كتَّاب إيلاف

لا أغلبية حاكمة في العراق!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يذهب البعض من الكتل السياسية منذ سنوات الى موضوع استخدام صيغة الأغلبية في اتخاذ القرارات او التشريعات بديلا عن صيغة التوافق بين المكونات الرئيسية في البلاد العراقية، وفي بيئة سياسية غير مكتملة التكوين خاصة في بناء المؤسسة التشريعية التي ما تزال تعمل بنصف هيكلها مع غياب مجلس الاتحاد الذي يعتبر فلتر امان لجميع المكونات، وبغيابه وتعطش الكتل الكبيرة الى تكريس نظام شمولي اتضحت ملامحه بعد اكثر خمسة عشر عاما من اختراق كل مفاصل الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية بالشكل الذي حولها الى نظام اقرب ما يكون الى نظام الحزب الواحد ولكن بصيغة المذهب الواحد، وهذا يتجلى واضحا فيما عُرف في السنوات الأخيرة بالدولة العميقة التي تسيطر على مقاليد الحكم بشكل متشدد بمساندة اذرع عسكرية تكاد تكون بديلا للمؤسسة العسكرية والأمنية بل تتفوق عليها في العدة والعدد، اما من خلال هياكلها او من خلال اذرعها الممتدة في جسد المؤسسة العسكرية والأمنية، وهكذا يمكن لنا أن ندرك هذا التنظيم الشمولي للنظام السياسي الذي يحاول قادته فرض نظام الأغلبية لتعزيز او شرعنة هذا الشكل من الدكتاتورية.

في العراق حاولت الأنظمة إضافة اكسسوارات زينة شكلية على هيكل ادارتها بصناعة أدوات زينة سياسية على شكل افراد او أحزاب كارتونية يفترض انها من مكونات أخرى غير الحاكمة لكنها سرعان ما انكشفت ولم تنطلي على الأهالي حتى انهيار نظام صدام حسين الدكتاتوري وسقوط تلك الصيغة الأحادية التي حكمت البلاد ما يقرب من ثمانين عاما منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث بدأت مرحلة جديدة لوضع أسس نظام يعتمد في تكوينه على مشاركة كل المكونات القومية والدينية والمذهبية والعرقية، بما يؤسس تدريجيا لدولة المواطنة في ظل دستور يضمن حقوق كل المكونات ويحقق بقاء البلاد اتحادا اختياريا بين كل هذه الأطراف في نظام فيدرالي يمنحها حقوقها في الإدارة الذاتية وبتوافق اتخاذ القرار الاتحادي بما لا يدع مجالا لأي انفراد أو تفرد على حساب الآخرين، ولأجل ذلك كانت التوافقية التي ميزت طبيعة الحكم طيلة السنوات المنصرمة وحافظت على وحدة البلاد وعدم تجزئتها.
ان طبيعة تكوين الدولة العراقية وشكل نظامها السياسي منذ تأسيسها وما تخللها من صراعات وحروب وإقصاء وظلم كارثي كبير ترك آثارا بالغة، لا يسمح بأي شكل من الأشكال قيام أغلبية تتفرد بالحكم مرة أخرى، سواء كانت سياسية أو قومية أو دينية مذهبية، حتى وان كانت من الناحية العددية تتفوق أو تتجاوز المكونات الأخرى، فالعراق يتكون وواقع حاله منذ تأسيسه من الناحية الدينية بأكثرية عددية مسلمة منقسمة الى مذهبين رئيسيين، يعقبها الديانة المسيحية فالايزيدية والصابئة واليهود، ينتمون في أصولهم وقومياتهم إلى أكثرية عربية وكوردية تشاركهما مكونات أخرى من الآشوريين والتركمان والكلدان والسريان والأرمن، حيث أظهرت السنوات الماضية ونتائج الانتخابات العامة الأخيرة ثلاث اصطفافات واضحة جدا تتكثف فيها ثلاث تكتلات مذهبية وقومية هي: الكتلة الشيعية والكتلة الكوردستانية والكتلة السنية، التي تمثل مكونات العراق الرئيسية، ورغم وجود تداخلات في المكونات الثلاث كوجود كوادر شيعية في الكتلة السنية والكوردستانية، أو الكوردية والتركمانية في الكتلة الشيعية وكذا الحال في الكتلة الكوردستانية الذي تضم مكونات غير كوردية مثل الاشوريين والتركمان والكلدان والسريان والعرب، إلا أن واقع الحال وما يجري من تجاذبات وصراعات يمثل حقيقة المكونات الرئيسية للبلاد التي تتوزع جغرافيا ايضا حول العاصمة بغداد، في الجنوب والفرات الأوسط، والغرب وبعض من الشمال والشرق، والشمال مع بعض من الغرب والشرق لتكون اقاليما جغرافية وتاريخية متناسقة ومتجانسة، تتوحد جميعها حول عاصمة تاريخية لا تقبل ثقافتها الا أن تكون ملكا لكل المكونات والأديان والمذاهب، تلك هي بغداد التي تتقاسم فيها اليوم المكونات الرئيسية والأخرى مواقعها الاتحادية في السلطات الثلاث بطواقم مترهلة ومتداخلة بغياب إعلان الفيدراليتين الاخريتين في كل من الجنوب والفرات الأوسط والغرب مع التلكؤ في حل مسألة المناطق المتداخلة بين إقليم كوردستان ومحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين.
وعودة سريعة الى بدايات تكوين الدولة العراقية بعد اتفاقية سايكس بيكو وتحديدا انطباعات اول ملك تم تكليفه بقيادة هذه الدولة وبناء هياكلها، حيث أوجز الملك الهاشمي فيصل الأول انطباعه بما يلي:
" إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملّية والدينية، فهي والحالة هذه، مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت، أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسّيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل، والموازنة، والقوة معا، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة، تستوجب الرد."*
وللأسف الشديد لم يكن حكام البلاد حكماء الى الدرجة التي يدركوا حقيقة مكونات العراق لكي يؤسسوا بموجبها دولتهم العتيدة، فاستولت مجموعة لكي تهمش الأخرى وتلغي وجودها أو تستعبدها طيلة عقود سوداء من التكوين الخطأ، دفعت البلاد والعباد الى الدمار والخراب في حروب عبثية في الداخل والخارج، حتى تعرضت البلاد الى الاحتلال الكامل طيلة ما يقرب من عقد من السنين، وهي ما تزال تأن تحت جراح الاحتراب غير المعلن والاختلاف الشديد حد التنازع بين مكوناتها الأساسية، التي ما زالت بعض النخب السياسية فيها تتغنى بعراق مركزي تنصهر فيه كل مكوناته لصالح ما يسمى بالأغلبية السياسية تارة والقومية تارة أخرى والمذهبية تارة ثالثة، وفي كل هذه الادعاءات يكون اتجاهها واحد بالتأكيد هو غير العراق الديمقراطي الاتحادي التعددي!؟
خلاصة القول لا اغلبية حاكمة في العراق لأن رديفها الدكتاتورية واقصاء الشركاء الاخرين، ولا بديل للنظام الفيدرالي او الكونفدرالي لأعادة بناء دولة عصرية تقوم على أساس المواطنة الصحيحة والشراكة الحقيقية.
ــــــــــــــــ
*عن الجزء الثالث من تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني، من ص 300 وما بعد.

kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا اغلبية حاكمة
د. سفيان عباس -

احسنت ... رؤية موضوعية وتشخيصية منطقية للواقع السياسي العراقي في التاريخ المعاصر . من الواضح في وحدة موضوعك ( لا أغلبية حاكمة في العراق ) . ان مفهوم الأغلبية يعني على وفق تفسير المنطق السياسي للكتل الشيعية بأنها الأغلبية المذهبية الطائفية التي افرزتها الدولة العميقة تحت حراب ميلشياتها . هذه الأغلبية غير دستورية والاسس التي تأسست عليها عقائدية همشت المكونات الكوردستانية والسنية وباقي الأقليات الدينية والقومية ودفعت بالعراق الى المجهول . ولهذا خادعت الكتل الشيعية بقية المكونات في اثناء كتابة الدستورية فيما يتعلق بالمادة 65 من الدستور الخاصة بمجلس الاتحاد . لو كان موجودا لما سمح بهذه المهزلة السياسية والطائفية ... فأن المخادعة تمحورت في المادة 137 من الدستور وهذا نصها .. (يؤجل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد اينما وردت في هذا الدستور إلى حين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين بعد دورته الانتخابية الاولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور.) . فالواضح من النص يؤجل العمل بالمواد الخاصة بمجلس الاتحاد لحين صدور قرار من مجلس النواب ... مجلس النواب لا يمتلك صلاحية دستورية لا صدار القرارات التشريعية حسب تفسير المحكمة الاتحادية بموجب للمادة 61 ... اذاً كيف سيشرع قانون في مجلس الاتحاد ...؟ هذه الأغلبية وظفت الدستور من أجل هيمنتها المطلقة على السلطة وتهميش المكونات الرئيسية . وقد ركلت عرض الحائط المواطنة والفدرالية والديمقراطية وراحت تنهب خزينة الدولة كيفما تشاء . واصبح العراق دولة الميلشيات فحسب ...وعليه لا خيار أمام العراق اما الفدراليات أو التقسيم برعاية أممية ...؟ .خصوصا ان ايران قريبا سوف تتخلى عن الميلشيات في الشرق الأوسط تحت الضغط الأمريكي ... أبدعت اسد كوردستان كعادتك بفكرك الوهاج وثقافتك العميقة ...

