معضلة المنصات الرقمية مع طالبان !
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لفت اعلان شركة فيسبوك، في يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر اب الماضي، حظر صفحات وحسابات حركة طالبان على منصتها، الانظار الى مشكلة جديدة يبدو انها لم تخطر على بال الكثيرين من الباحثين في مواقع التواصل بل وحتى حركة طالبان وفيسبوك على حد سواء.
فالقرار الذي اعلنت عنها الشركة، التي تضم عائلتها 3 مليار مستخدم، سيفتح شهية عدة اسئلة تتخطى العالم الرقمي وحدوده الافتراضية لتصل لتخوم السياسة وافاق الدبلوماسية والقرارات الدولية المرتبطة بها خصوصا ان من قامت الشركة بحظر تواجدهم على منصتها، قد اصبحوا ممثلين للحكومة الافغانية بصورة رسمية على ارض الواقع وامسى لهم تواجد على خريطة السياسة العالمية.
موقف شركة فيسبوك من الحركة كان غامضا، وغير واضح بدقة، على الرغم من انها كانت تصنف الحركة، في فترة معارضتها للحكومة الافغانية والتواجد الاجنبي، بانها منظمة خطرة! لكن متحدث باسمها اوضح بان الحظر جاء انسياقا مع القانون الامريكي! مع ان شركة تويتر، التي هي شركة اميركية ومن المفترض انها تلتزم بقوانينه، لم تحظر تواجد حسابات حركة طالبان، وقيادات الاخيرة يسرحون ويمرحون على المنصة بكل حرية.
وبعيدا عن حيثيات الحظر، وهل هو بقرار من وزارة الخارجية ام بقرار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، ام ان اميركا ضد طالبان باكستان ام طالبان افغانستان... وبغض النظر ايضا عن التصنيفات الثلاثة للحركات الارهابية والخطرة، في معايير فيسبوك وقواعدها، وتفاصيل هذا الموضوع الذي يحتاج لبحث تفصيلي.... فان قضية الحظر لها تداعيات ومساحات أخرى للحديث ربما تفتح لنا ازمة حول كيفية تعامل منصات الشركات الكبرى مع "حركة طالبان او غيرها" والتي تصبح ممثل "واقعي" لشعب ودولة ما قد تعترف بها الدول رسميا وتبقى معلقة افتراضيا بانتظار قرار من المنصات!.
تحليل مواقف المنصات الكبرى"فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتويتر وتيك توك" من الحركة سيلقي مزيدا من الضوء على ما يحدث في خريطة العالم الرقمي تجاه طالبان وما يمكن ان يترتب على هذه القرارات من نتائج تتشظى اصداءها على كافة الاصعدة التي قد يكون بعضها بعيد عن تصورات الباحث.
مجمل مواقف المنصات كان مختلفا، حيث لم يتم اظهار موقف موحّد تجاه الحركة، فشركة فيسبوك اعلنت رسميا انها ستحظر حسابات وصفحات الحركة ومن يدعمها او يروّج لها، وانها ستغلق ايضا اي حساب للحركة على تطبيق واتساب من خلال مراقبة صور الحسابات ووصفها، بل اغلقت فعليا حساب اعلنت عنه طالبان من اجل التبليغ عن حالات السرقة في كابول، ومع ذلك يبقى التعامل مع حسابات واتساب لانصار الحركة صعبا لان الشركة لاتستطيع الاطلاع على الرسائل بسبب خاصية التشفير ما يشكل عقبة بالنسبة للواتسات تمنعه معرفة مضمون مايتم تداوله لدى اعضاء طالبان .
واما شركة تويتر فقد كررت موقفها الرافض لاي محتوى يتضمن كراهية وعنفا او يحرض عليه ولم تجب عن تساؤل وكالة رويترز عن تعاملها مع حركة طالبان، ولذا تراها قد سمحت لحسابات وتغريدات الحركة في التواجد على منصتها للتغريد بكامل حريتها، وهو الامر الذي اغضب الرئيس السابق ترامب وقارن بينه وبين حظره!.
فالناطق باسم الامارة ذبيح الله مجاهد ينشر تغريدات بمعدل يومي ويتابعه اكثر من 355 الف مستخدم، ودكتور نعيم الناطق باسم المكتب السياسي للحركة لديه 246 الف متابع، وعضو الفريق المفاوض والمتحدث للاعلام الدولي محمد سهيل شاهين لديه 456 متابع، بالاضافة لحسابات قيادات اخرى وحساب امارة طالبان الرسمي، والتي تؤكد، جميعها، بشكل لا لبس فيه، ان الحركة تجد من منصة تويتر متنفسا لها في العالم الافتراضي.
