كتَّاب إيلاف

الشرق الاوسط والديمقراطيات المسخ!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في عموم الشرق الاوسط ومنذ تأسيس كياناته السياسية ناضلت القوى السياسية، من أقصى اليسار الى أقصاها في اليمين، من أجل الديمقراطية في دول أنتجتها توافقات غربية ومصالح الدول المنتصرة في الحربين الأولى والثانية بعيداً عن إرادة شعوب المنطقة وخياراتها، ورغم الكم الهائل من الخسائر الفادحة التي منيت بها تلك القوى، إلا أنها لم تحقق الحد الأدنى لطموحاتها في تحويل تلك الكيانات إلى دول مواطنة يتمتع فيها الإنسان بحريته الكاملة في الرأي وتقرير المصير والعقيدة والانتما، ولعل تجارب لبنان وتركيا وإسرائيل هي الأكثر قرباً مما كانت تطمح إليه تلك القوى، إلا أنّها للأسف اصطدمت بإرث هائل من تراكمات قبلية ودينية ومذهبية جعلتها وبعد سنوات ليست طويلة في حقل الفشل الذريع، حيث تمزق لبنان بين القبائل والطوائف، بينما غرقت تركيا في عنصرية تسببت في مقتل وتهجير ملايين الارمن والكورد على خلفية مطالبتهم بأبسط حقوقهم الأنسانية والديمقراطية، وفي إسرائيل التي بشّرَ الكثير من مفكريها وسياسيي الغرب بأنها ستكون نموذج الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإذا بها تتحول إلى دولة دينية عنصرية مقيتة في تعاملها مع سكانها من غير اليهود.
في بقية دول الشرق الاوسط وبعد حقبة مريرة من الدكتاتوريات الحزبية والفردية ولمصالح إقليمية ودولية استطاعت النفوذ إلى داخل تلك الدكتاتوريات واختراق جدرانها الداخلية مستغلة العداء الشعبي لتلك الأنظمة ودعمها بشكل كبير وصل إلى مستوى استخدام القوة العسكرية، كما حصل في كل من إيران والعراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث تدخلت الدول العظمى بشكل مباشر في إسقاط هياكل تلك الأنظمة أو تدجينها ومن ثم الانتقال الى استساخ تجاربها الديمقراطية في مجتمعات لا تتقبل هذا النمط من الحياة لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها هنا، فقد ساد الهرج والمرج في برلمانات ما بعد الدكتاتوريات التي أسقطتها الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وغدت تلك البرلمانات مجالسا للقبائل والمذاهب والمال السياسي الداخلي منه والخارجي، في دول تحبو باتجاه تأسيس دولة للمواطنة تقوم على أعمدة الديمقراطية الغربية، في مجتمعات شرقية تعتمد في اسس بنيتها التربوية والاجتماعية على الرمز الفردي وحكمه، ابتداء من الأب ومروراً بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد، المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص عنترة بن شداد أو أبو زيد الهلالي أو الزعيم الأوحد أو ملك ملوك أفريقيا أو القائد الضرورة أو سلطان زمانه، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابهم التاريخية العظيمة برلمانات من نمط (أموافج- موافق) كناية بالتبعية المطلقة لرأي القائد والملك، كونهما يمتلكان سلطة الدنيا والآخرة.
واليوم بعد أن أزالت الولايات المتحدة وحلفائها هياكل تلك الأنظمة الشمولية، مدّعية أنّها تعمل من أجل إقامة نظم ديمقراطية على أنقاض تلك الخرائب، دونما إدراك للكم الهائل من الموروثات التربوية والاجتماعية والعقائدية والسياسية، في مجتمعات تعاني أصلاً من الأمية بشطريها الأبجدي والحضاري، وما تزال تعتبر القبيلة والعشيرة ورموزها أهم ألف مرة من الشعب والدولة، وكذا الحال بالنسبة للدين والمذهب حيث لا ينافسهما أي انتماء، والغريب أنها لم تدرك كيف ستكون مؤسساتها الدستورية والديمقراطية وآلية انتخاب أعضائها، وما حصل عندنا في العراق، وبالتأكيد هو ذاته في ليبيا واليمن وسوريا لاحقا وبقية دول المختبر الديمقراطي هو ذاته الذي كان يستخدمه من قبل زعماء الدكتاتورية وأحزابها، حيث يتم تجييش القبائل والعشائر والرموز الدينية والمذهبية، وبتمويل من الكتل والأحزاب لإيصال مجموعة من الأصنام إلى قبة البرلمان مقابل امتيازات مالية، وهذا ما حصل فعلاً منذ 2005 ولحد آخر انتخابات في العراق، حيث يذهب إلى تلك المقاعد مجاميع من الأشخاص الذين يدعمهم الحزب أو الكتلة بإسناد عشائري وديني أو مذهبي يذيب شخصية المرشح، بحيث لو أنه تجرأ وترشح بنفسه دونما دعم لتلك المؤسسات، لما حصل إلا على أصوات عائلته وبعض أقربائه.
ورغم إن الكثير يعول على انتخابات العراق المبكرة التي جاءت لأطفاء شعلة انتفاضة تشرين، الا ان الاليات والاحزاب والمؤسسات التي تستخدم في التحضير لتلك الانتخابات لا تبشر بتغيير جدي ومهم في طبيعة العملية السياسية، ولا اعتقد بأن البرلمان القادم سيختلف عن دوراته السابقة الا بهيمنة الفصائل المسلحة والميليشيات التي ستحيله الى (مجلس قيادة ثورة) جديد!
kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الشرق الاوسط والديمقراطيات المسخ
د. سفيان عباس -