حكم الاغلبية
برجس شويش -

اذا حكمت الاغلبية الشيعية العراق فان قواها السياسية ذات الايديولوجيات الطائفية ستفرض دكتاتوريتها على شعب كوردستان وعرب السنة, لا يمكن ان يقبل شعب كوردستان ولا عرب السنة ان يسلموا مصيرهم السياسي والوجودي الى من هم بالاساس يسيئون الى مكونهم الشيعي بقمعهم له ونشر الفساد في وسطه والعمل على خدمة اجندة دولة الملالي الايرانية.حكم الاغلبية يعني ان القوى الشيعية الغنية عن التعريف في ايديولوجيتها الطائفية وتبعيتها لملالي ايران وسوء ادارتها للحكم وفسادها وفلتانها ستسير العراق حسب رغباتها ومصالحها وستصرب عرض الحائط كل استحقاقات شعب كوردستان وحقوقه وستسلك كل السبل لفرض ارادتها على شعبنا وكذلك على عرب السنة والمكونات الاخرى. لا حل بدون كونفدرالية يتساوى فيها الحقوق والمسؤوليات بين كوردستان والشيعة وعرب السنة او التقسيم الودي.

دستور فاشل
DrKifah -

النظام نفسه فاشل ودستور لا يلبى طموح الشعب وهو من افشل الانظمة بالعالم ناهيك عن ولاء الكتل السياسية للدول الاجنبية

دستور فاشل
DrKifah -

النظام نفسه فاشل ودستور لا يلبى طموح الشعب وهو من افشل الانظمة بالعالم ناهيك عن ولاء الكتل السياسية للدول الاجنبية

الدولة العميقة
يوسف سرحوكى -

أغلب الدول المتقدمة فيها .. دول عميقة .. هدفها الحفاظ على سيادة البلاد أرضا وسماءا وبحرا وبجميع الاختصاصات العسكرية والسياسية والاقتصادية وكل مرافق الحياة تهم وحدة البلاد وكرامتها وسيادتها حيث تعمل لتصحيح أخطاء الحكومة المعلنة والظاهرة التي تحكم البلاد هذا هو المفهوم الحقيقي الصحيح للدولة العميقة لكن داخل العراق وجدت دول باسم الدولة العميق فدولة المالكي أقواها عسكرة وسياسة ومادة وسيطرة وهي التي بدلا أن تبني البلاد هدمتها بكل أشكال الهدم حيث زرعت روح الطائفية المتطرف والمتشدد داخل عقول الذين ظلموا فأسغل ذلك الظلم والمظلومية لصالحه ولصالح دولته التي لا تنتمي للعراق بأي صلة ولا تعمل لأجله بأدنى خصوصية تحترم المواطن وكرامته حيث أهان السنة بشكل مقيت بحجة البعث ونظامه وظلمه وافقار مناطق الجنوب ليلتحقوا به وبدولته حاول إسقاط حكومة الإقليم وافشال تجربتها الناجحة بحجج واهية لا أساس الوج وودي لها ذلك بتمويه فكر الشارع العراقي ضد الإقليم بأن الإقليم تأخذ حصة البصرة لإعمار مناطقهم ليخفوا فشلهم الفاضح لإدارة الدولة المتنوعة الأديان والمذاهب والأعراق وتبعته الآخرون نفس الفكر والمنهج . ومازالت تلك الدولة العميقة .. الهدامة .. تتحكم بمقادير الدولة الحقيقية الفدرالية دستوريا على عكس الدول العميقة للدول المتقدمة والمتطورة .دمت ودام نبضك استاذ كفاح

على خطى الدكتاتورية
عمار محمد سليمان -

التفرد بالسلطة من صفات الشخصية الشرق أوسطية.. من أتى إلى سدة الحكم بعد عام ٢٠٠٣ لم يتعض بمن حكم العراق أكثر من ٣٥ عام،،، ولا أشك للحظة واحدة أن المصير سيكون مطابق.... ولكن أنّا يفهمون

الشيعة فعلوا ما لم يقم به صدام في كركوك
卡哇伊 -

هل جرائم الشيعة والدعم الا مريكي كفيل بانعاش الكيان مرة اخرى؟

وما هي نسبة الاقليات في للنخب الحاكمة في اربيل ؟؟
واحد -

وما هي نسبة الاقليات في للنخب الحاكمة في اربيل ؟؟نسبة الكرد في العراق اقل من ١٠ بالمئة ويريد قزم اربيل ان يتحكم باربعين مليون وجنابه الكسيف لا يشارك في حكومته الا افراد عائلته النتنة وبعض الطبالين من خدمه ولكنكم تخافون النظر في المرايا

الحقيقة
اكرم -

عزيزي الأستاذ كفاح، ، ماذكرته يجسد الحقيقة المرة التي يرفض الكثيرين الإعتراف بها، لكن أختصر فيما يتعلق بالشأن العراقي، ، كافة الجهات التي ذكرتها في تقريركم والتي لم تذكرها، كلهم مستفيدين وكل جهة تكون لقمتها حسب فتحة فمه، لذلك لايهمهم لا مصلحة الوطن ولا المواطن إنما الأهم هي المصلحة الشخصية الضيقة، لذلك لم ولن يكترثوا بتطبيق القوانين الدستورية ، فقط هم كالخنازير يسيرون في دربهم وانيابهم تبحث في الأرض، ، وأقرب مثال هو إعتماد قانون الاقتراض، ، والكل يتكاتف في جمع الغنائم على حساب الطرف الأضعف.. تحياتي