فضاء الرأي

المنعطف التاريخي و"أبواب السماء المفتوحة"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نقل الصحفي التركي المعروف جنكيز تشاندار في كتابه (قطار الرافدين السريع) عن الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال قوله: "أن أبواب السماء تنفتح كل مائة عام مرة واحدة". قال أوزال هذه الجملة ابان المناقشات التي كانت تدور حول الدور التركي في الازمة الناجمة عن احتلال الطاغية صدام حسين لدولة الكويت في آب عام 1991. أعتقد ان "أبواب السماء" باتت هذه المرة مفتوحة للكرد، بعد مرور مائة عام من الثورات وملاحم النضالوالمقاومة. هذه الثورات المتلاحقة التي شملت أجزاء كردستان الاربعة، ودفع الكرد فيها شلالات من الدماء والدموع، دفاعا عن وجودهم وهويتهم، ولتحقيق هدف نبيل وهو نيلهم لحقوقهم المشروعة في الحرية والانعتاق، اسوة ببقية شعوب الارض.

ان أبواب السماء مفتوحة بعد مائة عام، فاعداء الكرد ليسوا في أقوى حالاتهم، والكرد أفضل حالا مما مضى، وعلى جميع الصعدوالجوانب. لقد بات للكرد حضور ودور عالمي واضح، وخاصة في خضم الحرب الدولية على الارهاب، والتي تتوجت بالنصر العظيم على "داعش" في الباغوز السورية.

لقد انتصر الكرد ومعهم العرب والسريان والأرمن وبقية المكونات، ومعهم أيضا حلفاءهم من دول العالم الحر، على الإرهاب المتوحش، ووضعوا حدا لتمدده، مدمرين أوكاره التي كانت مرتطبة بمخابرات اقليمية، حيث التنسيق والاشراف على عمليات الابادة الجماعية للاقليات في المنطقة، وتفجير المدنيين والأسواق في بعض انحاء العالم.

ليس هذا فحسب، بل انجز الكرد انتصارات دبلوماسية وسياسية أيضا. فمتى كانت تفتح أبواب القصور الرئاسية لممثلي الشعب الكردي، كما فتحت أبواب قصر الاليزيه في باريس، أو أبواب الكونغرس الأميركي، وصار الرؤساء يتصلون مع ثوار الكرد، ويصفون الأشياء بمسمياتها.

في كتابه الجديد المعنون (الغرفة التي شهدت الأحداث) يحكي مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون كيف أن الرئيس دونالد ترامب أراد القيام بانسحاب كبير من شمال شرق سوريا.بولتون يقول ان الحملة الاعلامية الضخمة احرجت الادارةالأميركية، وساعدت الكرد وأنصفتهم، وذكرّت ترامب بالدور الكردي في محاربة تنظيم "داعش" الذي يعتبره الامريكيون من أخطر وأعتى اعداءهم. ويضيف بولتون ان الشعور القوي لدى الرأي العام الامريكي بحمل العرفان للكرد والاعتراف بجميلهم،لأنهم قاتلوا مع أمريكا ضد تنظيم "داعش" الارهابي، هو ما عقد مهمة ادارة ترامب في تنفيذ قرار الانسحاب وترك الحلفاء الكرد وحدهم مع آلة الحرب التركية، ومرتزقتها من إرهابيي "الجيش الوطني".

لقد استقال وزير الدفاع الامريكي الامريكي جيمس ماتيس،واستقال بعده بريت مكغورك مبعوث الرئيس الامريكي ضمن التحالف الدولي ضد "داعش"، احتجاجا على قرار الانسحاب من المنطقة والتخلي عن الحلفاء. إن هذه سابقة تحدث لأول مرة، ربما أميركا، وأكيد كرديا. وبين الحالتين، تعرّف العالم على وجه الدولة التركية القاتم، واطلعّ على سياستها الداعمة للإرهاب، والمعادية لوجود الكرد.

