كتَّاب إيلاف

الديمقراطية وتحديات الاستبداد الاجتماعي والديني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يُرجع الكثير من علماء النفس والاجتماع ظواهر الانتهازية والتدليس، وما يرافقها من كذب واحتيال الى الخوف سواء ما كان منه في السنوات الأولى لحياة الانسان وتكريسه تربويا، او نتيجة منظومة الاستبداد الاجتماعي والتربوي والديني الذي أنتج جملة من العادات والتقاليد التي تقف بالضد من أي محاولة للحداثة ودمقرطة المجتمع والنظم السياسية. ورغم انها أي الانتهازية كسلوك اجتماعي أو سياسي من انتاج الخوف والرعب الذي تولده الانظمة القمعية الدكتاتورية منها وحتى بعض النظم الديمقراطية، وهي في واقع الحال واحدة من اخطر الظواهر التي أفرزتها تلك الأنظمة الى جانب الاستبداد الاجتماعي والتربوي على مستوى الاسرة والمدرسة، صفا بصف مع منتج آخر للخوف وهو الكذب وفقدان الثقة بالنفس وبالآخر، حيث اصبحت الانتهازية والتملق والتزلف بنات شرعيات للكذب السائد في مجتمعات الأنظمة الشمولية والبوليسية التي تحتضنها بين طيات تكوينها القبلي والعشائري أو في مؤسساتها الإدارية وصولا إلى قمة الهرم، وقد دفعت البشرية خسائر فادحة حتى استطاعت مجتمعاتها المتحضرة حل هذه الإشكالية بالتربية الحديثة والديمقراطية الاجتماعية والسياسية واحترام حقوق الإنسان بصرف النظر عن العرق والدين واللون والجنس.
لقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجس إلى درجة الخوف من الآخر بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، تسبقها دوما سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة.
لقد مارست الطبقة الحاكمة سواء كانت فردا أو حزبا أو شريحة اجتماعية، ضغوطا هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة وخير مثال على ذلك تلك المجاميع التي أنتجها النظام الدكتاتوري من خلال مؤسساته القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم منذ بدأ حقبة الانقلابات في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وايران والسودان وبقية الدولة الاخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارات المحافظات والمدن وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة.
وبدلا من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والأغا وأحيانا كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين إلى مستويات اعلي وأكثر تطورا، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي وأحيانا كثيرة الاقتصادي السابق لها إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرف.
وخلال عقود قليلة تحولت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشارا من غيرهم في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدة سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن بحثا عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية تستغل سذاجتها لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة.
إن الديمقراطية ليست تداولا سلميا للسلطة من خلال صناديق الاقتراع في مجتمعات مشتتة الانتماءات والولاءات، بقدر ما هي عملية إحداث تغييرات اجتماعية تربوية جذرية تشمل كل مناحي الحياة وطبقات المجتمع، وبخاصة ما يتعلق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، وتحديث أساليب التربية والتعليم والانتقال من التلقين وصناعة القطيع إلى التربية النقدية والمبادرة وحرية التعبير وقبول الآخر المختلف، وإزاء ذلك لا يمكن إتمام أي عملية تحديث مع وجود مد عشائري في ثقافته وسلوكياته وتركيباته وطغيانه على النظم الاجتماعية والسياسية، وستبقى هذه المظاهر من اكبر التحديات والمعوقات الحقيقية في طريق إحداث أي تغيير باتجاه بناء مجتمع مدني ديمقراطي.

kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الديمقراطية ليست الترياق الاكيد
متابع -

الديمقراطية الغربية الآن في مأزق و محل مراجعة من كبار المفكرين في الغرب ، حيث فشلت على صعيدين ، العدالة الاجتماعية حيث تستاثر من واحد الي خمسة بالمائة من السكان بالثروة و حيث يموت احدهم عن مليارات ، فيما تعاني الاغلبية من العوز ، يتمظهر ذلك في نسبة الفقر بالدول الصناعية العظمي و في اعداد المهمشين من النساء والاطفال والشيوخ وحتى الرجال القادرين على العمل ، والمظهر الثاني في عجز الديمقراطية عن القضاء على الفساد بكافة اشكاله الاقتصادي والمالي والسياسي والقضائي والحزبي والثقافي والاجتماعي .. إن العدالة بمعناها ومستواها الواسع ، عندي افضل من الديمقراطية التي ما توكل خبز ..

