كتَّاب إيلاف

معضلة الديمقراطية أم معضلة ترمب؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تزخر الأدبيات السياسية بكتابات ودراسات وبحوث معمقة حول مآلات الديمقراطية في العالم، وتختلف الآراء وتتباين المواقف حول مستقبل الممارسة الديمقراطية في ظل الأدوات والقيم التي ترتكز عليها، ورغم أن معظم هذه الدراسات قد بدأت عقب صعود هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا عبر صناديق الاقتراع، لكن هذه التساؤلات تزايدت بوتيرة متسارعة عقب تولي الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض حتى أن بعض خبراء العلوم السياسية قد أصدروا كتب شهيرة حول "موت الديمقراطية".

وكانت الإشارة الأبرز التي تربط بين أحداث واشنطن والديمقراطية، هي تلك التي وردت على لسان جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي يتحدث باسم 27 دولة هي أعضاء الاتحاد، وقال فيها: "إن الحصار الذي فُرض على مبنى الكونجرس الأمريكي أظهر مخاطر السماح باستمرار تدهور القيم الديمقراطية، وكذا انتشار المعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وأضاف بوريل في تدوينة: "ما رأيناه لم يكون سوى ذروة التطورات المقلقة للغاية التي حدثت على مستوى العالم في السنوات الماضية. يجب أن تكون جرس إنذار لكل أنصار الديمقراطية"، وقال بوريل: "على الجميع أن يدرك أنه إذا قبلنا الانتكاسات بعد الانتكاسات، حتى لو بدت بسيطة، فإن الديمقراطية وقيمها ومؤسساتها يمكن أن تتلاشى في نهاية الطاف وبشكل لا رجعة فيه".

الأساس في النظريات التي تتناول مسألة موت الديمقراطية تبدأ من أفكار عدة منها أن صناديق الاقتراع لا تأتي دائما بالأفضل، بل الأكثر قدرة على الاقناع وليس الأكفأ، وهناك من يشككون في فاعلية الديمقراطية في المجتمعات التي تعاني إشكاليات تنموية مثل الفقر والفساد والجهل والأمية، حيث يستطيع المال السياسي اكتساح صناديق الاقتراع والحكم باسم الأغلبية مسلوبة الإرادة التي لا يعنيها سوى الحصول على قوت يومها وليس التعبير عن صوتها وحقها في الاختيار. اما الخطر الأعظم على الديمقراطية ـ بحسب الكثيرين ـ فيتمثل في صعود الشعبوية والحركات المضادة للعولمة، باعتبارها حركة انعزالية مضادة لحركة التاريخ، وتسعى إلى كبت الحريات ووأد مبادىء حقوق الانسان وتمارس التمييز على أسس مختلفة مثل العرق والدين والجنس وغير ذلك.

في مقابل وجهات النظر هذه، هناك من يؤكد أن عثرة الديمقراطية في ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين لم تتسبب في موت الديمقراطية في هذا البلد، وينطلقون من ذلك للقول بأن تعثر الديمقراطية الأمريكية خلال فترة حكم الرئيس ترامب، ولاسيما في أسابيع حكمه الأخيرة، التي شهدت واقعة اقتحام مبنى الكونجرس رمز الديمقراطية الأمريكية الأعرق، لا تعني موت الديمقراطية الأمريكية، وإن كان هذا لا ينفي أن هناك مؤشرات على أنها ستعاني خلال السنوات المقبلة في ظل دعم أكثر من 70 مليون أمريكي لترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز فيها الرئيس جو بايدن، ويفترض أن غالبية هؤلاء من داعمي أفكاره وتصوراته ومواقفه وسياساته التي تسببت في حدوث فجوة هائلة في المجتمع الأمريكي بل والعالم أجمع.

والحقيقة أنه يصعب مقارنة الحالة الترامبية بغيرها، خصوصاً أن التيارات الشعبوية باتت تكتسح صناديق الاقتراع في دول أوروبا الغربية في السنوات الأخيرة، وقد تسبب ذلك في اثارة القلق حول مستقبل النموذج القيمي الغربي من الأساس وليس على مستقبل الديمقراطية فقط، بحكم عداء هذه الحركات للأجانب والمهاجرين بل والأديان.