ولكن، هل يكفي هذا التضامن والدعم العاطفي والتأييد السياسي واحتلال هذه المكانة المرموقة في ضمير الشعوب والاحرار لضمان حقوق الكرد وحلفاءهم من بقية المكونات، وحمايتهم من تركيا ومرتزقتها؟. قطعا لا. انما يمكن البناء على كل ذلك، فالكرد وحلفاءهم نجحوا في معركة "كسب القلوب"، والى حد ما ما "كسب العقول" أيضا. لكن هناك حاجة ماسة الى العمل الدؤوب والمستدام، بدون توقف، لتعزيز وترسيخ العلاقات، والعمل لطرق كل الأبواب الموصودة، ومخاطبة العالم بلغته، وهي لغة الحق والعدالة والضمير، إلى جانب لغة السياسة والمصالح والاستراتيجية.

لقد اثار خبرالتوافق بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي في سوريا والوصول إلى تفاهم أولي موجة من التفاؤل الكبير في مختلف أجزاء كردستان والمهجر. كما لاقى هذا التفاهم ترحيبا من الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا. وعلى المقلب الآخر، لاقى ذلك هجوما وتشنيعا من جماعات "سورية" بالاسم، لكنها ليست سورية روحا وهدفا، بل تعمل لصالح دولة الاحتلال التركي. جماعات ارتضت العمل كأداوات لتوطيد وشرعنة الاحتلال التركي للأرض السورية.

إن هذا التفاهم الأولي ليس مدعاة للاسترخاء والطمأنية الكاملة،بل هو دافع لاستكمال تعزيزجميع هياكل الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وخاصة في ظل سريان قانون (قيصر)،واستمرار مخاطر انتشار جائحة كوورنا. فالادارة التي نجحت في التعاطي مع هذه الجائحة، رغم شح الامكانيات، ونجحت في تقديم حلول معقولة على الصعيد الاقتصادي في ظل الارتفاع الهائل للدولار في مواجهة الليرة سوريا، سواء في الابقاء على دعم المواد الاساسية النفطية، وسعر الخبز، ورفع الرواتب بنسبة 15 بالمائة، مطلوب منها التحرك بقوة، ووفق مخطط مدروس، على صعيد التواصل مع مراكز القرار الدولية، وخاصة انها تواصل الحرب على "داعش" ويتربص بها الاعداء من كل حدب وصوب.

كما يستلزم لاستكمال وحدة الصف الكردي، اشراك احزاب لها حضورها كالحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا "يكيتي"، لما لهما من وزن ودور،وخاصة في السنوات التي شهدت المقاومة في مواجهة اعتى الأعداء من الجماعات المسلحة بمختلف مسمياتها، وصولا لمرحلة مواجهة التنظيم الاخظر والاكثر اجراما وفتكا، أي "داعش". وكي تكون الخطوة راسخة وقوية ومستدامة وتؤسس لسوريا الغد،فالحاجة ماسة، بل وشديدة، لتطوير وتعزيز الروابط مع كل القوى والشخصيات السورية التي لا تزال تمثل آمال من بقي من السوريين في اقامة نظام ديمقراطي تعددي وفق عقد اجتماعيجديد، يشارك فيه السوريين عموما، بحيث تكون سوريا لكل السوريين، بكل ما يعني هذا الكلام من معاني حقوقية وانسانية واخلاقية. سورية لا يكون فيها أي طرف، لا في المركز ولا في الأطراف، وصيا على الآخر.

وهنا يمكن للادارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية والأحزاب الكردية، ان تكون عمقا استراتيجيا، وخاصة في هذه المرحلة التي تسبق البحث عن حلول للخروج من ما يمر به الشعب السوري من أزمة وجودية، حيث القتل والفقر والتهجير والاحتلال وسرقة الأرض وطمس الهوية.

هذه الخطوة تحتاج إلى زيادة التواصل مع مختلف اطياف المعارضة التي ترى في الكرد شركاءحقيقيين، والتي يمكن العمل معها على أساس وطني صحيح.

لتكن هذه الخطوة اساسا لتوافقات اشمل واوسع لمستقبل البلاد، ولانقاذ البلاد والعباد، واقامة المصالحة الشاملة، والاتفاق على شكل الحكومة والادارة على أسس وطنية، وتوحيد الخطاب للبناء وتنظيف البلاد من الدخلاء والغرباء والمحتلين.
*مدير المركز الكردي للدراسات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف