جلال الطالباني التراث المهدور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لم يكد الرئيس العراقي، والزعيم الكردي الراحل جلال الطالباني، يولي ظهره للحياة حتى سارع ورثته، الشرعيين وغير الشرعيين، إلى السطو على تركته المادية والمعنوية، دون أن يكترث أحد منهم بإحياء التقاليد والإرث السياسي والقومي الذي خلّفه، كزعيم ومناضل قارع أحد أكثر نظم الاستبداد العنصري إجراماً في تاريخنا المعاصر. كان ابنا الطالباني، اللذان نشأا وترعرعا في كنف جدهما في شوارع لندن، الأكثر تهافتاً للاستحواذ على التركة المادية والسلطوية لوالديهما دون أي اهتمام بنهجه السياسي، وراحا يستغلان اسم والديهما لانتزاع كل شرعية سياسية ممكنة وترهيب كل المنافسين المحتملين، ولاسيما رفاق درب الطالباني من الرعيل المؤسس الذين تقاسموا معه التضحيات خلال عقود النضال السياسي.
لم يسمح الطالباني في حياته لأي من أبنائه أو أقربائه من المشاركة في الحياة السياسية العامة أو استغلال مكانته لمآربهم الشخصية، وبخلاف عائلة البارزاني، نحى ابنيه( بافل و قباد) عن أضواء المسرح السياسي. ودفع بهما إلى خلف الأضواء ليحيا حياة عادية، مثل أي شابين عاديين. ذلك أن أحد التقاليد النقدية لجلال طالباني وحزبه لمنافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه حزب عائلي يرث أبناء البارزاني القيادة فيه وراثة عائلية، دون أن يكون هناك أي فضاء سياسي مشترك لاتخاذ وصناعة القرار السياسي فيه، أو الاعتراض. وهذا ما يتنافى مع النهج السياسي المعلن لطالباني وحزبه. ولم يكن الطالباني يخفي في جلساته الخاصة خيبة أمله الشخصية بقدرات وإمكانيات ولديه، اللذين نشأا نشأة مراهقين أوروبيين تماماً ويجهلان تماماً الحياة الثقافية والاجتماعية في كردستان، ولم يكن لديه أي أمل بإمكانية أن يلعبا دوراً سياسياً في الحياة العامة.
كان الاعتقاد السائد عشية رحيل الطالباني أن الرئيس الحالي برهم صالح، الذي كان نائبا له هو المرشح الأكثر حظوة لشغل المنصب في حال غياب الأخير. إلا أن هذا الاعتقاد سرعان ما تبدد مع تزايد حالة الاستقطاب داخل الحزب وبروز وجوه شابة من أسرة الطالباني اندفعت بقوة وحماسة نحو القبض على كل امتياز خلّفه الطالباني واحتكاره في أنفسهم.
في هذه الأثناء سطع نجم ابن أخ الطالباني، لاهور جنكي، القادم من المؤسسة الأمنية، الذي تبنى خطاباً سياسياً متشدداً نحو الحزب الديمقراطي الكردستاني وتفرد عائلة البارزاني بالثروة والسلطة في الإقليم. فضلاً عن دوره الملموس الداعم لوحدات حماية الشعب الكردية في مواجهة الميليشيات الإسلامية المدعومة تركياً في شمال سوريا، وبخاصة أثناء معركة تحرير ( كوباني) من احتلال داعش.
كانت شخصية لاهور جنكي أو طالباني وشعاراته المعلنة، هي الأقرب إلى مزاج وتطلعات قواعد حزب( اليكيتي) من جيل الشباب المناهض والمستاء من سلطة حزب البارزاني. وبدا أنه الأنسب ليشغل الفراغ الذي خلّفه الطالباني من بقية المنافسين، وهو الأمر الذي أثار حفيظة عدد من المحاربين القدماء، لاسيما القيادي المخضرم ملا بختيار، حمو بافل الطالباني. إلا أن سمعة ملا بختيار كانت آخذة بالسقوط الحرّ وراحت الثقة بدوره تتبدد في أوساط قواعد الحزب ورفاقه. ومع ذلك لم يتخل عن حلمه في زعامة الحزب واحتلال مكانة الطالباني وشرع بعملية ممنهجة في وضع العراقيل وإفساد عملية وصول لاهور جنكي وصعوده إلى زعامة الحزب، وذلك عبر دعم خفي وتنسيق مع قيادة الحزب الديمقراطي الخصوم الأشد رفضاً وعداءاً لتزعم لاهور طالباني قيادة حزب الطالباني، وبذلك شكل جبهة خصوم ومناوئين عريضة في مواجهة نفوذ وصعود لاهور جنكي، تضم حزب البارزاني، وقيادات من الرعيل الأول شعرت بأنها باتت خارج دائرة القرار السياسي ومهمشة، فضلاً عن ابني جلال الطالباني، قباد و بافل الذين ارتهنا تماماً لعائلة البارزاني وإرادتها في تسيير الأمور .
عمدت جميع الأطراف المتضررة من صعود نجم لاهور إلى تحريض ابني الطالباني( قباد وبافل) ضد نفوذ وشعبية ابن عمهم، وتغذية الشعور لديهما بأنهما الأحق بتركة والدهما من ابن عمهما. والحال أن قباد طالباني، الذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء مسرور البارزاني، بدا أضعف بكثير في أن يراهن أحد عليه، وظهر تابعاً طيعاً لرئيسه، وفقد بذلك الكثير من الشعبية والثقة في أوساط قواعد الحزب، التي وجدت فيه غير جدير أو مؤهل لتمثيل نهج والده السياسي ودوره. ساد هذا الانطباع في أوساط وقواعد حزب الطالباني مما عمق لديه الحس بالحنق والكراهية ضد لاهور.
واقع الحال أن شقيق قباد الأكبر( بافل الطالباني) المختال بعضلاته والمنهمك بتنميتها أكثر من عقله، والمفتون باستعراض قوته الجسمانية مثل أيّ( بودي غارد) في شارع لبارات لندن، هو الأقل اهتماماً بالشأن السياسي ودراية به، وبمقدار هذا الجهل بالسياسة لديه هوس جنوني بالسلطة والطغيان. إنه باختصار شغوف بأن يقدم نفسه ك( رامبو) من طراز كردي خاص، يستطيع أن يردع كل يقف بوجهه سواء باللكمات أو بالشتائم والبذاءات المعهودة عنه، حتى لم يسلم من سلاطة لسانه وسبابه( جد أطفاله) ملا بختيار.
كانت تركيا تراقب هذه التطورات بعين التوجس والقلق، و أظهرت عدم ارتياحها من مواقف حزب الطالباني بصورة عامة، و لاهور جنكي بصورة خاصة، إزاء تدخلاتها العسكرية في كردستان العراق وعلاقاته الوثيقة مع قوات سوريا الديمقراطية وقياداتها، حتى أن الرئيس التركي أردوغان لم يخف سخطه على دور ومواقف سلطة اليكيتي في السليمانية، حينما صرّح بغضب إن تنظيم PKK الإرهابي، بحسب وصفه، هو الذي يسيطر على مدينة السليمانية ملمحاً بذلك إلى تعاون وتعاطف قيادة حزب الطالباني، ولاهور بصورة خاصة، مع حزب العمال الكردستاني، الذي كان ينشط بحرية أكثر في مناطق إدارة حزب الاتحاد الوطني.
ما فاقم حنق تركيا وغيظها على لاهور جنكي وجناحه السياسي، هو رفضهم الحازم الانجرار مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وراء المخطط التركي في خلق صراع دموي( كردي/ كردي) ضد حزب العمال الكردستاني، مما يمنح تركيا الغطاء السياسي الشرعي في غزوها لأراضي إقليم كردستان واحتلاله، الأمر الذي أربك مواقف حكومة أربيل و وضعها في موقف حرج إزاء الرأي العام الكردستاني، بسبب صمتها ومنحها الذرائع للجانب التركي، علما أن قباد طالباني، نائب رئيس وزراء الإقليم، شارك في هذا التواطئ على النقيض من مواقف حزبه المعلنة. وكان لهذه المواقف الحاسمة الأثر الكبير في فشل المخطط التركي الهادف إلى خلق اقتتال دموي بين الكرد، ووضع الإقليم علِى حافة جحيم كارثي. من هنا شرعت تركيا بضرورة قذف كرة النار وجعلها تتدحرج في أروقة إدارة الاتحاد الوطني الكردستاني بأيدي أبناء الطالباني أنفسهم وجعلهم يسارعون في قتل أبيهم ودفنه مع تركته السياسية والرمزية بصورة نهائية. كانت تركيا تسعى، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى تغذية النزاع على السلطة بين أبناء العمومة ( بافل ولاهور) وتحريض الأول على الانقضاض على مراكز نفوذ الأخير وتجريده من صلاحيته مباشرة، وتراهن على خلق اقتتال دموي بين الجناحين يدفع بحزب العمال الكردستاني على الانخراط في الصراع، وحالئذ تستطيع أن تجد لنفسها المبرر للتدخل العسكري المباشر في مدينة السليمانية ومناطق إدارتها بزعم محاربة الإرهاب....الخ
إيران بدورها لم تقف على حياد في معركة النزاع على السلطة بين أبناء العمومة في منطقة حساسة تعدّ تاريخياً امتداداً لنفوذها الثقافي والسياسي والأمني في كردستان، إلا أنها تريثت قليلاً وإن كانت في حالة ترقب دائم، تنتظر خلاله ضعف الطرفين أو إضعاف أحدهما للآخر كي يستنجد بها وينصاع لها تماماً. وبطبيعة الحال لم يكن متوقعاً منها أن تقبل بخسارة نفوذها في مناطق الاتحاد الوطني الكردستاني لمصلحة الدور التركي وحلفائه بصورة نهائية، إنما أرادت بالدرجة الأولى إضعاف وتهميش لاهور جنكي وجناحه على يد منافسه، لاسيما وأن الأولى كان يتمتع بنوع من الاستقلالية الأمنية والسياسية نتيجة الدعم الأمريكي له بإزاء النفوذ الإيراني، وكذلك أشيع في أوساط السلطة والحرس الثوري الإيراني شبهة تعاون لاهور جنكي استخباراتياً مع الأمريكيين في عملية اغتيال قاسم سليماني. من هنا وجدت إيران مصلحة لها في اضعاف نفوذ لاهور جنكي وتهميشه، كي يظلّ الاتحاد الوطني هشّاً ومفككاً تحت قيادة ابني الطالباني( بافل وقباد) غير المؤهلين لقيادة حزب قوي، أو إعادة تأهيل دور ومكانة جلال الطالباني السياسية. هنا تستطيع إيران فرض بدائلها وخياراتها السياسية في المنطقة وتستطيع أن تحدّ من هيمنة النفوذ التركي في إقليم كردستان، وتحدث خرقاً وانقساماً في الإقليم الفدرالي المقسم أصلاً بين الحزبين، بأن تدفع منطقة نفوذ الاتحاد الوطني وكركوك نحو التبعية للتحالف الشيعي تماماً بعيداً عن تحالفاته القومية الكردستانية، وهو ما عجزت عن تحقيقه طوال عقدين من الزمن تقريباً.
