كتَّاب إيلاف

دولة النقيق السياسي!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من أبرز تداعيات اتفاقية سايكس بيكو وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية هو قيام مجموعة من دول وأنظمة خارج خيارات شعوبها التي رفضت تلك الاتفاقية ودخلت في صراع بيني نتيجة الادغام والدمج، كما توقع حينها أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في حفل توقيع تلك الاتفاقية، حيث قال: "
(إنكم توقعون على صراعات وعداوات تنتج بحور من الدماء في هذه الدول)، وفعلاً تحققت نبوءات ذلك الدبلوماسي الحصيف في السنوات الأولى لانبثاق تلك الممالك والدول وبدأت الصراعات والتنافسات التي عبر عنها ملك العراق الأول، حينما وصف المجتمعات العراقية قائلاً:
(لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت)
هذا الواقع المرير لم يكن حكراً على سكان بلاد النهرين في العراق وكوردستان، بل كان يشمل معظم بلاد الشام في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن بسبب التعددية القومية والدينية وعدم تبلور مفهوم جامع للمواطنة الحقة، حيث التفرد والإقصاء للمكونات الأصغر باستخدام القوة والعنف، حتى طلت على الجميع حقبة الانقلابات وجمهورياتها الدموية التي أنتجت دول النقيق السياسي وخطاباتها النارية وشعاراتها الطنانة ومزايداتها بقوت وحقوق الناس والمواطنة سواء بشعارات قومية تهييجية أو باستخدام وتوظيف الدين والمذهب والرب في تجارة سياسية مقيتة، وقد تجلى ذلك مع مطلع الستينيات حيث نجح ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي في تقديم ذلك الفلكلور القومي بصيغة مطورة لجمهور متهالك ومحبط وحالم بدولة مترامية من الخليج إلى المحيط، ينشد معاً نشيداً واحداً و يرفع رايات الثورة العربية من أقصى المشرق العربي إلى أقصى مغربه، دون أن يفقه ما وراء ذلك النقيق من شعارات براقة تدغدغ العواطف والغرائز وتسحق أمامها قيم الحضارة والتقدم الإنساني، فجاءت تجربتهم في العراق عام 1963 على أنقاض الجمهورية الأولى التي حاولت إنشاء دولة عراقية بعيدة عن ذلك الفلكلور السياسي، هذه التجربة التي أبدعت في إنشاء مدارس العنف وتكميم الأفواه والتفنن في عمليات الاغتيال والتصفيات وإنشاء العصابات الإيديولوجية التي ستحرر الأمة وتوحدها، وتقضي على العملاء والمتآمرين على مستقبلها من (الشيوعيين والأكراد والشعوبيين الشيعة) الذين يعيقون تطور وتقدم الثورة العربية وحزبها (الطليعي)، وهكذا وخلال أقل من عامٍ واحد نجح، ميشيل عفلق، في ترجمة وتطوير فكرة الغزو التي كانت منتشرة بين القبائل في الفلكلور السياسي والاجتماعي، وتحويلها إلى مجموعة من القوانين والنظريات الإيديولوجية والشعارات، حيث لم تمضِ فترة طويلة حتى أعلنت دولة البعث في العراق والتي تميزت بغزواتها الكبيرة شمالاً في كوردستان وشرقاً في ايران وجنوباً في الكويت، ناهيك عن أذرعها في لبنان وسوريا وإرتيريا واليمن والسودان لتأسيس قاعدة انطلاق نحو بناء مجتمع إيديولوجي يذيب ويصهر كل الأفكار والمعتقدات والقوميات والأديان والألوان في بوتقة فلسفة حزب واحد وقومية لا غيرها إلا تابعاً، وبذلك توج أصحاب النقيق السياسي فارسهم ملكاً لمشارق الأرض ومغاربها وشيخاً لكل الغزاة الباحثين عن أمجاد هولاكو، ليندفع هذه المرة بغزوته الأخيرة العارمة الكاسحة بجيشه الخامس محاولاً ابتلاع الكويت أرضاً وشعباً، لكن هذه المرة كانت اللقمة أكبر كثيراً من حلوقهم فاختنقوا وانكفئوا في حدود دولتهم ليصبوا جام غضبهم على مواطنيهم بعد هزيمتهم النكراء وفشل دولة النقيق التي أنتجت خلال أربعين عاماً أكثر من مليون قبر وما يقارب النصف مليون معاق جسدياً ونفسياً ومئات الآلاف من السراق والمنحرفين والانتهازيين والمتملقين والمختلسين وملايين من البشر تحت سقف الفقر المالي والعلمي والثقافي وآلاف مؤلفة من المستكينين ومثلهم ممن أدمنوا النقيق والجريمة والدعارة السياسية والارتشاء والسادية.
إن ما أنتجته دولة النقيق في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن ومن ماثلهم في الهرج والمرج السياسي، لم يتعدى إلا ما نراه اليوم من أفواج الأرامل واليتامى والمعاقين، وإنشاء دولة اللا دولة ضمن كيان الدولة لينخر فيها البؤس والتخلف والفقر والتقهقر المرعب في كل مناحي الحياة، والأخطر من كل ذلك إنها قتلت وبسبق الإصرار والترصد شيئاً اسمه المواطنة واغتالت احساساً اسمه الانتماء للوطن، لأنها وبجدارة فائقة أشاعت الرعب والإرهاب والخوف لدى الشعب من خلال أذرع ميليشياوية طائفية أو قبلية فتشتت وتشرذم الانتماء والولاء في زوايا ضيقة سواء قبلية أو مذهبية دينية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وداعا يا وطن
محمد سيف المفتي -