واما بالنسبة لشركات اخرى مثل تيك توك ويوتيوب فقد كان موقفهما مشابه لموقف فيسبوك من ناحية حظر الحركة ومنصاتها، حيث اعلنت يوتيوب رسميا ان سياسة النشر لديها تقتضي عدم السماح لطالبان بالتواجد على منصتها وهو قرار ليس بجديد ويعود لسنوات سابقة.
الحقيقة المهمة التي علينا ادراكها والالتفات لها هي ان المنصات الرقمية الحالية "فيسبوك وتويتر ويوتيوب" لم تكن موجودة ابان حكم طالبان لافغانستان قبل اكثر من عقدين من الزمن (1996- 2001)، ولم تكن هذه المنصات مضطرة للتعامل معها ككيان يحكم رسميا دولة افغانستان، بل كانت تتعامل معها كمنظمة خطرة او ارهابية، واما الان وبعد ان استولت طالبان على السلطة واصبحت هي من تحكم البلاد، وممثلها الرسمي، فان الموقف قد تغير وظهرت فيه متغيرات جديدة قد تقتضي، بل يجب، اتخاذ قرارات جديدة من جانب المنصات فيما يتعلق بطالبان.
مبدئيا ان سجل طالبان التاريخي "الاجرامي" الذي لا نشك فيه، هو اهم اسباب موقف المنصات السلبي تجاههم وليس قرار الادارة الامريكية "غير الواضح" المتعلق بطالبان، لان شركة تويتر "الامريكية" لم تحظرهم، ما يعني ان قرار الادارة الامريكية غير مُلزم وتستطيع المنصات التنصل منه والتصرف بدلا من ذلك وفقا لمعاييرها الداخلية ومصالحها وقوانينها التي تفرضها على المستخدمين.
ووفقا لهذا الطرح، فان زوال سبب هذا الحظر، المتعلق بسلوكها الاجرامي السابق، يستدعي من المنصات ان ترفع الحظر عنها طالما انتفى سببه، وهو ما تحاول طالبان نفسها اقناع العالم به، والمتحدث باسمها اشار لذلك بكل وضوح حينما قال بان طالبان الان ليس طالبان قبل 20 عام.
ولو افترضنا ايضا ان بعض المنصات، كفيسبوك مثلا، قد استندت للقانون الامريكي وموقف الادارة من الحركة، فان هذا الموقف سيتم تقويضه والتراجع عنه اذا غيّرت الادارة الامريكية موقفها "المتذبذب" من الحركة، خصوصا مع وجود تصريحات امريكية تشي بان الاخيرة تراقب سلوكيات طالبان لكي يتم اتخاذ موقف بحقها، والذي سيصدر عاجلا ام اجلا بدون ادنى شك.
ان قضية موقف الشركات التكنولوجية الكبرى من حركة طالبان "سابقا" او حكومة طالبان "حاليا" يجب ان يستند الى معايير واضحة ومحددة تتعلق بسلوكها ومبادئها فيما يتعلق بالعنف والكراهية بعيدا عن المواقف والاحكام السياسية التي تُصدرها الولايات المتحدة الامريكية عن طالبان او غيرها من جهة ومزاج مدراء مواقع التواصل ومصالحها ومبرراتها الربحية من جهة ثانية.
ومن وجهة نظري ان مواقع التواصل الاجتماعي التي تحظر طالبان حاليا تتجاهل حقيقة "اخرى" تتمثل في رد فعل الحركة تجاهها، اذ قد تُقدم الأخيرة على حظر هذه المنصة او تلك في افغانستان طالما تشعر انها كحكومة محظورة من المنصة! فلا يوجد حينها اي فائدة من السماح لمواطنيها في افغانستان بالكتابة على المنصة وابداء ارائهم التي قد تكون ضد حكم طالبان اصلا بينما لا يستطيع من يحكم افغانستان الكتابة والتواجد فيها وبذلك ستخسر فيسبوك جمهورها ويخسر العالم مصدر اخباري مهم يدون ما يجري في أفغانستان "تحت حكم طالبان" من قبل مواطنيها.
العالم تغير الان وطالبان افغانستان امست، بحكم الامر الواقع، هي من تدير الدولة وممثلها الرسمي بعلم وموافقة الولايات المتحدة الامريكية التي تؤثر قراراتها في العالم الافتراضي والواقعي بشكل او باخر، ولذا يجب على هذه المنصات ادراك الواقع الجديد وقراءته على نحو صحيح والوعي بما يعنيه من دلالات وما يكشفه من معاني، تؤثر، من دون ادنى شك، في قراراتها فيما يتعلق بحظر او السماح لطالبان بالعودة لمنصاتها.