كتَّاب إيلاف

العراق بين شماعتين!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

منذ سقوط النظام الملكي وبدء حقبة الانقلابات وما رافقها من أنظمة الحكم الشمولي الفردي أو الحزبي أو الطائفي وحتى يومنا هذا، انتصبت في مسرح السياسة العراقية عمودياً وأفقياً شماعتين يعلق عليهما الحاكمين مبررات وجودهم على كرسي الحكم وضرورة بقائهم مع بقاء تلك المبررات، والشماعتين إحداهما إسرائيل وما يلحق بها من مصطلحات الإمبريالية والصهيونية والاستعمار، والشماعة الثانية البعث وداعش، ويكفي اتهامك أو وصفك أو تعليقك بإحدى هاتين الشماعتين حتى ترى طريقك إلى الجحيم دون محكمة أو محامي دفاع!

في الشماعة الأولى ومنذ 1958، تمّ تعليق آلجاف مؤلفة من العراقيين بمختلف مشاربهم السياسية من أقصى اليمين وحتى أقصى اليسار على مشانق هذه الشماعة لكونهم كانوا معارضين إما للزعيم الأوحد أو للقائد الضرورة، ومن نجى بنفسه ترك البلد مهاجراً إلى كل أصقاع الدنيا، أو قُتلَ مناضلاً وهو يقاوم تلك العقلية الطاغية، ويتذكر العراقيون كورداً وعرباً سنةً وشيعة مسيحيين وايزيديين وبقية المكونات أن تلك الأنظمة لم ترحم أياً منهم لكونه من مذهب الحاكم أو قوميته أو حتى منطقته إذا كان معارضاً، حيث عُلق الجميع على مشانق تلك الشماعة، التي أتذكر واحدة من أكثرها بؤساً وسخريةً في صيف 1972م، حيث أطلق هاربين قرويين من الخدمة العسكرية النار على سيارة شرطة أعتقدوا أنها تتجه إليهم دون أن يعرفوا من في داخلها، وكان في حينها قائمقام أحد الأقضية يقوم بزيارة قرية صغيرة في أحد الجبال القريبة من المدينة وقد أردوه قتيلاً، ظناً منهم أنها (أي سيارة الشرطة) تلاحقهم، بعد ساعات من الحادث صدر بيان من الحكومة يقول بالنص إن ”عملاء الصهيونية والشركات الاحتكارية، قاموا باغتيال الرفيق القائمقام”، والغريب أن نائب رئيس البرلمان العراقي بعدما يقرب من نصف قرن من هذه الحادثة يتهم (أزلام النظام السابق بتخطيط وتنسيق مع داعش) بحرق مستشفى ابن الخطيب!!؟

أما الشماعة الثانية التي جاءت بديلاً معدلاً عن الأولى بعد 2003 فهي تتضمن تهمتين جاهزتين، وهما البعث والنظام السابق ومن ثم داعش وما يتبعهما، وقد صمموا للاثنتين قوانين هلامية قابلة للتأويل كيفما يشتهي الحاكم، هما المادة 4 إرهاب، ويقع ضمن تعريفاتها أو تأويلاتها إمكانية اعتقال أو تغييب شخص أو آلاف الأشخاص دونما تحقيق ولمجرد الاشتباه، والقانون الثاني الاجتثاث وما يتبعه من توجيه اتهام لأي شخص أو مجموعة بأنهم كانوا ضمن أو مع النظام السابق وحزبه، وقد أدى ذلك إلى تدمير مستقبل مئات الآلاف من الأشخاص والأسر التي إما هاجرت تاركةً كل شيء وإما أنها تعيش ضنك الحياة والملاحقة وقطع الأرزاق.

هذه التراجيديا السايكولوجية المليئة بمركبات النقص والخوف والرعب من أعداء مفترضين لا وجود لهم، أدت إلى نشوب حروب تدميرية أوصلت واحد من أثرى دول الشرق الأوسط وأكثرها ثروات ومعرفة إلى أفشل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي في المنطقة والعالم، والأخطر أن هذه الشماعات أصبحت من أهم المرتكزات في التركيب النفسي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات حتى اطأمسى الشك والتوجس والخخوف يستحكم في الكثير من سشلوكهم بعد أن استشرت هذه الظاهرة واتسعت حتى غدت جزءًا من التركيب النفسي لملايين المواطنين على المستوى الاجتماعي في التعاطي مع كثير من الظواهر ومفردات النشاط اليومي للإنسان.

إننا أحوج ما نكون إلى عملية تغيير اجتماعي تربوي جذري أكثر من حاجتنا إلى إصلاحات ترقيعية في الهياكل السياسية ومؤسساتها التي ينخر فيها الفساد، فالمرض المستشري وجروحه قد لامس العظام!

kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العراق بين شماعتين
د. سفيان عباس -

احسنت ... الشماعتان تنم عن هلوسة القائمين عليها من قادة وساسة ومصدر القرار العسكري والمدني منذ تأسيس الدولة العراقية حتى يومنا هذا . ولها دلالات على ان هؤلاء اشباه الرجال ليسوا رجالا وغير مؤهلين لتبوأ ادنى المسؤوليات في قيادة الامة ... استطيع وصفهم بأنهم ثلة من المجرمين الفاسدين لا دين لهم ولا مذهب ولا مبادئ ... حينما يوجهون هكذا تهم باطلة للمعارضين لنهجهم الدموي من الشرفاء يعني بالضرورة انهم قد ركلوا التشريعات الدستورية والقوانين العقابية عرض الحائط التي ضمنت حق الدفاع المقدس في اثناء المحاكمات .. بالرغم من ان الكثير من المتهمين الأبرياء قد اعدموا دون ذنب ارتكبوه أو محاكمات عادلة اقرتها العهود الدولية من جراء هكذا تهم ... ولي مقارنة أخلاقية لا بد منها قد ذكرتها في اغلب مؤلفاتي ... القادة الكورد وعلى رأسهم الجنرال الخالد الملا مصطفي البارزاني ووريثه الشرعي في النضال فخامة الرئيس مسعود بارزاني كيف تعاملوا مع شعبهم منذ انطلاق الحركة التحررية الكوردستانية في بداية القرن العشرين ولحد الآن ... كلامي الى القارئ الكريم ... ارتكبت ابشع الجرائم الدولية بحق شعب كوردستان من جرائم الإبادة جماعية وضد الإنسانية حتى وصل عديد الشهداء الى اكثر من مائة وثمانين شهيدا ... ولكن كيف تصرفت القيادة السياسية برئاسة فخامة الرئيس مسعود بارزاني بحق المعارضين لها من العرب والكورد ...فخامة الرئيس مسعود بارزاني ... عفى عن الفرسان ... لم يطبق قانون المساءلة والعدالة .. لم ينتقم من النظام السابق مع العلم اعدم اكثر من ثمانية آلاف شهيدا من عائلته وعشيرته ... احتوى المعارضين لكل الأنظمة السياسية العراقية بما فيهم النظام السياسي الحالي صاحب شماعة التهم الجاهزة ( بعثي . داعشي . صهيوني . إرهابي ...الخ ) . طرح شعار عفى الله عما سلف وترك أمر ازلام النظام الى القضاء فحسب ... هكذا يتصرف رجال الدولة والتاريخ ....عاشت اناملك اسد كوردستان البار

تصحيح
د. سفيان عباس -

تصحيح في تعليقي السابق أكثر من مائة وثمانين الف شهيد

اوهام قادة العراق
جواد الديوان -

سيدي احسنت، اوهام قادة العراق في العداء لهم والتامر ضدهم ينسحب لمعيتهم في الاجهزة التابعة لهم بكل عناوينها. ويلعب الخيال في حبك القصص لتصل رقاب الناس للمشانق. ان الاوهام والهلوسات بانواعها سمعية وبصرية تدفع باحتمال كبير لاصابة قادة العراق ومنذ منتصف القرن الماضي بالجنون

جاءوا للانتقام
حسن صالح -

من خلال التجربة الديمقراطية العراقية المزيفة اتضح أن سياسيوا النظام الذين اتو بعد صدام لم يأتوا ليبنوا العراق بل لينتقموا وهو ذات النهج الذي تبعه الانظمة السابقة التي حكمت العراق فينبغي للدولة الديمقراطية ان تعطي نفس الفرصة للخصوم السياسيين لا أن تجتثهم . والجميع يعلم لم يكن كل البعثيين سيئين لا وبل ان أغلب الطبقة السياسية الحاكمة كان لهم سوابق في تخريب المؤسسات العراقية ومساندة جهات معادية للشعب العراقي وليس البعثكان يفترض ان تخصص محاكم لمحكمة المجرمين الذينةتلطخت ايديهم في دماء العراقيين اما الاجتثات يعني حرمان شريحة واسعة من حق الاشتراك في العملية السياسية بدون مسميات حزبية أو جهوية ان التشبث بالشماعات الإمبريالية والصهيونية والبعثية هي ضمان استمرارهم في الحكم والسلطة، لانهم يعلمون تفكير ونوعية جماهيرهم السذج الذين يقبلون بالذل والمهانة من حاكمه المذهبي مجرد أن ترفع لهم شعار عنصري بين قوسين الدفاع عن المذهب