مع المواجهة الأولى ظهر لاهور جنكي فاقداً للخبرة والوعي السياسيين اللازمين لإدراك المخاطر والتهديدات السياسية والتناقضات التي تحيط به، وبدا ماهراً في صناعة الأعداء أكثر من كسب الأصدقاء، وهذا ما جعل خصومه المختلفين يتحدون معاً في جبهة واحدة ضده، وينقلب عليه رهط المتملقين المحيطين به، ممن كانوا يهللون ويصفقون لمواقفه السياسية، بين ليلة وضحاها. كان لاهور جنكي، الأوفر حظاً للعب الدور الذي خلّفه الطالباني، رجل المواقف السياسية أكثر من كونه سياسياً محنكاً لإدارة الصراعات السياسية وكسب النفوذ. وما فاقم من حجم التحديات والمشاكل التي واجهها هو انخراط عدد كبير من أقاربه وأخوته في صفقات فساد سياسي تحت عباءة سلطته، وفي فترة قياسية أخذت الشبهات تحيط بمن حوله والمقربين منه.
لفترة غير قصيرة سيعربد خصوم طالباني على قبره بانتصارهم عليه بيد أبنائه وخلفائه، وليس بأيديهم، وهنا تكمن المفارقة المأساوية لنهايته. فقد فشلوا جميعاً طوال أكثر من نصف قرن من المكائد والعداوات القضاء عليه أو الانتصار وهو حيّ. سيمنون أنفسهم بالقضاء على تركته السياسية ونهجه وإعادة دفنه معها بازدراء شديد وشماته، إلا أن شبحه سيظل يحوم فوق رؤوسهم جميعاً ويشكل أرقاً دائما لهم من عودته.
التعليقات
اين الموضوعية
زاكروس عثمان -المقال فيه كثير من التحامل على ابناء الراحل جلال طالباني وعلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، والكاتب منزعج لان ابناء الطالباني قاموا بحركة تصحيحة داخل حزبهم وابعدوا التيار الموالي لايران عن مواقع صنع القرار في الحزب، ويبدو ان الكاتب منزعج من التعاون بين ابناء بارزاني وطالباني لبناء الاقليم لانه من جهة سياسة معادية لاقليم كوردستان العراق
تحامل لا مبرر له
زاكروس عثمان -المقال يمثل وجهة نظر حزبوية ضيقة فيه تحامل كبير على ابناء الراحل جلال طالباني
مقال ملئ
Sasan -مقالك ملئ يتحيز كعادة االماجورين لدفاع عن شخص برز كفقاعه و من بيتزا ديليفري الى سلطه و مال و قوة و محاط بامثال المدعو حسين بالمنافقين و تجار و مهربي مواد مخدره من دوله جاره الى كوردستان و العراق و ارسال قسم منها الى خارج عن طريق مطار المدينه و شركات النقل الدوليه . ولهذا فقد توازنه و اختل عقل لان ما مصدق نفسه بكل هذه الامكانات و المكانه الزائفه و اراد ان يتفرعن و يصبح الرجل الاول و قائد الاوحد للحزب ويعمل كش ملك و بحط الورثه على جنب و استيلاء على كل مناطق نفوذ الاتحاد لمصلحته و اعوانه من العصابات و المجرمين الذين اشتراهم بمال الحرام . ومن البديهي يكون هذا مصيره و سقوطه المدوي. و الايام القادمه سوف يكشف عن مزيد البلاوي و الفساد و المؤامرات .(((ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع..!))))
مقال من انصار لاهور
زارا -مقال لا معني له اطلاقا وفيه الكثير من المعلومات الخاطئة, محاوله يائسة من لاهور واخوانه وانصاره في صراعهم الحالي. قباد ظالباني ليس ضعيفا ابدا ولكن يبدو ان الكاتب لا يعترف الا بامثال لاهور من قياديي الاجهزة الامنية. بافل احمق, صحيح, ولكن المسالة ليست مسالة بافل وقباد ولاهور من الجهة الاخرى, المسالة مسالة ان السفينة التي يتعدد ربانوها, تغرق. جماعة لاهور بنوا سلطة حزبية فاسدة. قباد يحاول ان يبني اقليما ودولة. من الافضل لكردستان ان يكون لها قائد واحد, مهما كانت مساوئه, من ان يكون لها عدة قادة واحزاب متنافسه باسم الديمقراطية, ليقودوا كردستان للهاوية مثلما يحصل في لبنان.