استاذي العزيز !لم تخلق اغلب مناشدات القوميين وابطال الامة وعلى مر التاريخ دولة مؤسسات حقيقية. استحوذت روح القبيلة في كل الانظمة لتقوض مؤسسات الدولة، وتقتل روح المواطنة ولا تجعل للمواطنين مشتركات الا على النطاق الضيق الذي يطرد المصلحة العامة ويركز على المصالح الخاصة.. ففعلا كما تفضلت وداعا يا وطن .

دولة النقيق السياسي
ديالا حسين -

عنوان المقال يشرح لك ما ستقراه من ابداع في سطوره ... وصف راقي لما حدث تماما في تاريخ هذه المنطقة من استبداد البعثيين الذي طال كل القوميات سواء في العراق او سوريا وما جرته اتفاقية سايكس بيكو الملعونة على شعوبها المضطهدة من قبل تماثيل مريضة طيلة عقود من القتل والاستبداد ... دام قلمك الراقي استاذ كفاح

من شعب بالقومية الى شعب متبرم بالدين
حسن صالح -

ان العالم الغربي والشرقي ادركوا بعد انتهاء الحرب العالمية بخلل انظمتهم وتوجهاتهم فبنوا دول امنة مزدهرة بعيدة عن الشعارات الدينية والقومية نحن خضنا تجربة مريرة في العراق تحت حكم ينادي بتوحيد الامة العربية تحت شعار العروبة وامة عربية واحدة ذات رسالة خالدة... ولما قمع هذا النظام اثر الاحتلال الامريكي اتوا بانظام اكثر رجعيا عن سلفه يتبنى افكارا راديكاليا وسياسيوا هذا النظام لا يلتقون في الفكر ولا في الاهداف الا في النوايا على تقسيم الكعكة حسب وصف حنان الفتلاوي .المشكلة ليس في تنوع المذاهب والاديان والاعراق فهنك دول ناجحة كامريكا فهي متعددة الاديان والاعراق ولكن الجميع يتبنون فكرة كيف تتطور امريكا وتبقى قوية عظمية لان لا احد يدعي بالمظلومية ويطلبون ثارات فليس فيها لا احفاد معاوية ولا يزيد وتحت شعار كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء .فافغانستان دولة مسلمة ولكنها فاشلة لانها تتبنى ايدلوجية دينية رجعية وكذلك ليبيا كلهم مسلمون وعرب ومن مذهب واحد ولكن لا يتطورون بالرغم من وفرة موارهم لانهم يفتخرون بامجاد فتوحات الماضي .فاحفاد القعقاع لايبنون دولة بل محاربون كاسلافهم.

