العراق من الدولة المغلقة الى الدولة المنخورة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتذكر شعوب كثير من بلدان الشرق الأوسط وخاصةً في سوريا وليبيا والجزائر والسودان وإيران والعراق ما حدث بعد انقلاباتها السياسية خاصةً في عملية بناء المؤسسات العسكرية والأمنية، وما رافقها من غلق الدولة واقفالها لحساب أجهزة الامن والمخابرات وبقية المؤسسات التي تتحكم بالفرد وحياته الخاصة وعلاقاته وتضعه دوما محك شكوك حتى لمجرد علاقة عادية مع أي اجنبي في بلاده، وتجلى ذلك اكثر في النموذج العراقي للدولة المغلقة منذ ستينيات القرن الماضي حيث أطبق نظام الحزب الواحد من خلال أجهزة الأمن والاستخبارات والمخابرات وميليشيا الحرس القومي والجيش الشعبي على دائرة حركات ونشاط الفرد حتى في حياته الشخصية أو أي علاقة أو تواصل مع أجنبي داخل البلد حتى وإن كانت مع أولئك العاملين في المشاريع الحكومية الصناعية منها أو الزراعية، حيث تؤدي مثل هكذا علاقة إلى التحقيق والترهيب وربما التغييب، وبذلك أصبحت الدولة عبارة عن مستشفى مغلق للمصابين بأمراض وبائية يمنع اختلاطهم مع الآخرين، ناهيك طبعاً عن أمواج الأسئلة والتحقيق حينما يحاول المرء استصدار جواز سفر أو السفر للخارج.
لا نريد الدخول في تفاصيل تلك الحقبة المغلقة، لأننا كنا ننتظر أن يكون البديل مغايراً، لكن ما حصل بعد نيسان 2003 وباستثناء بعض الإكسسوارات، كان كارثياً حيث تحولت الدولة من دولة مغلقة إلى دولة منخورة، وتبين أن دودة الأرضة ليست لوحدها قادرة على نخر الأشجار، فقد أثبتت النظم السياسية الراديكالية وبالذات تلك التي أنتجتها الانقلابات تحت مسميات الثورة في معظم بلدان العالم الثالث سواء في أمريكا اللاتينية أو في كل من أفريقيا وآسيا، وبشكل متميز في دول الشرق الأوسط العربية منها والإسلامية منذ أن أطاحت بريطانيا وأمريكا وحلفائهما بتلك الأنظمة حيث تفوقت على الجميع في ظهور وانتشار دودة أرضة سياسية وعسكرية وأمنية في هياكل تلك الدول وخاصة التي انتجها الربيع العربي وابتلعتها الدول المحيطة بها، فقد كشفت عملية إماطة اللثام مؤخراً عن قتلة أحد الناشطين العراقيين، مدى هول حجم النخر الكبير والخرق المريب داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية التي تم إذابة معظم الميليشيات ذات الولاءات المختلفة في بوتقة المؤسستين اللتين يفترض أنهما تأسستا على ثوابت المواطنة والولاء للوطن والشعب وليس لحزب أو دين أو مذهب أو دولة أجنبية تحت أي ذريعة كانت، مما يؤكد أن إعادة تشكيل القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية بعد 2003، لم يعتمد على تلك الثوابت حيث انهارت المؤسستين في أول تحدٍّ لهما مع الإرهاب في حزيران 2014م، وسقوط ما يقرب من ثلثي أراضي العراق ومدنه تحت سيطرة منظمة تنظيم الدولة الإرهابية.
