كتَّاب إيلاف

في ذكرى اتفاقية آذار: أربيل- بغداد والمراوحة في المربع الاول! 

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قبل خمسين عاما من الان وتحديدا في الحادي عشر من آذار 1970م، وقعت بغداد واربيل اتفاقية سلام بين الحكومة العراقية وقيادة حركة التحرر الكوردستانية بعد مفاوضات طويلة ومجهدة قادها من الطرف العراقي الرئيس الاسبق صدام حسين، وكان حينها نائبا للرئيس احمد حسن البكر، وبين الزعيم مصطفى البارزاني قائد حركة التحرر الكوردستانية، تلك الاتفاقية التي ارست سلاما بعد سنوات قاسية ومؤلمة من الحرب بين الطرفين، وقد اعتمدت تلك الاتفاقية على منح كوردستان والمناطق ذات الاغلبية الكوردية حكما ذاتيا ضمن جمهورية العراق، ومنحت الاتفاقية فترة انتقالية لمدة اربع سنوات للتطبيع وازالة آثار الحرب ومن ثم تطبيق نظام الحكم الذاتي.

ما حصل للاسف الشديد بعد الاتفاقية باقل من سنة محاولات مأساوية لتدمير الاتفاقية وفي مقدمتها محاولة اغتيال الزعيم البارزاني باستخدام بعض رجال الدين من قبل مديرية الأمن العامة، وما توالى بعدها من فقدان الثقة، وعودة اساليب التغيير الديموغراي للمناطق ذات الاغلبية الكوردية، ومن ثم صياغة قانون للحكم الذاتي من طرف واحد، اقتلع من كوردستان مدن سنجار وكركوك وخانقين وبلدات اخرى ذات اغلبية كوردية عمل النظام على تشويهها ومحاولة سلخها من جسدها الكوردستاني، هذه المحاولات ادت الى فشل الاتفاقية وعودت العمليات العسكرية وكانت بداية لخراب العراق وتدميره بسبب تداعيات ما حدث إثر ذلك.

نعود للمناطق الكوردستانية تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا التي رفض النظام السابق شمولها بقانون الحكم الذاتي وادام فيها عمليات التغيير الديموغرافي وهي مجموعة من أجمل مدن كوردستان العراق، تقع عند التخوم الجنوبية والشمالية الغربية والشمالية الشرقية من الإقليم ابتداءً بسنجار وزمار في الزاوية الشمالية الغربية إلى سهل نينوى والشيخان ومخمور وكركوك في جنوبها وصولاً إلى الزاوية الشمالية الشرقية في مندلي وخانقين وأطرافهما، هذه الحواضر التي نقشت تاريخ حضارة الإنسان بأحرف من نور، تعرضت وخلال أقل من قرن إلى هجمةٍ همجية متخلفة عاث منفذوها في الأرض فساداً ودماراً لعشرات السنين، مقترفين أكثر الجرائم قساوة بحق سكانها الأصليين، حيث التغيير الديموغرافي المتخلف والقانون العنصري المقيت (قانون تصحيح القومية) وتهجير السكان الاصليين ونقل سكان اخرين من مناطق الجنوب والوسط، وعمليات التبعيث القسري الذي طال أناس لا يجيدون حتى لغة الأمة التي أراد البعثيون توحيدها تحت شعارهم المثير (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) فوأدوا أوّل محاولة لتوحيد سوريا والعراق وأعدموا رموزها!