البناء على اساس اللاانتماء
جوتيار تمر -

لايخفي على عاقل ومتبع للتاريخ ان الاعراب الذين كانوا هم مادة الاسلام كما قال الخليفة عمر بن الخطاب وحملة راية الفتوحات باعدادهم وتنوع نزاعاتهم وفكرهم القبلي المهيمن استطاعوا بعد احتلال البلدان والمدن وتمصير المدن ان يندمجوا مع المجتمعات القاطنة فيها السكان الاصليين، ولكنهم على الرغم من ذلك بقوا متمسكين بطباعهم القبلية التي كثيراً ما كانت تصطدم بالنص الديني سواء فيما يتعلق بلافرق بين عربي او اعجمي او فيما يتعلق اخذ الجزية من الموالي - الاعاجم - ممن اسلموا.. وبالتالي ثبت منذ تلك العصور قاعدة الشرخ وخرجت تيارات مناهضة كالشعوبية بالمنظور الاسلامي، والعديد من الفرق الاخرى، فزاد الشرخ ، وفي العصور الحديثة كان الصراع العثماني الصفوي سكينا اخراً حاداً استطاع باسم الديني القومي ان يزيد من الهوة والشرخ، لذا حين ارادوا بعد سايكس بيكو بناء دول قومية بنوها على خراب ديني قومي مذهبي لامنتمي، كل دين يرى بان له الحق، كل قوم يرون بانهم الاحق بالسلطة، كل مذهب يرى بانه الفرقة الناجية، لذا اللاانتماء كان الاصل في مادة البناء والمخاض هو ما نحن عليه الان.. وفي مقال لي قلت بأنه في الشرق الاوسط بالذات القومية لاتتوافق مع الوطنية.تقديري واحتراميجوتيار تمر

الشرق القديم حتى شمال افريقية كان تحت الاحتلال المسيحي / الفارسي المباشر يا قوم
العرب المسلمون حرروا شعوب المشرق القديم من الاضطهاد الديني والقمع -

المشرق القديم وحتى شمال افريقية كان تحت الاحتلال الروماني الغربي والاحتلال الفارسي الشرقي ، والعرب المسلمين حرروا شعوب هذه المنطقة من الاضطهاد الديني والاستغلال والقمع بشهادة آباء الكنايس والمؤرخين المنصفين ،ينقل ترتون في كتابه " أهل الذمة في الإسلام " شهادة بطريك " عيشو بابه " الذي تولى منصب البابوية حتى عام 657هـ:" إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون. إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية ، بل يمتدحون ملتنا ، و يوقرون قديسينا و قسسنا ، و يمدون يد العون إلى كنائسنا و أديرتناو كتب ميخائيل بطريرك أنطاكية: " إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل ، لينقذنا بواسطتهم من أيدي الرومانيين ، فهذه شهادات اناس منصفين لم يتغلغل الحقد الكنسي والتاريخي والشعوبي والعنصري الى قلوبهم وتعاملوا بموضوعية مع التاريخ على عكس الانعزاليين و الشعوبيين المشارقة المتكلسين الذين اعمى ابصارهم وبصيرتهم الحقد التاريخي او الشعوبي او الكنسي السرطاني ..

لماذا تلوم سايكس بيكو بدلا من أن تشكرهم ؟
فول على طول -

رسم الحدود عمل حضارى ولا يوجد دوله فى العالم بدون حدود الا الغابات ..العراق كان مجموعات متناثره من القبائل أو العشائر تحت حكم الدوله العثمانيه المتخلفه والارهابيه وعليكم أن تشكروا سايكس - بيكو بدلا من أن تلومونهم لأنهم اعتبروكم بشرا أسوياء مثل البشر وسوف تقيمون دوله بالمفهوم الانسانى المتعارف عليه ..ولا يوجد دوله فى العالم ذو عرق واحد أو ديانه واحده ولكن البشر يتعايشون فى سلام . يتبع

تابع ما قبله
فول على طول -

كل الدول الغربيه مثلا بها كل الأجناس وكل الديانات والجميع متساوون قولا وفعلا ..سويسرا على سبيل المثال بها ست لغات رسميه معترف بها .الهند حدث ولا حرج ويتعايشون ولكن تأتى المشاكل فقط من الذين أمنوا - والسيخ أو الهندوس نقلوا العدوى من الذين أمنوا - لكن بلاد المؤمنين من نفس الدين بل المذهب وبينهم أنهار دماء كما قال لكم الساده المعلقين من قبلى .