إن الدولة المغلقة التي انفجرت على نفسها، أنتجت لنا دول منخورة حتى العظم كما هي الحال اليوم في سوريا وليبيا والعراق من خلال عمليات الخرق التي قامت بها الأحزاب والميليشيات المتطرفة بشقيها السني والشيعي والتي تمّت إذابتها ودمجها مع المؤسستين العسكرية والأمنية حتى تلاشى الانتماء والولاء وتشتت ما بين تلك القوى على حساب مفهوم المواطنة والجيش والأمن الوطنيين اللذين يفترض أن يكونا فوق الانتماءات السياسية والدينية والمذهبية والمناطقية، بما يؤهلها أن تكون ممثلة لكل الشعب ومكوناته على اختلاف أطيافه وانتماءاته، وما يحصل اليوم هو نتاج صناعة قوى ميليشياوية لحماية النظام خارج المؤسسات السيادية المعروفة كالجيش والشرطة والامن الوطني، كما في الحرس القومي والجيش الشعبي في العراق وسرايا الدفاع في سوريا واللجان الشعبية في ليبيا والحرس الثوري في إيران ومؤخراً في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن ميليشيات مذهبية ذات ولاءات عابرة للحدود تحت ذات النهج في الشعار القومي (أمة عربية واحدة) ولكن بإيقاع ديني ومذهبي، يمنحها بعض صلاحيات الرب في الحكم بدلاً من الحكم باسم الأمة!
في النتيجة فشلت الدولة المغلقة حينما انفجرت عليها شعاراتها لكي تلد لنا دول منخورة بشعارات دينية مذهبية كما هي الان في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان وايران، وبقي الخلل الرئيسي في بنية هذه الدول المتعددة المكونات قوميا ودينيا ومذهبيا، والمتمثل في اقصائها للآخرين ومركزيتها لحساب مكون واحد مهما اختلفت الشعارات وطبيعة النظام الجديد الا انها تقاتل من اجل الهيمنة والتفرد ومركزة القرار والسلطة والمال بيد فئة واحدة مع اكسسوارات للزينة كما كانت سابقا، لكي تستمر حقبة تلد أخرى وتبقى حليمة في بلادنا على عادتها القديمة حتى قيام الساعة!؟
التعليقات
دول على حقول ألغام
باسل الخطيب -لن ينصلح حال مثل هذه الدول المصطنعة التي أقيمت على حقول من الرمال المتحركة والألغام، وعلى وفق معادلات تذكي العقد وتؤجج المشاكل.. وهكذا ستبقى تدور في دوامة الفشل والتخلف والتخبط حتى توقن مكوناتها عدم جدوى الاستمرار وضرورة نيل كل ذي حق حقه
العراق من الدولة المغلقة
د.سفيان عباس -احسنت اسد كوردستان ... انها أنظمة سياسية وعسكرية ولدت من رحم اللاشرعية وغير ديمقراطية . أنظمة دكتاتورية تسلطية قمعية تحت أسماء وعناوين مختلفة لا علاقة لها بالشعب في تكوينها ، ولهذا نجدها من اشد أعداء شعبها ومعارضيها . لو أجرينا قراءة سريعة لتاريخ هذه الدول التي اشرت اليها ( العراق ، سوريا ، ليبيا ، ايران ، اليمن ) وغيرها من دول ما يسمى بالربيع ، منذ تسلط هذه الزمر على مقاليد السلطة والحكم تتشابه في بناء الدول المغلقة وبعد ذاك المنخورة ، أي بمعنى دول بوليسية ودموية الى حد ما في ظل شعارات فكرية وايدلوجية مخادعة ومظللة ، ففي العراق الحالة واحدة لم تتغير منذ تأسيس الدولة العراقية ، شعارات قومية تارة وأخرى مذهبية تارة أخرى ، استطيع وصف هؤلاء الزمر بأنهم لصوص بامتياز لا علاقة لهم بالسلطة والحكم ولا في تلك الشعارات الفكرية والمذهبية والعقائدية بل انهم اساؤوا الى دياناتهم ومذاهبهم ، ولهذا نرى الفساد ينخر احشاء دولهم حتى النخاع ، لقد وظفوا شعاراتهم ، وعقائدهم من اجل الوصول الى هدف الفساد فحسب ، وجعلوا منها محط سخرية الشعوب المتحضرة ،نعم المنظومات الأمنية والعسكرية بعد عام 2003 وما قبلها عبارة عن خلايا نائمة ومخترقة من أحزاب تلك الزمر ... فأن مصير هؤلاء كما هو مصير ما قبلهم الى مزابل التاريخ لا محالة ـ هل من اقتداء للنظام السياسي في إقليم كوردستان ...؟ هل الاستفادة من القيادة الكوردستانية في كيفية إدارة شؤون الحكم والشعب ...؟ هل الأخذ بتجربة البيشمركة والاسايش في إقليم كوردستان من حيث الولاء والانتماء الى الوطن والشعب لا غيرهما ...؟ اعتقد انها الاستحالة بعينها ، فالعمل السياسي يتطلب رجال دولة تخرجوا من بيوتات عريقة يشار لهم بالبنان كل حين ...؟ عاش قلمك ابن كوردستان البار
ماذا عن الإقليم ..!!!
