كتَّاب إيلاف

بلادنا واستنساخ التجارب الفاشلة!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نتذكر سبعينيات القرن الماضي وبداية تحويل البلاد العراقية إلى حقلٍ لتجارب البعث القومية، وتقزّيم العراق بتحويله إلى قطر وشعبه إلى جزء من أمة مفترضة لم يثبت التاريخ المعاصر حقيقة كينونتها الفعلية، واستيراده على تلك الخلفية، ملايين المصريين والمغاربة وغيرهم من سكان تلك البلاد التي افترضها تشكل دولة موحدة ذات يوم، ليؤسس منها نواة ذلك الكيان الذي كان يخدّر به الأهالي، وهو كيان الوحدة والحرية والاشتراكية الذي انّهار قبل سقوطه أبان الاحتلال الأمريكيّ، حيث سقط في ضمائر الناس ولم يتحول طيلة ما يقرب من نصف قرن في البلدين السوري والعراقي إلى فكر أو ثقافة اجتماعية، ولم تنصهر تلك الارتباطات بالوطن الأم على حساب الوطن المفترض في دولة الوحدة، وكذا الحال مع بقية التجارب العاطفية التي دفعت شعوبها أثماناً باهظة لتلك المغامرات الوحدوية الفاشلة، سواء في ليبيا أو مصر أو سوريا أو اليمن، حيث انتهت جميعها إلى نتائج بائسة، أدّت الى تباعد أكثر بين شعوبها، بل بين مكوّنات تلك الشعوب.

في دول الخليج تجاوزت اعداد العمالة الاسيوية حتى عدد سكان بعض دولها، مما ترك ظلالا قاتمة على كثير من السلوكيات لدى الاطفال والشباب، وفي التجربة العراقية والليبية حيث فُتحت أبواب البلاد أمام كل من هبَّ ودبَّ وبتسهيلات لا مثيل لها في كلّ بلدان العالم، دون الأخذ بعين الاعتبار لمصالح المجتمع العليا والأمنَين الاجتماعي والأخلاقي المتعلق بالعادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية، فدخلت البلاد أفواجاً كثيرة من الباحثين عن العمل والغنى في بلاد نفطية، تسرّب من خلالها أيضاً أعداد كبيرة من الفاشلين والمجرمين وأصحاب السوابق والسراق والمزورين وأنماط كثيرة من المنحرفين في مختلف أنماط القيم والعادات والتقاليد إلى مجتمعات كانت وما تزال خاماً ومحافظاً ونقياً بالمقارنة مع الجهات التي قَدِموا منها، وفي مرحلة حرب ضارية انهمك بها النظام العراقي والليبي مع دول الجوار، والتي أدّت إلى إفراغ البلاد من الأيدي العاملة من سن 18- 30 عاماً، حيث تمّ تجنيدهم جميعاً للحرب، إضافةً إلى تجنيد ما فوق هذه الأعمار في قواطع ميليشيا ما كان يُسمى بـ"الجيش الشعبي" أو اللجان الشعبية في ليبيا، مما أتاح دخول هذه الفئات الوافدة إلى كلّ مفاصل الحركة الحياتية في الدولة والمجتمع وبملايين الرجال من المصريين والمغاربة والسودانيين واليمنيين والارتيريين وغيرهم من البلدان العربية، الذين اندفعوا أفواجاً في معظمهم من الفلاحين غير المؤهلين والعمال غير الفنيين وقلة نادرة من الاختصاصات العلمية والأكاديمية، إضافةً إلى أعداد كبيرة من خريجي السجون والمشبوهين وحتى المحكومين الهاربين.

