فضاء الرأي

وهم العشيرة.. والعشائرية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مضيف العشيرة أقدم من دين الحزب وكلاهما أقدم من الدولة، ولكن كلاهما محركات ما قبل الدولة. وهي قوى لا تنتج دولة حتما، لا المهوال ولا إمام الجامع ينتجان دولة، و بالمحصلة لا الشيخ ولا المجتهد راغبان بإنتاج دولة لا تكون تحت وابل كاتيوشا الميليشيا.
ينظر الى العشيرة بأنها مستودع القيم وصلصال المجتمع، نعم ولكن حين يكون مضيفها خيمة يسود فيها قانون الدولة.

اما حين تعلو " تفگة" العشيرة فوق "بيرة" القانون فان مستقبل العراق يصبح مهددا و"مطلوبا عشائريا" وتصبح العشيرة "مطلوبة سياسيا" حينها فقط اعلم ان صلصالها وطأته أقدام الاحزاب، وربما دنسته، ولك ان تتخيل كيف يغدو حين تلبد خلف مضيفها ومضاربها "الميليشيا"؟
في العراق نجت العشيرة من سلاسل الطائفة ، لكنها سقطت بشباك الأحزاب حين حولتها الى حاضنة للأوراق الانتخابية والاخيرة قادتها الى فخ الفصائل التي حولتها الى "مشجب سلاح".

لا ينظر للعشيرة إلا من خلال علاقة السلطة بها ، بوصفها بنية منفعلة، ولكن أي سلطة هذه ؟ . هل سلطة الدولة أم سلطة اللا دولة ؟ . على افراد العشيرة الاجابة عن ذلك وعلى شيخ العشيرة الاختيار؛ السير مع العصابات أم مع القانون، والمسار الاخير يعني حتما السير مع مجتمع الدولة .

ذهب عالم الاجتماع علي الوردي الى انه عندما تكون الدولة ضعيفة تبرز القبلية مجدّدا، وعندما تكون الدولة قوية تعود المواطنة الى الصعود من جديد ، رؤية الوردي هذه تترجم استشراف المس بيل ايام ولادة الدولة العراقية .

الدولة العادلة تقوم على فكرة الفرد المواطن لا الجماعة المجتمعية، الدولة مجموع مواطنين لا تكدس جماعات تسعى احزاب الى تكريس فكرتها لتكون اقوى من الدولة عبر هذه الجماعات .

اتذكر تحذير الباحث د. حيدر سعيد من مخاطر النفخ بالعشيرة اكثر فنتاج النفخ بالطائفة السياسية ماثل.
وهنا لا ينفي سعيد أن بنى السلطة، في العراق والمنطقة، ما تزال تستند إلى العصبية، متمثلة في صورة من صورها بالعشيرة أو العائلاتية أو الإثنية.
لكن النفخ هذا ذهب حد التشريع بصورة "قانون مجلس قبائل وعشائر العراق" والذي يراه معارضون انه انحراف تشريعي، فيما يبرر مؤيديه أنه جاء لنهوض الدولة بالقبائل والعشائر العراقية والاهتمام بشؤونها استنادا إلى نص المادة (45 / ثانياً ) "تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان".

إن أسوأ ما يمكن أن يحدث للعشيرة هو تحولها الى حزب سياسي وتنظيم يكرس الاصطفافات وواجهة لميليشيا او فصيل مسلح، وأسوء ما يكون عليه الحزب هو أن يصبح عشيرة سياسية تحول المؤسسات الى اقطاعيات تنهش الدولة.

ثمة من يرى أن ما يحدث هو نتيجة خطأ الحكومات المتعاقبة في تعاطيها مع العشائر وعدم حسمها الموقف من وهم العشيرة وغياب سلطة شيخ العشيرة الرمزي وتأثيره الواضح ونفوذه.
وفي المقابل ما يحدث في العراق اليوم جهل سياسي يحاول استغلال الوهم القبلي واستثمار النفوذ باسم العشيرة والاخطر الصدام مع الدولة بسلاح العشيرة.

يقول هشام داود، وهو أنثروبولوجي عراقي، يشغل اليوم منصب مستشار لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ان المحتوى الداخلي للعشيرة في العراق قد تغير والمراهنة عليها لإنتاج طبقة سياسية امر مشكوك فيه، بل انه يمضي صوب حقيقة تؤكد ما يعرف بوهم العشيرة فيقول إنه توجد في العراق عشائر، ولكن، لا توجد "عشائرية".

