السيادة الوطنية في مهب الريح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في كل مراحل التاريخ لم تتدخل القوى العظمى الا حينما أصاب الوهن الدولة وعجزت عن إدارة اختلافاتها الداخلية لوحدها ولم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه شعبها ودائنيها ومُموليها من الخارج.
في هذه الوضعية يصبح الالتجاء الى تحكيم وتدخل القوى الأجنبية في الشأن التونسي حتمية وعنوانا كبيرا لفشل النخب الحاكمة وان عدم الإقرار بذلك هو بمثابة جلد الذات لن يرفع الا من منسوب الألم الناتج عن تحريك السكين في الجرح النازف.
هذا المشهد بكل ما يحمله من قتامة وبؤس ينطبق بلا ادنى شك على الواقع التونسي، حيث اصبحنا نشاهد تحرك السفراء في كل الاتجاهات من اجل لمِ الفرقاء السياسيين حول طاولة الحوار لإيجاد مخرج للعَطل السياسي الذي أصاب البلاد منذ الانتخابات الأخيرة.
الادهى والامر ان ما كان يقال او يذاع خِلسة عن تدخل اجنبي في الشأن المحلي اصبح ملقيا على قارعة الطريق ولا احد اهتم او شجب او ندّد بهكذا تحركات على رقعة البلاد التونسية، كما كان يُفعل سابقا ولو من قبيل ذر الرماد على العيون.
طبعا لا يوجد أي بلد في العالم بما في ذلك القوى العظمى، يمكن ان تعيش في معزل عن الفضاء الكسموبوليتي المُنفتح لكن قدر بسيط من المبادرة والتفاوض يبقى ضروريين لحفظ ماء الوجه.بمعنى ان يختار البلد أولوياته ويحدد سياساته الاقتصادية والاجتماعية وخطه السياسي. وهذا اضعف الايمان.
يُجمع الخبراء الاقتصاديون على ان تخفيض الترقيم السيادي لتونس إلى "ب" سلبي 3 مع آفاق سلبية، أي تراجع حظوظ تونس في الاقتراض من الأسواق الدولية وأيضًا ضعف قدرتها على خلاص ديونها، ماهي الا الشجرة التي تخفي غابة الإفلاس النهائي الذي ترددت وكالة التصنيف الدولي في الإعلان عنه. فوكالة مودريز وبإيعاز على ما يبدو من بعض "أصدقاء" تونس مكنونا من وقت لعب إضافي حتى نتدارك امرنا تثوب الطبقة السياسية الى رشدها لإنجاح ما تبقى من حلم الربيع العربي.
وفي كل الحالات احببنا ام كرهنا، هذه الملهاة لا يمكن ان تَستمر وحتى ولو واصلت السلطة الحاكمة في سياسة الفهلوة والهروب الى الامام لأن مصيرنا ومصيرها وللأسف لم يعد بأيدينا وانما بأدي المانحين والممولين والدائنين.
هذا ما أشار اليه تقرير صندوق النقد الدولي ودون مواربة في تقريره الأخير حول تونس حيث دعا الحكومة التونسية الى خفض فاتورة الأجور والحد من دعم الطاقة لتقليص العجز المالي، و إعطاء أولوية مطلقة للإنفاق على الصحة والحماية الاجتماعية مع دعوته الى مقاومة حقيقية للفساد الى جانب تقليص عدد الموظفين الحكوميين وخفض الدعم الموجه للشركات العامة التي تواجه صعوبات مالية. تأتي هذه التوجيهات في وقت تعيش في البلاد عجز مالي قدره 11.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي وانكماش اقتصادي غير مسبوق بلغ 8.8 بالمائة.
لقد بلغ الآن الصراع والاستقطاب الأيديولوجي منتهاها ولا يبدو ان النخب السياسية سوف تصغي الى لغة الأرقام التي لا تكذب، خاصة بعد ان اختارت النزول الى الشارع وفضلت ان تكون عرائس دمى في يدي التدخل الأجنبي.
اذا لا يبقى امامنا من احتمالات في حسابات الفشل، سوى انتظار السقطة المدوية الكبرى وهي اعلان الإفلاس، أي بلغة بسيطة تهم المواطن، حين يتعذر خلاص أجور الموظفين و العملة واقعا ملموسا وليس فقط مجرد إنذارات وفزّاعات من هنا وهناك. كونوا متأكدين عندما تأتي هذه الساعة، سوف تحتل الجموع الهادرة من الفقراء والمفقرين الشوارع، ويومها لن ينفع جدال حول النظام السياسي ولن يُغني الناس من جوعا ولا عطش تأويل الدستور وغيرها من الخزعبلات التي انتفخت بها بطون التونسيين دون فائدة.