ولكي نكون منصفين فإن مجتمعاتنا كانت الأنظف حتى دخول تلك الأفواج، وهنا لا أقصد الشريحة الأكاديمية والخبرات الفنية فهي تستحق كلّ التقدير والاحترام؛ هذه الشرائح التي كانت تنتقد السماح لهذه الأفواج بالدخول إلى العراق متهكمة بأننا أفرغنا لهم كلّ السجون في بلدانهم إلى حد أن شوارعهم تنظفت من الرعاع والمجرمين والمتسولين، الذين نقلوا إلى مجتمعاتنا أنواعاً رهيبة من فيروسات الانحراف بكلّ أشكاله من (الفهلوة) والتي تجاوزت كلّ أنواع (الكلاوات) العراقية البسيطة قياساً بما استورد لها القائد الضرورة، واليوم وبعد أكثر من سبعة عشر عاماً على سقوط تلك التجربة المريرة، وأكثر من ربع قرن على فشل وهجرة تلك الملايين التي فشل النظام في توطينها، تركت ورائها مخلفات سلوكية غريبة، تسببت في تمزيق النسيج التربوي والقيمي والسلوكي في مجتمعاتنا، يعود البعض إلى ذات الثقافة الفاشلة سواء في المبدأ أو التطبيق فيفتح الأبواب أمام هجرات وزحف من أنماط بشرية تحت أغطية قوميّة أو مذهبية متعصبة، لا هم لها إلا الارتزاق ونخر الوطن ومسخ عاداته وتقاليده دون أي وازع يمنعها، فهي لا تنتمي إطلاقاً إلا لمصالحها الذاتية ولا يمكن سلخها من انتمائها الأصلي مهما كانت تلك الأطروحات التي يطرحها منظرو القومية الشوفينية والتعصبية الدينية أو المذهبية، حيث فشلت كلّ هذه المحاولات في العراق واليمن وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان التي اجتاحتها حمى القومية المفرطة أو التعصب الديني والمذهبي.

kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بلادنا استنسخت
د. سفيان عباس -

احسنت ... التجربتان سيان في محصلتهما التدميرية لمقومات النظام المجتمعي العراقي ... وكلاهما فشلتا من حيث أسباب ديمومتها ولم تنتج أثراً في تحقيق الغاية أو الهدف منهما .. بل بالعكس افرزت نتائج صادمة على الوحدة القيمية للمجتمع وضريت في الصميم . كل ما هو محمود من العادات والتقاليد الموروثة منذ مئات السنين . وخلقت انماطا مشبوهة من الانحرافات السلوكية لشرائح واسعة في المجتمع العراقي . فأن التجربة الحالية بعد عام 2003 . تعد الأسوأ كونها خضعت لمسوغات مذهبية وطائفية في مجتمع متعدد المكونات والديانات والمذاهب والقوميات . فأن القائمين عليها ليسوا ساسة ولا رجال دين اجلاء . بل ثلة من الفاسدين والمجرمين لا يمتلكون عهدا ولا ميثاقا ولا شرفا ... لا يعترفون بمذهب او دين او دستور او قانون .. شأنهم شأن العصابات والمافيات العالمية المنفلتة ... نحن رجال القانون نحمل المسؤولية التاريخية كاملة الى الجانب الأمريكي الذي جاء بهم من شوار

وماذا عن بارزاني
ناصر -

تدافع بكل شراسه عن اكبر عائله فاسده في المنطقه وهم عائلة البرازاني والدفاع والتبرير لهم ولفسادهم وسرقاتهم بينما الشعب الكوردي لا يستلم رواتبهم وهم يعيشون في اسواء الظروف اليوميه. لا تتكلم عن طائفية والسوفيتية الاخرين، تكلم او اكتب ولو مره واحده عن فساد البرازاني وعلاقاتهم المشبوه مع محتلي كوردستان من المخابرات التركيه..! مشكلة المنطقه ليس فقط الانظمه وانما مزوري الحقائق..!!

حين تكون البلاد مجرد صورة
جوتيار تمر -

مقال في الصميم استاذنا الكريم.. استنستاخ التجارب، او بالاحرى تقليد التجارب لا خلقها، في الاصل صورة اصيلة عن الشرق الاوسط فكيف ببلاد هي فقط بالاسم بلاد، لانها في الاصل قبائل وطوائف وعساكر وصعاليك تنهب من هنا وهناك، الحقيقة استاذنا اننا يجب ان نفكر كيف يمكننا ان نعود الى ما يمكن ان تكون بلاد.. ومن ثم نحاول فهم معنى تجارب العالم.... تقديري لكم