احسنت ... صدقت التحليل الدقيق . لقد شخصت كعادتك مكامن الخلل في كيفية تجسيد العمل الديمقراطي لشعوب وحكومات الشرق الأوسط ... نعم فشلت معظم الكيانات السياسية والحكومات منذ تحرر بلدانها واستقلالها الصوري ابان القرن العشرين . ولعل علة العلل تكمن في الشعوب التي يسودها الجهل والتخلف حتى بين الأوساط الثقافية . فالغالبية منهم يخضع مرغما الى اهواء زعيم القبيلة ورجل الدين اللذان يشاطرونه الجهل والافق الضيق وانعدام مقومات الوعي الشامل . فلكل يهرول خلف مصالحه ابتداءً من المواطن والشيخ ورجل الدين وانتهاءً بالسياسي الذي افرزته هذه الارهاصات المزمنة . اذاً كيف تبنى وتترسخ متطلبات العمل الديمقراطي اسوة بالدول المتقدمة التي نقلت الينا القشور العفنة لمبادئ الديمقراطية فحسب ... حتى في زمن حكم الملكي للعراق كانت الديمقراطية مسخة . وهذا الوصف ينطبق بالضرورة على دول الجوار وباقي الدول العربية وإسرائيل أيضا ... فأن الخوض بتفاصيل الممارسات البهلوانية للديمقراطيات الوسطية تزكم الانوف . ففي العراق بعد عام 2003 لا تسمى ديمقراطية بل انها دكتاتورية على غرار الكاو بوي الامريكية . جماعات مسلحة منفلتة خارج السيطرة وميلشيات ولائية غير عراقية وساسة فاسدين وبعض المواطنين السذج المخدوعين بخزعبالات الهلوسة التاريخية . نعم انها ديمقراطيات مسخة يملأها السخام الأسود لا غير ..؟ وهذه الدوامة مخطط لها من الدول الاستعمارية بإتقان ... بورك قلمك اسد كوردستان البار

الديمقراطية المستوردة كنخلة تنمو ولكنها لاتثمر
خالد الدباغ -

تحياتي الخالصة للاستاذ كفاح على درر الكلام هذه ( مجتمعات تعاني أصلاً من الأمية بشطريها الأبجدي والحضاري، وما تزال تعتبر القبيلة والعشيرة ورموزها أهم ألف مرة من الشعب والدولة، وكذا الحال بالنسبة للدين والمذهب حيث لا ينافسهما أي انتماء، ) .علينا بدءا بناء شخصية المواطن المستقلة بعيدا عن الانتماءات اعلاه , وجعل الدين والمذهب مصدر قوة لا ضعف .. تذكرت مقولة لاحد السياسيين وصف فيها الديمقراطية الغربية المستوردة ( كنخلة ) تنمو في كل بقاع العالم ولكنها لاتثمر الا في الارض المناسبة .... تحياتي

الديمقراطية في الشرق الاوسط حلم بعيد المنال
مؤيد عبد الستار -

يجمل مقال الاستاذ كفاح معضلة تطبيق الديمقراطية في بلدان الشرق الاوسط ، ويستند في تحليله الى بديهيات منطقية هي السبب الاساس في عدم فسح المجال لاسلوب الحكم الديمقراطي في التطبيق ، وكما ورد في المقال ،فان الموروث القبلي والديني والاجتماعي يتحكم بالواقع السياسي واسلوب الحكم . ولا بأس ان نشير الى اشهر كتاب في اسلوب الحكم وهو كتاب الاستبداد للمصري عبد الرازق الذي شخص مبكرا وبشكل ممنهج اصول الاستبداد في الشرق الاوسط . لذلك تبقى الديمقراطية حلما بعيد المنال في مجتمعاتنا ولربما تنقرض بعض مجتمعاتنا ودولنا قبل ان تصل اليها الديمقراطية . فالذي يتخلف عن ركب الحضارة مصيره الزوال لامحالة . مع تحياتي للاستاذ كفاح على اثارته هذا الموضوع الحيوي للنقاش .

في تفكيرك اي ديمقراطيه حقيقية
حسين- العراق -

بتنا نشاهد العجائب باسم الديمقراطيه في عموم العالم يا سيد كفاح .... هل امريكا دولة ديمقراطيه ، وما شاهدناه في الانتخابات الامريكية خلال العقدين الماضيين دليل واضح على المسخ في الديمقراطيه ... وما نراه في بعض الدول الاوربية كذلك من حالات تلاعب وتزوير واستغلال ... وهل تطبيق الديمقراطية فقط في الانتخابات ام في احترام ارادة الشعوب وحريتها وعدم التدخل في شؤونها وفرض الارادة عليها ؟ لا بل اثارة الازمات لديها، وجعلها جزءا من صراعاتها السياسية مع الدول الاخرى ، مثلما تفعل امريكا وبعض الدول في تحجيم اية دولة لا تتماشى مع سياساتها واهدافها في صراعها مع روسيا والصين ؟ وهل ان فرض عقوبات على اية دولة او نظام من تلك الدولة او غيرها على الشعوب والحكام ، تسمي تلك الدولة ديمقراطية ؟؟؟ وهل سرقة ثروات الشعوب وتدمير بناها التحتية وادخالها في حروب وصراعات ، تسمي ذلك النظام ديمقراطي .... العجيب والغريب في الفكر باسم الديمقراطية ذات المعاني السامية ولكن استغلالها بشع يا اخي .... وما اوردته من امثله في مقالك خير دليل على الكذب والافتراء الذي تمارسه بعض الدول باسم الديمقراطيه لاضطهاد الشعوب .... الديمقراطيه الحقيقة ليست استيراد او بيع وشراء ، ولكنها تنبع من واقع كل شعب ومكوناته وارثه وتراثه الحضاري ولا تفرض من الخارج ...

الى أين
محمد سيف المفتي -

أستاذ كفاح!وضعت اصبعك على موضع الوجع. نعم العيب بالإرث الثقافي الثقيل والذي تسبب بقتل روح المواطنة والبحث عن المشتركات. أؤكد لك ثانية ولآخرين ان التشخيص صحيح. التشخيص صحيح. ومن حقي أن اسأل الجيل الذي سبقني اين الطبيب أين الممرض أين العلاج. ولا أريد جوابا يتعلق بمعاهدات فرضت علينا، ماذا فعلنا كشعب. ماذا فعل المثقف؟ ماذا قدم السياسي؟ ما هو رأي الفيلسوف؟ وبعد هذا كله من شمر ونزل في شوارعنا حاملا شمعة في وضح النهار. ببساطة لا ذنب للجاهل الذي لا يشعر حتى بجهله، الذنب ذنب المثقف والسياسي والمنظر... شعوبنا قابلة للتغيير لكن المؤسف نقص الإرادة والرغبة في التغيير من قبل اهل القرار على كافة المستويات.

الديمقراطية في الشرق الاوسط حلم بعيد المنال/2
مؤيد عبد الستار -

ان اعتماد مجتمعات الشرق الاوسط الغنية على تصدير النفط والحصول على عائداته الكبيرة خلق فئات طفيلية بامكانها فرض سيطرتها على المجتمع واحكام قبضتها على الحكم . بالاضافة الى كونها غير متعلمة - أمية - فانها تصر على العيش في تخلفها جيلا بعد جيلا اعتمادا على مقولات متوارثة تزيد الاميين تخلفا من قبيل المحافظة على تراث الاجداد والتمسك بالعادات والتقاليد البالية . لذلك يبقى حلم التغيير وتطبيق الديمقراطية بعيد المنال مع التحيات

نتمنى ان لا ترجع حليمة لعادتها القديمة
نضال -

مقال رائع استاذنا وكلام منطقي وتكلمت بالحقيقة التي يحاولون تغطيتها بمختلف الحجج والذرائع لكنها باتت مكشوفة وواضحه امام الجميع... ستجري الانتخابات كالعادة وستبرز على الساحة الاحزاب الاكثر قوة وهيمنة والسيطرة على مراسي الحمم ويبقى ضعيف السيطرة ومن يحاول تعديل الامور وتسييرها بصورة قانونية ترضي الجميع هذا سيوضع في اخر الصفوف ... وستكون الانتخابات مثل حليمة مهما حاولوا تعديلها تعود الى سابق عهدها ... لنعود ونقول رجعت حليمة لعادتها القديمة... مع تحياتي وتقديري

كائن غريب
يوسف سرحوكى -

الديمقراطية كائن غريب دخل منظومة الشرق الأوسط حيث هذا الكائن غير مرغوب فيه بل رفظه رفظا قاطعا كونه لا يطابق مع التراكمات الفكرية والأرث الموروث عبر أجيال متعاقبة لا تغير فيها والفشل رغم الفرض على تلك المنظومة المستعصية دخول ذلك الكائن الغريب في حقبا زمنيا معينا لان ولات أموريها الذين انتهجوا نهج الدكتاتورية المقيتة بشتى انواع الشعارات الدينية كانت أو قومية للسيطرة على أحاسيس ومشاعر العامة لتجيشيها لدعم دكتاتورياتهم حيث بنوا أسوارا منيعا صعبة تجاوزها إلا بقوة أقوى من تلك الاسوار لكسرها ، وتركوا بل منعوا بناء الإنسان كي لا يكون قابلا للتغير الإيجابي للتطور وألياته عبر قادم الزمن فبقى ذلك الفكر قابعا فوق صدور العامة تنهش وتقتل كل جميل ومفيد وتطفئ كل ومضة خير لذالك الجسد المهتري المسمى بالشرق الأوسط .دمت ودام نبضك استاذ كفاح