هذه المدن التي عبثوا بتكوينها وأشكالها ومكنوناتها، وأرادوا تقبيحها بأساليبهم العنصرية المقيتة، بتمزيق أوصالها وتعريب سكانها بمشاريع عبثية أنفقوا عليها عشرات المليارات من الدولارات ومئات الآلاف من الضحايا، هذه المشاريع العبثية انهارت خلال ساعاتٍ بعد سقوط نظامهم، وتهاوت أمام حقيقة تلك المدن وهويتها التي أرادوا تغييرها بشكل عنصري، ولكي يثبت سكانها الأصليون وقياداتهم تمسكهم بالقانون واحترامهم له طالبوا بأن تكون كل إجراءات محو آثار التغيير الديمغرافي قانونية ولا تستخدم فيها أساليب قسرية خارج القانون، ولأجل ذلك تمّ تثبيت تلك الإجراءات في قانون إدارة الدولة ومادتها 58 عام 2004م، وبسبب الأوضاع السياسية وتحضيرات الانتخابات وكتابة الدستور مطلع 2005م، تمّ ترحيلها إلى الدستور وتثبيتها في المادة 140 التي وضعت خارطة طريق تتضمن ثلاثة مراحل هي التطبيع والإحصاء ومن ثم الاستفتاء على تبعية تلك المدن بين إقليم كوردستان أو الحكومة الاتحادية، لكن للأسف ومنذ 2005 وحتى يومنا هذا عملت كل الحكومات المتعاقبة على المماطلة في تنفيذ تلك المادة بحجج واهية تؤكد أن ثقافة العنصرية متوارثة للأسف بأشكال وعناوين مختلفة لكنها واحدة في السلوك والتصرف، فقد اتضح أنها متكلسة في توجهات الكثير من الحاكمين الجدد الذين وبعد ما يزيد على 20 عاما أثبتوا بما لا يقبل الشك أنهم ينتهجون ذات الطريق، حيث منعوا تطبيق المادة 140 من الدستور، بل وعملوا جاهدين على إبقاء كل آثار التشويهات التي تركتها الأنظمة السابقة دون أي تغيير يذكر، بل بانت تحضيراتهم في تشكيل قوات مخصصة لاقتحامها واحتلالها بعد أن تحررت في نيسان 2003، وحصل ما لم يتوقعه الجميع حينما اجتاحوها لمجرد خلاف سياسي بين الإقليم والحكومة الاتحادية العراقية، وأقحموا القوات المسلحة والحشد الشعبي وفصائله وبإشراف مباشر من الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومشاركة خبراء ومستشارين ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني في المعارك التي جرت بعد 16 أكتوبر 2017م في كل من التون كبري وسحيلة، في خرق فاضح وخطير للدستور الذي يحرم استخدام القوات المسلحة في النزاعات السياسية داخل العراق، بل ولكل قيم المواطنة والشراكة والتوافق.

ومنذ ذلك الحين تمّ استباحة تلك المدن من قبل ميليشيات طائفية يتحكم في سلوكها التعصب القومي والمذهبي الذي دفعها إلى إعادة كل مشاريع التغيير الديموغرافي والترحيل القسري واضطهاد السكان الاصليين كما يجري الآن في سنجار وكركوك وطوزخورماتو وداقوق وخانقين، حيث تأن هذه المدن من أوجاع الهيمنة التي لا تختلف عن أي احتلال عسكري لدولة أو مدينة، فقد قتل المئات من أبنائها وتمّ حرق مئات المحلات التجارية لأصحابها الكورد، ناهيك عن تهجير مئات الآلاف من سكانها الذين ما زالوا يرزحون تحت ظروف قاسية في مخيمات النازحين، ويخشون العودة إلى مدنهم بسبب الانفلات الأمني وسيطرة الميليشيات على مقدرات تلك المدن التي بدأت منظمة داعش التوغل في مفاصلها لغياب أي خطة أو برنامج لمكافحتها، خاصة وان القوى المهيمنة على تلك المدن منهمكة في عمليات التهريب والتجارة السوداء وتنفيذ أجندات إقليمية لربط إيران بمنابع النفط وسواحل البحر الأبيض المتوسط.

وللأسف الشديد ما تزال هذه المناطق بمدنها وبلداتها تخضع لذات السلوك، رغم اسقاط النظام الذي تسبب في الكثير من مأساتها، وهي اليوم خربة مرعوبة تعيش في ظلام مدلهم من العنصرية والتطرف المذهبي والديني، ترتع فيها خلايا داعش التي أحيتها الميليشيات ثانية، حتى لا يكاد المرء يفرق بين الأثنين، بعد أن عاشت طيلة 17 عاما من الامان والسلام والازدهار.

kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا يصح إلا الصحيح
باسل الخطيب -

أثبتت الأحداث هشاشة الكيان العراقي وعدم تجانسه، وحتى المحاولات المخلصة التي بذلها المغفور له الملك فيصل الأول، لتجسير الهوة بين المكونات التي شكلت منها الدولة، لن تجدي نفعا، ليتواصل التنافر والتجاذبات بينها، كالمد والجزر، لكن هيمنة قوى الإسلام السياسي وتغول ميليشياتها وتوحشها، وتنفيذها اجندات خارجية، ورفضها الآخر، فجر تلك الخلافات بنحو غير مسبوق، ليتأكد بنحو لم يعد يقبل الجدل، صعوبة، إن لم يكن استحالة، بقاء الوضع على ما هو عليه، وان معادلة "سايكس بيكو" باتت منتهية الصلاحية، من هنا لن يصح إلا الصحيح ليأخذ كل ذي حق حقه، لاسيما الكورد، ويشق طريقه ويبني دولته

دمتم بعطاء
ماهين شيخاني -

دمتم ودام يراعكم استاذنا الفاضل , للاسف ما تفضلت به يحصل ومازال الخيانات جارية " وللأسف الشديد ما تزال هذه المناطق بمدنها وبلداتها تخضع لذات السلوك، رغم اسقاط النظام الذي تسبب في الكثير من مأساتها، وهي اليوم خربة مرعوبة تعيش في ظلام مدلهم من العنصرية والتطرف المذهبي والديني، ترتع فيها خلايا داعش التي أحيتها الميليشيات ثانية، حتى لا يكاد المرء يفرق بين الأثنين، بعد أن عاشت طيلة 17 عاما من الامان والسلام والازدهار."