تابع ما قبله
فول على طول -

العراق السعيد بعد أن تخلص من الأقليات الكافره أصبح بها فقط جناحى خير أمه - الشيعه والسنه -وفى غنى عن التعريف ما بينهما من دماء ولا يوجد أى بادره فى الأفق أن تتوقف هذه الدماء . وهل كان ممكن ل سايكس بيكو أن يعمل دوله لكل عرقيه أو ديانه أو مذهب فى عراقكم السعيد ؟ يعنى دوله للشيعه وأخرى للسنه وأخرى للأكراد وأخرى للكلدان الخ الخ ؟ سيدى الكاتب هناك مرضان لا يمكن التخلص منهما وهما الاسلام والعروبه وكلاهما أخطر من السرطان فما بالك لو اجتمعا ؟ ربنا يشفيكم .

هيمنة العقلية البدوية
مؤيد عبد الستار -

ما تزال اغلب شعوب الشرق الاوسط - الخليج ، العراق ، الاردن - تعيش تحت سطوة العقلية البدوية ، وتنسلخ يوما بعد آخر عن المجتمع الدولي الذي يسير قدما نحو التطور السريع والتقدم العلمي ، بينما تعيش شعوب الشرق الاوسط في جلباب الخرافة والتخلف . وابسط الامثلة على ذلك اللجوء الى العلاج البدائي - بول البعير وحبة البركة - بدلا من الطب الحديث وقس على ذلك بقية الاشياء المعروفة للجميع مثل سيطرة الجن على البشر ورضاعة الكبير وهلما جرا . لذلك ستبقى عجلة التخلف تسحق هذه المجتمعات لعقود اخرى قادمة ولا حلول ناجعة في الافق . تحياتي

أمراض الذين أمنوا
فول على طول -

من الاأمراض المستعصيه هو : العروبه والاسلام والوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور المؤمنين - مرض المؤامره والغرب الكافر يتامر على الذين أمنوا ولذلك يجب التخلص منه أو كراهيته وهذا أضعف الايمان ولا تنسي اليهود أحفاد القرده والخنازير ويجب القضاء عليهم وبعد الانتهاء من الغرب الصهيونى الامبريالى وأعوانه لأننا نحن الأعلون وبعد ذلك يأتى موضوع القضاء على البطاله وحل مشاكلن الكن لا صوت يعلو الان ..يعنى الأيام هاتخلص ؟ الزمن باقى أمامنا طويل . ربنا يشفيكم يا بعدا .

خلق دول الإرهاب
Vian Najar -

مقال رائع بكل معانيه استاذ كفاح تحليل جميل ونظرة شاملة لترسبات وأخطاء ارتكبت ولم يدعوها في حساباتهم وقتها مع أحداثيات وتبعات سايكس بيكو وخلق دول فعلاً انتعش فيها الإرهاب وكان الدمار نصيب كل المواطنين فيها وصحة تنبأ الدبلوماسي الأمريكي عندما قال "إنكم توقعون على صراعات وعداوات تنتج بحور من الدماء في هذه الدول" . والفترة الأسوء بالتأكيد هي فترة حزب البعث لطوله وقسوة مسؤوليه فعلاً نجحوا في تكميم الألسن وعدم جرأة المواطنين بالتفوه بأبسط العبارات وأذرعهم طالت كل مكان لكن الجيد نهايتهم كانت بنفس قسوة تعاملهم مع الناس . ولليوم ليس هناك أمل للإصلاح لأن روح وعقل كافة الأجيال ومن يومها قد نالها الدمار والخراب . تحياتي وتقديري