ناصر -يا سيادة المستشار الخاص ل مسعود بارزاني أين وصلنا في الإقليم من واحة الأمان الى اصطياد ابناء الوطن من الكتاب والصحفيين والنشطاء المدنيين..!!!!! من تحويل الإقليم من دوبي الى نصف وربع راتب. وانعدام الكهرباء والماء...!!!! من حرية الرأي والتعبير والديمقراطية الى محاسبة الناس بخصوص الفيس بؤك..!!!! من تطبيق العدالة والمساواة في توزيع الخيرات الى تسجيل رقم قياسي في الفساد الإداري ...!!! والحبل على الجرار ...!!!!!!!!
دولة الا دولة
محمد حميد رشيد -لم يعد بالامكان إستمرار بقاء الدول المغلقة ولا الدكتاتوريات لكن ما حدث بعد الإنهيار السياسي في 2003 لم يثمر عن دولة ولا حتى بقايا دولة والذي حدث محاولات لصناعة دولة مسخ منقوصة السيادة (بفعل وجود مراكز قوى أبتلعت الدولة) تعتقد أنها أقوى وأهم من كيان الدولة بلا قانون حاكم ملزم ولا حتى دستور محترم ومصان … لذا فكانت النتيجة أن أصبح العراق بلا دولة تفرض نفسها وقوانينها وسيادتها على الجميع !
العراق من الدولة المغلقة الى الدولة المنخورة
ديالا حسين -هذا المرض الذي تعاني منه بلداننا في الشرق الاوسط عموما لا نعرف للديمقراطية سبيلا مهما حاولنا ... ابدع كاتبنا واستاذنا في وصف الوضع العام للعراق حاليا واضم لوصفه سوريتنا الآن كيف باتت منخورة حتى النخاع ... سلمت يداك استاذ كفاح المبدع
تاريخ وواقع
جوتيار تمر -بلاشك استاذنا الفاضل : لإن استمرارية الانظمة في المنطقة بصورة عامة وفي العراق بصوة خاصة، على نمطية اشبه ما تكون في مضمونها بالحكم المطلق او مانسميه تاريخيا بالحق الالهي الذي خلق نظام الحاكم بأمر الله، اوجبت نمطاً سياسياً توارثها الحكام والسلاطين في العراق منذ بدايات تاريخيه، وذلك لن يتغير بمجرد تغير الايديولوجيات التي تحكم، فالاصل في المنظومة ان تتغير الشعوب، وان تعي الشعوب، وان تدرك الشعوب ما لها وماعليها، وان تساهم الشعوب في تحريك المنظومة السياسية، وهذا ما لن يحدث في العراق فالشعوب منقادة كالخراف وتساق الى حيت يريد السلطان، لانها في الاصل شعوب عاطفية يثير حماستها خطاب حقدي طائفي، او خطاب غيبي عاطفي لاعلاقة له بالممكن والواقع، ولا غير ذلك ، لذا الانظمة المغلقة والمنخورة في الوقت نفسه هي نتاج طبيعي لبنية المجتمع واستمرارية ليهكلتها ومنظومتها الشعبية.تقديري واحتراميجوتيار تمر