دفعوا ويدفعون وسيدفعون الثمن الباهظ
برجس شويش -

ان كل ما حصل للعراق من مآسي وصراعات وحروب وفتك ودمار وعدم الامن والاستقرار, بكل بساطة, كان بسبب عدم حل قضية شعب كوردستان كما كان يجب, والدولة العراقية لازالت لا تريد عن سابق اصرار حل الملفات والقضايا المصيرية التي تهم شعب كوردستان وحقوقه وارضه, ولهذا , العراقيون يدفعون وسيدفعون الثمن الباهظ كما دفعوا سابقا ان بقت قضية شعب كوردستان على حالها,لان شعب كوردستان لن يتوقف عن نضاله و تقديم تضحياته من اجل ارضه وحقوقه المسلوبة والمغتصبة.

معشعش في عقلهم الباطن
يوسف سرحوكى -

بدلا من أحتواء القضية الكوردية سلميا وعقلانية لجأوا لمسحها بقوة السلاح وابتلاعها بشكل كامل وقتل خصوصية الكورد نهائيا بتعريب مناطقهم وترحيلهم الى المناطق العربية لتغير فكرهم وأيدلوجياتهم كي ينصهروا في بودقتهم لدرجة سميت سيئاتهم وتجمعات يمكنهم القسري بأسماء غير كوردي كما و منع تسمية أبناء الكورد .. المواليد الجدد .. بأسماء كوردية والدالة لخصوصيتهم التي لايتنازل الكوردي عنه مهما دفع الثمن وبعد 2003 بانت عورتهم وعاد الكورد ليعلنوا جهارا بأن لهم فم ودم لا يمكن تغيرهما مهما اشتدت مدافع الزمن ومهما أستقوت الجبابرة في ظلمهم وقتلهم وتشتيتهم وتفتيت صفهم فالكريم يبقى كريما مهما حاولوا قتل كرامته ويبقى العزيز عزيزا كيمفا حاولوا إذلاله . بعد 2003 استبشرنا بالخير لكن تلك العقلية ونفس الفكر وبالأساليب مختلفة باقية لان ذلك الفكر معشعش داخل عقلهم الباطن كلما سمح لهم الفرص لإخراجه بعنجهية وتعجرف وقساوة لا حدود لها . فكم من حاول مسح الكورد نهائيا تم مسحهم الزمن أفلا يعقلون ؟! أفلا يعتبرون ؟! بأن الكورد جبال لا يمكن لأحد من البشر مسحم بإزالة بعض حصوات منه . دمت ودام نبضك أستاذنا العزيز

يبقى نفس الفكر
يوسف سرحوكى -

بدلا من أحتواء القضية الكوردية سلميا وعقلانية لجأوا لمسحها بقوة السلاح وابتلاعها بشكل كامل وقتل خصوصية الكورد نهائيا بتعريب مناطقهم وترحيلهم الى المناطق العربية لتغير فكرهم وأيدلوجياتهم كي ينصهروا في بودقتهم لدرجة سميت اشيائهم وتجمعات سكناهم القسري بأسماء غير كوردية كما و منع تسمية أبناء الكورد .. المواليد الجدد .. بأسماء كوردية والدالة لخصوصيتهم التي لايتنازل الكوردي عنه مهما دفع الثمن وبعد 2003 بانت عورتهم وعاد الكورد ليعلنوا جهارا بأن لهم فم ودم لا يمكن تغيرهما مهما اشتدت مدافع الزمن ومهما أستقوت الجبابرة في ظلم الكورد وقتلهم وتشتيتهم وتفتيت صفهم فالكريم يبقى كريما مهما حاولوا قتل كرامته ويبقى العزيز عزيزا كيمفا حاولوا إذلاله . بعد 2003 استبشرنا بالخير لكن تلك العقلية ونفس الفكر وبالأساليب مختلفة باقية لان ذلك الفكر معشعش داخل عقلهم الباطن كلما سمح لهم الفرص لإخراجه بعنجهية وتعجرف وقساوة لا حدود لها . فكم من حاول مسح الكورد نهائيا تم مسحهم الزمن أفلا يعقلون ؟! أفلا يعتبرون ؟! بأن الكورد جبال لا يمكن لأحد من البشر مسحهم بإزالة بعض حصوات منه . دمت ودام نبضك أستاذنا العزيز