أفخم النِعَم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ومَن قَصَدَ البحرَ استقلَّ السواقيا
أي أن قاصد البحر الكبير يزهد في السواقي الصغيرة، وكذلك قاصد جوهر الراحة يزهد في متطلباتها الصغيرة.
فما جوهر الراحة؟!
إلا إن جوهرها الطمأنينة التي تملأ الفؤاد بالرضا والسكِينة،فتجعل القليل كثيرا،والبعيد قريبا،والصعب سهلا،والوجع مثوبة،والابتلاء منحة
هي جوهر الحياة،ومن دون هذا الجوهر تكون الحياة مغامرة محكومة بما ينتابها،فإن غمرك الفرح فرحتَ،وإن غادرك تعستَ،وإن حل بك كدر انهرتَ،وما هذا بعيشٍ كريم!
بالطمأنينة تتأقلم مع حياتك، وترضى بكل ما يجري لك فيها رضا المؤمن القانع الممتلئ يقينًا بعدل مولاه.
الطمأنينة التي يودعها الله بعض القلوب نعمةٌ لا تضاهيها نعمة، ذلك هو الثراء الحقيقي الذي يُغبَط عليه أهله، وتشد القلوب له الرحال، وتسهر الأعين الليالي طمعًا في لقياه.
يعيش الإنسان حياته معارك عدة يخوضها في كل مكان.. معارك في الداخل والخارج، معارك في البيت وفي العمل، وعلى الصعيد النفسي والوجداني.. معارك مع الذات ومع الأهل والأبناء.
همومٌ يراكمها الإنسان فوق حياته، ليالٍ طويلات بأحلامها وأوهامها وأفراحها وأتراحها يحملها على عاتقه.
مسافاتٌ بعيدات يقطعها المرء لا تقاس بالأميال، بل بسهر الليالي والأيام.. يعيش على أملٍ بين حتى وليت، وحين يكبر المرء تكبر معه صراعاته ومعاركه، ينتصر في بعضها ويهزم في أخرى.
ليس بينه وبين الثبات سوى تلك الطمأنينة التي يغرسها الله في فؤاده، وتسكن قلبه، فيملأه الله باليقين حين يضطرب العالم من حوله بالشكوك، ويرزقه ثباتًا راسخًا حين تموج الأهوال بالجبال.
يغفل عن صغاره بعض الوقت، ثم يثور فزعًا عليهم، وإذ بهم وادعون في أمان الله ترعاهم عناية عينٍ لا تنام.
تلك الطمأنينة هي الجسر الوحيد بين الأرض والسماء، الطريق الذي لا يرهقه خوفٌ ولا وجل.
حين يعمر الله قلبك بالطمأنينة لن تزعزعك نوازل الدنيا كلها قيد أنملة، ولن يرجف قلبك وجلًا أو رهقًا.. ستكون ثابتًا رغم المحن، صابرًا رغم الألم، محتسبًا رغم مغريات الدنيا ومفاتنها.
وكما أن العافية تاجٌ على رؤوس الأصحاء، كذلك الطمأنينة تاجٌ على رؤوس الآمنين المطمئنين.
إن كانت لك أمنية تسعى إلى تحقيقها فاسأل الله السكينة والطمأنينة، فهما النعمتان اللاتي تختصران لك آلاف النعم، وتطويان في تضاعيفهما آلاف المنح.