كان صدام حسين واحدا ممن ساهموا في تكريس وهم العشيرة وهدمها في الوقت نفسه ، هو أدرك ان قوة شيخ العشيرة تاتي من قربه من السلطة ، ولانه كان يحتكر السلطة ، فقد صنع مشيخة مزعومة عرفت بشيوخ التسعينات ، لأنه كان يعرف ان الشيوخ الحقيقيين عصيون عليه ولا يمكن تطويعهم ، سبقه في ذلك العثمانيون والانجليز وتبعه نوري المالكي، المهوال وامام الجامع وشيخ العشيرة المصطنع والمجتهد المتلفع بثوب المقدس حتى لحظة الانقضاض على الدولة هم صورة صدام المتشظية ، وهم عنوان هدم الدولة ، بالأمس استغلهم صدام بحثا عن النفوذ واليوم تستغلهم الميليشيات بحثا عن النفوذ ..

إنها ثنائية الظالم والظلاميين
ما تفعله العشيرة اليوم هو انها تستخدم قانون التمدد داخل جسم الدولة، انها تعرف ان سلطتها غير قابلة للحصار في ظل الفوضى، وذلك يمكن عده شكلا من اشكال المزاوجة بين السياسة والتجارة ، وما تفعله الجماعة المسلحة أنها توظف العشيرة لثلم الدولة وهذا يمكن عده شكلا من اشكال المزاوجة بين الاقطاعية وقطاع الطرق، وما تفعله المؤسسة الدينية إنها تستحوذ على الدولة وهو شكل من أشكال المزاوجة بين السطو والهيمنة باسم المقدس، ما يحدث في العراق منذ 2003 هو هدم للدولة بمعاول قوى ما قبل الدولة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقالة في الصميم
عراقي متبرم من العنصريين -

أوافقك يا أستاذ بأن أسوأ مايحدث في العراق هو تحول العشيرة إلى حزب وميليشيا لاتعمل إلا لشيخ العشيرة وأفراد عائلته وخدّامهم وأفضل مثال عشيرتا البارزاني والطالباني اللتَان كما تفضّلتَ لم تصلا إلى هذا الحجم من القوة والتمكن لولا الدعم المتواصل من قِبَل السلطات المركزية المتعاقبة في العراق وبإشراف وإسناد من التحالف الغربي الصهيوني، لكني لا أشاطرك فيما أُطلِق عليه (وهم العشيرة) الذي يتغنّى به الكاظمي الذي لم يأت عن طريق انتخابات شعبية بل حزبية عشائرية لم ينجُ منها وعلى رأسها عشيرتا بارزاني وطالباني، يارجل هل هو وهم أم حقيقة عندما يُفرِغ الكاظمي خزينة بغداد في جيوب هاتين العائلتين ويذهب للاستدانة لدفع رواتب سائر موظفي العراق؟ هل هو وهم أن نرى اضطرار الكاظمي لإرضاء كافة الميليشيات غير القانونية التي أوعد بحلّها؟ وهل تظنّ مجرد ظنّ بأنّ الكاظمي سيستطيع أن يخوض أو يأمل بفَوْز في الانتخابات القادمة إلا بإرضاء جميع هؤلاء؟ يا أستاذ كل مصائب العراق وليس فقط المجتمَعية سببها الرئيسي هو النظام العشائري والدستور العشائري بامتياز الذي مرّره الاحتلال الغربي في غفلة من الشعب العراقي والذي أشرتَ جنابك إليه خلال مقالتك، لايوجد في العالم دستور اشتركَ في كتابته عشائريون كما حصل للدستور العراقي الذي كرّس النظام العشائري وسلّم إقليماً كاملاً بيد عشائريين جعلا الإقليم مملكة عائلية وراثية على حساب قومهما وسائر العراقيين و الأعجب بل الأنكى في ذلك أن لاينبس الكاظمي ببنت شفة على مايجري في الإقليم من عشائرية حزبية مقيتة وميليشيا لاعمل لها إلا خدمة هاتين العشيرتين ثم يأتي ويتحدث عما دون ذلك في سائر العراق!

الزائل
صالح -

النظام الزائل هو من اضاع العراق. الزائل في بداية حكمه اراد ان يحد من العشائر ولكنه في خضم الحرب الايرانية استمال الزائل العشائر ليضمن عدم عصيانهم عليه وعندما دعا الزائل الامريكان لاحتلال العراق قامت العشائر لتحكم البلد