كتَّاب إيلاف

لم أدرِ ما طِيب الكهرباء حتى...

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

اعترف -- دون أن أكون مفاخرا أحدا -- بأنني قد أكون من القلّة القليلة جدا من المحظوظين في بلاد مابين النهرين أو قل القهرين وسيان هذان الاسمان ممن لم يتأثروا بهموم الكهرباء وانقطاعاتها وشجونها في عراق الحضارات والمرارات معا مذ حللت في ارضي العام /2004 بعد غربة طويلة في المنافي البعيدة والقريبة.

لم انشغل بتصريحات مسؤولينا السياسيين الصادقة جداً الذين صيّروا ماء البحر " طحينة " كما يتندر الأشقاء المصريون ومواعيدهم التي فاقت مواعيد عرقوب في التسويف والتأجيل والآمال الوردية الخادعة بان الكهرباء ستصل الى بيوتنا وسوف يتم تحسين الطاقة الكهربائية خلال الشهور المقبلة والحاضرة وحتى السالفة ؛ فقد استشرفنا المستقبل وعشنا الحاضر ومِلْنا برقابنا حتى الى الماضي نتوسل اليه كي يعيدنا الى سابق عهدنا ولكن دون جدوى رغم الميزانيات الهائلة التي صرفت والتي فاقت الأربعين مليار دولار المخصصة لإعادة التيار الكهربائي متواصلاً ؛ غير ان هذا المبلغ الضخم جدا والذي قد يفوق ميزانية عدة دول مجاورة ؛ أقول ان تلك الثروة التي لا تخطر على البال غيّرت مسارها الى جيوب السحت والمآل الحرام والصفقات المريبة والعقود الوهمية والأجهزة الرخيصة من المواد الاحتياطية العليلة ذات المناشيء الرثة التي لا تقاوم هجير قيظنا الذي يمتدّ حتى نهاية أيلول وربما يأخذ أياما طويلة من تشرين الأول.

ولا ننسى بعض التصريحات السابقة التي صارت أضحوكة الناس يتفكهون بها ومفادها ان العراق في طريقه الى تصدير الكهرباء الى دول الجوار وغير الجوار باعتبار ان الطاقة الكهربائية الهائلة عندنا لا يمكن تخزينها.

ذكرتُ بان طاقة الكهرباء لم تفارق مسكني ما يربو على ست عشرة سنةً دون ان ادفع درهما واحداً فقد أكرمني جاري النبيل الموسّر الملاصق لي بعشرة أمبيرات من مولّدته الكبيرة الخاصة به فور ان وطأت قدماي بيتي ولم يعبأ برفضي استحياءً ولكنه أصرّ على مساعدتي وتحمّل حتى مصاريف ايصال الاسلاك من جيبه الخاص، والحق اني كنت مستمتعا سعيدا بما وهبه لي هذا الجار النادر في وقت الأزمات والويلات الكبيرة حتى نسيت ما يعانيه أبناء وطني من شحة أطايب ومنافع الكهرباء.

ولأن دوام الحال من المحال فقد عزم جاري على الانتقال الى مسكنه الجديد والذي شيّده مؤخرا البعيد عنا شأوا طويلا وفعلا قام بنقل مولدته المعطاء مع أجزاء أخرى من أثاثه ؛ فما كان مني الاّ ان أعيش شظف الظلام والحرّ اللاسع هذا الصيف واغرق أمَدا طويلا بالعرَق الذي اخذ يتصبب من جسمي فاضطررت مرغما الى التوجه لصاحب المولّدة التي تغذي قسما من الحيّ الذي انا فيه واطلب منه سبعة امبيرات لكنه اعتذر متذرعا بان مولدته لا تتحمل قدرات أكثر وهي تعمل بأقصى طاقتها ولم تنفع توسلاتي ورجائي.

واضطررت الى مراجعة مسؤول مولدة اخرى ابعد قليلا منه وحصلت على خمسة امبيرات ولذا تحتم عليّ ان اشتري خمس حزمات من الأسلاك واستأجر سُلّما بغية ايصال التيار الكهربائي الصعب المنال الى بيتي وهكذا كان بعد ان ذقتُ مشقة التعب الشديد صعودا ونزولا على السُلّم حتى أوصلت الأسلاك لمغذَّي المولدة.

من يدري ربما يفيض العراق بالكهرباء في السنوات القريبة اللاحقة بعد ان تمسكه أيدٍ امينة وتدلّه الى مصادر الضوء وتنير ربوعه وبيوتاته وربما تزيد من انارة عقله وثروته ولكن حتما سيكون هذا التنوير بأيدٍ غير هذه الايدي التي تقودنا الان لتنجينا من الهوّة العميقة التي تكاد تقبرنا الان.

سبحان الله مغيّر الاحوال فمن سرّه زمن ساءته أزمان، كحالي حين افتقدت نعيم الكهرباء يوم رحيل جاري الأكرم من بلادي كلها ؛ بثرواتها الهائلة والتي لم نلمس منها حتى مجرد فانوس خافت الضوء فكيف نريد من مسؤوليها إيصال التيار الكهربائي العسير المنال.

jawadghalom@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
..........
نعيم -

هذا الشقاء الذي سرده لنا كاتبنا الكريم ماهو إلا غيض من فيض وهو ما دفعني إلى أن أقول .. أما آن لنا أن نقر ونعترف أنه برغم سوآت من كانوا يحكمون البلدان العربية التي اكتوت بما يسمى بالربيع العربيهذا أو التي تحاول أن تلحق بهذا الركب كانوا شموعاً تحترق وهم يحكمون .. لقد بذلوا جهدهم لتوفير الحد المعقول من الرفاهية لشعوبهم في توفير الضروريات الأساسية التي توفر لهم عيشاً لا بأس به .. وأنهم قبل هذا وذاك قد وفروا الحد المثالي .. بل وزيادة .. الأمن والأمان والنعيم لمواطنيهم .. حقيقة إن ما يسمى بالربيع العربي يجب أن يكون درساً وعبرة لمن تسول لهم أنفسهم من بعض الشعوب العربية الأخرى من الذين يكثرون من التذمر والطنطنة بأن هذا هو آخرة الكفر بالعيش الآمن والرغيد ولو كان رغيداً على قد الحال .