الواقع يقول أن الديمقراطية بشكلها المعاصر تعد بالجاذبية التي كانت عليها في عقود سابقة، ليس لأنها تواجه تحديات تقليدية كما كان سابقاً، ولكن لأنها باتت تواجه تحديات من نوع آخر، أنتجها التطور والتقدم والتكنولوجي، فهناك ما يعرف بالديكتاتورية الرقمية، التي تعكس سيطرة عمالقة التكنولوجيا على الفضاء العام وبالتالي امتلاك حق توجيه الجمهور حسبما ترى في مواقف وقضايا معينة، وبالتالي فالأقرب للتصور هو أن الديمقراطية ليست في وضعية "موت سريري" أو اكلينيكي كما يقول بعض المتخصصين والباحثين، بل الأرجح ـ برأيي ـ أنها "تخسر قوتها" ولم تعد في عنفواتها كما قالت مجلة "الايكونوميست" في احد نقاشاتها حول مسألة موت الديمقراطية.

واعتقد أن الإشكالية الأساسية التي تواجه الديمقراطية ـ بجانب تأثير احتكار التقنية على الحريات باعتبارها القيمة الأساس في الممارسة الديمقراطية ـ تكمن في انحسار الايمان بالديمقراطية لدى بعض النخب السياسية الجديدة في العالم، فمن الثابت أنه لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين، والكل يتذكر حين أعرب ترامب عن استحسانه لفكرة البقاء في الحكم إلى الأبد؛ ولكن الأهم برأيي أن الديمقراطية لا تزال منتجاً سياسياً جذاباً في الغرب على وجه التحديد ولم تفقد بريقها بعد، ومصيرها لن يتحدد بظهور ساسة لا يؤمنون بها، لأن ركائزها وأعمدتها راسخة في هذه المجتمعات، ولها إرث يحظي بتوافق واسع بين جميع الأطياف باعتباره إحدى الآليات المثلى لتجنب الصراعات والنزاعات التي تفتح أبواب المصير المجهول للدول والمجتمعات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وما هو البديل عن الديمقراطيه ؟
فول على طول -

وما هو البديل عن الديمقراطيه ؟ الاجابه عن السؤال السابق أهم من الطروحات والتبريرات ..لا تطرح لنا المشكله قبل أن تجد الحل ..انتهى - نعم فان الديمقراطيه بها الكثير من العيوب ولكن ما هو البديل ؟ انتهى - فى البلاد ذات الثقافه العنصريه والعشائريه لم ولن ولا تفلح الديمقراطيه لأنها سوف تأتى بابن العشيره حتى لو كان الأسوأ ..لكن ما هو الحل ؟ أنا لا أعرف الاجابه . فى البلاد ذات التعدد الثقافى والمعرفى والعرقى والتى قطعت شوطا طويلا فى الديمقراطيه لا يوجد أصلح منها . وجود بشر رعاع أو همج فى أى بلد هذا شئ وارد وطبيعى جدا مثل الذين هجموا على الكونجرس مثلا ولكن هذا لا يعنى أن الديمقراطيه الأمريكيه فى خطر أو هى السبب . البشر هم البشر ولا يوجد ملائكه على الأرض ولكن يوجد قوانين تحكم البشر على الأرض . ومن مميزات الديمقراطيه عدم وجود رئيس مزمن أو مؤبد فى الحكم أى حتى لو كان غير كفئ فتغييره سهل فى المره القادمه . لقب الشعبويين لقب مرفوض وغرضه خبيث جدا وهو ارهاب وترهيب أى شعب يخاف على بلده وعلى هويته فى ظل الهجمات الشرسه من المهاجرين وخاصة أتباع الثقافات العنصريه والارهابيه ..سوف يتزايد عدد الشعبويين - كما تسميهم - بشكل كبير خوفا على بلادهم وهذا شئ جيد وحق لهم ولا أحد يلومهم على ذلك . نعم شعر الغرب والامريكيين بالخطر على بلادهم وهذا شئ واضح ولهم الحق فى ذلك ومن يريد انكاره فهو غافل أو يتغاضى عن الحقيقه وعن العدل . تحياتى سيد سالم الكتبى .