الديمقراطية وتحديات الاستبداد
د. سفيان عباس -

احسنت… لو عدنا قليلا الى مرحلة حكم الدولة العثمانية للدول العربية سوف نجد كل ما طرحته في وحدة موضوعك من تجهيل الشعوب الاسلامية . من خلال حكم السوط والتعنيف واهانة الكرامة والفقر والجوع والعوز والجهل والتخلف والحرمان . كل هذه المعيبات خلقت هياكل اجتماعية متهرئة نقلها لنا الاجداد والاباء بالتواتر ضمن طاقاتهم العقلية المحدودة وهي افرازات الاستعباد العثماني التي يفصلها عن التمدن والتحضر البون الشاسع .. حين انعدمت المؤسسات التعليمية بكل مراحلها وانكب الناس للتعلم على ما يسمى بالكتاتيب المليئة بالهلوسة والاساطير الخرافية ..من هنا برز الشيخ ورجل الدين المتخلف والاغا الاكثر امية… كيف لنا بناء الشخصية الحضارية في ظل هذه المعطيات التاريخية الكأداء في الوقت الذي من بديهيات السلوك التربوي نتلقاه ابتداء" من عنابر الاسرة ..فكيف اذا كان الجد اميا لا يقرأ ولا يكتب وكذلك الاب… حينما دخل الانكليز بعد الحرب العالمية الاولى في مطلع القرن العشرين احدثوا ثورة تعليمية جبارة .لكنها لم تستطع معالجة التجهيل العثماني على مدى خمسة قرون ..ولهذا ظهرت هذه الانماط الاجتماعية التي افرزت الساسة والقادة والعسكر ومجاميع لا يحصيها عد من القطعان الغوغائية ..فالعوق الاجتماعي تحكمه عناصر الاستعباد العثماني ومقومات التآصيل التربوي… فالخلل البنيوي في المجتمع العراقي لا يمكن اصلاحه بسهولة لقد تجذر في الاعماق ..نحتاج الى عشرات بل مئات السنين لكي نتخلص من هذا العوق المستدام… بورك قلمك مبدعنا الكبير…

بدأت من زمن بعيد
محمد سيف المفتي -

بدأت هذه التغيرات التي تطرقتم اليها منذ زمن بعيد وتفاقمت مع تعزيز النظام السابق للنظام العشائري. طرحك يأخذني الى ما قاله علي الوردي(( الإنسان العراقي أقل تمسكاً في الدين وأكثرهم إنغماساً بين المذاهب الدينية فتراه ملحداً من ناحية وطائفياً من ناحية أخرى)) الانسان العراقي لا يؤمن بالديمقراطية والحياة المدنية بدليل انغماسه بالتقاليد العشائرية ودفاعه عن الفئوية والتفافه على القانون مما يقوض الحياة المدنية والنظام الديقراطي. الغريب أنه يشعر بالاهانة لو قلت له أنك غير ديمقراطي.

الديمقراطيه لا تصلح للقطيع
فول على طول -

قيادة القطيع تتطلب كلاب حراسه وعصا غليظه ..انتهى - شعوب تربت على التكفير والكراهيه ورضعت الارهاب والعنصريه وأصبحت همجيه بالبفطره نتيجة تعاليم دين الفطره ....لا يبصلح معها أى تطور ..شعوب عندما تقوم بالثوره تطالب بالرجوع الى القرون السحيقه ..ربنا يشفيكم يا بعدا .