لا توجد تجربة فاشلة في العراق بل يوجد متسلطون فاسدون
عراقي متبرم من العنصريين -

معظم بلدان العالم تتألف من قوميات وطوائف مختلفة وحتى أعظم الدول مثل كندا وأستراليا تتألف من مهاجرين أصولهم لاتعدّ ولا تحصى.. في العراق لاتوجد سوى ثلاث مكونات رئيسية وبعض الأقليات ولا توجد أي علاقة بين المصائب التي يعاني منها العراق وبين مكوناته فقد أثبتت هذه المكونات تاريخيا ومازالت أنها كمكوّن واحد ونسيج منسجم في السراء والضراء. يارجل؛ العراق بلد عريق وليس دولة مستنسخة و الفشل لايكمن في تعدد مكوناته وإنما في الفاسدين الذين يتحكمون فيه؛ هنالك دول (مستنسخة ) أو حتى (مقتَطَعة) ولا تملك ربع ثروات العراق وتعيش في أحسن رفاهية وتقدّم، لماذا نضع دائماً كل مايصيب العراق من مآسي في خانة القومية والطائفية؛ لماذا لانشير إلى العامل الرئيسي بل الوحيد في مآساة العراق وهم الأحزاب الفاسدة التي تتحكّم في مصير هذا البلد؟ لنأخذ على سبيل المثال الاقتصاد المنهار هل سألتَ نفسك السؤال التالي: لماذا يستقرض الكاظمي لدفع رواتب الوسط والجنوب ويغضّ النظر عن ٢١ منفذاً حدودياً في الإقليم الشمالي ونفط مسروق وموارد أخرى كثيرة تملأ جيوب قادة الحزبَين الكردييَّن المتسلطَيْن على الإخوة الكورد؛ لماذا يغضّ النظر عن ثروات سائر السياسيين الآخرين غير الكورد أيضاً والتي تعادل ميزانيات دول؟ يا أستاذ؛ شعبنا العراقي متآخٍ فيما بينه وسيبقى هكذا رغم كل المحاولات المستميتة لبث الفرقة فيه وأفضل مثال الهبّة الشعبية الكبرى لأبناء الوسط والجنوب لتخليص إخوانهم الكورد من خطر داعش هذا التخليص الذي واكبه العالم أجمع، أقول: كل مصائب العراق لايَد مطلقاً للمواطن العراقي فيها وإنما هؤلاء المتحكمون الذين هم في السر متفقون على سرقة قوت شعبهم وفي العلن يشتم بعضهم بعضا أو يُعْزيها إلى الشعب نفسه والشعب برئ منها كل البراءة إلا فيما يتعلق بسكوته عنهم. إنّ أكبر مصائبنا أن نبقى نلمّع هؤلاء الفاسدين ونتهم شعبنا الذي برهَنَ مراراً وتكراراً ولا زال على تآخي جميع مكوناته ومساعدة بعضه في جميع أوقات الشدة!

التجارب الخاطئة
Vian Najar -

مقال جميل جداً أستاذ كفاح ذكرني بمآسي تلك الفترة ومشاكلها الغريبة والعجيبة حيث فجأة أمتلأ العراق بجياع وفاسدين وحرامية وحذالة البلدان الذين أفرغوا سجونهم وقللوا مشاكل مجتمعاتهم وأغرقوا العراق بهم . أبتلى العراقيون بهم لأنهم أثروا على الأجيال والمجتمع العراقي ككل ودربوهم على الكثير من أفعالهم الشائنة وأود هنا إعطاء مثل بسيط عن تجربتي الخاصة مع مصري وزوجته المصرية حيث كانوا حراس لعمارتنا عيادة دار السلام والتي عيادتي كانت ضمن عيادات كثيرة فيها . كانت في أعلى العمارة شقة صغيرة سكنوا فيها الزوجان مجاناً وأشتغل الزوج لدى العيادة الجراحية اليومية كمنظف ومعقم . وزوجته عملت سكرتيرة عندي وبراتب محترم طلبته هي ووافقت وكنت لا أفكر بأي موضوع سالب من ناحيتها لحين تم أكتشاف أعمالهم الغريبة من قبل الأطباء الآخرين وتم طردهم من العمارة . تفاجئت يومها بأنهم كانوا يخابرون أهلهم في مصر من تلفون عيادتي واستلمت قائمة بمبلغ ضخم جداً . وكانت وقتها عيادتي حديثة لا أجني منها أي ربح بل بالعكس كنت أنا أصرف عليها . تحياتي وتقديري