومعَ هذا انهارت الحضارات السابقة ، وغابَ شمسُها ، ولَم يستطع أحد حماية حضارته من السقوط والاضمحلال ، وهذا يدل بوضوح على أن الحضارات محكومة بقوانين حتمية وأُطُر زمانية ومكانية ، لا يمكن تجاوزها أو التلاعب بها. وإذا حانَ موعدُ سُقوط الحضارة ، فسوفَ تَسقط لا مَحَالة ، حتى لو اجتمع الزعماء والعلماء والخُبراء لحمايتها . وإذا حانَ موعد وفاة الإنسان ، فسوفَ يموت قطعًا ، حتى لو اجتمع الأطباءُ الماهرون وأدويتهم الفَعَّالة وآلاتهم المتطورة .


3
المشكلةُ الجذرية في أنساق التفكير الإنساني تتجلَّى في عدم القدرة على التمييز بين الحتمية والاحتمالية. فالحتميةُ هي سُلطة القوانين الوجودية الحاكمة على المشاعر الإنسانية والمنظومة الاجتماعية ، وهي سُلطة أساسية ودائمة ، وغير مُتأثرة بالزمان والمكان . والإنسان جاءَ إلى هذا العَالَم ، واكتشفَ وجودَ هذه السُّلطة ، ولم يَخترعها . أي إن وجودها سابق على وجود الإنسان نَفْسِه ، والإنسان تابع لها بإرادته ورغمًا عنه. أمَّا الاحتمالية فهي سُلطة القوانين التي وضعها الإنسانُ بنَفْسه لتدبير أُموره ، وتنظيم شؤون مجتمعه ، وهي سُلطة فَرعية مُتغيِّرة ومختلفة تبعًا لاختلاف الزمان والمكان وطبيعة الناس ومصالحهم ، ووجود هذه السُّلطة خاضع للإنسان، وتحت تصرُّفه. وهذا التمييز بين سُلطة القوانين الحاكمة ، وسُلطة القوانين المحكومة ، في غاية الأهمية، لأنَّه يُوضِّح الفرق بين الحتمية والاحتمالية ، كما أنَّه يُفَسِّر طبيعة التحولات الإنسانية والاجتماعية بشكل استباقي، مِمَّا يعني بالضرورة تَحييد عُنصر المفاجأة القاتل والسيطرة عليه ، ووضع خُطط للتعامل معه. وكما أن العَقل المُدبِّر الذي يُخطِّط للمعركة يجب عليه أن يضع خُطَّتَيْن : خُطَّة للانتصار ، وخطة للهزيمة ، لأنه لا يَعرِف المُفاجآت في طبيعة سَير المعركة ، كذلك المُفكِّر الذي يَدرس خصائص المجتمعات والحضارات ، يجب عليه أن يضع خُطَّتَيْن : خُطة ( أ ) التي تُمثِّل المسار العام للأحداث المرسومة على الورق، وخُطَّة ( ب ) وهي خطة الطوارئ التي تُمثِّل الأحداث المُفاجِئة على أرض الواقع. وكما يُقَال : الشَّيطان كامن في التفاصيل .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال رائـــــع
عدنان احسان- امريكا -

الكاتب يملك ملامح الفليلسوف ، وهذه الفسلفه - لو فهمنا مضامنيها - لما اخطانا في التحليل السياسي - واستقراء- الماضي - والحاضر - والمستقبل ،، تحياتي لك يا ابو عـــواد دائما تسعدنا بطريقه كتاباتك وتحليلاتك ولغتك الجميـــــله .

تاني يا أبو عواد
كاميران محمود -

شوف يا أبو عواد أن عدم التمييز بين الحتمية والاحتمالية هي مشكلتك أنت وان الكلام عنهمامن قبلك سيصبح أمرامحرجا لو تم ( بغلطة قدرية ) الاطلاع على مقالك من قبل احد المشتغلين الغربيين(الهواة)في مجال الفكر الانساني والغريب في أمرك هوأنك تتصور أن (تكحيلك) المقال بعبارات مثل أنساق الحياة داخل البنى المعرفية وأنساق التفكير الانساني يمكن أن يخفي كونك تخوض في مجال لا تملك أي من أدواته ولاني متأكد من أنك لاتعرف عن الحتمية (ماركس) أو عن الاحتمالية(كارل بوبر من خلال ما تعرضه من مقارنة(تشبيه)بائسة بين موت الانسان وموت الحضارات وتقرر ان الاثنين يندرجان في مجال الحتمية مع أن موت الانسان حتمي(أستهلاك) فأن موت الحضارة أحتمالي لارتباطه بظهور حضارات أكثر موائمة للزمن أو بسبب لهجمات (أحتلال)من قبل حضارات أسمى منها أو أدنى منها والذي أرجوه منك هوأن تترك الخوض في المجالات النفسية

الحتمي والاحتمالي
غريب على باب الله -

الحتمي عند العرب الاستسلام فقط فهم حتمية استسلامهم لكل شيء فكل شيء هو من رب العالمين فهم لا يقيمون وزنا لعقلهم مع ان الله اعطانا عقلا لنفكر لنستعمله أما الاحتمالي فهو احتمال دخولهم الجنة أو النار ههههههه ليس عندهم غير هذين الاحتمالين

احتمال
عطاف -

احتمال وحتمية الاحتمال ان يصبح العرب لديهم تطور فكري او روحي والحتمي بقاءهم في مكانهم المتحجر

ياأيلاف التخلف
كاميران محمود -

مرة اخرى تحذفون أجزاء من تعليقي من أجل أبو عواد وأتمنى أن لا يكون الذي فعل ذلك صائما لان المسألة عنده تقاليد لا أكثر ولاأقل وحذف حتى القوس المحيط بأسم كارل بوبر وأخشى ما أخشاه هو أن مقالاته هو وأسميك تنشر لقاء مقابل منهما.